صفحة 1 من 1

أحاديث الآحاد لا تُبنى عليها العقائد (بحث في حديث الآحاد)

مرسل: الثلاثاء أكتوبر 21, 2025 9:14 pm
بواسطة الباحث المفكر
.
أحاديث الآحاد لا تُبنى عليها العقائد (بحث في حديث الآحاد)

من كتاب (تأسيس التقديس)

كلام كلي في أخبار الآحاد فنقول: أما التمسك بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز. ويدل عليه وجوه:

الأول: أن أخبار الآحاد مظنونة فلا يجوز التمسك بها في معرفة ذات الله تعالى وصفاته. وإنما قلنا إنها مظنونة لأنا أجمعنا على أن الرواة ليسوا معصومين. وكيف والروافض لما اتفقوا على عصمة علي رضي الله عنه وحده، هؤلاء المحدثون كفروهم. وإذا كان القول بعصمة علي كرم الله وجهه يوجب عليهم تكفير القائلين بعصمة علي فكيف يمكنهم القول بعصمة هؤلاء الرواة؟ وإذا لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزاً والكذب عليهم جائزاً. وحينئذ لا يكون صدقهم معلوماً بل مظنوناً، فثبت أن خبر الواحد مظنون(1)، فوجب أن لا يجوز التمسك به لقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} يونس: 36، ولقوله تعالى في صفة الكفار: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} الأنعام: 116، ولقوله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الإسراء: 36، ولقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} البقرة: 169، فالعمل في فروع الشريعة على خبر الواحد لأن المطلوب فيها الظن، فوجب أن يبقى في مسائل الأصول على هذا الأصل.
والعجب من الحشوية أنهم يقولون: الاشتغال بتأويل الآيات المتشابهة غير جائز لأن تعيين ذلك التأويل مظنون. والقول بالظن في القرآن لا يجوز ثم إنهم يتكلمون في ذات الله تعالى وصفاته بأخبار الآحاد، مع أنها في غاية البعد عن القطع واليقين، وإذا لم يجوزوا تفسير ألفاظ القرآن بالطريق المظنون، فلأن يمتنعوا عن الكلام في ذات الحق تعالى وفي صفاته بمجرد الروايات الضعيفة أولى.

الثاني: أن أجل طبقات الرواة قدراً وأعلاهم منصباً الصحابة رضي الله عنهم، ثم إنا نعلم أن رواياتهم لا تفيد القطع واليقين. والدليل عليه أن هؤلاء المحدثين رووا عنهم أن كل واحد منهم طعن في الآخر ونسبه إلى ما لا ينبغي.
أليس من المشهور: أن عمر طعن في خالد بن الوليد(2)؟ وأن ابن مسعود وأبا ذر، كانا يبالغان في الطعن في عثمان؟ ونقل عن عائشة رضي الله عنها أنها بالغت في الطعن في عثمان. وأليس أن عمر قال في عثمان: إنه كَلِفٌ بأقاربه؟ وقال في طلحة والزبير أشياء أخر، تجري هذا المجرى(3).
أليس أن علياً كرم الله وجهه سمع أبا هريرة يوماً كان يقول: أخبرني خليلي أبو القاسم. فقال له علي: متى كان خليلك(4)؟
أليس أن عمر رضي الله عنه نهى أبا هريرة عن كثرة الرواية(5)؟
أليس أن ابن عباس رضي الله عنهما طعن في خبر أبي سعيد في الصَّرْف(6)، وطعن في خبر أبي هريرة في غسل اليدين(7). وقال كيف يصنع بِمِهْرَسِنا؟(8)
أليس أن أبا هريرة لما روى: ((من أصبح جنباً فلا صوم له)) طعنوا فيه(9)؟
أليس أن ابن عمر لما روى: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)) طعنت عائشة فيه، واستدلت بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(10) الأنعام: 164.
أليس أنهم طعنوا في خبر فاطمة بنت قيس وقالوا: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لخبر امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت(11)؟
أليس أن عمر طالب أبا موسى الأشعري في خبر الاستئذان بالشاهد وغلَّظ الأمر فيه عليه؟
أليس أن علياً كان يستحلف الرواة؟
أليس أن علياً قال لعمر رضي الله عنهما في بعض الوقائع: إن قاربوك فقد غشوك؟ واعلم: أنك إذا طالعت كتب الحديث وجدت من هذا الباب ما لا يعد ولا يحصى.

وإذا ثبت هذا فنقول: الطاعن إن صدق فقد توجه الطعن على المطعون، وإن كذب فقد توجه على الطاعن. فكيف كان فتوجه الطعن لازم إلا أنا قلنا: إن الله تعالى أثنى على الصحابة رضي الله عنهم في القرآن على سبيل العموم وذلك يفيد ظن الصدق. ولهذا الترجيح قبلنا رواياتهم في فروع الشريعة. أما الكلام في ذات الله وصفاته فكيف يمكن بناؤه على هذه الروايات الضعيفة؟

الثالث: وهو أنه قد اشتهر فيما بين الأمة: أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة واحتالوا في ترويجها على المُحَدِّثين، والمحدِّثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قَبِلوها. وأي منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية ويبطل الربوبية؟ فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة.

وأما البخاري ومسلم رحمهما الله فهما ما كانا عالمين بالغيوب بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، وأما اعتقاد أنهما عَلِمَا جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زمانهما فذلك لا يقوله عاقل، وغاية ما في الباب: أنا نحسن الظن بهما، وبالذين رويا عنهم. إلا أنا إذا شاهدنا خبراً مشتملاً على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدثين(12).

الرابع: إن هؤلاء المحدثين يجرحون الروايات بأقل القليل مثل قولهم (في بعض الرواة): ((إنه كان مائلاً إلى حُبِّ عَليٍّ فكان رافضياً، فلا تقبل روايته)). ومثل: ((كان معبد الجهني قائلاً بالقدر فلا تقبل روايته)). وما كان فيهم عاقل يقول: ((إنه وصف الله تعالى بما يبطل إلهيته وربوبيته فلا تقبل روايته)). إن هذا من العجائب(13)!

الخامس: إن الرواة الذين سمعوا هذه الأخبار من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما كتبوها عن لفظ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل سمعوا شيئاً في مجلس ثم أنهم رووا تلك الأشياء بعد عشرين سنة أو أكثر، ومن سمع شيئاً في مجلس مرة واحدة، ثم رواه بعد العشرين والثلاثين لا يمكنه رواية تلك الألفاظ بأعيانها، وهذا كالمعلوم بالضرورة وإذا كان الأمر كذلك كان القطع حاصلاً بأن شيئاً من هذه الألفاظ ليس من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل ليس ذلك إلا من ألفاظ الراوي، وكيف يقطع بأن هذا الراوي ما نسي شيئاً مما جرى في ذلك المجلس؟ فإن من سمع كلاماً في مجلس واحد، ثم إنه ما كتبه، وما كرر عليه كل يوم، بل ذكره بعد عشرين سنة أو ثلاثين فالظاهر أنه نسيَ منه شيئاً كثيراً، أو يتشوش عليه نظم الكلام وترتيبه وتركيبه، ومع هذا الاحتمال فكيف يمكن التمسك به في معرفة ذات الله تعالى وصفاته(14)؟
واعلم أن هذا الباب كثير الكلام. إلا أن القدر الذي أوردناه كاف في بيان أنه لا يجوز التمسك في أصول الدين بأخبار الآحاد، والله أعلم.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية والمراجع:
(1) قال النووي رحمه الله تعالى في هذه المسألة في "شرح صحيح مسلم" (1/131): ((وذهب بعض المحدّثين إلى أنَّ الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول..)). ثم قال بعد ذلك بأسطر: ((وأما من قال يوجب العلم ـ خبر الواحد ـ فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه؟! والله اعلم)).
(2) في "تاريخ الإسلام" للذهبي (3/36-37): [فقال له عمر -يعني لخالد بن الوليد-: يا عدو الله قتلت امرأ مسلماً ثم نزوت على امرأته لأرجمنك]. وهو في كتاب "الثقات" لابن حبان (2/169-170). وفي "سير أعلام النبلاء" (1/378): [.. قال ابن عون: وَلِيَ عُمَرُ، فقال: لأنزعنَّ خالداً حتى يعلم أن الله إنما ينصر دينه، يعني بغير خالد، وقال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما استُخْلِفَ عمر، كتب إلى أبي عبيدة: إني قد استعملتك، وعَزَلْتُ خَالداً].
(3) قال ابن جرير الطبري في "تاريخه" (3/322): [فذكر الواقدي عن عمر بن صالح بن نافع عن صالح مولى التوأمة قال: سمعت ابن عباس يقول: إنَّ أوَّلَ مَا تكلَّم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السنة السادسة أتمها فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه عليٌّ فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم يصلى ركعتين ثم أبا بكر ثم عمر وأنت صدراً من ولايتك فما أدرى ما يرجع إليه؟! فقال:رأيٌ رأيته] وهذا اعتراف بمخالفة واضحة للسُّنَّة. وفي مستدرك الحاكم (3/357) عن عبيد بن رفاعة: [أن عبادة ابن الصامت قام قائماً في وسط دار أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمداً أبا القاسم يقول: ((سيلي أموركم من بعدي رجال يُعَرِّفُونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله فلا تُعْتِبُوا أنفسكم)) فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك. فما راجعه عثمان حرفاً]. ورواه الشاشي في مسنده (3/451/1196) أيضاً وابن عساكر في "تاريخه" (26/198) وهو حديث صحيح له طرق، قال الحافظ السيد أحمد ابن الصديق الغماري الحسني في ((المداوي)) (4/251): [فإن الحديث صحيح والذهبي كأنه استعمل التدليس في قوله تفرّد به عبدالله بن واقد لأن عبدالله المذكور لم ينفرد به، وفي نفس المستدرك بعد طريقه طريقان آخران صححهما الحاكم وأقره الذهبي، ولكنه اضطر أولاً لأن يذكر ذلك ويدَّعي تفرد عبدالله بن واقد، لأن الحديث وارد في ذم بني أمية ومعاوية كما أقسم على ذلك عبادة بن الصامت رضي الله عنه، والذهبي لا يمكنه أن يسمع ذماً في بني أمية ومعاوية وإنما يسمع ذلك في آل البيت وعلي عليهم السلام].
(4) ذكره ابن قتيبة (ت276هـ) في "تأويل مختلف الحديث" ص (12) والسهيلي في "الروض الأنف" (3/247)، ويؤيد بطلان ما قاله أبو هريرة ما رواه البخاري في الصحيح (466) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر..)).
(5) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي هريرة: ((لتنتهينَّ عن الأحاديث أو لألحقنك بأرض القردة)) رواه أبو زرعة الدمشقي (1/544)في تاريخه بإسناد صحيح.
(6) روى مسلم في الصحيح (1594) بروايات متعددة أحدها: عن أبي نَضْرَةَ -واسمه المنذر بن مالك العبدي- قال: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ؟ فَقَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا. فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فَقَالَ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلِهِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم هَذَا اللَّوْنَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: ((أَنَّى لَكَ هَذَا؟)). قَالَ: انْطَلَقْتُ بِصَاعَيْنِ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ هَذَا الصَّاعَ فَإِنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا وَسِعْرَ هَذَا كَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ((وَيْلَكَ أَرْبَيْتَ إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ)). قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا أَمْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ؟ قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ فَنَهَانِي. وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِمَكَّةَ فَكَرِهَهُ.
(7) أي حديث غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وهو عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليفرغ على يديه من إنائه ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده)). فقال قيس الأشجعي: يا أبا هريرة فكيف إذا جئنا مِهْرَاسَكُم؟! قال: أعوذ بالله من شَرِّكَ يا قيس. رواه أحمد (2/382)، وأبو يعلى (10/377)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/12) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/47) وغيرهم وهو حديث صحيح. وما قاله الأشجعي إسناده حسن عندهم.
(8) المِهْرَاس: برميل من حجر ثقيل جداً أو حفرة منحوتة في الصخر تُهْرَسُ وتُدَقُّ فيها الحبوب، وأحياناً يوضع فيها الماء، وعرفوا المهراس في كتب اللغة بقولهم: حجر مستطيل يُنقر ويُدَقُّ فيه ويُتَوَضَّأُ به وقد استعير للخشبة التي يُدَقُّ فيها الحب فقيل له مِهْراس على التشبيه بالمهراس من الحجر أو الصخر الذي يُهْرَس فيه الحبوب وغيرها وقد يكون حوضاً. انتهى. والمراد: إذا كان الإناء كبيراً وثقيلا ًكالمهراس لا يمكن أن نُمَيّله ونغسل أيدينا خارجه فكيف نصنع؟! وهذا نوع من الإنكار على ما رواه أبو هريرة! والذي يحضرني الآن أن ابن عباس طعن في خبر أبي هريرة في الوضوء مما مست النار. فروى الترمذي (79) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: ((الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ)). قَالَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الدُّهْنِ؟! أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَمِيمِ؟! قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا ابْنَ أَخِي إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَلا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً. قال الترمذي: وَفِي الْبَاب عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وأُمِّ سَلَمَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي مُوسَى، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ. ورواه عبد الرزاق في المصنف (1/174) عن معمر عن جعفر بن برقان قال: كان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار، فبلغ ذلك ابن عباس فأرسل إليه قال: أرأيت إن أخذت دهنة طيبة فدهنت بها لحيتي أكنت متوضأ؟! فقال أبو هريرة: يا ابن أخي إذا حدثت بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تضرب له الأمثال جدلاً.
(9) رواه ابن حبان في صحيحه (8/270) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أدركه الصبح جنباً فلا صوم له)) فانطلقت أنا وأبى، فدخلنا على أم سلمة، وعائشة زوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسألناهما، فأخبرتا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم، فدخلنا على مروان بن الحكم فأخبرناه بقولهما وبقول أبي هريرة، فقال مروان: عزمت عليكما إلا ذهبتما إلى أبي هريرة فأخبرتماه، فلقينا أبا هريرة وهو عند باب المسجد، فقلنا له: إن الأمير عزم علينا في أمر نذكره لك، قال: وما هو؟، فحدثه أبي، فتلون وجه أبي هريرة، وقال: هكذا حدثني الفضل ابن العباس، وهو أعلم، قال الزهري: فجعل الحديث إلى غيره. والقصة في البخاري (1926).
(10) عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ (إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ:((إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا)). رواه مسلم (932) وهو في موطأ مالك (553) وسنن النسائي (1856) ومسند أحمد (6/107) . ووقع في البخاري (1288) ومسلم (928): رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ)). وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وفي رواية أخرى للبخاري (1288) ومسلم (928): قال ابن أبي مُلَيكَة: [والله ما قال ابن عمر شيئاً]. يعني أن ابن عمر لم يستطع أن يرد عليها وأقرّها على ما قالت.
(11) رواه مسلم (1480) عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلا نَفَقَةً، ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ فَقَالَ: وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟! قَالَ عُمَرُ: لا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وآله وسلم لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}الطلاق:1. ولفظ (صدقت أم كذبت) رواه أبو يوسف القاضي في كتاب الآثار برقم (600) وظاهر إسناده الصحة.
(12) عبارة ممتازة وجريئة وحق واضح لا مرية فيه، وهذا يبين قول عقلاء وأكابر أئمة الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الأحاديث المنكرة الشاذة المروية في الصحيحين وغيرهما مما يتعلق بما يستحيل في حق المولى سبحانه وتعالى، فهم لا يخشون من ردِّها وتنزيه الله تعالى عما فيها وتنزيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون قد نطق بها، والحكم عليها بالرد والبطلان، خلاف ما عليه جبناء المتظاهرين بالتنزيه الذين يتخيلون عصمة الصحيحين فيتخبَّطون بالحيرة في الجواب بالترهات، فذرهم في جهالتهم وما يتخيلون.
(13) والله إن هذا مما ينبغي أن يكتب بالذهب، وهو يدل على الوعي الغزير بالحقائق.
(14) ما شاء الله! إن هذا استنباط دقيق وفهم عميق، فجزى الله تعالى الفخر الرازي خير الجزاء.