Page 1 of 1

الكلام في ضمة القبر وعدم ثبوتها

Posted: Sat May 31, 2025 10:12 am
by عود الخيزران
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في ضمة القبر وعدم ثبوتها


قال سماحة السيد المحّدث حسن السقاف: ضمة القبر عقيدة باطلة لا أساس لها من الصحة:

اعلم أنه قد انتشر بين الناس عامة فيما أذاعه الخطباء والوعاظ والقصاص والمدرسون الذين يحملون الغث والسمين دون أن يغربلوه !! أنه إذا وضع الميت في قبره فإنه يكون كما هو الآن في حالة حياته مدركاً عالماً باصراً سامعاً فيضغطه القبر ويضمه ضمة حتى تختلف فيها أضلاعه ولو نجا من ضمة القبر أحد لنجا سیدنا سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن ! هكذا يقولون !! وهو قول باطل فاسد !!

ونحن بدورنا يجب علينا أن نبين ذلك ونجلي أوجه فساد هذه العقيدة الباطلة فنقول وبالله تعالى

التوفيق:

الدليل على بطلان قضية ضمة القبر وخاصة للمؤمنين:

قال الله تعالى : بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: ۱۱۲ ، وقد ذكر الله تعالى في آيات كثيرة أن المؤمن من ساعة وفاته إلى ساعة دخوله الجنة لا يدخل عليه هم ولا خوف ولا حزن؛ وفكرة ضغطة القبر خوف كبير وهلع مستطير مناقض ومعارض لما هـو مقرر في القرآن الكريم، ومن تلك الآيات التي تبين البشرى والطمأنينة التي يجدها من ساعة وفاته قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل : ٣٢، وتفسير ذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن سيدنا كعب بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَهُ اللهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» رواه مالك في الموطأ (٥٥٦) واللفظ له وأحمد (٣/ ٤٥٥) وغيرهما وهو صحيح، وبمعناه تقريباً ما جاء أيضاً في صحيح مسلم (۱۸۸۷) عن سیدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه.

ولا يكاد قارئ القرآن يحصي الآيات التي فيها تبشير المؤمن الطائع بما له عند الله من الأجر والثواب والطمأنينة ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ البقرة : ٢٧٧.

۲) وقال الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) الجالية : ٢١.

في هذه الآية الثانية بين الله تعالى لنا أن المؤمن التقي لا يكون كالفاجر الشقي في حياته ولا في مماته؛ وبعموم هذا البيان نقول : يستحيل أن يتساوى المؤمن والكافر أو التقي والعاصي في أن كلاً منهما سيضمه القبر حتى تختلف أضلاعه وتزول حمائله !! والذي يؤكد هذا أيضاً قوله تعالى ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ القلم ٣٥-٣٧، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ من الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا له: ۱۱۲

(٣) وجاء في صحيح البخاري (۳/ ۲۳۲) ومسلم (۲۲٠١/٤) عن قتادة أنه قال : (وذكر لنا أنه يفسح له (أي للمؤمن) في قبره سبعون ذراعا وهو موصول من غير طريق قتادة عند الترمذي (۳/ ۳۸۳ برقم (۱۰۷۱) وابن حبان في صحيحه (۳۸۱/۷) والحاكم (۳۷۹/۱) وغيرهم).

ولم يذكر في هذه الروايات أنه يُضم القبر ويضغط على المؤمن بل ذكر أنه يُفسح له، فهذا يعارض أحاديث الضم !!

٤ ) أن صاحبي الصحيحين لما رويا قصة سيدنا سعد بن معاذ حذفا منها قضية ضغطة القبر وضمته وهذا يؤكد لنا أن هذه القضية مردودة ومعلة بنظرهما، وهو أمر معتبر عند أهل الحديث وخاصة إذا ضممناه لما قبله ولما بعده من الأدلة من تفنيد أحاديث الضم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

حجج من أثبت ضغطة القبر على المؤمنين !!:

احتج من أثبت عقيدة الضمة والضغطة بحديث النسائي (١٠٠/٤) عن ابن عمر مرفوعاً:

هذا الذي تحرك له العرش ( يعني سعد بن معاذ) وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألف ملك لقد ضم ضمة ثم فرج عنه )) رجاله ثقات إلا أنه مضطرب الأسانيد باطل المتن لأنه يعارض القرآن كما تقدم ولذلك أورده ابن الجوزي من بعض طرقه في الموضوعات)).

وروى أحمد (٤٠٧/٥) عن سيدنا حذيفة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فلما انتهينا إلى القبر قعد على شفته فجعل يردد بصره فيه ثم قال:

يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر ناراً .... الحديث وهو ضعيف منكر، قال الحافظ العراقي: رواه أحمد بسند ضعيف. [انظر شرح الإحياء ٤٢٢/١٠].

وروي أيضاً أن القبر ضغط بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب لما دفنت رضي الله عنها !! فقد جاء في رواية باطلة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء ليدفن ابنته زينب رضي الله عنها حزن وسئل عن ذلك فقال: كنت أذكر ضيق القبر وغمه وضعف زينب فكان ذلك يشق علي فدعوت الله أن يخفف عنها ففعل ولكن ضغطها ضغطة سمعها من بين الخافقين إلا الإنس والجن).

أقول: كيف استجاب وفعل ؟ ثم ضغطها هذه الضغطة ؟!! ما هذا التناقض ؟!! الذي يتعالى عنه مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي رواية أشد بطلانا من هذه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلس عند قبر ابنته رقية رضي الله عنها عند دفنها فتربد وجهه ثم سُرِّيَ عنه فسأله أصحابه عن ذلك فقال ذكرت ابنتي وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها، وأيم الله لقد ضُمَّتْ ضمَّة سمعها ما بين الخافقين»!!

ثم قال الزبيدي في شرح الإحياء)) (٤٢٣/١٠) بعد ذكر هذين الحديثين:

وقد عُرِفَ مما تقدم من الأخبار والآثار أن ضمة القبر لكل أحد فدخل فيه الصبيان الذين ماتوا صغاراً، ومما يشهد لذلك ما رواه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب أن صبيا دفن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو أفلت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي .... وروى عمر بن شبة في كتاب المدينة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما عفي أحد من ضغطة القبر إلا فاطمة بنت أسد

قيل : يا رسول الله : ولا القاسم ابنك، قال: ولا إبراهيم) وكان أصغرهما ] !!!

فانظروا كيف حصل الاضطراب والتناقض والتضارب في هذه الروايات ففي بعضها أن الذي ضم القبر عليها؛ رقية وفي بعضها زينب بنتا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكيف دعا أن يخفف عنها ومع ذلك ضُغِطَتْ ضغطة سمعها ما بين الخافقين !!

ومن العجب العجاب أن يحصل هذا في آل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وفي مناصريه ولا يحصل في بني أمية أعدائه كما لا يحصل في واضعي هذه الأحاديث الباطلة التالفة المهزولة !!

ولا ندري أين ذهبت شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم وأين ذهب قول الله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى الضحى: ٥ ؟!

وإذا كان هذا حال أبناء النبيين والمرسلين الأتقياء البررة الصالحين والصحابة الصادقين فما بالك بحال من بعدهم وحال أهل هذه الأعصار ؟!! وفي هذه العقيدة الباطلة تيئيس للمؤمن من رحمة الله تعالى ومن عفوه وإنعامه وكرمه !!! فوالله ما هذا إلا كذب مبين وافتراء على شريعة سيد المرسلين !!

وعلى كل حال أيضاً فهذه أحاديث آحاد ولا تثبت بمثلها عقائد !!! وخاصة أنها معارضة للقرآن !!

ولما رأى المروجون تهافت عقيدة الضغطة هذه وبطلانها أمام نصوص القرآن الكريم التي تقرر عدم دخول الخوف والفزع على المؤمنين من ساعة مماتهم وتضارب الأحاديث الواردة في ذلك وضعف أسانيدها؛ اخترعوا قضية أخرى ليلطفوا الجو في هذه المسألة فزعموا أن القبر يضم المؤمن كالأم الحنون بعدما قالوا إن المؤمن يُضْغط في القبر ضغطة تزول منها حمائله !!

قال الزبيدي [ في شرح الإحياء)) (٤٢٣/١٠)]:

روى ابن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال: كان يقال: إن ضمة القبر إنما أصلها أنها - أي الأرض . أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رُدَّ إليها أولادها ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب عنها ولدها ثم قَدِمَ عليها، فمن كان الله مطيعاً ضمته برأفة ورفق، ومن كان عاصياً ضمته بعنف سخطها منها عليه لربها. وروى البيهقي وابن منده والديلمي وابن النجار عن سعيد بن المسيب أن عائشة قالت:

يا رسول الله منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شيء، قال: يا عائشة أن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين !! وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز برأسه غمزاً رفيقاً، ولكن يا عائشة ويل للشاكين في الله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة ] وهو حديث مكذوب موضوع.
وهذا الذي حكاه الزبيدي هنا يخالف ما حكاه قبل ذلك بأسطر حيث قال:
قال أبو القاسم السعدي في كتاب (الروح له : لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح؛ غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغطة للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله في قبره ثم يعود إلى الإفساح فيه، قال: والمراد بضغطة القبر التقاء جانبيه على جسد الميت. وقال الحكيم الترمذي: سبب هذه الضغطة أنه ما من أحد إلا وقد ألم بخطيئة ما وإن كان صالحاً فجعلت هذه الضغطة جزاء لها ثم تدركه الرحمة ولذلك ضغط سعد بن معاذ في التقصير من البول انتهى.

أقول: وهذه الأقوال وأمثالها هراء لا ينبغي الالتفات إليها بعد وضوح أدلة القرآن الناصة على فكرة الأمان والاطمئنان والبشرى وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ البقرة: ۲۷۷، والله الهادي.

[ تنبيه]: ثم في إثبات العذاب والضغطة والهول والفزع ونحو هذه الأمور للمؤمن بعد موته نسبة الظلم الله تعالى وإثباته له !!! وهو أمر مستشنع ومرفوض شرعاً !! وتعالى الله سبحانه أن يظلم أحداً !!

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) يونس : ٤٤. وقال تعالى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف : ٤٩، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا النساء : ٤٠.

فإن قال قائل: وكيف يصاب الأطفال والأبرياء في الدنيا بالآلام والمصائب ؟!
قلنا: إنما يكون هذا الأمر في دار الدنيا لأنها دار امتحان واختبار وبلاء ويكون مقابل ذلك الثواب والتعويض !! أما بعد الموت فلا يصيب المؤمن من هموم الدنيا وآلامها ومصائبها شيء لأن الله وعد المؤمنين الذين عملوا الصالحات والأتقياء والمسلمين والأصفياء بذلك، ووعده سبحانه لا بد أن يتم والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) المائدة: ٩
وقال تعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم : ٦.
والدليل على أن لا كرب على المسلم من ساعة موته قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته السيدة فاطمة عندما حزنت عليه عندما علمت أنه سيموت فقالت: واكرب أباه. فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم» رواه البخاري (١٤٩/٨) وغيره. فافهم هذا ولا تنسه !!

والله تعالى أعلم.