معرفة الله تعالى بالدليل والنظر مطلوب شرعاً:
مرسل: الأحد أكتوبر 29, 2023 9:08 am
نسب ذلك بعض من لم يحقق إلى الجبائي على وجه التشنيع مع أن هذا هو مذهب الأشعري والأشاعرة على التحقيق! سواء قال بذلك المعتزلة أم لم يقولوا:
زعم بعض من يلقي الكلام على عواهنه أن الحافظ ابن حجر نقل في "فتح الباري" عن الجبائي أنه قال: بأن النظر الذي هو معرفة الله بالدليل لتحقيق الإيمان بالله سبحانه وتعالى واجب وأن الجبائي كفَّر بذلك جمهور المسلمين الذين لم يسلكوا طريق معرفة الله تعالى بالدليل! والواقع أن هذا النقل عن الجبائي ليس موجودا في فتح الباري بل المنقول هنالك هو أن الأشعري قال بوجوب النظر وأن هذا مما بقي في مذهبه من مسائل المعتزلة!
وقبل أن ننقل كلام الحافظ ابن حجر في ذلك من فتح الباري أقول:
إن المتعصبين لآرائهم من المقلدة يظنون أنه ليس في الناس من يراجع ما يقولون فيرمون المعتزلة بما هم بريئون منه أو بما يقوله أئمتهم هم أنفسهم تشنيعاً على غيرهم دون بصيرة!
والآن ننقل كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري حيث قال:
[وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ أَوَّل وَاجِب الْمَعْرِفَة كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْإِتْيَان بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْمُورَات عَلَى قَصْد الِامْتِثَال، وَلَا الِانْكِفَاف عَنْ شَيْء مِنْ الْمَنْهِيَّات عَلَى قَصْد الِانْزِجَار إِلَّا بَعْد مَعْرِفَة الْآمِر وَالنَّاهِي، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَعْرِفَة لَا تَتَأَتَّى إِلَّا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَال، وَهُوَ مُقَدِّمَة الْوَاجِب فَيَجِب فَيَكُون أَوَّل وَاجِب النَّظَر، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا طَائِفَة كَابْنِ فَوْرَك، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّظَر ذُو أَجْزَاء يَتَرَتَّب بَعْضهَا عَلَى بَعْض، فَيَكُون أَوَّل وَاجِب جُزْء مِنْ النَّظَر وَهُوَ مَحْكِيّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب وَعَنْ الْأُسْتَاذ أَبِي إِسْحَاق الْإِسْفَرَايِينِيّ أَوَّل وَاجِب الْقَصْد إِلَى النَّظَر، وَجَمَعَ بَعْضهمْ بَيْن هَذِهِ الْأَقْوَال بِأَنَّ مَنْ قَالَ أَوَّل وَاجِب الْمَعْرِفَة أَرَادَ طَلَبًا وَتَكْلِيفًا، وَمَنْ قَالَ النَّظَر أَوْ الْقَصْد أَرَادَ اِمْتِثَالًا؛ لِأَنَّهُ يُسَلَّم أَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى تَحْصِيل الْمَعْرِفَة، فَيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى سَبْق وُجُوب الْمَعْرِفَة، وَقَدْ ذَكَرْت فِي "كِتَاب الْإِيمَان" مَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا مِنْ أَصْله وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا} وَحَدِيث "كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة" فَإِنَّ ظَاهِر الْآيَة وَالْحَدِيث أَنَّ الْمَعْرِفَة حَاصِلَة بِأَصْلِ الْفِطْرَة، وَأَنَّ الْخُرُوج عَنْ ذَلِكَ يَطْرَأ عَلَى الشَّخْص لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام "فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ" وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَر السِّمْنَانِيّ وَهُوَ مِنْ رُءُوس الْأَشَاعِرَة عَلَى هَذَا وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَقِيَتْ فِي مَقَالَة الْأَشْعَرِيّ مِنْ مَسَائِل الْمُعْتَزِلَة؛ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهَا أَنَّ الْوَاجِب عَلَى كُلّ أَحَد مَعْرِفَة اللَّه بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّقْلِيد فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى.].
وبذا يتبين أن من يريد أن يترأس ويتكلم لا بد أن يكون واعياً مدركاً ضابطاً لما يقول!
ثم كيف يشنع مثل هذا القائل على من يقول بأن معرفة الله بالدليل واجبة أو مطلوبة شرعاً والله تعالى أرشد جميع العباد أن يتفكروا وينظروا ويتأملوا في صنع الله تعالى في السموات والأرض وفي أنفسهم ليعرفوا أن هناك لهذا الكون وما فيه إلها خالقاً خلقهم وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد؟!
فالله تعالى يقول: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري ....}
{وفي أنفسكم أفلا تبصرون}
وجمهور أئمة الأشاعرة على وجوب النظر! ومن ذلك قول صاحب الجوهرة:
فانظر إلى نفسك ثم انتقل ....
للعالم العلوي ثم السفلي ....
تجد به صنعا بديع الحكم ....
لكن به قام دليل العدم .....
.......الخ
وقال هذا القائل الذي يرمي الكلام على عواهنه أيضاً:
[قال الأشعري لما تمرض في بيت صديقه زاهر .. في آخر ما ورد عنه: يا فلان اشهد أني لا أكفر عوام المسلمبن..].
والمنقول عن الأشعري أدق من ذلك! وليس في العوام! وإنما هو في أهل القبلة أي من الفرق!
قال الذهبي في "السير" (15/88):
[رأيت للاشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الاشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أشهد على أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لان الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات].
ثم إن ما سلكه هذا الناقل دون تدقيق إنما هو لأنه جعل نفسه في موقع الدفاع والتهمة لا في موقع الثقة في نشر الفكر والبناء.
ثم افتتح هذا العلامة! الناقد! كلامه باستدلاله بجزء من حديث الافتراق الذي فيه (كلها في النار إلا واحدة) والذي استخدمه اليوم التكفيريون لإخراج كل من سواهم من دائرة الإسلام وتكفيرهم ورميهم بالبدع والضلال مع أن الحديث ضعيف لا يثبت كما بينت ذلك في رسائل خاصة وفي ذلك تكفير كثير من عوام المسلمين الذين لا يعرفون مذهبا عقائديا معينا ولا ينتسبون إليه وأنهم في النار ثم كان كلامه أثناء محاضرته بعكس ذلك وهو أن أهل الضلال يكفرون عوام المسلمين! فإلى الله المشتكى!
والله ولي التوفيق.
زعم بعض من يلقي الكلام على عواهنه أن الحافظ ابن حجر نقل في "فتح الباري" عن الجبائي أنه قال: بأن النظر الذي هو معرفة الله بالدليل لتحقيق الإيمان بالله سبحانه وتعالى واجب وأن الجبائي كفَّر بذلك جمهور المسلمين الذين لم يسلكوا طريق معرفة الله تعالى بالدليل! والواقع أن هذا النقل عن الجبائي ليس موجودا في فتح الباري بل المنقول هنالك هو أن الأشعري قال بوجوب النظر وأن هذا مما بقي في مذهبه من مسائل المعتزلة!
وقبل أن ننقل كلام الحافظ ابن حجر في ذلك من فتح الباري أقول:
إن المتعصبين لآرائهم من المقلدة يظنون أنه ليس في الناس من يراجع ما يقولون فيرمون المعتزلة بما هم بريئون منه أو بما يقوله أئمتهم هم أنفسهم تشنيعاً على غيرهم دون بصيرة!
والآن ننقل كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري حيث قال:
[وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ أَوَّل وَاجِب الْمَعْرِفَة كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْإِتْيَان بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْمُورَات عَلَى قَصْد الِامْتِثَال، وَلَا الِانْكِفَاف عَنْ شَيْء مِنْ الْمَنْهِيَّات عَلَى قَصْد الِانْزِجَار إِلَّا بَعْد مَعْرِفَة الْآمِر وَالنَّاهِي، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَعْرِفَة لَا تَتَأَتَّى إِلَّا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَال، وَهُوَ مُقَدِّمَة الْوَاجِب فَيَجِب فَيَكُون أَوَّل وَاجِب النَّظَر، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا طَائِفَة كَابْنِ فَوْرَك، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّظَر ذُو أَجْزَاء يَتَرَتَّب بَعْضهَا عَلَى بَعْض، فَيَكُون أَوَّل وَاجِب جُزْء مِنْ النَّظَر وَهُوَ مَحْكِيّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب وَعَنْ الْأُسْتَاذ أَبِي إِسْحَاق الْإِسْفَرَايِينِيّ أَوَّل وَاجِب الْقَصْد إِلَى النَّظَر، وَجَمَعَ بَعْضهمْ بَيْن هَذِهِ الْأَقْوَال بِأَنَّ مَنْ قَالَ أَوَّل وَاجِب الْمَعْرِفَة أَرَادَ طَلَبًا وَتَكْلِيفًا، وَمَنْ قَالَ النَّظَر أَوْ الْقَصْد أَرَادَ اِمْتِثَالًا؛ لِأَنَّهُ يُسَلَّم أَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى تَحْصِيل الْمَعْرِفَة، فَيَدُلّ ذَلِكَ عَلَى سَبْق وُجُوب الْمَعْرِفَة، وَقَدْ ذَكَرْت فِي "كِتَاب الْإِيمَان" مَنْ أَعْرَضَ عَنْ هَذَا مِنْ أَصْله وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا} وَحَدِيث "كُلّ مَوْلُود يُولَد عَلَى الْفِطْرَة" فَإِنَّ ظَاهِر الْآيَة وَالْحَدِيث أَنَّ الْمَعْرِفَة حَاصِلَة بِأَصْلِ الْفِطْرَة، وَأَنَّ الْخُرُوج عَنْ ذَلِكَ يَطْرَأ عَلَى الشَّخْص لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام "فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ" وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَر السِّمْنَانِيّ وَهُوَ مِنْ رُءُوس الْأَشَاعِرَة عَلَى هَذَا وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَقِيَتْ فِي مَقَالَة الْأَشْعَرِيّ مِنْ مَسَائِل الْمُعْتَزِلَة؛ وَتَفَرَّعَ عَلَيْهَا أَنَّ الْوَاجِب عَلَى كُلّ أَحَد مَعْرِفَة اللَّه بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّقْلِيد فِي ذَلِكَ اِنْتَهَى.].
وبذا يتبين أن من يريد أن يترأس ويتكلم لا بد أن يكون واعياً مدركاً ضابطاً لما يقول!
ثم كيف يشنع مثل هذا القائل على من يقول بأن معرفة الله بالدليل واجبة أو مطلوبة شرعاً والله تعالى أرشد جميع العباد أن يتفكروا وينظروا ويتأملوا في صنع الله تعالى في السموات والأرض وفي أنفسهم ليعرفوا أن هناك لهذا الكون وما فيه إلها خالقاً خلقهم وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد؟!
فالله تعالى يقول: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري ....}
{وفي أنفسكم أفلا تبصرون}
وجمهور أئمة الأشاعرة على وجوب النظر! ومن ذلك قول صاحب الجوهرة:
فانظر إلى نفسك ثم انتقل ....
للعالم العلوي ثم السفلي ....
تجد به صنعا بديع الحكم ....
لكن به قام دليل العدم .....
.......الخ
وقال هذا القائل الذي يرمي الكلام على عواهنه أيضاً:
[قال الأشعري لما تمرض في بيت صديقه زاهر .. في آخر ما ورد عنه: يا فلان اشهد أني لا أكفر عوام المسلمبن..].
والمنقول عن الأشعري أدق من ذلك! وليس في العوام! وإنما هو في أهل القبلة أي من الفرق!
قال الذهبي في "السير" (15/88):
[رأيت للاشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي، سمعت أبا حازم العبدوي، سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الاشعري في داري ببغداد، دعاني فأتيته، فقال: أشهد على أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة، لان الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات].
ثم إن ما سلكه هذا الناقل دون تدقيق إنما هو لأنه جعل نفسه في موقع الدفاع والتهمة لا في موقع الثقة في نشر الفكر والبناء.
ثم افتتح هذا العلامة! الناقد! كلامه باستدلاله بجزء من حديث الافتراق الذي فيه (كلها في النار إلا واحدة) والذي استخدمه اليوم التكفيريون لإخراج كل من سواهم من دائرة الإسلام وتكفيرهم ورميهم بالبدع والضلال مع أن الحديث ضعيف لا يثبت كما بينت ذلك في رسائل خاصة وفي ذلك تكفير كثير من عوام المسلمين الذين لا يعرفون مذهبا عقائديا معينا ولا ينتسبون إليه وأنهم في النار ثم كان كلامه أثناء محاضرته بعكس ذلك وهو أن أهل الضلال يكفرون عوام المسلمين! فإلى الله المشتكى!
والله ولي التوفيق.