الرد على من تعرض لكتابنا صحيح صفة الصلاة! نقد: (ما يقطع الصلاة)
مرسل: الاثنين نوفمبر 20, 2023 9:55 am
-الحلقه الثالثة -
في الرد والتعقب على (الشيخ هيثم) في انتقاده لكتابنا (صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم):
أورد (الشيخ هيثم) صحيفة (97) من رسالته مسألة (ما يقطع الصلاة) فنقل عن الألباني أنه يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود.
ونقل عن العبد الفقير أن (الصحيح لا يقطع الصلاة مرور شيء أمام المصلي).
ورجح قول الألباني قائلا ص (100):
(بعد القراءة والتتبع والبحث في المسألة وجدت أن ما قال به الشيخ الألباني أقوى وأحوط لأن الحديث صحيح صريح ولا مقاوم له يعارضه بنسخه، وكل ما استدل به القائلون بأن الصلاة لا يقطعها شيء مردود عليه)!!
أقول: والقائلون المعارضون له هم عامة أصحاب النبي والتابعين وجمهور الأمة فهذا الجهبذ يرى بأن كلامهم مردود عليهم!
وما ذهب إليه يدل على قصور الأفق العلمي وضعف النظر إلى المسائل الشرعية نظرة عميقة! ولنشرع في تعقبه مجملاً فنقول:
احتج القائلون بالمنع بحديثين:
أولهما: ما رواه مسلم في صحيحه (511) قال: وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا المخزومي حدثنا عبد الواحد وهو ابن زياد حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل).
قلت: إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه لم يعمل بهذا الحديث الذي رواه! وعنده لا يقطعها إلا الكلب الأسود كما في سنن الترمذي (338). وسبب هذا أن الحديث ضعيف بسبب ضعف وجهالة حال عبيد الله بن عبد الله بن الأصم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: (مقبول) أي أنه ضعيف. وبعد استقراء المطولات وجدناه كذلك. وهذا الحديث مخالف لما عليه أئمة العترة، وكذلك مخالف لقول عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين كما قال الترمذي في سننه (337). وأمر الصلاة من الأمور المعروفة الظاهرة عند الصحابة والتابعين من أهل الإسلام فيبعد أن يكون قطع الصلاة بالثلاثة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون بخلافه ولا يكون معلوماً عندهم. فالحديث من بابة الشاذ المردود لأنهم لم يعملوا به وللأسباب التي ذكرناها، وسيأتي مزيد تفصيل وتحقيق حولها.
والثاني: ما رواه مسلم أيضاً (510): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسمعيل ابن علية قال ح و حدثني زهير بن حرب حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود). قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان).
وفي إسناده ابن الصامت. قال الذهبي في المغني في الضعفاء (3219): [عبد الله بن الصامت عن عمه ابي ذر صدوق ومنهم من لم يحتج به]. وما يقال في الحديث الذي قبله يقال في هذا.
وقد عارض هذان الحديثان جملة أحاديث صحيحة في الصحيحين تأتي إن شاء الله تعالى، والبخاري أعرض عن هذين الحديثين فلم يخرجهما في صحيحه وأخرج ما يعارضهما عن السيدة عائشة.
ومن المعلوم أن بيوت المسلمين مملوءة بأزواجهم وبناتهم وجداتهم وأمهاتهم وعماتهم وخالاتهم ونحوهن فقطع الصلاة بمرور هؤلاء فيه حرج كبير ومشقة وهو مخالف لما عليه عامة الصحابة والتابعين وعلماء هذه الأمة.
وقد عارض هذين الحديثين أحاديث عديدة في الصحيحين وغيرهما وفيها إنكار من الصحابة رضي الله عنهم على هذا القطع.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/356):
[وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: أن الأحاديث إذا تعارضت نظر إلى ما عمل به الصحابة فيرجح، وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، وقد روي ذلك عن الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم. وقد سلك هذا أبو داود في سننه، وهو من أجل أصحاب الإمام أحمد.
وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، وانه ليس المراد به إبطال الصلاة وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها، وهذا هو الذي قاله الشافعي في رواية حرملة، ورجح هذا الخطابي والبيهقي وغيروهما من العلماء.
وقد تعرض عليه بأن المصلي قد يكون أعمى، وقد يكون ذلك ليلا بحيث لا يشعر به المار ولا من مر عليه، والحديث يعم هذه الأحوال كلها].
والعجيب الغريب أن (الشيخ هيثم) أجاب عن حديث السيدة عائشة الذي فيه أنها كانت نائمة معترضة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين القبلة وهو يصلي أنها لم تمر مروراًً من أمامه وأن المرأة إن مرت من أمام المصلي تقطع الصلاة أما إذا كانت أمامه مضطجعة أو نائمة أو جاثمة غير متحركة لا تقطع الصلاة!
وهذا عجيب وغريب ومضحك أيضاً! كائنا من كان القائل به!
وقد نقل عن ابن خزيمة ـ وابن خزيمة في الأمور الدقيقة العقائدية والفقهية لا عبرة بقوله فله طامات في كتابه التوحيد حتى اعترف بأنه لا يتقن هذه الصناعة ـ أنه قال في صحيحه:
[إنما أراد أنَّ مرور الكلـب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي، لا ثوى الكلـب ولا ربضـه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلي وعائشـة إنمـا أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النبي - صلى االله عليه وسلم - وهـو يصلي لا أنها مرت بين يديه].
وهذا الكلام وإن كان من السخف بمكان فهو ليس بحجة ولا عيرة به لمخالفته الأدلة التي ربما لم ينتبه لها (الشيخ هيثم) ولم يعرها بالاً! أو أعرض عنها شغفا بنصرة الألباني، وإليكم بعض ما يتعلق بذلك:
أولاً: روى البخاري (514) ومسلم (512) عن السيدة عائشة رضي الله عنها ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة. فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنسل من عند رجليه.
فقولها (فأنسل) يعني أنها تحركت أمامه ومع ذلك لم تبطل الصلاة.
ثانياً: فهم السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الصحابية الفقيهة المتلقية مباشرة عن رسول الله والفاهمة المعايشة لهذا الحدث ولم ينبهها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يفيد انقطاع الصلاة. فأنكارها على من قال بأنه يقطع الصلاة مرور هذه الثلاثة مقدم على فهم ابن خزيمة وغيره.
ثالثاً: من علل الأمر بأن المرأة مظنة الشهوة عندما تمر مروراً، جوابه: هل مظنة الشهوة في كونها مارة كونها مضطجعة أو جاثمة ؟!
رابعاً: قول الترمذي في سننه (337): [.. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا لا يقطع الصلاة شيء..].
فيبعد جداً أن لا يطلع أكثر الصحابة والتابعين على أمر مشهور عام مثل الصلاة فيعتمدون أنه لا يقطعها شيء ويكون الصواب بخلافهم. هذا مستبعد جداً.
خامساً: روى البخاري (76) ومسلم (504) عن ابن عباس أنه قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد.
هنا تبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت بين يديه سترة. واحتجاجه بأن سترة الإمام سترة من خلفه باطل هنا لأن الإمام هنا لم تكن لديه سترة.
سادساً: وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قال: أتيت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم بعرفة، وهُو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه.
رواه البزار (4951) بسند صحيح بهذا اللفظ. وصححه العراقي والعيني. ورواه أيضاً عبد الرزاق (2/28) والطبراني في الكبير (11/100) وابن خزيمة في صحيحه (2/25)
سابعاً: عن أبي الصهباء قال: كنا عند ابن عباس فذكرنا ما كان يقطع الصلاة فقالوا الحمار والمرأة. فقال ابن عباس: لقد جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب مرتدفين على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في أرض خلاء فتركنا الحمار بين أيديهم ثم جئنا حتى دخلنا بينهم فما بالى بذلك.
رواه ابن حبان في صحيحه (6/142).
ثامناً: وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الصلاة شيء).
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (20203): رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.
تاسعاً: وروى مالك في الموطأ (371) بسند صحيح أن عبد الله بن عمر كان يقول: (لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي).
عاشراً: عن الفضل بن العباس قال زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عباساً في بادية لنا ولنا كليبة وحمارة ترعى فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العصر وهما بين يديه فلم يزجرا ولم يؤخرا.
رواه أحمد (4/229)، والنسائي (753) وأبو داود (718)، وغيرهم. وقد حسن إسناد أبي داود النووي في المجموع (3/ 212). قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (3/355): [ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وثقه الدارقطني وغيره. وعباس بن عبيد الله بن عباس، روى عنه أيوب السختياني مع جلالته، انتقاده للرجال، حتى قال أحمد: لا تسأل عمن روى عنه أيوب. وذكره ابن حبان في الثقات].
حادي عشر: روى أحمد (5/144) بسند حسن عن الحسن العرني قال: ذكر عند ابن عباس يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة. قال: بئسما عدلتم بامرأة مسلمة كلباً وحماراً، لقد رأيتني أقبلت على حمار ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس حتى إذا كنت قريباً منه مستقبله نزلت عنه وخليت عنه، ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته ولا نهاني عما صنعت. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس فجاءت وليدة تخلل الصفوف حتى عاذت برسول الله صلى الله عليه وسلم فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ولا نهاها عما صنعت. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد فخرج جَدْيٌّ من بعض حجرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب يجتاز بين يديه فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن عباس: أفلا تقولون الجدي يقطع الصلاة ؟.
ثاني عشر: قال الإمام الشافعي في اختلاف الحديث ص (97):
[فإن قال قائل: فقد روي أن مرور الكلب والحمار يفسد صلاة المصلي إذا مرا بين يديه , قيل: لا يجوز إذا روي حديث واحد أن رسول الله قال: (يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار) , وكان مخالفا لهذه الأحاديث , فكان كل واحد منها أثبت منه , ومعها ظاهر القرآن أن يترك إن كان ثابتاً , إلا بأن يكون منسوخا , ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر , ولسنا نعلم الآخر , أو يرد ما يكون غير محفوظ , وهو عندنا غير محفوظ ؛ لأن النبي صلى وعائشة بينه وبين القبلة , وصلى وهو حامل أمامة يضعها في السجود , ويرفعها في القيام , ولو كان ذلك يقطع صلاته لم يفعل واحدا من الأمرين , وصلى إلى غير سترة , وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث ؛ لأنه حديث واحد , وإن أخذت فيه أشياء. فإن قيل: فما يدل عليه كتاب الله من هذا ؟ قيل: قضاء الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى والله أعلم , إنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره , وأن يكون سعي كل لنفسه وعليها , فلما كان هذا هكذا , لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره].
الثالث عشر: قال الحازمي في الناسخ والمنسوخ ص (76):
[وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَيَكُونُ بَعْدَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ بِمُدَّةٍ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُبَيْدَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ].
الرابع عشر: وفي نقض أن الكلب الأسود شيطان: قال الحافظ العراقي في طرح التثريب (3/200):
[ويعارض هذا صلاته صلى الله عليه وسلم إلى البعير. كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وقد صح عنه أنه قال في الإبل (أنها خلقت من الجن) وفي حديث آخر (على ذروة كل بعير شيطان) ومع ذلك فقد صلى إليها بل قد مر نفس الشيطان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يقطع صلاته بل خنقه وهو في الصلاة كما ثبت في الصحيح فدل على أن المراد اتقاء ما يشغل المصلي].
الخامس عشر: قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (3/91):
[ولكن روى البخاري ومسلم من حديث { عون بن أبي جحيفة عن أبيه , قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح , فقام , فتوضأ , وأذن بلال , ثم ركزت له عنزة , ثم قام , فصلى العصر ركعتين , يمر بين يديه: الحمار والكلب لا يمنع , ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى دخل المدينة , مختصر } , فظاهر هذا اللفظ أن الكلب والحمار مرا بين يديه دون السترة , إذ لا يقال: مر بين يديه كذا , لشيء يمر من وراء السترة , والله أعلم].
هذا وفي المسألة كلام آخر تركته الآن لوقت آخر، لعلنا نعود إليه إن شاء الله تعالى، ومنه يتبين ضعف ما ذهب إليه الألباني وما رجحه (الشيخ هيثم) وهما يريدان أن يغلطا جمهور الأمة والصحابة والسلف اعتمادا على كلام ابن القيم وابن عثيمين وأمثالهما. والله الموفق.
_________________________
في الرد والتعقب على (الشيخ هيثم) في انتقاده لكتابنا (صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم):
أورد (الشيخ هيثم) صحيفة (97) من رسالته مسألة (ما يقطع الصلاة) فنقل عن الألباني أنه يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود.
ونقل عن العبد الفقير أن (الصحيح لا يقطع الصلاة مرور شيء أمام المصلي).
ورجح قول الألباني قائلا ص (100):
(بعد القراءة والتتبع والبحث في المسألة وجدت أن ما قال به الشيخ الألباني أقوى وأحوط لأن الحديث صحيح صريح ولا مقاوم له يعارضه بنسخه، وكل ما استدل به القائلون بأن الصلاة لا يقطعها شيء مردود عليه)!!
أقول: والقائلون المعارضون له هم عامة أصحاب النبي والتابعين وجمهور الأمة فهذا الجهبذ يرى بأن كلامهم مردود عليهم!
وما ذهب إليه يدل على قصور الأفق العلمي وضعف النظر إلى المسائل الشرعية نظرة عميقة! ولنشرع في تعقبه مجملاً فنقول:
احتج القائلون بالمنع بحديثين:
أولهما: ما رواه مسلم في صحيحه (511) قال: وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا المخزومي حدثنا عبد الواحد وهو ابن زياد حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل).
قلت: إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه لم يعمل بهذا الحديث الذي رواه! وعنده لا يقطعها إلا الكلب الأسود كما في سنن الترمذي (338). وسبب هذا أن الحديث ضعيف بسبب ضعف وجهالة حال عبيد الله بن عبد الله بن الأصم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: (مقبول) أي أنه ضعيف. وبعد استقراء المطولات وجدناه كذلك. وهذا الحديث مخالف لما عليه أئمة العترة، وكذلك مخالف لقول عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين كما قال الترمذي في سننه (337). وأمر الصلاة من الأمور المعروفة الظاهرة عند الصحابة والتابعين من أهل الإسلام فيبعد أن يكون قطع الصلاة بالثلاثة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون بخلافه ولا يكون معلوماً عندهم. فالحديث من بابة الشاذ المردود لأنهم لم يعملوا به وللأسباب التي ذكرناها، وسيأتي مزيد تفصيل وتحقيق حولها.
والثاني: ما رواه مسلم أيضاً (510): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسمعيل ابن علية قال ح و حدثني زهير بن حرب حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن يونس عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود). قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان).
وفي إسناده ابن الصامت. قال الذهبي في المغني في الضعفاء (3219): [عبد الله بن الصامت عن عمه ابي ذر صدوق ومنهم من لم يحتج به]. وما يقال في الحديث الذي قبله يقال في هذا.
وقد عارض هذان الحديثان جملة أحاديث صحيحة في الصحيحين تأتي إن شاء الله تعالى، والبخاري أعرض عن هذين الحديثين فلم يخرجهما في صحيحه وأخرج ما يعارضهما عن السيدة عائشة.
ومن المعلوم أن بيوت المسلمين مملوءة بأزواجهم وبناتهم وجداتهم وأمهاتهم وعماتهم وخالاتهم ونحوهن فقطع الصلاة بمرور هؤلاء فيه حرج كبير ومشقة وهو مخالف لما عليه عامة الصحابة والتابعين وعلماء هذه الأمة.
وقد عارض هذين الحديثين أحاديث عديدة في الصحيحين وغيرهما وفيها إنكار من الصحابة رضي الله عنهم على هذا القطع.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/356):
[وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: أن الأحاديث إذا تعارضت نظر إلى ما عمل به الصحابة فيرجح، وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، وقد روي ذلك عن الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم. وقد سلك هذا أبو داود في سننه، وهو من أجل أصحاب الإمام أحمد.
وسلك آخرون مسلكا آخر، وهو: تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، وانه ليس المراد به إبطال الصلاة وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها، وهذا هو الذي قاله الشافعي في رواية حرملة، ورجح هذا الخطابي والبيهقي وغيروهما من العلماء.
وقد تعرض عليه بأن المصلي قد يكون أعمى، وقد يكون ذلك ليلا بحيث لا يشعر به المار ولا من مر عليه، والحديث يعم هذه الأحوال كلها].
والعجيب الغريب أن (الشيخ هيثم) أجاب عن حديث السيدة عائشة الذي فيه أنها كانت نائمة معترضة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين القبلة وهو يصلي أنها لم تمر مروراًً من أمامه وأن المرأة إن مرت من أمام المصلي تقطع الصلاة أما إذا كانت أمامه مضطجعة أو نائمة أو جاثمة غير متحركة لا تقطع الصلاة!
وهذا عجيب وغريب ومضحك أيضاً! كائنا من كان القائل به!
وقد نقل عن ابن خزيمة ـ وابن خزيمة في الأمور الدقيقة العقائدية والفقهية لا عبرة بقوله فله طامات في كتابه التوحيد حتى اعترف بأنه لا يتقن هذه الصناعة ـ أنه قال في صحيحه:
[إنما أراد أنَّ مرور الكلـب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي، لا ثوى الكلـب ولا ربضـه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلي وعائشـة إنمـا أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النبي - صلى االله عليه وسلم - وهـو يصلي لا أنها مرت بين يديه].
وهذا الكلام وإن كان من السخف بمكان فهو ليس بحجة ولا عيرة به لمخالفته الأدلة التي ربما لم ينتبه لها (الشيخ هيثم) ولم يعرها بالاً! أو أعرض عنها شغفا بنصرة الألباني، وإليكم بعض ما يتعلق بذلك:
أولاً: روى البخاري (514) ومسلم (512) عن السيدة عائشة رضي الله عنها ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة. فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنسل من عند رجليه.
فقولها (فأنسل) يعني أنها تحركت أمامه ومع ذلك لم تبطل الصلاة.
ثانياً: فهم السيدة عائشة رضي الله عنها وهي الصحابية الفقيهة المتلقية مباشرة عن رسول الله والفاهمة المعايشة لهذا الحدث ولم ينبهها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يفيد انقطاع الصلاة. فأنكارها على من قال بأنه يقطع الصلاة مرور هذه الثلاثة مقدم على فهم ابن خزيمة وغيره.
ثالثاً: من علل الأمر بأن المرأة مظنة الشهوة عندما تمر مروراً، جوابه: هل مظنة الشهوة في كونها مارة كونها مضطجعة أو جاثمة ؟!
رابعاً: قول الترمذي في سننه (337): [.. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا لا يقطع الصلاة شيء..].
فيبعد جداً أن لا يطلع أكثر الصحابة والتابعين على أمر مشهور عام مثل الصلاة فيعتمدون أنه لا يقطعها شيء ويكون الصواب بخلافهم. هذا مستبعد جداً.
خامساً: روى البخاري (76) ومسلم (504) عن ابن عباس أنه قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد.
هنا تبين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت بين يديه سترة. واحتجاجه بأن سترة الإمام سترة من خلفه باطل هنا لأن الإمام هنا لم تكن لديه سترة.
سادساً: وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قال: أتيت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم بعرفة، وهُو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه.
رواه البزار (4951) بسند صحيح بهذا اللفظ. وصححه العراقي والعيني. ورواه أيضاً عبد الرزاق (2/28) والطبراني في الكبير (11/100) وابن خزيمة في صحيحه (2/25)
سابعاً: عن أبي الصهباء قال: كنا عند ابن عباس فذكرنا ما كان يقطع الصلاة فقالوا الحمار والمرأة. فقال ابن عباس: لقد جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب مرتدفين على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في أرض خلاء فتركنا الحمار بين أيديهم ثم جئنا حتى دخلنا بينهم فما بالى بذلك.
رواه ابن حبان في صحيحه (6/142).
ثامناً: وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الصلاة شيء).
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (20203): رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.
تاسعاً: وروى مالك في الموطأ (371) بسند صحيح أن عبد الله بن عمر كان يقول: (لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي).
عاشراً: عن الفضل بن العباس قال زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عباساً في بادية لنا ولنا كليبة وحمارة ترعى فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العصر وهما بين يديه فلم يزجرا ولم يؤخرا.
رواه أحمد (4/229)، والنسائي (753) وأبو داود (718)، وغيرهم. وقد حسن إسناد أبي داود النووي في المجموع (3/ 212). قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (3/355): [ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وثقه الدارقطني وغيره. وعباس بن عبيد الله بن عباس، روى عنه أيوب السختياني مع جلالته، انتقاده للرجال، حتى قال أحمد: لا تسأل عمن روى عنه أيوب. وذكره ابن حبان في الثقات].
حادي عشر: روى أحمد (5/144) بسند حسن عن الحسن العرني قال: ذكر عند ابن عباس يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة. قال: بئسما عدلتم بامرأة مسلمة كلباً وحماراً، لقد رأيتني أقبلت على حمار ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس حتى إذا كنت قريباً منه مستقبله نزلت عنه وخليت عنه، ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته ولا نهاني عما صنعت. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بالناس فجاءت وليدة تخلل الصفوف حتى عاذت برسول الله صلى الله عليه وسلم فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ولا نهاها عما صنعت. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد فخرج جَدْيٌّ من بعض حجرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب يجتاز بين يديه فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن عباس: أفلا تقولون الجدي يقطع الصلاة ؟.
ثاني عشر: قال الإمام الشافعي في اختلاف الحديث ص (97):
[فإن قال قائل: فقد روي أن مرور الكلب والحمار يفسد صلاة المصلي إذا مرا بين يديه , قيل: لا يجوز إذا روي حديث واحد أن رسول الله قال: (يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار) , وكان مخالفا لهذه الأحاديث , فكان كل واحد منها أثبت منه , ومعها ظاهر القرآن أن يترك إن كان ثابتاً , إلا بأن يكون منسوخا , ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر , ولسنا نعلم الآخر , أو يرد ما يكون غير محفوظ , وهو عندنا غير محفوظ ؛ لأن النبي صلى وعائشة بينه وبين القبلة , وصلى وهو حامل أمامة يضعها في السجود , ويرفعها في القيام , ولو كان ذلك يقطع صلاته لم يفعل واحدا من الأمرين , وصلى إلى غير سترة , وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث ؛ لأنه حديث واحد , وإن أخذت فيه أشياء. فإن قيل: فما يدل عليه كتاب الله من هذا ؟ قيل: قضاء الله أن لا تزر وازرة وزر أخرى والله أعلم , إنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره , وأن يكون سعي كل لنفسه وعليها , فلما كان هذا هكذا , لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره].
الثالث عشر: قال الحازمي في الناسخ والمنسوخ ص (76):
[وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَيَكُونُ بَعْدَ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ بِمُدَّةٍ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُبَيْدَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ].
الرابع عشر: وفي نقض أن الكلب الأسود شيطان: قال الحافظ العراقي في طرح التثريب (3/200):
[ويعارض هذا صلاته صلى الله عليه وسلم إلى البعير. كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وقد صح عنه أنه قال في الإبل (أنها خلقت من الجن) وفي حديث آخر (على ذروة كل بعير شيطان) ومع ذلك فقد صلى إليها بل قد مر نفس الشيطان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يقطع صلاته بل خنقه وهو في الصلاة كما ثبت في الصحيح فدل على أن المراد اتقاء ما يشغل المصلي].
الخامس عشر: قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (3/91):
[ولكن روى البخاري ومسلم من حديث { عون بن أبي جحيفة عن أبيه , قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح , فقام , فتوضأ , وأذن بلال , ثم ركزت له عنزة , ثم قام , فصلى العصر ركعتين , يمر بين يديه: الحمار والكلب لا يمنع , ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى دخل المدينة , مختصر } , فظاهر هذا اللفظ أن الكلب والحمار مرا بين يديه دون السترة , إذ لا يقال: مر بين يديه كذا , لشيء يمر من وراء السترة , والله أعلم].
هذا وفي المسألة كلام آخر تركته الآن لوقت آخر، لعلنا نعود إليه إن شاء الله تعالى، ومنه يتبين ضعف ما ذهب إليه الألباني وما رجحه (الشيخ هيثم) وهما يريدان أن يغلطا جمهور الأمة والصحابة والسلف اعتمادا على كلام ابن القيم وابن عثيمين وأمثالهما. والله الموفق.
_________________________