الباقلاني يثبت صفات الأعضاء ويمنع تفسير الاستواء بالاستيلاء:
مرسل: الثلاثاء نوفمبر 21, 2023 11:08 am
الباقلاني يثبت الوجه واليدين والعينين للمولى سبحانه وتعالى عما يقول ويدعي بأنه لا يجوز تفسير الاستواء بالاستيلاء.
وقبل بيان هذا أقول:
والله ما نريد إلا النصح لله تعالى لاعتقاد الصواب والعقيدة الحقة وترك الشوائب والابتعاد عن التشبيه والتجسيم وتمييع العقائد،
ونريد بيان أن كل من يقول قولاً غير صحيح أو باطلاً فقوله مردود لا يلتفت إليه ولا يجوز التعويل عليه وليس حجة علينا.
كل مرادنا أيها المنزهون من أهل السنة من هذا البيان الوصول لعقيدة التنزيه وتمييز الصواب من الخطأ أو الحق من الباطل وعدم الانسياق وراء العبارات المتخبطة المخربطة المتوّهة في العقائد،
ونحن لا نقصد الأشخاص كالباقلاني أو الأشعري أو غيرهما ونتمنى أن تكون كل تلك الكتب المنسوبة إليهما وإلى غيرهما لا تصح عنهم وأنهم مبرؤون مما فيها من تلك العقائد الفاسدة المحيّرة للضعفاء الذين لم يستبينوا فسادها لجلالة قدر مصنفيها في قلوبهم.
وأن طريقة من يؤول تلك الجمل والعبارات الواردة عنهم المفيدة للتشبيه والتجسيم المتطابقة مع عقيدة ابن تيمية بتأويلات متكلفة ركيكة ويدافع بالباطل وبالكلام الفارغ عن الخطأ والعبارات المحيرة المدخلة في التيه مخطىء مكابر.
ولعرض ما نريد بيانه الآن نقول:
قال الباقلاني في كتابه (التمهيد) ص (295):
[أبواب شتى في الصفات باب في أن لله وجها ويدين:
فإن قال قائل: فما الحجة في أن لله عز و جل وجها ويدين ؟!
قيل له: قوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وقوله {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ} فأثبت لنفسه وجها ويدين.
فإن قالوا: فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله {خلقت بيدي} أنه خلقه بقدرته أو بنعمته لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة كما يقال لي عند فلان يد بيضاء يراد به نعمة، وكما يقال هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان، يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه، ....
يقال لهم: هذا باطل لأن قوله {بيدي} يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان، وأنتم لا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين ؟! وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم...].
انتهى كلام الباقلاني من التمهيد.
وانتبهوا إلى أنه ليس هناك تعرّض لذكر الاستواء في كتاب التمهيد المطبوع لأنه قد تم حذفه، والنسخ المطبوعة منه غير موثوقة وخاصة الكتب التي تقوم بطبعها (مؤسسة الكتب الثقافية تحقيق عماد الدين أحمد حيدر تم تحريف وحذف وتغيير ما لا يوافقهم فيها)!!!!
وفي النسخة المخطوطة من كتاب (التمهيد) للباقلاني، ونقل الذهبي في العلو وابن القيم في اجتماع جيوشه من كتاب التمهيد للباقلاني أنه قال:
[فإن قال قائل: فهل تقولون أن الله في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال عز وجل: { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى } وقال تعالى: { إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }، وقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفي فمه وفي الحشوش وفي المواضع التي يرغب عن ذكرها، تعالى الله عن ذلك......
ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر: (قد استوى بشر على العراق..) لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَىْ } يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فبطل ما قالوه..].
وقال الباقلاني في الإنصاف:
[فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: {بل يداه مبسوطتان} وقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: {ولتصنع على عيني} و {تجري بأعيننا} وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقال في التمهيد ص (299) من المطبوع:
[صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها: وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان].
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!
فجعل كما ترون العينين صفة مغايرة للبصر!!
وعند أصحابنا الأشاعرة المنزهين في المتون والشروح والحواشي العين هي البصر.
والكلام في مثل هذا الكلام الممجوج عقائديا عند أهل التنزيه طويل الذيل!
إنكار الحافظ أبي حيان المفسر الأشعري على أبي بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري:
قال الحافظ أبوحيان رحمه الله تعالى في تفسيره ((البحر المحيط)) (4/316 طبعة دار الفكر):
[وقال قوم منهم القاضي أبوبكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تحديد، وقال قوم منهم الشعبي وابن المسبب والثوري نؤمن بها ونقرُّ كما نصت ولا نُعَيّن تفسيرها ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَنْ لم يمعن النظر في لسان العرب].
فتأملوا!!
وهذا عندي والله مما ينبغي أن يكتب بالذَّهَب.
ولاحظ الآن قول أئمة التنزيه الأشاعرة في هذه الأمور التي ذكرها الباقلاني:
قال إمام الحرمين في الإرشاد ص (137):
[ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا: حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود......
وكنا على الإضراب عن الكلام في الظواهر، فإذا عرض فسنشير إلى منها في الكتاب والسنة، وقد صرح بالاسترواح إليها الحشوية الرعاع المجسمة].
وقال الفخر الرازي في مقدمة أساس التقديس ص (1):
[فاستواؤه قهره واستيلاؤه، ونزوله بِرُّهُ وعطاؤه، ومجيئه حكمه وقضاؤه، ووجهه وجوده أو جوده وحِبَاؤه، وعينه حفظه وعونه واجتباؤه..].
افتتح الفخر رحمه الله تعالى كتابه بما ينبي بأنه من أهل التأويل وليس من أهل التفويض والحيرة، فبيَّن معنى الاستواء بأنه القهر والاستيلاء وهو الصحيح المختار.
وقال الفخر الرازي في أساس التقديس ص (204) أثناء الكلام على الاستواء:
[وإذا ثبت هذا ظهر أنه ليس المراد من الاستواء الاستقرار. فوجب أن يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية].
وقال العضد الإيجي في المواقف (1/207):
[الرحمن على العرش استوى: فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء بالاستيلاء أو يجعل الجلوس على العرش كناية عن الملك].
وهذا الكلام من عقلاء الأشاعرة المنزهين يدفع الاضطراب والحيرة ويكشف المعنى المراد والمقصود من القرآن العربي الذي نزل بلسان عربي مبين يفهمه الناس ويتدبروا معانيه، { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}.
ثم تأملوا التوافق بين ما يقوله الباقلاني وما ذكره ابن تيمية في كتبه وإليكم بعض ذلك:
قال ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية ص (50):
[قال البخاري وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي].
فهذه العبارة تدعو إلى اتخاذ ما في قلوب العامة مرجعا وحكما وإلى وجوب الرجوع إلى ما في قلوب العامة مع اختلاف ما فيها! مع أن المرجع والحكم هو كتاب الله وسنة رسوله حسب القواعد الشرعية الموجودة فيهما مع لغة العرب!
وقال في العقيدة الحموية الكبرى ص (43):
[وقال أبو نعيم الأصبهاني صاحب " الحلية " في عقيدة له قال في أولها: " طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة ; قال فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله يقولون بها ; ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه].
وقال في مجموع الفتاوى (1/256):
[استوى على العرش حقيقة ؛ لكن بلا تكييف ولا تشبيه. قلت وهذا هو في " العقيدة " بهذا اللفظ بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل].
فابن تيمية في هذه النصوص أيضاً يقول بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف! وجمع أقوال هؤلاء هي إمرار وتفويض مؤدٍ إلى التجسيم والتشبيه وإن أنكروه، وهو يدعو إلى عدم فهم القرآن باللسان العربي المبين وإن ادعوا إنكار التشبيه والتجسيم!
والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل
___________(تعليقات مفيدة)____________
الباقلاني توفي سنة (403) هـ
وقد لفت نظري في ترجمته أمران:
(الأول): ما ذكره ابن كثير في ((البدايـــة)) (11/350):
((وقيل إنه كان يكتب على الفتاوى: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، وهذا غريب جداً)). والأمــــر.
و(الثاني): ما ذكره الذهبي في ((السير)) (17/193) في ترجمته:
((أَمَرَ شيخ الحنابلة أبوالفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة))!!!
فهذا أمر عجب عجاب مع ما عرف به الحنابلة من معاداتهم للأشعرية!! وشدة بغضهم لهم!!
وقال الذهبي في ترجمة شيخ الحنابلة التميمي في ((السير)) (17/273) أيضاً:
((كان صديقاً للقاضي أبي بكر الباقلاني وموادَّاً له)). وفي كتاب ((تبيين كذب المفتري)) لابن عساكر بيان أكثر من هذا عن هذه الصداقة!!
وممَّا يُردُّ به من قواعدِ العربية على من يُثبتُ للَّهِ وجْهًا تعالى الله عن ذلكَ.
أنَّ قولَهُ تعالَى: (وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، جاءتْ فيه كلمَةُ (ذُو) نَعْتًا مرفوعًا بالواو تبَعًا للمنعُوتِ (وَجْهُ) في رفعِه.
ويُعْلَمُ بالضَرورة أنَّ الوَجْهَ في ذَاتِهِ لا يُقالُ لَهُ (ذُو الجَلالِ والإكرامِ)، وفي هذا قال اللُّغَوي الطَّاهر ابنُ عَاشور: [الوجه الحقيقي لا يضاف للإِكرام في عرف اللغة]
وقَال الطبري: [وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مِنْ نَعْتِ الْوَجْهِ فَلِذَلِكَ رَفَعَ ذُو]
وجاءَ في تفسير تاج القُرَّاء: [ولهذا أجمعوا على الرفع في قوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ) لأنه هو سبحانه]
وَلوْ قال تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ) بجَرِّ (ذي) نعْتاً لِـ (رَبِّكَ) المجرور بالإضافة، لكَانَ لَهُمْ شُبهَةُ نِقَاشٍ في هَذِهِ المسْألَةِ، كمَا قال تعالَى في قولِهِ: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، مَعَ أنَّه لوْ وَرد ذلكَ أيضاً لوجب تأويله لأمُورٍ أخرى.
لكْنَّ الآيَة بحمدِ الله واضِحَة، ويجِبُ وجوباً لازِماً تأْويلُهَا، كما قال الفخر الرازي:
[فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الْمَعْنَى يُرِيدُونَهُ إِلَّا أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ لَفْظَ (الْوَجْهِ) لِلتَّعْظِيمِ، كَمَا يُقَالُ هَذَا (وَجْهُ الرَّأْيِ) وَهَذَا (وَجْهُ الدَّلِيلِ)].
ومِمَّنْ أوْجَبَ التأويل في هَذه الآية أيضا الطَّاهر ابنُ عَاشور، قَالَ:
[وَاصْطَلَحَ عُلَمَاءُ الْعَقَائِدِ عَلَى تَسْمِيَةِ مِثْلِ هَذَا بِالْمُتَشَابِهِ وَكَانَ السّلف يحجمون عَن الْخَوْض فِي ذَلِكَ مَعَ الْيَقِينِ بِاسْتِحَالَةِ ظَاهِرَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَنَاوَلَهُ عُلَمَاء التَّابِعين وَمن بعدهمْ بالتأويل تدريجا إِلَــى أَنِ اتَّضَحَ وَجْهُ التَّأْوِيلِ بِالْجَرْيِ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْمَعَانِي فَزَالَ الْخَفَاءُ، واندفع الْجفَاء، وكلا الْفَرِيقَيْنِ خِيرَةُ الْحُنَفَاءِ].
وفي قولهِ:
[إِلَى أَنِ اتَّضَحَ وَجْهُ التَّأْوِيلِ بِالْجَرْيِ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْمَعَانِي فَزَالَ الْخَفَاءُ، واندفع الْجفَاء] دليلٌ على إيجابِهِ تأويلَ الآيَةِ لوُضوحِ المعنَى بشكلٍ لا يقبلُ شكَّاً.
ومن بين الإشكالاتِ أيْضاً للفَرِحينَ بظَاهِرِ الآيَةِ في إثْبَاتِ الوَجْهِ، أنَّ ظاهِرَهَا مُشْكِلٌ من جِهَة أنَّهُ صَريحٌ بفناءِ كُلِّ شَيْءٍ عَدَا وجْهِ الله، ويُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)، فيَلزَمُ مِنْهُ ظَاهراً أن تَفْنَى وتَهْلَكَ كُلُّ صِفَاتِ اللهِ الأخرى غيْرِ الوْجْهِ، وحاشاَ للَّهِ.
ومِنْ هُنا يجبُ التَّأويلُ بشكْلِ لا مُدَاهَنَةَ فيه.
وَقَدْ أفَدْنَا هَذَا من الدُّكتور عدنان إبْرَاهِيم، وأحَالَنَا على كتابِ تلْخيصِ البيانِ فى مَجازاتِ القرآن لِـ الشَّريف الرضى إذْ تحدَّثَ عنْ هذه المسأَلة.
________________________
وقبل بيان هذا أقول:
والله ما نريد إلا النصح لله تعالى لاعتقاد الصواب والعقيدة الحقة وترك الشوائب والابتعاد عن التشبيه والتجسيم وتمييع العقائد،
ونريد بيان أن كل من يقول قولاً غير صحيح أو باطلاً فقوله مردود لا يلتفت إليه ولا يجوز التعويل عليه وليس حجة علينا.
كل مرادنا أيها المنزهون من أهل السنة من هذا البيان الوصول لعقيدة التنزيه وتمييز الصواب من الخطأ أو الحق من الباطل وعدم الانسياق وراء العبارات المتخبطة المخربطة المتوّهة في العقائد،
ونحن لا نقصد الأشخاص كالباقلاني أو الأشعري أو غيرهما ونتمنى أن تكون كل تلك الكتب المنسوبة إليهما وإلى غيرهما لا تصح عنهم وأنهم مبرؤون مما فيها من تلك العقائد الفاسدة المحيّرة للضعفاء الذين لم يستبينوا فسادها لجلالة قدر مصنفيها في قلوبهم.
وأن طريقة من يؤول تلك الجمل والعبارات الواردة عنهم المفيدة للتشبيه والتجسيم المتطابقة مع عقيدة ابن تيمية بتأويلات متكلفة ركيكة ويدافع بالباطل وبالكلام الفارغ عن الخطأ والعبارات المحيرة المدخلة في التيه مخطىء مكابر.
ولعرض ما نريد بيانه الآن نقول:
قال الباقلاني في كتابه (التمهيد) ص (295):
[أبواب شتى في الصفات باب في أن لله وجها ويدين:
فإن قال قائل: فما الحجة في أن لله عز و جل وجها ويدين ؟!
قيل له: قوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وقوله {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ} فأثبت لنفسه وجها ويدين.
فإن قالوا: فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله {خلقت بيدي} أنه خلقه بقدرته أو بنعمته لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة كما يقال لي عند فلان يد بيضاء يراد به نعمة، وكما يقال هذا الشيء في يد فلان وتحت يد فلان، يراد به أنه تحت قدرته وفي ملكه، ....
يقال لهم: هذا باطل لأن قوله {بيدي} يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان، وأنتم لا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين ؟! وقد أجمع المسلمون من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان فبطل ما قلتم...].
انتهى كلام الباقلاني من التمهيد.
وانتبهوا إلى أنه ليس هناك تعرّض لذكر الاستواء في كتاب التمهيد المطبوع لأنه قد تم حذفه، والنسخ المطبوعة منه غير موثوقة وخاصة الكتب التي تقوم بطبعها (مؤسسة الكتب الثقافية تحقيق عماد الدين أحمد حيدر تم تحريف وحذف وتغيير ما لا يوافقهم فيها)!!!!
وفي النسخة المخطوطة من كتاب (التمهيد) للباقلاني، ونقل الذهبي في العلو وابن القيم في اجتماع جيوشه من كتاب التمهيد للباقلاني أنه قال:
[فإن قال قائل: فهل تقولون أن الله في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه فقال عز وجل: { الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى } وقال تعالى: { إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }، وقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفي فمه وفي الحشوش وفي المواضع التي يرغب عن ذكرها، تعالى الله عن ذلك......
ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر: (قد استوى بشر على العراق..) لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَىْ } يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فبطل ما قالوه..].
وقال الباقلاني في الإنصاف:
[فنص تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته، وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن، في قوله عز وجل: {بل يداه مبسوطتان} وقوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} وأنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: {ولتصنع على عيني} و {تجري بأعيننا} وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقال في التمهيد ص (299) من المطبوع:
[صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها: وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان].
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!
فجعل كما ترون العينين صفة مغايرة للبصر!!
وعند أصحابنا الأشاعرة المنزهين في المتون والشروح والحواشي العين هي البصر.
والكلام في مثل هذا الكلام الممجوج عقائديا عند أهل التنزيه طويل الذيل!
إنكار الحافظ أبي حيان المفسر الأشعري على أبي بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري:
قال الحافظ أبوحيان رحمه الله تعالى في تفسيره ((البحر المحيط)) (4/316 طبعة دار الفكر):
[وقال قوم منهم القاضي أبوبكر بن الطيب: هذه كلها صفات زائدة على الذات ثابتة لله تعالى من غير تشبيه ولا تحديد، وقال قوم منهم الشعبي وابن المسبب والثوري نؤمن بها ونقرُّ كما نصت ولا نُعَيّن تفسيرها ولا يسبق النظر فيه. وهذان القولان حديث مَنْ لم يمعن النظر في لسان العرب].
فتأملوا!!
وهذا عندي والله مما ينبغي أن يكتب بالذَّهَب.
ولاحظ الآن قول أئمة التنزيه الأشاعرة في هذه الأمور التي ذكرها الباقلاني:
قال إمام الحرمين في الإرشاد ص (137):
[ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعينين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا: حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود......
وكنا على الإضراب عن الكلام في الظواهر، فإذا عرض فسنشير إلى منها في الكتاب والسنة، وقد صرح بالاسترواح إليها الحشوية الرعاع المجسمة].
وقال الفخر الرازي في مقدمة أساس التقديس ص (1):
[فاستواؤه قهره واستيلاؤه، ونزوله بِرُّهُ وعطاؤه، ومجيئه حكمه وقضاؤه، ووجهه وجوده أو جوده وحِبَاؤه، وعينه حفظه وعونه واجتباؤه..].
افتتح الفخر رحمه الله تعالى كتابه بما ينبي بأنه من أهل التأويل وليس من أهل التفويض والحيرة، فبيَّن معنى الاستواء بأنه القهر والاستيلاء وهو الصحيح المختار.
وقال الفخر الرازي في أساس التقديس ص (204) أثناء الكلام على الاستواء:
[وإذا ثبت هذا ظهر أنه ليس المراد من الاستواء الاستقرار. فوجب أن يكون المراد هو الاستيلاء والقهر ونفاذ القدر وجريان الأحكام الإلهية].
وقال العضد الإيجي في المواقف (1/207):
[الرحمن على العرش استوى: فإنه يدل على الجلوس وقد عارضه الدليل العقلي الدال على استحالة الجلوس في حقه تعالى فيؤول الاستواء بالاستيلاء أو يجعل الجلوس على العرش كناية عن الملك].
وهذا الكلام من عقلاء الأشاعرة المنزهين يدفع الاضطراب والحيرة ويكشف المعنى المراد والمقصود من القرآن العربي الذي نزل بلسان عربي مبين يفهمه الناس ويتدبروا معانيه، { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}.
ثم تأملوا التوافق بين ما يقوله الباقلاني وما ذكره ابن تيمية في كتبه وإليكم بعض ذلك:
قال ابن تيمية في شرح العقيدة الأصفهانية ص (50):
[قال البخاري وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي].
فهذه العبارة تدعو إلى اتخاذ ما في قلوب العامة مرجعا وحكما وإلى وجوب الرجوع إلى ما في قلوب العامة مع اختلاف ما فيها! مع أن المرجع والحكم هو كتاب الله وسنة رسوله حسب القواعد الشرعية الموجودة فيهما مع لغة العرب!
وقال في العقيدة الحموية الكبرى ص (43):
[وقال أبو نعيم الأصبهاني صاحب " الحلية " في عقيدة له قال في أولها: " طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة ; قال فمما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش واستواء الله يقولون بها ; ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه].
وقال في مجموع الفتاوى (1/256):
[استوى على العرش حقيقة ؛ لكن بلا تكييف ولا تشبيه. قلت وهذا هو في " العقيدة " بهذا اللفظ بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل].
فابن تيمية في هذه النصوص أيضاً يقول بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف! وجمع أقوال هؤلاء هي إمرار وتفويض مؤدٍ إلى التجسيم والتشبيه وإن أنكروه، وهو يدعو إلى عدم فهم القرآن باللسان العربي المبين وإن ادعوا إنكار التشبيه والتجسيم!
والله سبحانه يقول الحق وهو يهدي السبيل
___________(تعليقات مفيدة)____________
الباقلاني توفي سنة (403) هـ
وقد لفت نظري في ترجمته أمران:
(الأول): ما ذكره ابن كثير في ((البدايـــة)) (11/350):
((وقيل إنه كان يكتب على الفتاوى: كتبه محمد بن الطيب الحنبلي، وهذا غريب جداً)). والأمــــر.
و(الثاني): ما ذكره الذهبي في ((السير)) (17/193) في ترجمته:
((أَمَرَ شيخ الحنابلة أبوالفضل التميمي منادياً يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة))!!!
فهذا أمر عجب عجاب مع ما عرف به الحنابلة من معاداتهم للأشعرية!! وشدة بغضهم لهم!!
وقال الذهبي في ترجمة شيخ الحنابلة التميمي في ((السير)) (17/273) أيضاً:
((كان صديقاً للقاضي أبي بكر الباقلاني وموادَّاً له)). وفي كتاب ((تبيين كذب المفتري)) لابن عساكر بيان أكثر من هذا عن هذه الصداقة!!
وممَّا يُردُّ به من قواعدِ العربية على من يُثبتُ للَّهِ وجْهًا تعالى الله عن ذلكَ.
أنَّ قولَهُ تعالَى: (وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، جاءتْ فيه كلمَةُ (ذُو) نَعْتًا مرفوعًا بالواو تبَعًا للمنعُوتِ (وَجْهُ) في رفعِه.
ويُعْلَمُ بالضَرورة أنَّ الوَجْهَ في ذَاتِهِ لا يُقالُ لَهُ (ذُو الجَلالِ والإكرامِ)، وفي هذا قال اللُّغَوي الطَّاهر ابنُ عَاشور: [الوجه الحقيقي لا يضاف للإِكرام في عرف اللغة]
وقَال الطبري: [وَذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مِنْ نَعْتِ الْوَجْهِ فَلِذَلِكَ رَفَعَ ذُو]
وجاءَ في تفسير تاج القُرَّاء: [ولهذا أجمعوا على الرفع في قوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ) لأنه هو سبحانه]
وَلوْ قال تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ) بجَرِّ (ذي) نعْتاً لِـ (رَبِّكَ) المجرور بالإضافة، لكَانَ لَهُمْ شُبهَةُ نِقَاشٍ في هَذِهِ المسْألَةِ، كمَا قال تعالَى في قولِهِ: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، مَعَ أنَّه لوْ وَرد ذلكَ أيضاً لوجب تأويله لأمُورٍ أخرى.
لكْنَّ الآيَة بحمدِ الله واضِحَة، ويجِبُ وجوباً لازِماً تأْويلُهَا، كما قال الفخر الرازي:
[فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الْمَعْنَى يُرِيدُونَهُ إِلَّا أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ لَفْظَ (الْوَجْهِ) لِلتَّعْظِيمِ، كَمَا يُقَالُ هَذَا (وَجْهُ الرَّأْيِ) وَهَذَا (وَجْهُ الدَّلِيلِ)].
ومِمَّنْ أوْجَبَ التأويل في هَذه الآية أيضا الطَّاهر ابنُ عَاشور، قَالَ:
[وَاصْطَلَحَ عُلَمَاءُ الْعَقَائِدِ عَلَى تَسْمِيَةِ مِثْلِ هَذَا بِالْمُتَشَابِهِ وَكَانَ السّلف يحجمون عَن الْخَوْض فِي ذَلِكَ مَعَ الْيَقِينِ بِاسْتِحَالَةِ ظَاهِرَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَنَاوَلَهُ عُلَمَاء التَّابِعين وَمن بعدهمْ بالتأويل تدريجا إِلَــى أَنِ اتَّضَحَ وَجْهُ التَّأْوِيلِ بِالْجَرْيِ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْمَعَانِي فَزَالَ الْخَفَاءُ، واندفع الْجفَاء، وكلا الْفَرِيقَيْنِ خِيرَةُ الْحُنَفَاءِ].
وفي قولهِ:
[إِلَى أَنِ اتَّضَحَ وَجْهُ التَّأْوِيلِ بِالْجَرْيِ عَلَى قَوَاعِدِ عِلْمِ الْمَعَانِي فَزَالَ الْخَفَاءُ، واندفع الْجفَاء] دليلٌ على إيجابِهِ تأويلَ الآيَةِ لوُضوحِ المعنَى بشكلٍ لا يقبلُ شكَّاً.
ومن بين الإشكالاتِ أيْضاً للفَرِحينَ بظَاهِرِ الآيَةِ في إثْبَاتِ الوَجْهِ، أنَّ ظاهِرَهَا مُشْكِلٌ من جِهَة أنَّهُ صَريحٌ بفناءِ كُلِّ شَيْءٍ عَدَا وجْهِ الله، ويُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)، فيَلزَمُ مِنْهُ ظَاهراً أن تَفْنَى وتَهْلَكَ كُلُّ صِفَاتِ اللهِ الأخرى غيْرِ الوْجْهِ، وحاشاَ للَّهِ.
ومِنْ هُنا يجبُ التَّأويلُ بشكْلِ لا مُدَاهَنَةَ فيه.
وَقَدْ أفَدْنَا هَذَا من الدُّكتور عدنان إبْرَاهِيم، وأحَالَنَا على كتابِ تلْخيصِ البيانِ فى مَجازاتِ القرآن لِـ الشَّريف الرضى إذْ تحدَّثَ عنْ هذه المسأَلة.
________________________