حكم أخذ الإبر في الوريد وفي العضل للصائم:

المذهب الشافعي
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

حكم أخذ الإبر في الوريد وفي العضل للصائم:

مشاركة بواسطة cisayman3 »

حكم أخذ الإبر في الوريد وفي العضل للصائم:
الأصل في الصيام الامتناع عن الأكل والشرب والجماع وهنا وردت عدة مسائل تتعلق بهذا الأمر وهي: الاكتحال في العين والتقطير في العين والأنف والأذن وأخذ المريض في العروق الغذاء (مادة الجلوكوز) والإبرة للتداوي، والنشوق وبعض الأدوية الأخرى.
والأصل في ذلك منع إدخال أي شيء إلى الجوف وقد نص بعض الفقهاء على أنه لو ابتلع حصاة أفطر، كما نص على ذلك الإمام النووي في شرح المهذب (6/317) وانظر شرح فتح القدير لابن الهمام (2/332و336).
فالإبرة سواء كانت للتغذية أو للدواء فإنها تصل بواسطة الدم إلى الجوف وإلى جميع أجزاء الجسم أثناء الدورة الدموية فـتصل إلى القلب أو إلى الكبد أو إلى الأمعاء وهي من الجوف فيفطر بها.
وقد نص الفقهاء على أنه من طعن نفسه أو غرز شيئاً في بطنه أفطر بخلاف من طعن نفسه أو غرز شيئاً في فخذه مثلاً لأن الفخذ ليست جوفاً.
وقد اجتمعت الأدلة على أن الفطر يقع على كل ما يدخل إلى الجوف. وضابطه أنه يفطر بكل عينٍ وصلت من الظاهر إلى الباطن عن قصد أي عالماً عامداً مختاراً مع ذِكْرِ الصوم. نص عليه وضبطه الحصني في كفاية الأخيار (1/205) طبعة دار الفكر، والبقاعي في "فيض الإله المالك شرح عمدة السالك" (1/278) وغيرهما.
والأصل فيه ما روي عن عبد الله بن مسعود(3) وابن عباس قالا: (الفطر مما دخل وليس مما خرج)(4) وهو ثابت عنهما، وقد روي هذا مرفوعاً من طريق السيدة عائشة(5) وفي السند سلمى البكرية امرأة لا تعرف.
فمجموع ما ورد من مثل (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) مع أثر (الفطر مما دخل وليس مما خرج) مع ما ورد في القرآن الكريم من تحريم الأكل والشرب على الصائم مع النظر إلى معنى الصيام وهو منع الصائم من الأكل والشرب يفيد كل هذا أن المقصود من الصيام منع إدخال المسلم شيئاً إلى جوفه. فقول من قال بأن الممنوع منه هو إيصال شيء إلى الجهاز الهضمي قول غير صحيح ؛ لأنَّ تغذية الجسم بواسطة الجلوكوز أو نحوه من عِرق في الجسم هو وصوله إلى الجسم دون الجهاز الهضمي وهو خَرْقٌ لمعنى الصيام وإبطاله(6)، ولأن هذا في الحقيقة طعام وشراب جاهز.
ومن قال بأن الإبرة (الحقنة) العضلية لا تفطر يقول بأن إبرة التغذية تفطر مع أن كليهما من منفذ غير مفتوح أصلاً، والتمسك بقول بعض الفقهاء (من منفذ غير مفتوح) تمسك لا يصح وذلك لأن قول بعض الفقهاء ليس كنص الكتاب والسنة المنزهان عن الخطأ بل هو اجتهاد يصيب ويخطئ، على أن قول الفقهاء من منفذ مفتوح لا يقصدون به الإبر لأن الإبر لم تكن في زمنهم وإنما يَعْنُون ويقصدون به الاحترازات عن مسامات الجسم المتشربة مثلاً للماء وقت الاستحمام وكذا للدهون والعطور التي يضعها الإنسان على جسده(7).
ويدل على ذلك قول الفقيه ابن حجر الهيتمي المكي مثلاً في كتابه "فتح الجواد بشرح الإرشاد" (1/287) حيث يقول:
[وإنما يفطر بدخول العين إلى ما مرَّ إن وصلت من منفذ مفتوح (لا من مسامٍّ) بتشديد الميم وهي ثقب البدن جمع سَم، بتثليث أوله والفتح أفصح، بأن ادَّهَنَ أو اكتحل فوصل لجوفه لأنه لما لم يصل من منفذ مفتوح كان كالانغماس في الماء وإن وجد أثره في بطنه...](8).
وقال العلامة الأردبيلي الشافعي في كتابه "الأنوار لأعمال الأبرار" (1/232):
[الثالث: المنفذ المفتوح فلا يفطر بالاكتحال والانغماس في الماء وإن وجد البرد في الأحشاء ولا بتشرب الدهن بالمسام وإن وجد الطعم بالحلق].
ويجب أن يُعلَم ههنا أن الإبرة العضلية أيضاً تصبح بعد دقائق معدودة وريدية في الجسم وذلك لأن الشُعَيرات الدقيقة تبدأ بامتصاص المادة وتحولها إلى الشريان أو العِرْق الرئيسي في ذلك العضو أو الجزء من بدن الإنسان، فالحاصل أن الإبرة أصبحت منفذاً مفتوحاً أو كالمفتوح في الحكم لأنه يمكن بواسطتها إدخال كميات من الطعام الجاهز للجسم وغير ذلك.
فمختصر القضية أن الشرع منع في الصيام أن يدخل شيء إلى الجوف واستثنى من أكل أو شرب ناسياً ومن سبق الماء إلى جوفه حال المضمضة والاستنشاق ولم يكن قد بالغ فيهما وكذا استثنى ما يتشربه المسام كالاغتسال والادِّهان والاكتحال عند من يقول بصحة الحديث فيه.
وقد حاول بعض المعاصرين أن يبيحوا الإبرة للصائم مواكبة لهم لما حدث في هذا العصر إرضاء للناس وليظهروا بمظهر التطور الزائف! ولئلا يقال عنهم بأنهم متخلِّفون مع أنه يمكن أن يتناول الإبرة إن احتاجها ليلاً، وإن كانت الحاجة ماسة فهو مريض يفطر ويقضي ذلك اليوم الذي أخذ فيه تلك الإبرة.
-------
قطرة الأنف:
هي مفطرة وغير جائزة للصائم لورود النص بعدم المبالغة في الاستنشاق وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)(9)، أما إذا دهن مادة في أنفه كمادة (المنتولاتو) أو (الفيكس) فإنه لا يجوز كالسعوط لأنه يُدْخِلُ شيئاً إلى جوفه يشعر بطعمه في حلقه عندما ينزل ما في أنفه إلى حلقه.
وأما البخاخ الذي يأخذه صاحب الأزمة الصدرية والربو والتحسس الصدري:
هو مفطر لمن يستطيع أن يستغني عنه، وغير مفطر لمن يستطيع الصوم ولا يستغني عنه، فالمتجه أنه جائز عند الضرورة إذ لا يمكنه الاستغناء عنه وصاحبه قادر على الصوم وعلى ترك الطعام والشراب والمادة التي فيه قريبة من مقدار تشرب المسام وبقية الماء المتبقية في الفم بعد المضمضة، فالواجب على من ابتلي بهذا المرض أن يبحث عن دواء يمكن أن يدوم مفعوله طيلة النهار ولا يحتاج أثناء الصيام للدواء الذي هو هذا (البخاخ) فإن احتاج إليه وكان هذا المرض الذي هو الأزمة دائماً لا ينقطع عنه جاز أن يستعمل البخاخ ويتم صومه ولا قضاء عليه فيما نرى، لأن المادة قليلة جداً تعادل ما يدخل إلى أنف الصائم من غبار الطريق أو ما يدخل فمه فيبقى فيه من ماء المضمضة.
والله تعالى أعلم
من كتابي (صحيح صفة صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي السفلية:
(3) رواه عنه عبد الرزاق في المصنف (1/170) و (4/208) والطبراني (9/251و314) وقد رواه عن ابن مسعود إبراهيم النخعي، والنخعي لم يلق ابن مسعود وإنما أخذ عن كبار تلامذة ابن مسعود، ولكن إسناده عن ابن مسعود محمول على الاتصال، راجع تحقيق ذلك ص (107) من هذا الكتاب.
(4) علقه البخاري في صحيحه (4/173فتح) في باب الحجامة والقيء للصائم عن ابن عباس، وهو ثابت عن ابن عباس فقد رواه البيهقي في سننه (1/116) و (4/261) وابن أبي شيبة (1/52) و (2/308) وذكر أنه مروي عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه أيضاً.
(5) عند أبي يعلى في مسنده (8/75-76و365) وهو حسن على الأقل عندي في مثل هذه الأبواب التي لا يطلب فيها القطع لأن سلمى البكرية روت عن السيدة عائشة والسيدة أم سلمة وقال بما روته سيدنا علي وابن مسعود وابن عباس والأمة متفقة على العمل بهذا.
(6) الجلوكوز أو نحوه في الحقيقة طعام وشراب جاهزين فلا يحتاجان إلى هضم، فالذي يأخذ التغذية من طريق العروق بالإبرة المعروفة يكون قد أراح الجهاز الهضمي من المعدة والبنكرياس والأمعاء من تناول الطعام وهضمه وغير ذلك، لأن الجهاز الهضمي إنما يقوم بعمليات الهضم بأنواعه ونقله من موضع إلى موضع لتجهيز الطعام المفيد الصالح لينقله الدم من الأمعاء إلى كافة خلايا الجسم للتغذية، فإذا أعطي عبر الوريد أو العِرق فقد اختصرنا تلك العمليات الهضمية جميعها وأرسلناه فوراً إلى الدم ليحمله إلى خلايا الجسد.
(7) وهي تصل إلى الجوف والشرع قد عفا عنها لأنه أجاز للصائم أن يغتسل مثلاً ولم يمنعه من ذلك.
(8)هذا في ((فيض الإله المالك)) شرح عمدة السالك للبقاعي (1/278).
(9) رواه الترمذي (788) وقال حسن صحيح، وقد تقدم.
أضف رد جديد

العودة إلى ”المذهب الشافعي“