صفحة 1 من 1

(أحاديث الصحيحين) العالم لا يرضخ للمقلدة ويتبعهم لينال رضاهم:

مرسل: الاثنين نوفمبر 20, 2023 10:35 am
بواسطة cisayman3
العالم لا يرضخ للمقلدة ويتبعهم لينال رضاهم والعكس هو الصحيح:
نصوص علماء أهل السنة من المحدثين والأصوليين في أحاديث الصحيحين
هناك بعض المتعصبين من العامة والطلبة وأشباه العلماء يوجهون لنا النصائح في عدم تضعيف بعض أحاديث الصحيحين الشاذة المردودة، وما فيها من العصمة لمثل هذا وذاك، كعبد الله بن سلام ومعاوية وأمثالهما مع ما ذكرناه لهم من بعض أحاديث الصحيحين التي لا غبار عليها كحديث الحوض الذي فيه (فأقول أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) وغيره، لأنهم يريدون أن يجعلوا السنة طوع هواهم، لا هواهم طوع الكتاب والسنة.
وأنا لا أطلب منهم أن يتبعوني ويقلدوني، ولا أن يلتزموا بقولي، وقد رددت على أهل البدع والوهابية حينما لم يلد شطر منهم والشطر الآخر منهم ومن مشايخهم كانوا في سبات يشخرون، وأحياناً يستنجدون بي وبمؤلفاتي لمواجهة أولئك المجسمة والمشبهة النواصب والألباني.
ومع أنني نقلت في المقالات السابقة كلام الفخر الرازي الأشعري في الصحيحين وأنه يجوز رد بعض الأحاديث الشاذة المردودة إذا تبين شذوذها وبطلانها للعالم المتمكن إلا أنهم لا يقتنعون إلا بالأوهام التي علقت بأذهانهم ودرجوا عليها لبعض المخطئين من العلماء والمشايخ.
ونحن ومشايخنا الغماريون والعلامة الكوثري وغيرهم على هذا الطريق والصراط المستقيم لا يثنينا عن قول الحق ترهات العامة وأشبهاههم ممن لا يميزون بين الحق والباطل والصحيح والواهي.
وأقول لهؤلاء المثبطين والمتعصبين: أنتم تريدون أن يخضع لكم ولأفكاركم العلماء لا أن تخضعوا أنتم للعلماء ومن هو أدرى بالأمور ومآلاتها منكم!
وفشر العامة وأشباههم من طلبة العلم والمشايخ المتعصبون أن نخضع لهم وننقاد لأمانيهم وأهوائهم! أو نهاب من قول الحق لأجل رضاهم وقناعاتهم المهلهلة الباطلة!
نحن نقود ونؤم ونوجه وكذلك أكابر علماء العصر وهم الذين يرضخون لا العكس....
وقد صارحني كثير من علماء أهل السنة والمشايخ المعاصرين سراً بأنهم يقولون بقولي ولكن لا يستطيعون البوح بذلك خوفاً وخشية من العامة والمتعصبين من الطلبة والمشايخ وأشباه العلماء...
وأقول لهؤلاء العامة والمتعصبين: هذا الذي اعتدتم عليه عندنا أهل السنة من رضوخ العلماء للعامة ولى زمنه وهو عندنا مما لا يؤبه به ولا يلتفت إليه!
فلا تتعبوا أنفسكم! عليكم باتباع الدليل والحق والعقل والمنطق السليم وذروا التعصب وما عليه بعض المشايخ السابقين من مثل أصحاب الحواشي والشروح الذين ما كانوا يتقنون علم الحديث وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويميزون بين الصحيح وغيره، حيث ملأوا تلك الكتب وشحنوها ببعض النظريات المخطئة وبالحكايات والأحاديث الضعيفة والرؤى ونحوها.
ونحن ننصحهم ونوجههم ونقول لهم:
يجب أن تعرف أنَّ أحاديث الصحيحين يجوز دخول النقد عليها كباقي الكتب المصنّفة في علم السنة المطهرة من صحاح وسنن وغيرها!! مع قولنا بأنَّ مصنفيها إمامان جليلان بذلا جهداً كبيراً في تنقية الأخبار والآثار وغربلتها وتصفيتها فجزاهما الله تعالى عن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم خير الجزاء، ومع كل هذا لا يعني ذلك أنَّ كل ما في الكتابين صحيح وكذا لا ندّعي العصمة لهما أو أن ننزههما عن الخطأ ونحوه!! وذلك لأنَّ الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو كتاب الله تعالى الذي لا يقاربه كتاب أي أحد من البشر ولو اجتمع الخلق عليه!! لأنه لا يمكن أن يقارَن ويوازى ما بين كتاب الله تعالى وبين كتاب أحد من البشر وخاصة أنه لم يكن من الأنبياء والمرسلين!! فكيف وقد توجَّه النقد للصحيحين من أكابر وفطاحل أهل العلم من أهل عصرهما ومن جاء بعدهما كالدارقطني مروراً بمن ذكرهم الحافظ في شرحه الفتح إلى مشايخنا ومشايخ مشايخنا الذين تلقينا عنهم هذا العلم بالأسانيد المتصلة.
فلماذا يجوز أن يدخل النقد على (الجامع الصحيح للترمذي)
ولماذا يجوز أن يدخل النقد على (صحيح ابن خزيمة)
ولماذا يجوز أن يدخل النقد على (صحيح ابن حبان)
ولماذا يجوز أن يدخل النقد على (صحيح أبي عوانه)
ولماذا يجوز أيضاً على (مستدرك الحاكم على الصحيحين)
ولا يعتبر كل ذلك طعناً في السنة ؟!
كل هذه الكتب كتب معتبرة وأصحابها علماء ولكن ليس كل ما فيها معصوماً ومنزهاً عن الخطأ!
قال الحاكم في كتابه (معرفة علوم الحديث) ص (112):
[وإنّما يُعَلَّل الحديث من أَوجهٍ ليس للجرح فيها مدخل فإنّ حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلّة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يُحَدِّثوا بحديثٍ له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير...] اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي في (دفع شبه التشبيه) ص (143):
[اعلم أنّ للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفها إلا العلماء الفقهاء، تارة في نظمها وتارة في كشف معناها...] اهـ.
على أن البخاري أشار إلى علل بعض الأحاديث في صحيحه بأن فلاناً لم يرفعه، وأشار إلى أن حديث التربة الذي في صحيح مسلم هو من الإسرائيليات ومن رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهؤلاء المتعصبون لا يعرفون هذا، ولا يطالعون أو يقرأوون.
وإليكم بعض نصوص العلماء في ذلك:
1- وقال الحافظ ابن الجوزي في كتابه دفع شبه التشبيه بتحقيقنا عند الحديث الرابع عشر:
[وإذا لم يُثبت ضحكاً معقولاً فقد تأوّل ولا يدري، وواعجباً قد عرف إن الضحك يشار به إلى الفضل والإنعام. فالأضراس ما وجهها ؟!! والله لو رُويت في الصحيحين وجب ردها..].
2- قال الإمام الحاكم أول (مستدركه على الصحيحين) (1/2-3):
[سألني جماعة.. أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيا ذلك لأنفسهما].
3- وقال أبو منصور الماتريدي في كتابه ((تأويلات أهل السنة)) (4/566) عند قوله تعالى { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ق: 30 راداً حديث وضع قدم الجبار سبحانه في النار المروي في الصحيحين:
[وقال أهل التأويل ـ أي التأويل الباطل ـ: إنها تسأل الزيادة حتى يضع قدمه فيها، فتضيق بأهلها حتى لا يبقى فيها مدخل لرجل واحد، ورووا خبراً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك. وإنه فاسد، وقول بالتشبيه، وقد قامت الدلائل العقلية على إبطال التشبيه، فكل خبر ورد مخالفاً للدلائل العقلية يجب ردّه لأنه مخالف لنص التنزيل وهو قوله عز وجل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم هذا القول على قول المشبهة على ما توهموا مخالف للكتاب لأن الله عز وجل قال { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هود: 119، وعندهم لا تمتلىء بهم ما لم يضع الرحمن قدمه فيها. ثم ذكر البلخي أن مدار ما ذكروا من الحديث على حماد بن سلمة، وكان خرفاً مفنداً في ذلك الوقت، لم يجز أن يؤخذ منه].
4- الحافظ الخطيب البغدادي شيخ المحدثين في عصره في كتابه ((الفقيه والمتفقه)) (1/132) حيث قال: [باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد:.... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأُمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأنّ الشرع إنّما يَرِدُ بمجوِّزات العقول وأمّا بخلاف العقول فلا.
والثاني: أن يخالف نصَّ الكتاب أو السُنة المتواترة فيعلم أنّه لا أصل له أو منسوخ.
والثالث: يخالف الإجماع فَيُسْتَدَلُّ على أنه منسوخ أو لا أصل له...
والرابع: أن ينفرد الواحدُ بروايةِ ما يجب على كافّة الخلق علمه فيدلُّ ذلك على أنه لا أصل له لأنّه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.
الخامس: أن ينفرد برواية ما جرت العادة بأن ينقله أهل التواتر فلا يُقْبَل لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية] انتهى.
5- وتقدّم أن الإمام الفخر الرازي الأشعري قال في كتابه القيم (أساس التقديس) ص (170):
[اشتهر فيما بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها بل قبلوها، وأيُّ منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإلهية ويبطل الربوبية ؟ فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة. وأما البخاري والقشيري فهما ما كانا عالمين بالغيوب، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما، فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا فذلك لا يقوله عاقل، غاية ما في الباب أنا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم، إلا أنا إذا شاهدنا خبراً مشتملاً على منكر لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدّثين].
6- وقال النووي في (شرح صحيح مسلم) (1/131):
[وذهب بعض المحدّثين إلى أن الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد ؛ وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول … وأما من قال يوجب العلم فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطّرق إليه والله أعلم].
7- وكتاب الدارقطني ((الإلزامات والتتبع)) كتاب مشهور فيه نقد لبعض أحاديثهما.
8- وذكر الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (8/743/4977) عند شرح الحديث الذي فيه إنكار ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ المعوّذتين من كتاب الله تعالى ما نصه:
[وأمَّا قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أنَّ المعوّذتين والفاتحة من القرآن، وأنَّ من جحد شيئاً منهما كفر، وما نُقِل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر. وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل المحلى: ما نقل عن ابن مسعود من إنكار المعوذتين كذب باطل. وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظن أنَّ هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل].
ليس فيما قاله النووي نظر البتة!! بل هو الصواب الذي لا محيد عنه المؤيد بالدليل!! والدفاع عن عصمة صحيح البخاري لنفي وجود حديث أو أثر ظاهر البطلان فيه مع ما يترتب على ذلك من المس بكتاب الله تعالى وبعلم ابن مسعود وسلوك طريق التأويل الملتوي المتعرج لتسويغ صحة خبر آحاد معارض للأصول أمر مردود لا يلتفت إليه!! وقد كنت ذكرت ذلك في ((صحيح شرح الطحاوية)) ص (686-689) والله الهادي.
فهؤلاء ثلاثة من العلماء ابن حزم والنووي والرازي حكموا ببطلان هذا الأثر المذكور في صحيح البخاري وإن عارضهم من عارضهم!! فهذا يؤكد لنا أن الإجماع الذي يحكيه بعض الناس غير صحيح ولا واقع كما قال الحافظ السيد أحمد ابن الصديق.
9- وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي (12/571):
[قال سعيد البرذعي: شهدت أبا زُرْعَة ذكر صحيح مسلم وأنَّ الفضل الصائغ أَلَّفَ على مثاله فقال: هؤلاء أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوَّقون به].
10- ابن حزم: نقل الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (7/358) أنَّ ابن حزم ردَّ أحاديث إسرائيل كلها التي في الصحيحين!!
11- وقال الإمام المحدِّث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص (40):
[ألَّف الحافظ الضياء المقدسي في ذلك مؤلفاً سمَّاه (غرائب الصحيحين) وذكر فيه ما يزيد على مائتي حديث من الغرائب والأفراد المخرَّجة في الصحيحين].
وقال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى قبل ذلك ص (32):
[ولأبي مسعود الدمشقي (صاحـب الأطراف) استدراك عليهما ـ البخاري ومسلـم ـ، وكذا لأبي علي الغساني في تقييده].
12- وروى البخاري في الصحيح (5081) بسنده عن عروة أنَّ النبي خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال له: ((أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال)).
قال الحافظ ابن حجر أثناء شرح الحديث هناك:
[وقال مغلطاي في هذا الحديث نظر لأنَّ الخلة إنما كانت لأبي بكر في المدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك ؟ وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما باشر الخطبة بنفسه....].
13- وروى البخاري في صحيحه (4769) بسنده عن أبي هريرة عن النبي قال:
[يَلْقَـى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنَّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرَّمت الجنة على الكافرين].
قال الحافظ ابن حجر في شرحه هناك في الفتح (8/500):
[وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر من جهة أنَّ إبراهيم علم أنَّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً مع علمه بذلك ؟ وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلمَّا تبيَّن له أنَّه عدو لله تبرَّأ منه } انتهى..].
14- وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (14/540) في ترجمة الإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن أبي الحسين الشهيد:
[وقد خرَّج الحافظ أبو الفضل صحيحاً على رسم صحيح مسلم، ورأيت له جزءاً مفيداً فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بيَّن عللها في صحيح مسلم].
15- وقال الذهبي في (السير) (6/10) في ترجمة عبيدالله بن أبي جعفر الكناني:
[وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)].
فهذه الأقوال من هؤلاء العلماء وغيرها كثير وكثير ـ وقد نجمعها في جزء مفرد ـ كلها ناصة ومتفقة على عدم تنزه الصحيحين عن الخطأ وعن الضعيف أو الموضوع، والمتتبع الباحث المتفحّص يقف بنفسه على تحقيق ما قاله هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى أجمعين، ورحم الله الإمام الشافعي الذي كان يقـول: (أبى أن يصحَّ إلا كتاب الله تعالى).
16- ونقل الحافظ ابن حجر في (الفتح) (13/483/7517) في شرحه على كتاب التوحيد أثناء شرح حديث شريك بن أبي نمر في الإسراء: [قال الخطَّابي: ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل، فإنه يقتضي تحديد المسافة..].
17- قال الحافظ الجهبذ السيد أحمد ابن الصديق الغماري في أواخر كتابه (المغير) ص (137): [فكم من حديث صححه الحفاظ وهو باطل بالنظر إلى معناه ومعارضته للقرآن أو السنة الصحيحة، أو مخالفة الواقع والتاريخ، وذلك لدخول الوهم والغلط فيه على المعروف بالعدالة، بل قد يتعمَّد الكذب، فإنَّ الشهرة بالعدالة لا تفيد القطع في الواقع، ومنها أحاديث الصحيحين فإنَّ فيها ما هو مقطوع ببطلانه، فلا تغترَّ بذلك، ولا تتهيب الحكم عليه بالوضع لما يذكرونه من الإجماع على صحة ما فيهما، فإنها دعوى فارغة، لا تثبت عند البحث والتمحيص، فإنَّ الإجماع على صحة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع، ولتقرير ذلك موضع آخر، وليس معنى هذا أنَّ أحاديثهما ضعيفة أو باطلة أو يوجد فيها ذلك بكثرة كغيرهما من المصنَّفات في الحديث، بل المراد أنه يوجد فيهما أحاديث غير صحيحة لمخالفتها للواقع وإن كان سندها صحيحاً على شرطهما].
فتأمل في هذا الكلام النفيس فإنه أنفس وأوضح كلام وقفت عليه في هذه القضية، وفيه أنه لا يتعيَّن الاقتصار على بعض الأحاديث التي انتقدت سابقاً، وإنما يجوز لكل من كان أهلاً أن ينقد غير ما نُقِدَ سابقاً والدليل والبرهان هو محور النظر والبحث دائماً.
18- وقد صنَّف شيخنا المحدّث المفيد سيدي عبدالله ابن الصديق أعلى الله درجته كتاباً سمَّاه: (الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة) أورد فيه عدة أحاديث من أحاديث الصحيحين اعتبرها شاذة مردودة، ومعنى ذلك أنها باطلة، وكنتُ سألته مرة عن الحديث الشاذ فقال لي: إذا خالف الثقة الثقات قلنا بأنَّ حديثه شاذ فما بالك إذا خالف الثقة القرآن أو ما هو مقطوع به من القواعد ؟ فإنه يكون يا بنيَّ من أشد الشاذ المردود.
19- أما شقيقهما شيخنا المحدّث عبدالعزيز ابن الصدّيق رحمه الله تعالى فله أقوال كثيرة في هذه البابة وخاصة في كتابه (الباحث في علل الطعن بالحارث) وخاصة في إطنابه في ص (34) وما بعدها في ترجمة ابن أبي أويس وحريز، ومن ذلك قوله ص (6) في الكتاب المذكور:
[ومعاذ الله أن يكون الكتاب الذي فيه حديث حريز بن عثمان وعمران بن حطان من الكتب المقتصرة الصحيح، ولو أجمع على ذلك الجن كما أجمع عليه البشر، ومن رجع إلى ترجمة حريز بن عثمان يعرف ما نقول، ويتحقق أنَّ حديث الملعون ينبغي أن يُذْكَــر في الموضوعات لابن الجوزي ولكن هذا ما شـاء الله].
فتأمَّل!!
ولو تفرغت لنقلت لكم نصوصاً ونصوصاً ونصوصاً في هذه القضية! لا سيما والمقلدة لا تقتنع بالدليل وإنما بنصوص العلماء وأقوالهم! ويبقى كتاب الله تعالى هو الكتاب الوحيد المنزه عن الخطأ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه! وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه سواء البخاري أو غيره إلا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
_______________