صفحة 1 من 1

بيان الأدلة المعتبرة والمردودة في الإيمان والعقائد:

مرسل: الأحد ديسمبر 24, 2023 9:50 am
بواسطة cisayman3
وأدلة التوحيد أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل:
فالكتاب: هو القرآن الكريم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت: 42، وفيه نصوص محكمة كما فيه نصوص متشابهة لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ}آل عمران: 7.
ومعناها: أن الله تعالى حكم ونص على أن الآيات المحكمات - وهي التي لا تحتمل إلا معنى واحداً - هُنَّ الأصل والأساس والأم في فهم آيات الكتاب العزيز بل الدين بأسره، فلا يجوز فهم القرآن إلا بهنَّ. وأن الزائغين هم الذين يجعلون المتشابه الأصل والأساس فيتمسكون به ولا يرجعونه إلى المحكمات، فيضلون بذلك ويزيغون، فيكونون سبب الفتنة في الأمة لأنهم يؤوِّلونه تأويلاً باطلاً فاسداً حسب أهوائهم، وأما معناه وتأويله الصحيح فلا يعلمه إلا الله تعالى لأنه كلامه سبحانه ويعلمه كذلك الراسخون في العلم {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}يوسف: 6. والراسخون في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه قائلين: كل منهما من عند ربنا، وما يعرف ذلك إلا أصحاب العقول الصحيحة. فالقرآن يجب الإيمان بمحكمه ومتشابهه، ويجب رد متشابهه إلى محكمه.
فالنص المتشابه هو ما يحتمل أكثر من معنى فيجب فهمه وتأويله حسب الآيات المحكمات لأنهنَّ أم الكتاب، وأساس المحكمات في التوحيد قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}الإخلاص: 3-4، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}الشورى: 11، وأمثالها.
ومثال المتشابه: الآيات التي يوهم ظاهرها إثبات جارحة أو عضو أو مشابهة الله بخلقه من وجه ما، وطريقة بيان أن المتشابه غير مراد ظاهره: استحضار نحو قوله تعالى: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}الزمر: 56، أي في حق الله، ولا يراد من ذكر لفظ الجنب هنا ظاهره وهو إثبات عضو، وكذا استحضار مثل قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}الإسراء: 24، وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}الحجر: 88، لا يراد من هذا إثبات الجناح المعروف، وإنما يراد المعنى المجازي وهو العطف والرحمة والحنان. وكذلك قول الله تعالى في حق القرآن: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت: 42، لا يراد من ذلك إثبات يدين للقرآن ولا خلف، وإنما المراد مجاز ذلك، وهو أن الباطل والتحريف والتغيير غير داخل عليه، ومثله قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}سبأ: 46، والعذاب ليس جسماً له يدان، وكذلك قوله تعالى حكاية عن بعض الكفار أنهم قالوا: {ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا ءَاخِرَهُ}آل عمران: 72، لا يراد إثبات وجه للنهار بمعنى العضو المعروف في البدن إذ النهار ليس له وجه بهذا المعنى ولا أيدٍ ولا أعضاء لأنه ليس جسماً، وإنما المراد أوَّل النهار، وبه يتبين أنَّ هذا من مجاز اللغة في القرآن الكريم.
وباستقراء مسائل الاعتقاد تبيَّن أنَّ جميع مسائل أصول الدّين ثبتت في القرآن الكريم، لأنَّ القرآن يصل إلى جميع الناس فتقام عليهم الحجة خلافاً للحديث فإنه يصل إلى إنسان ولا يصل إلى آخر وقد حصل ذلك، وذلك تحقيقاً لقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}الأنعام: 38، وقوله سبحانه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}يوسف: 111



وأما السنة النبوية: فهي الأساس المتين التالي للقرآن وهي شارحة ومبينة قال تعالى:
{وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الحشر: 7، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}آل عمران: 31، والآيات في ذلك كثيرة.
والسنة منقسمة إلى أقسام: (الأول): سنة متواترة متوارَثَة مقطوع بها عند جميع فرق المسلمين، كعدد الصلوات وأنها خمس وعدد ركعات كل صلاة وأنَّ في كل ركعة سجدتين وركوعاً واحداً، وما هو متفق عليه عند المسلمين من صفات الصوم والزكاة والحج والحلال والحرام الذي لم يختلفوا عليه وهو كثير جداً، وهذه السنة متفق عليها بين المسلمين بجميع فرقهم ومذاهبهم ولا يوجد أحد ممن يعتد به منكر لها.
و (الثاني) من أقسام السنة: أحاديث الآحاد، وهذه لا توجب علماً وإن احتفَّتْ بالقرآئن، والخبر المُحْتَفُّ بالقرائن قد يكون كذباً أحياناً، ومن الآحاد ما وصل لأُناسٍ دون آخرين كما هو معلوم، ويجب فحص هذا القسم من السنة والنظر فيه سواء ما كان منه في الصحيحين أو في غيرهما، لنميِّز ما دخل فيها مما هو ليس منها، فهذه النصوص ليست كآيات القرآن محفوظة من التبديل والتحريف والخطأ وأوهام الرواة، لأن القرآن الكريم هو الموصوف وحده بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر: 9، والذكر هو القرآن الكريم لأيات كثيرة منها قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}فصلت: 41، والصافي من الآحاد بعد النظر والبحث والتمحيص شارح لمجمل القرآن غير حاكم عليه لأنَّ الأدنى لا يحكم على الأعلى، ولا لها قوّة القرآن في الثبوت والحجية، فإن عارض نص منها القرآن سقط الاحتجاج بذلك النص المعارض. ويدخلها الـتأويل كما يدخل على القرآن، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}يوسف: 6، ومعناه العلم بمقصود النص، كما يدخل القرآن والسنة أيضاً المجاز ولا عبرة بمن أنكره، وأما التفويض فهو مذهب مردود لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَاناً}الفرقان: 73، إلا عند العجز عن فهم النص حتى يسأل عنه، ومعناه عدم العلم بالمراد من النص أي الجهل بالمقصود، والمطلوب هو العلم بالنصوص لا الجهل بها لأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلون}النمل: 84.
ويجب عرض الأحاديث بعد دراسة أسانيدها على القرآن حتى نتبين صحتها فإن وجد في بعضها من الأفكار ما يخالف القرآن رُدَّ وإن صحَّ إسناده وكان في الصحاح، هكذا كان منهج الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يسمعون حديثاً يخالف القرآن، ومن ذلك رد السيدة عائشة رضي الله عنها على من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}الأنعام: 103، وردها على من زعم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه بقوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}الإسراء: 15.
ومعنى هذا أنَّ خبر الواحد يفيد الظن ولا يفيد العلم فلا يبنى عليه أصل الاعتقاد وإنما تبنى عليه الفروع العقائدية والفقهية إذا لم يوجد ما يعارضه من الكتاب أو من السنة التي هي أقوى منه، فالصحابة ردوا خبر الواحد أحياناً وذلك في حالة معارضته لما هو أقوى منه، وهذا أفاد أنهم اعتقدوا بأنه يفيد الظن ولا يفيد العلم.

الدليل الرابع: العقل:
والعقل أصل التكليف وأساسه وبه تدرك الأدلة الشرعية ويدرك المراد منها، وقد حضَّ الكتاب الكريم على النظر والتفكر وبيَّن فضل العقل والألباب في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}الرعد: 4، وذم من لا يُعْمِلُ عقله فقال:
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}البقرة: 171،
والمراد من قول أهل العلم أن الدليل العقلي مقدَّم على الدليل النقلي هو: أن حديث الآحاد إذا عارضه ما هو أصح منه كالنص القطعي أو الإجماع أو الواقع كان مردوداً، وكذلك يظهر بالعقل خطأ فهم إنسان لنصٍ قطعي.