بيان أنه ليس هناك مذهب يسمى مذهب السلف:
مرسل: الأحد ديسمبر 24, 2023 9:08 am
لقد ذكرنا في بعض كتبنا بتوسّع بأن بعض الناس في هذا العصر يدّعون بأن الذي يقولونه من آراء وأقوال هو مذهب السلف تمويهاً على العامة والبسطاء ليروّجوا عليهم ما يريدون من أقوال وآراء مخطئة!! وقد ادّعى هؤلاء وخاصة المجسمة والمشبهة منهم بأن ما يقولونه هو مذهب السلف!! وادّعى هؤلاء المشبهة والمجسمة أن فهمهم للمسائل هو مذهب السلف وهو المرجع الشرعي الذي لا يجوز العدول عنه!! وهم في الواقع قد عدلوا عن الصراط المستقيم، والطريق السوي القويم، لأنهم تركوا الكتاب والسنة وفهم العرب لهما وراءهم ظِهْرياً، مع اعتمادهم على سراب بقيعة اخترعوه للتمويه، واعتمدوه للخداع والتشويه، لا وجود له في الواقع البتة بل هو خيال قائم في أذهانهم ويموّهون به على البسطاء من غيرهم (وهو قولهم: هذا مذهب السلف)!!
فهذا أحمد بن حنبل يقول وقد سئل عن مسألة فأفتى فيها كما تقدم، فقيل له: هذا لا يقول به ابن المبارك. فقال: "ابن المبارك لم ينزل من السماء". مع أنَّ ابن المبارك سلف لأحمد. وهذا الإمام أبوحنيفة قبل أحمد يقول: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك فهم رجال ونحن رجال.
وسنضرب الآن إن شاء الله تعالى أمثلة نبين فيها اختلاف السلف في مسائل عقائدية وأمور مذكورة في كتب التوحيد تدل دلالة واضحة على نسف برهان المجسمة الذي اعتمدوه، ودك دليلهم الذي انتحلوه، مع أن السلف نصوا على بطلانه.
والعجب العجاب أن هؤلاء المجسمة ـ مع ادّعائهم بأن الذي يقولونه هو مذهب السلف وأنه مُتَّفَقٌ ومجمع عليه بين الأمة ـ نجدهم هم أنفسهم قد اختلفوا في أصول الدين!! وتباينوا في أسس التوحيد المبين!! فكيف يدّعون اتفاق السلف في المسائل التوحيدية ؟! وهم مختلفون فيها بآرائهم التناقضية!! وأقوالهم التعاكسية!! كما بَيَّنْتُ بعض نماذج من ذلك في كتابي المسمى بــِ ((البِشارة والإتحاف)) بما بينهم من الخلاف، ويكفي هذا على إثبات أنه ليس هناك وجود لما زعموه من مذهب السلف، الذي ادّعاه هؤلاء المشبهة من الخلف، وها نحن ذا نذكر نماذج من اختلاف السلف في مسائل عقائدية فنقول:
المثال الأول في اختلاف السلف في العقائد: اختلاف السلف في مسألة خلق القرآن:
قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه ((الانتقاء)) ص (106) عن الإمام الحافظ الكَرَابيسي ما نصه بعدما أثنى عليه: ((وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلمّا خالفه في القرآن عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي، ومن قال لفظي في القرآن مخلوق فهو مبتدع.
وكان الكرابيسي، وعبدالله بن كُلاَّب، وأبو ثور، وداود بن علي، والبخاري، والحارث بن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المروزي، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلّم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسبٌ له وفعلٌ له وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلّم الله به، وشبّهوه بالحمد والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير فكذلك يؤجر في التلاوة)).
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الكرابيسي في ((السير)) (12/80):
((وهو أوّل مَن فتق اللفظ)) وقال في آخر الترجمة:
((ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرّره في مسألة التلفظ وأنه مخلوق هو حق)).
قلت: وعلى ذلك الحق مشى البخاري ومسلم والأئمة كما تقدّم، أما البخاري فقد تقدّم ذكره في كلام الأئمة ومنهم الحافظ ابن عبد البر، وأما الإمام مسلم فقد قال الذهبي في ترجمته في ((السير)) (12/572):
((كان مسلم بن الحجاج يُظهر القول باللفظ ولا يكتمه)).
فمن تأمّل في هذه المسألة المشهورة المتداولة المعروفة عرف أن هؤلاء الأئمة الأعلام الذين خالفوا أحمد والذهلي وأبا زُرعة وأبا حاتم وهم: البخاري ومسلم والكرابيسي وابن كُلاّب وأبو ثور وداود بن علي والحارث بن أسد المحاسبي ومحمد بن نصر المروزي وطبقاتهم كانوا مختلفين في مسألة من مسائل العقيدة تتعلّق بكلام رب العالمين سبحانه وهم من السلف وقد اختلفت أفهام السلف في هذه المسألة وفهموها أفهاماً متضاربة متعاكسة، فبأي فهم من هذه الفهوم نأخذ ؟! وبأي رأي من هذه الآراء نتمسك ؟!
الجواب: لا بد أن نترك هذه الأفهام ونرجع إلى الكتاب والسنة واللغة العربية ونستعمل عقولنا لنفهم ونتدبّر الأمر فسيتضح لنا ساعتئذٍ الصواب، فنعرف آنذاك من أصاب ومن أخطأ فالرجوع حقيقةً لفهمنا لا لفهم السلف، وهذا هو التحقيق بالنسبة لأهل العلم ولطلاب العلم المُجِدِّين، أما العامة فليس كلامنا ههنا يتعلّق بهم لأنهم ليسوا أهلاً للنظر.
فهذا أحمد بن حنبل يقول وقد سئل عن مسألة فأفتى فيها كما تقدم، فقيل له: هذا لا يقول به ابن المبارك. فقال: "ابن المبارك لم ينزل من السماء". مع أنَّ ابن المبارك سلف لأحمد. وهذا الإمام أبوحنيفة قبل أحمد يقول: ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك فهم رجال ونحن رجال.
وسنضرب الآن إن شاء الله تعالى أمثلة نبين فيها اختلاف السلف في مسائل عقائدية وأمور مذكورة في كتب التوحيد تدل دلالة واضحة على نسف برهان المجسمة الذي اعتمدوه، ودك دليلهم الذي انتحلوه، مع أن السلف نصوا على بطلانه.
والعجب العجاب أن هؤلاء المجسمة ـ مع ادّعائهم بأن الذي يقولونه هو مذهب السلف وأنه مُتَّفَقٌ ومجمع عليه بين الأمة ـ نجدهم هم أنفسهم قد اختلفوا في أصول الدين!! وتباينوا في أسس التوحيد المبين!! فكيف يدّعون اتفاق السلف في المسائل التوحيدية ؟! وهم مختلفون فيها بآرائهم التناقضية!! وأقوالهم التعاكسية!! كما بَيَّنْتُ بعض نماذج من ذلك في كتابي المسمى بــِ ((البِشارة والإتحاف)) بما بينهم من الخلاف، ويكفي هذا على إثبات أنه ليس هناك وجود لما زعموه من مذهب السلف، الذي ادّعاه هؤلاء المشبهة من الخلف، وها نحن ذا نذكر نماذج من اختلاف السلف في مسائل عقائدية فنقول:
المثال الأول في اختلاف السلف في العقائد: اختلاف السلف في مسألة خلق القرآن:
قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه ((الانتقاء)) ص (106) عن الإمام الحافظ الكَرَابيسي ما نصه بعدما أثنى عليه: ((وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلمّا خالفه في القرآن عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول غير مخلوق ولا مخلوق فهو واقفي، ومن قال لفظي في القرآن مخلوق فهو مبتدع.
وكان الكرابيسي، وعبدالله بن كُلاَّب، وأبو ثور، وداود بن علي، والبخاري، والحارث بن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المروزي، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلّم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسبٌ له وفعلٌ له وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلّم الله به، وشبّهوه بالحمد والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير فكذلك يؤجر في التلاوة)).
وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الكرابيسي في ((السير)) (12/80):
((وهو أوّل مَن فتق اللفظ)) وقال في آخر الترجمة:
((ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي وحرّره في مسألة التلفظ وأنه مخلوق هو حق)).
قلت: وعلى ذلك الحق مشى البخاري ومسلم والأئمة كما تقدّم، أما البخاري فقد تقدّم ذكره في كلام الأئمة ومنهم الحافظ ابن عبد البر، وأما الإمام مسلم فقد قال الذهبي في ترجمته في ((السير)) (12/572):
((كان مسلم بن الحجاج يُظهر القول باللفظ ولا يكتمه)).
فمن تأمّل في هذه المسألة المشهورة المتداولة المعروفة عرف أن هؤلاء الأئمة الأعلام الذين خالفوا أحمد والذهلي وأبا زُرعة وأبا حاتم وهم: البخاري ومسلم والكرابيسي وابن كُلاّب وأبو ثور وداود بن علي والحارث بن أسد المحاسبي ومحمد بن نصر المروزي وطبقاتهم كانوا مختلفين في مسألة من مسائل العقيدة تتعلّق بكلام رب العالمين سبحانه وهم من السلف وقد اختلفت أفهام السلف في هذه المسألة وفهموها أفهاماً متضاربة متعاكسة، فبأي فهم من هذه الفهوم نأخذ ؟! وبأي رأي من هذه الآراء نتمسك ؟!
الجواب: لا بد أن نترك هذه الأفهام ونرجع إلى الكتاب والسنة واللغة العربية ونستعمل عقولنا لنفهم ونتدبّر الأمر فسيتضح لنا ساعتئذٍ الصواب، فنعرف آنذاك من أصاب ومن أخطأ فالرجوع حقيقةً لفهمنا لا لفهم السلف، وهذا هو التحقيق بالنسبة لأهل العلم ولطلاب العلم المُجِدِّين، أما العامة فليس كلامنا ههنا يتعلّق بهم لأنهم ليسوا أهلاً للنظر.