تأثر الأشاعرة وخاصة الشافعية بالمعتزلة واستفادتهم منهم -1-
مرسل: الاثنين نوفمبر 20, 2023 9:57 am
تقدم أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أخذ عن: (الإمام إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المعتزلي)، وأنه لم يطعن به ولم يَعُقَّهُ ولم ينكر جميله عليه، بل أثنى عليه ووثقه وكان يكنيه (الثقة) و (مَن لا أتهم)، والإمام ابن أبي يحيى شيخ الإمام الشافعي أخذ عن الإمام جعفر والإمام زيد من أهل البيت الطاهر الزكي.
جاء في كتاب (هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين) للإمام محمد بن إبراهيم الوزير (775-840) ص (224) وهو من كتب الزيدية:
[وسئل إبراهيم بن أبي يحيى المدني وكان من أصحابه (أي أصحاب الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن النفس الرضية 97-145هـ) فقيل له: قد رأيت محمداً وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن فأيهما كان أفضل؟ فقال: (والله لقد كانا فاضلين شريفين كريمين عابدين عالمين زاهدين، وكان إبراهيم يقدّم أخاه محمداً ويفضله، وكان محمد يعرف لإبراهيم فضله، وقد مضيا حميدين شهيدين صلوات الله عليهما)].
والمقصود من هذا واضح جلي وهو أن أئمة الهدى استفادوا من علم أئمة العترة بواسطة المعتزلة الموالين للعترة الناقلين لعلومهم ولم ينكروا فضلهم ولا طعنوا بهم، وهذا أساس ينبغي أن يكون حاضراً بين أعيننا.
هنا أنتقل لبيان ما ينبغي أن يلي هذا الكلام بنقطة واضحة فأقول:
قبل ذكر بعض التفصيلات أنقل ثلاثة نصوص على وجه السرعة ليعلم أن موافقة المعتزلة عند أئمة الأشاعرة المنزهين العقلاء ليست عيباً ولا عاراً ولا سبة ولا من المستشنعات كما يتصوره البعض وكما صوره بعض السابقين واللاحقين، فإنه لا بد من التسليم للحقيقة وعدم رؤية الحق باطلا والباطل حقاً.
أول تلكم النصوص تصريح السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (3/386) عند تحدثه عن الكسب والاختيار أن مذهب إمام الحرمين والغزالي يدنو من الاعتزال مع أنه في الحقيقة هو مذهب المعتزلة لكن أراد أن يخفف من وقعه فقال هناك:
[وللقاضى أبى بكر مذهب يزيد على مذهب الأشعري، فلعله رأى القوم ـ أي الحنفية الماتريدية ـ، ولإمام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعاً ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو].
واعترف بذلك الشيخ الدردير في "شرح الخريدة" ص (62) فقال: إن الإمام الغزالي والإمام السبكي يقولان بالتأثير بواسطة القوة.
وهذا ليس ضلالاً ولا كفراً ولا انحرافاً ولا بدعة كما يدرك ذلك ويعرفه المنصفون!
وقال التفتازاني في "شرح المقاصد" (1/70) عند كلام له في زيادة الصفات وكونها غير الذات أو عين الذات وفي تعدد القدماء ما نصه:
[وكلام الإمام الرازي في تحقيق إثبات الصفات وتحرير محل النزاع ربما يميل إلى الاعتزال].
فإمام الحرمين والغزالي والسبكي والفخر الرازي وهؤلاء أقطاب أو من أقطاب الأشاعرة العقلاء المنزهين الذين لم يوافقوا الأشعري في عقائده المثبتة في "مقالات الإسلاميين" و"الإبانة" وغيرهما وخاصة في الصفات لم يروا أن موافقة المعتزلة أو الميل لآرائهم وأقوالهم ضلال وانحراف وابتداع! ولم يلتفتوا إلى التشغيبات والتشويشات والتشنيعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وعندي أن هؤلاء لم يقلدوا المعتزلة وإنما استفادوا من النظر في أفكارهم وأقوالهم ومذهبهم وعرفوا الأدلة فقالوا بما تفيده الأدلة فتوافقوا مع المعتزلة أو تقاربوا في القول لا أنهم قلدوهم تقليداً أعمى!
وهذه النصوص السريعة التي قدمتها من ميل أئمة الأشاعرة المنزهين ودنوهم من الاعتزال بشهادة الأشاعرة أنفسهم تبين جلية المسألة وحقيقتها بلا مواربة ولا (لف ودوران) ودون تأويلات ركيكة متكلفة لا قيمة لها.
ثم في مسائل الصفات والتأويل هناك توافق تام أو كبير بين الأشاعرة العقلاء المنزهين وبين المعتزلة وقد وافقوا جميعاً فيه قول أئمة العترة عليهم السلام ونابذوا فيه قول الحنابلة ومن وافقهم كالأشعري وأضرابه، وهذا ظاهر واضح، فلا حاجة إلى الترقيع والمكابرة والتعصب لقول الأشعري. والتشنيع والتنفير من قول المعتزلة. وقد تقدَّم بيان استفادة الحنابلة كابن عقيل وابن الجوزي وتبصرهم وإنقاذهم بواسطة المعتزلة.
..... وسأتابع الأمر معكم شيئاً فشيئاً ليعي إخوتنا هذه القضية المهمة ويستوعبونها... وللموضوع تكملة.... والله الموفق
________________________________
جاء في كتاب (هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين) للإمام محمد بن إبراهيم الوزير (775-840) ص (224) وهو من كتب الزيدية:
[وسئل إبراهيم بن أبي يحيى المدني وكان من أصحابه (أي أصحاب الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن النفس الرضية 97-145هـ) فقيل له: قد رأيت محمداً وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن فأيهما كان أفضل؟ فقال: (والله لقد كانا فاضلين شريفين كريمين عابدين عالمين زاهدين، وكان إبراهيم يقدّم أخاه محمداً ويفضله، وكان محمد يعرف لإبراهيم فضله، وقد مضيا حميدين شهيدين صلوات الله عليهما)].
والمقصود من هذا واضح جلي وهو أن أئمة الهدى استفادوا من علم أئمة العترة بواسطة المعتزلة الموالين للعترة الناقلين لعلومهم ولم ينكروا فضلهم ولا طعنوا بهم، وهذا أساس ينبغي أن يكون حاضراً بين أعيننا.
هنا أنتقل لبيان ما ينبغي أن يلي هذا الكلام بنقطة واضحة فأقول:
قبل ذكر بعض التفصيلات أنقل ثلاثة نصوص على وجه السرعة ليعلم أن موافقة المعتزلة عند أئمة الأشاعرة المنزهين العقلاء ليست عيباً ولا عاراً ولا سبة ولا من المستشنعات كما يتصوره البعض وكما صوره بعض السابقين واللاحقين، فإنه لا بد من التسليم للحقيقة وعدم رؤية الحق باطلا والباطل حقاً.
أول تلكم النصوص تصريح السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (3/386) عند تحدثه عن الكسب والاختيار أن مذهب إمام الحرمين والغزالي يدنو من الاعتزال مع أنه في الحقيقة هو مذهب المعتزلة لكن أراد أن يخفف من وقعه فقال هناك:
[وللقاضى أبى بكر مذهب يزيد على مذهب الأشعري، فلعله رأى القوم ـ أي الحنفية الماتريدية ـ، ولإمام الحرمين والغزالى مذهب يزيد على المذهبين جميعاً ويدنو كل الدنو من الاعتزال وليس هو هو].
واعترف بذلك الشيخ الدردير في "شرح الخريدة" ص (62) فقال: إن الإمام الغزالي والإمام السبكي يقولان بالتأثير بواسطة القوة.
وهذا ليس ضلالاً ولا كفراً ولا انحرافاً ولا بدعة كما يدرك ذلك ويعرفه المنصفون!
وقال التفتازاني في "شرح المقاصد" (1/70) عند كلام له في زيادة الصفات وكونها غير الذات أو عين الذات وفي تعدد القدماء ما نصه:
[وكلام الإمام الرازي في تحقيق إثبات الصفات وتحرير محل النزاع ربما يميل إلى الاعتزال].
فإمام الحرمين والغزالي والسبكي والفخر الرازي وهؤلاء أقطاب أو من أقطاب الأشاعرة العقلاء المنزهين الذين لم يوافقوا الأشعري في عقائده المثبتة في "مقالات الإسلاميين" و"الإبانة" وغيرهما وخاصة في الصفات لم يروا أن موافقة المعتزلة أو الميل لآرائهم وأقوالهم ضلال وانحراف وابتداع! ولم يلتفتوا إلى التشغيبات والتشويشات والتشنيعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وعندي أن هؤلاء لم يقلدوا المعتزلة وإنما استفادوا من النظر في أفكارهم وأقوالهم ومذهبهم وعرفوا الأدلة فقالوا بما تفيده الأدلة فتوافقوا مع المعتزلة أو تقاربوا في القول لا أنهم قلدوهم تقليداً أعمى!
وهذه النصوص السريعة التي قدمتها من ميل أئمة الأشاعرة المنزهين ودنوهم من الاعتزال بشهادة الأشاعرة أنفسهم تبين جلية المسألة وحقيقتها بلا مواربة ولا (لف ودوران) ودون تأويلات ركيكة متكلفة لا قيمة لها.
ثم في مسائل الصفات والتأويل هناك توافق تام أو كبير بين الأشاعرة العقلاء المنزهين وبين المعتزلة وقد وافقوا جميعاً فيه قول أئمة العترة عليهم السلام ونابذوا فيه قول الحنابلة ومن وافقهم كالأشعري وأضرابه، وهذا ظاهر واضح، فلا حاجة إلى الترقيع والمكابرة والتعصب لقول الأشعري. والتشنيع والتنفير من قول المعتزلة. وقد تقدَّم بيان استفادة الحنابلة كابن عقيل وابن الجوزي وتبصرهم وإنقاذهم بواسطة المعتزلة.
..... وسأتابع الأمر معكم شيئاً فشيئاً ليعي إخوتنا هذه القضية المهمة ويستوعبونها... وللموضوع تكملة.... والله الموفق
________________________________