تكملة موضوع الأعمال شرط الإيمان وقضية الكبائر (الحلقة3)
مرسل: الاثنين ديسمبر 04, 2023 8:52 am
ذهب علماء العترة المطهرة والمعتزلة والإباضية (ومن يقول بتكفير تارك الصلاة من أهل السنة كأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه) وغيرهم إلى أن صاحب الكبيرة كمن يقتل مسلماً عمداً مخلد في نار جهنم وغير خارج
منها، لقوله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } النساء: 93، فلم يُفَرِّق الله تعالى بين أصحاب الكبائر ـ ومنهم قاتل النفس ـ في المصير وبين الكفار حيث قال سبحانه في الكفار: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة: 39.
وقال سبحانه في أصحاب الكبائر: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا } النساء: 31، وقال: { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة: 81، وقال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } النساء: 14، وقال: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } التوبة : 63، وقال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } الجن : 23، والآيات في بيان ذلك كثيرة.
أما الأحاديث الصحيحة: فروى البخاري (5778) ومسلم (109) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) رواه البخاري (7151) ومسلم (142) عن معقل بن يسار.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) رواه البخاري (3166) وغيره من حديث ابن عمرو.
هذا هو المقرر في القرآن الكريم والسنة الصحيحة الموافقة لكتاب الله تعالى، وأما الأحاديث المعارضة لذلك فهي أحاديث مردودة لأنها معارضة للقطعي.
منها: حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ:
((وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ)).. الحديث، قال البخاري عقبه: ((هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ غُفِرَ لَهُ)). رواه البخاري (5827) ومسلم (94). فالبخاري لا يقول بظاهره على وجه العموم. ورواه أحمد في المسند (2/357) عن أبي الدرداء أيضاً ولا يصح كما قال البخاري في الصحيح عقب الحديث رقم (6443)، وقال المعلق على مسند أحمد: (14/311): ((إسناده صحيح))! وليس كذلك! بل ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/150) وقال بأنه منكر موقوفاً ومرفوعاً، والصواب أن فيه انقطاعاً بين عطاء بن يسار وأبي الدرداء، كما نص البخاري على ذلك فيما نقله الذهبي في ((الميزان)) (3/77/5654).
وحديث أبي ذر هذا يعارض حديث أبي هريرة: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..)) رواه البخاري (6782) ومسلم (57)، وهو ـ أي حديث أبي ذر ـ من رواية زيد بن وهب وقد قال فيه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/769): ((وحديث زيد به خلل كثير))، وقد ذكرنا هذا عند حديث: ((إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً))، وقال الحافظ أحمد ابن منيع ـ كما نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في ((المطالب العالية)) (3739) ـ معلِّقاً على حديث أبي ذرٍّ: (هذا إذا تاب)، وروى الحاكم في المستدرك (4/419) عن حذيفة قال: إني لأعلم أهل دينين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في النار: قوم يقولون.. وقوم يقولون إنما الإيمان كلام وإن زنى وإن سرق. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يوافيَ عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)) رواه البخاري (6422) ومسلم (33). وهذا يعارض ما ثبت عندهم من أن العصاة يدخلون النار ثم يخرجون منها، ومن تأول قوله (إلا حرم الله عليه النار) أي حرَّم عليه الخلود فيها فقد أخطأ وأبعد، لأنه جاء في رواية أخرى للحديث نفسه في مسلم (33): ((لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه)) فهذا التصريح يناقض ويعارض ذلك التأويل كما يجعل هذا الحديث معارضاً القطعيات، وحديث عتبان هذا أنكره أبو أيوب الأنصاري الصحابي كما في صحيح البخاري (1186) حيث قال: ((والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلتَ قطُّ..)). قال الترمذي في ((السنن)) عقب الحديث رقم (2638): [وقد روي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) فقال: إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، قال أبو عيسى ـ أي الترمذي ـ: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عُذِّبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار]. وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) والنووي في ((شرح مسلم)) (1/219): [وهَذِهِ الأحَادِيث كُلّهَا سَرَدَهَا مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه، فَحَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه مِنْهُمْ اِبْن الْمُسَيِّب أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالأمْر وَالنَّهْي، وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ مُجْمَلَة تَحْتَاج إِلَى شَرْح، وَمَعْنَاهُ: مَنْ قَالَ الْكَلِمَة وَأَدَّى حَقّهَا وَفَرِيضَتهَا. وَهَذَا قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة. وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ. وَهَذِهِ التَّأْوِيلات إِنَّمَا هِيَ إِذَا حُمِلَتْ الأحَادِيث عَلَى ظَاهِرهَا..]. وقال الحافظ في ((الفتح)) (11/269) عند شرح حديث ((وإن زنى وإن سرق)): [لأنه تقرر عند أبي ذرٍ من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب،... وقد حمل البخاري الحديث.. على من تاب عند الموت.. ففي الحديث حجة لأهل السنة وردٌّ على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة مخلد في النار، لكن في الاستدلال به نظر، لما مرَّ من سياق كعب بن ذهل عن أبي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءاً أو ظلم نفسه ثم استغفر، وسنده جيد عند الطبراني... وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في أن ((من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) وفي بعضها ((حرم على النار)) أن ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، وهو مروي عن سعيد بن المسيب والزهري.... قال الطيبـي: قال بعض المحققين قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظناً أن ترك الشرك كاف، وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى مهملين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى... فلا راحة للتمسك به في ترك العمل..]. وقد نشر الناس فيما بعد عهد الخلفاء الراشدين هذه الأحاديث التي يجمعها معنى: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وحرم الله عليه النار) واعتقدوا أنهم ينجون فقط بعقد القلب على الإيمان والنطق بالشهادتين، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن بنشر ذلك على عامة الناس خشية أن يظنوا بأنهم إن قالوها وتركوا العمل نجوا، وقد جاء ذلك صريحاً بالأسانيد الصحيحة، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)) قال: ألا أبشر الناس ؟ قال: ((لا إني أخاف أن يَتَّكِلُوا)). رواه البخاري (129)، ومسلم (30). قال الحافظ ابن حجر في شرحه في ((الفتح)) (1/226): [فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة. قال: ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به، وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضاً بأجوبة أخرى: منها: أن مطلقه مقيَّد بمن قالها تائباً ثم مات على ذلك. ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض..]. أقول: ليس في ذلك نظر لأن أبا هريرة وغيره كثيراً ما يروون أحاديث في وقائع لم يشهدوها وإنما رووها عمن شهدها من الصحابة الذين حضروها كما هو معلوم عند أهل الاختصاص.
منها، لقوله تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } النساء: 93، فلم يُفَرِّق الله تعالى بين أصحاب الكبائر ـ ومنهم قاتل النفس ـ في المصير وبين الكفار حيث قال سبحانه في الكفار: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة: 39.
وقال سبحانه في أصحاب الكبائر: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا } النساء: 31، وقال: { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } البقرة: 81، وقال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } النساء: 14، وقال: { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } التوبة : 63، وقال: { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } الجن : 23، والآيات في بيان ذلك كثيرة.
أما الأحاديث الصحيحة: فروى البخاري (5778) ومسلم (109) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) رواه البخاري (7151) ومسلم (142) عن معقل بن يسار.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) رواه البخاري (3166) وغيره من حديث ابن عمرو.
هذا هو المقرر في القرآن الكريم والسنة الصحيحة الموافقة لكتاب الله تعالى، وأما الأحاديث المعارضة لذلك فهي أحاديث مردودة لأنها معارضة للقطعي.
منها: حديث أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟! قَالَ:
((وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ)).. الحديث، قال البخاري عقبه: ((هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ غُفِرَ لَهُ)). رواه البخاري (5827) ومسلم (94). فالبخاري لا يقول بظاهره على وجه العموم. ورواه أحمد في المسند (2/357) عن أبي الدرداء أيضاً ولا يصح كما قال البخاري في الصحيح عقب الحديث رقم (6443)، وقال المعلق على مسند أحمد: (14/311): ((إسناده صحيح))! وليس كذلك! بل ذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/150) وقال بأنه منكر موقوفاً ومرفوعاً، والصواب أن فيه انقطاعاً بين عطاء بن يسار وأبي الدرداء، كما نص البخاري على ذلك فيما نقله الذهبي في ((الميزان)) (3/77/5654).
وحديث أبي ذر هذا يعارض حديث أبي هريرة: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..)) رواه البخاري (6782) ومسلم (57)، وهو ـ أي حديث أبي ذر ـ من رواية زيد بن وهب وقد قال فيه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/769): ((وحديث زيد به خلل كثير))، وقد ذكرنا هذا عند حديث: ((إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً))، وقال الحافظ أحمد ابن منيع ـ كما نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في ((المطالب العالية)) (3739) ـ معلِّقاً على حديث أبي ذرٍّ: (هذا إذا تاب)، وروى الحاكم في المستدرك (4/419) عن حذيفة قال: إني لأعلم أهل دينين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في النار: قوم يقولون.. وقوم يقولون إنما الإيمان كلام وإن زنى وإن سرق. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وعن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يوافيَ عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)) رواه البخاري (6422) ومسلم (33). وهذا يعارض ما ثبت عندهم من أن العصاة يدخلون النار ثم يخرجون منها، ومن تأول قوله (إلا حرم الله عليه النار) أي حرَّم عليه الخلود فيها فقد أخطأ وأبعد، لأنه جاء في رواية أخرى للحديث نفسه في مسلم (33): ((لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه)) فهذا التصريح يناقض ويعارض ذلك التأويل كما يجعل هذا الحديث معارضاً القطعيات، وحديث عتبان هذا أنكره أبو أيوب الأنصاري الصحابي كما في صحيح البخاري (1186) حيث قال: ((والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلتَ قطُّ..)). قال الترمذي في ((السنن)) عقب الحديث رقم (2638): [وقد روي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) فقال: إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، قال أبو عيسى ـ أي الترمذي ـ: ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عُذِّبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار]. وقال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) والنووي في ((شرح مسلم)) (1/219): [وهَذِهِ الأحَادِيث كُلّهَا سَرَدَهَا مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه، فَحَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه مِنْهُمْ اِبْن الْمُسَيِّب أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالأمْر وَالنَّهْي، وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ مُجْمَلَة تَحْتَاج إِلَى شَرْح، وَمَعْنَاهُ: مَنْ قَالَ الْكَلِمَة وَأَدَّى حَقّهَا وَفَرِيضَتهَا. وَهَذَا قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة. وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ. وَهَذِهِ التَّأْوِيلات إِنَّمَا هِيَ إِذَا حُمِلَتْ الأحَادِيث عَلَى ظَاهِرهَا..]. وقال الحافظ في ((الفتح)) (11/269) عند شرح حديث ((وإن زنى وإن سرق)): [لأنه تقرر عند أبي ذرٍ من الآيات والآثار الواردة في وعيد أهل الكبائر بالنار وبالعذاب،... وقد حمل البخاري الحديث.. على من تاب عند الموت.. ففي الحديث حجة لأهل السنة وردٌّ على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة مخلد في النار، لكن في الاستدلال به نظر، لما مرَّ من سياق كعب بن ذهل عن أبي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءاً أو ظلم نفسه ثم استغفر، وسنده جيد عند الطبراني... وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في أن ((من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة)) وفي بعضها ((حرم على النار)) أن ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي، وهو مروي عن سعيد بن المسيب والزهري.... قال الطيبـي: قال بعض المحققين قد يتخذ من أمثال هذه الأحاديث المبطلة ذريعة إلى طرح التكاليف وإبطال العمل ظناً أن ترك الشرك كاف، وهذا يستلزم طي بساط الشريعة وإبطال الحدود وأن الترغيب في الطاعة والتحذير عن المعصية لا تأثير له بل يقتضي الانخلاع عن الدين والانحلال عن قيد الشريعة والخروج عن الضبط والولوج في الخبط وترك الناس سدى مهملين وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن يفضي إلى خراب الأخرى... فلا راحة للتمسك به في ترك العمل..]. وقد نشر الناس فيما بعد عهد الخلفاء الراشدين هذه الأحاديث التي يجمعها معنى: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وحرم الله عليه النار) واعتقدوا أنهم ينجون فقط بعقد القلب على الإيمان والنطق بالشهادتين، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن بنشر ذلك على عامة الناس خشية أن يظنوا بأنهم إن قالوها وتركوا العمل نجوا، وقد جاء ذلك صريحاً بالأسانيد الصحيحة، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة)) قال: ألا أبشر الناس ؟ قال: ((لا إني أخاف أن يَتَّكِلُوا)). رواه البخاري (129)، ومسلم (30). قال الحافظ ابن حجر في شرحه في ((الفتح)) (1/226): [فعلم أن ظاهره غير مراد، فكأنه قال: إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة. قال: ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به، وقد أجاب العلماء عن الإشكال أيضاً بأجوبة أخرى: منها: أن مطلقه مقيَّد بمن قالها تائباً ثم مات على ذلك. ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض، وفيه نظر لأن مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم، وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض..]. أقول: ليس في ذلك نظر لأن أبا هريرة وغيره كثيراً ما يروون أحاديث في وقائع لم يشهدوها وإنما رووها عمن شهدها من الصحابة الذين حضروها كما هو معلوم عند أهل الاختصاص.