الإمام ابن رشد الجد المالكي الأشعري ينكر على متعصبي الأشاعرة:
مرسل: الثلاثاء نوفمبر 21, 2023 11:07 am
ابن رشد الجد (وليس الحفيد الفيلسوف) مولود سنة (450هـ ومتوفى سنة 520هـ)
والقصد من هذا بيان نبذ التعصب عند معاشر أصحابنا الأشاعرة، وبيان أن بعض أصحابنا هؤلاء من يتشدد ويتزمت ويخرج كل من لا يوافقه في فلسفاته وترهاته من الأشعرية أو أهل السنة مع أن أهل السنة وأصحابنا الأشاعرة بالخصوص مختلفون في أقوالهم وآرائهم العقائدية وليسوا مذهبا واحداً ولا طريقة واحدة! وأن سلوك الطرق المعقدة والمغلقة في الكلام والتفلسف والتمنطق والتهرطق ليس بشيء وهو بعيد عن الطريق الواضحة والعقل الصريح الصحيح وأسلوبه السهل البسيط الذي يفهمه القاصي والداني.
ولما كان إمام الحرمين والغزالي لهما مذهب في أفعال العباد يوافق مذهب المعتزلة أو يدنو كل الدنو منه كما قاله الإمام السبكي لم يكن لرميهما وغيرهما من فحول العلماء كالفخر الرازي بالاعتزال ونحوه أي معنى، وإلا فهو التنطع والتفيقه لبعض المقلدين الذين يغالطون ويغطون الحقائق أو لا يميزون بين النقير والفتيل والقطمير.
ولنعد إلى ابن رشد المالكي الأشعري لنثبت ما نريده عنه:
قال الذهبي في ترجمة ابن رشد الجد:
[الإمام العلامة شيخ المالكية قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي تفقه بأبي جعفر بن رزق وحدث عنه وعن أبي مروان بن سراج ومحمد بن خيرة ومحمد بن فرج الطلاعي والحافظ أبي علي وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال كان فقيهاً عالماً حافظاً للفقه مقدما فيه على جميع أهل عصره عارفا بالفتوى بصيراً بأقوال أئمة المالكية نافذاً في علم الفرائض والأصول من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقاروالحلم والسمت الحسن والهدي الصالح ومن تصانيفه كتاب المقدمات لأوائل كتب المدونة وكتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل واختصار المبسوطة واختصار مشكل الآثار للطحاوي سمعنا عليه بعضها وسار في القضاء بأحسن سيرة وأقوم طريقة ثم استعفى منه فأعفي ونشر كتبه وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه وكان حسن الخلق سهل اللقاء كثير النفع لخاصته جميل العشرة لهم باراً بهم.
عاش سبعين سنة ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة وصلى عليه أبو القاسم وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس صنف شرح العتبية فبلغ فيه الغاية..] انتهى.
في كتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد (2/856) باباً بعنوان:
[ما يدعو اليه المتطرفون من الأشاعرة:
....
وما ذكرته فيه عن الطائفة، المائلة إلى أهل الكلام، بعلم الأصول، على مذهب الأشعرية، من أنه لا يكمل الايمان إلا به، ولا يصح الإسلام الا باستعماله ومطالعته، لا يقر به أحد من أئمتهم، ولا يتأوله عليهم الا جاهل غبي، اذ لو كان الإيمان لا يكمل، والإسلام لا يصح الا بالنظر والاستدلال من طريق العقل، على القوانين التي رتبها أهل الكلام على مذهب الأشعرية والمناهج التي نهجونا على أصلهم من وجود الأعراض بالجواهر، واستحالة بقائها فيها، وما أشبه ذلك من أدلة العقول التي يستدلون بها، لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، للناس، وبلغه اليهم كما أمره الله تعالى في كتابه، حيث يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالاته}.
فلما علمنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس إلى الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر ولا أن أحداً من أصحابه تكلم بذلك، اذ لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن واحد منهم كلمة واحدة، فما فوقها من هذا النمط من الكلام من طريق تواتر ولا آحاد من وجه صحيح ولا سقيم علم، صلى الله عليه وسلم وهم رضي الله عنهم عدلوا عنه إلى ما هو أولى وأبين وأجلى وأقرب إلى الأفهام؛ لسبقه إليها بأوائل العقول وبدائهها وهو ما أمر الله به من الاعتبار بمخلوقاته، في غير ما آية من كتابه اذ لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى بين للناس ما نزل اليهم وبلغ إليهم ما أمرببيانه إليهم وتبليغه إليهم فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوادع، وفي مقامات له شتى، بحضرة عامة أصحابه: (ألا هل بلغت)، فكان الذي أنزل الله من الوحي، وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه، لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}.
فلا حاجة لأحد في إثبات التوحيد، وما يجب له من الصفات، ويجوز عليه منها ويستحيل وصفه بها إلى سوى ما أنزله الله في كتابه، وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الآيات التي نبه عليها، وأمر بالاعتبار بها من ذلك قوله عزو جل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} إشارة منه إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة الدالين على وجود الصانع الحكيم، وأنه واحد قادر عالم، مريد، ليس كمثله شيء، كما ذكر في محكم كتابه و {هو السميع البصير}. لأن العاقل إذا نظر إلى نفسه وما ركب فيها من الحواس، التي عنها يقع الإدراك والجوارح التي يباشر بها القبض والبسط، والأعضاء المعدة للافعال التي تختص بها كالأضراس التي تحدث له عند استغنائه عن الرضاع وحاجته إلى الطعام، وكالمعدة التي ينضج فيها الطعام، ثم ينقسم منها على الاعصاب في مجاري العروق المهيأة لذلك ويرسب ثفله إلى الأمعاء حتى يبرز عن البدن.
والى ما أمر به من الاعتبار بقوله: {أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت، والى الأرض كيف سطحت}، والى قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب} وإلى قوله: {أفرأيتم ما تمنون آنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} إلى آخر الآيات وإلى ما أشبه ذلك من الأدلة الواضحة والحجج الملائمة التي يذكرها كافة ذوي العقول وعامة من لزمه حكم الخطاب وهي في القرآن أكثر من أن تحصى، فلا يمكن أن تستقصى؛ ثبت عنده وجود الصانع الحكيم، ثم تيقن وحدانيته، وعلمه وقدرته، وإرادته بما شاهده من اتساق أفعاله، على الحكمة واطرادها في سبيلها، وجريها على طرقها، وعلم سائر صفاتها توقيفا على الكتاب المنزل الذى بان حقه، وعن صلى الله عليه وسلم الذى ظهر صدقه، بما ظهر على يديه من المعجزات، الخارقة للعادة؛ فكان الاعتقاد على هذا الاستدلال الذى نطق به القرآن، وعوّل عليه سلف الأمة هو الواجب اذ هو أصح وأبين، وفي التوصيل إلى المقصود أقرب؛ لأنه نظر عقلى بديهى، مركب على مقدمات من العلم، لا يقع الخلف في دلالتها.
وأما الاستدلال على ذلك بطريقة المتكلمين من الأشعريين، وإن كان من طرق العلم الصحيحة؛ فلا يؤمن العنت على راكبها، والانقطاع على سالكها؛ ولذلك تركه السلف المتقدم من أئمة الصحابة والتابعين، ولم يعولوا عليه، لا لعجزهم عنه؛ فقد كانوا ذوى عقول وافرة، وأفهام ثاقبة، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها.
فمن الحق الواجب على من ولاه امر المسلمين، أن ينهى العامة والمبتدئين عن قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعريين، ويمنعهم من ذلك غاية المنع، مخافة أن تنبو أفهامهم عن فهمها، فيضلون بقراءتها، ويلزمهم أن يقتصروا، فيما يلزم اعتقاده، على الاستدلال الذى نطق به القرآن ونبّه الله عبادة في محكم التنزيل، اذ هو بين واضح، لائح، يدرك ببديهة العقل بأيسر تأمل في الحين، فيبادروا بعد إلى تعلم ما يلزمهم التفقه فيه من أحكام الوضوء، والصلاة والزكاة، والصيام، وسائر الشرائع والآحكام، ومعرفة الحلال في المكاسب من الحرام.
......
هذا الواجب فيما سألت عنه، لا ما حكيته عن الطائفة المذكورة، من أنه يتعين على العالم والجاهل، قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعرية، والبداية بذلك قبل تعليم ما يقيم به أمر الله من وضوئه، وصلاته، وسائر العبادات المفترضة عليه، ويفكرون من خالف ذلك، وما الكفر الا في اعتقاد ما ذهبوا اليه من ذلك؛ لأنهم إذا لم يصلوا ولا صاموا، ولا حجوا، حتى يعرفوا الله تعالى من تلك الطريقة الغامضة البعيدة، قد لا يصلون إلى معرفة من تلك الطريقة الا بعد المدة الطويلة، أو تنبو أفهامهم عنها جملة فيمرقون عن الدين، ويخرجون من جملة المسلمين.
أعاذنا الله من الشيطان الرجيم، ولا بنا عن المنهج المستقيم، برحمته، انه منعم كريم.
وبالله التوفيق لا شريك له، قاله محمد بن رشد]
_____________________________
والقصد من هذا بيان نبذ التعصب عند معاشر أصحابنا الأشاعرة، وبيان أن بعض أصحابنا هؤلاء من يتشدد ويتزمت ويخرج كل من لا يوافقه في فلسفاته وترهاته من الأشعرية أو أهل السنة مع أن أهل السنة وأصحابنا الأشاعرة بالخصوص مختلفون في أقوالهم وآرائهم العقائدية وليسوا مذهبا واحداً ولا طريقة واحدة! وأن سلوك الطرق المعقدة والمغلقة في الكلام والتفلسف والتمنطق والتهرطق ليس بشيء وهو بعيد عن الطريق الواضحة والعقل الصريح الصحيح وأسلوبه السهل البسيط الذي يفهمه القاصي والداني.
ولما كان إمام الحرمين والغزالي لهما مذهب في أفعال العباد يوافق مذهب المعتزلة أو يدنو كل الدنو منه كما قاله الإمام السبكي لم يكن لرميهما وغيرهما من فحول العلماء كالفخر الرازي بالاعتزال ونحوه أي معنى، وإلا فهو التنطع والتفيقه لبعض المقلدين الذين يغالطون ويغطون الحقائق أو لا يميزون بين النقير والفتيل والقطمير.
ولنعد إلى ابن رشد المالكي الأشعري لنثبت ما نريده عنه:
قال الذهبي في ترجمة ابن رشد الجد:
[الإمام العلامة شيخ المالكية قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي تفقه بأبي جعفر بن رزق وحدث عنه وعن أبي مروان بن سراج ومحمد بن خيرة ومحمد بن فرج الطلاعي والحافظ أبي علي وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال كان فقيهاً عالماً حافظاً للفقه مقدما فيه على جميع أهل عصره عارفا بالفتوى بصيراً بأقوال أئمة المالكية نافذاً في علم الفرائض والأصول من أهل الرياسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل والوقاروالحلم والسمت الحسن والهدي الصالح ومن تصانيفه كتاب المقدمات لأوائل كتب المدونة وكتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل واختصار المبسوطة واختصار مشكل الآثار للطحاوي سمعنا عليه بعضها وسار في القضاء بأحسن سيرة وأقوم طريقة ثم استعفى منه فأعفي ونشر كتبه وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه وكان حسن الخلق سهل اللقاء كثير النفع لخاصته جميل العشرة لهم باراً بهم.
عاش سبعين سنة ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مائة وصلى عليه أبو القاسم وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ فقال: كان أفقه أهل الأندلس صنف شرح العتبية فبلغ فيه الغاية..] انتهى.
في كتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد (2/856) باباً بعنوان:
[ما يدعو اليه المتطرفون من الأشاعرة:
....
وما ذكرته فيه عن الطائفة، المائلة إلى أهل الكلام، بعلم الأصول، على مذهب الأشعرية، من أنه لا يكمل الايمان إلا به، ولا يصح الإسلام الا باستعماله ومطالعته، لا يقر به أحد من أئمتهم، ولا يتأوله عليهم الا جاهل غبي، اذ لو كان الإيمان لا يكمل، والإسلام لا يصح الا بالنظر والاستدلال من طريق العقل، على القوانين التي رتبها أهل الكلام على مذهب الأشعرية والمناهج التي نهجونا على أصلهم من وجود الأعراض بالجواهر، واستحالة بقائها فيها، وما أشبه ذلك من أدلة العقول التي يستدلون بها، لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، للناس، وبلغه اليهم كما أمره الله تعالى في كتابه، حيث يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالاته}.
فلما علمنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس إلى الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر ولا أن أحداً من أصحابه تكلم بذلك، اذ لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن واحد منهم كلمة واحدة، فما فوقها من هذا النمط من الكلام من طريق تواتر ولا آحاد من وجه صحيح ولا سقيم علم، صلى الله عليه وسلم وهم رضي الله عنهم عدلوا عنه إلى ما هو أولى وأبين وأجلى وأقرب إلى الأفهام؛ لسبقه إليها بأوائل العقول وبدائهها وهو ما أمر الله به من الاعتبار بمخلوقاته، في غير ما آية من كتابه اذ لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى بين للناس ما نزل اليهم وبلغ إليهم ما أمرببيانه إليهم وتبليغه إليهم فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوادع، وفي مقامات له شتى، بحضرة عامة أصحابه: (ألا هل بلغت)، فكان الذي أنزل الله من الوحي، وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه، لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}.
فلا حاجة لأحد في إثبات التوحيد، وما يجب له من الصفات، ويجوز عليه منها ويستحيل وصفه بها إلى سوى ما أنزله الله في كتابه، وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الآيات التي نبه عليها، وأمر بالاعتبار بها من ذلك قوله عزو جل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} إشارة منه إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة الدالين على وجود الصانع الحكيم، وأنه واحد قادر عالم، مريد، ليس كمثله شيء، كما ذكر في محكم كتابه و {هو السميع البصير}. لأن العاقل إذا نظر إلى نفسه وما ركب فيها من الحواس، التي عنها يقع الإدراك والجوارح التي يباشر بها القبض والبسط، والأعضاء المعدة للافعال التي تختص بها كالأضراس التي تحدث له عند استغنائه عن الرضاع وحاجته إلى الطعام، وكالمعدة التي ينضج فيها الطعام، ثم ينقسم منها على الاعصاب في مجاري العروق المهيأة لذلك ويرسب ثفله إلى الأمعاء حتى يبرز عن البدن.
والى ما أمر به من الاعتبار بقوله: {أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت، والى الأرض كيف سطحت}، والى قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب} وإلى قوله: {أفرأيتم ما تمنون آنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} إلى آخر الآيات وإلى ما أشبه ذلك من الأدلة الواضحة والحجج الملائمة التي يذكرها كافة ذوي العقول وعامة من لزمه حكم الخطاب وهي في القرآن أكثر من أن تحصى، فلا يمكن أن تستقصى؛ ثبت عنده وجود الصانع الحكيم، ثم تيقن وحدانيته، وعلمه وقدرته، وإرادته بما شاهده من اتساق أفعاله، على الحكمة واطرادها في سبيلها، وجريها على طرقها، وعلم سائر صفاتها توقيفا على الكتاب المنزل الذى بان حقه، وعن صلى الله عليه وسلم الذى ظهر صدقه، بما ظهر على يديه من المعجزات، الخارقة للعادة؛ فكان الاعتقاد على هذا الاستدلال الذى نطق به القرآن، وعوّل عليه سلف الأمة هو الواجب اذ هو أصح وأبين، وفي التوصيل إلى المقصود أقرب؛ لأنه نظر عقلى بديهى، مركب على مقدمات من العلم، لا يقع الخلف في دلالتها.
وأما الاستدلال على ذلك بطريقة المتكلمين من الأشعريين، وإن كان من طرق العلم الصحيحة؛ فلا يؤمن العنت على راكبها، والانقطاع على سالكها؛ ولذلك تركه السلف المتقدم من أئمة الصحابة والتابعين، ولم يعولوا عليه، لا لعجزهم عنه؛ فقد كانوا ذوى عقول وافرة، وأفهام ثاقبة، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها.
فمن الحق الواجب على من ولاه امر المسلمين، أن ينهى العامة والمبتدئين عن قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعريين، ويمنعهم من ذلك غاية المنع، مخافة أن تنبو أفهامهم عن فهمها، فيضلون بقراءتها، ويلزمهم أن يقتصروا، فيما يلزم اعتقاده، على الاستدلال الذى نطق به القرآن ونبّه الله عبادة في محكم التنزيل، اذ هو بين واضح، لائح، يدرك ببديهة العقل بأيسر تأمل في الحين، فيبادروا بعد إلى تعلم ما يلزمهم التفقه فيه من أحكام الوضوء، والصلاة والزكاة، والصيام، وسائر الشرائع والآحكام، ومعرفة الحلال في المكاسب من الحرام.
......
هذا الواجب فيما سألت عنه، لا ما حكيته عن الطائفة المذكورة، من أنه يتعين على العالم والجاهل، قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعرية، والبداية بذلك قبل تعليم ما يقيم به أمر الله من وضوئه، وصلاته، وسائر العبادات المفترضة عليه، ويفكرون من خالف ذلك، وما الكفر الا في اعتقاد ما ذهبوا اليه من ذلك؛ لأنهم إذا لم يصلوا ولا صاموا، ولا حجوا، حتى يعرفوا الله تعالى من تلك الطريقة الغامضة البعيدة، قد لا يصلون إلى معرفة من تلك الطريقة الا بعد المدة الطويلة، أو تنبو أفهامهم عنها جملة فيمرقون عن الدين، ويخرجون من جملة المسلمين.
أعاذنا الله من الشيطان الرجيم، ولا بنا عن المنهج المستقيم، برحمته، انه منعم كريم.
وبالله التوفيق لا شريك له، قاله محمد بن رشد]
_____________________________