تفنيد مرتكزات فكر العنف والتطرف (6): الكلام في البدعة وأن منها الحسن شرعاً والقبيح شرعاً:
مرسل: الأحد أكتوبر 29, 2023 9:11 am
البدعة هي الأمر المُحْدَث سواء كان في العادات أو في العبادات، فيعرض على قواعد الشريعة، فإن قبلته القواعد فهو محمود وإن رفضته القواعد فهو مذموم.
ومثاله في العبادات أن خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أراد المشركون قتله صلى ركعتين قبل أن يقتلوه، وسيدنا بلال رضي الله عنه كان عندما يفرغ من الوضوء يصلي ركعتين، وزاد (الصلاة خير من النوم) وأُقِر على ذلك، والصحابي الذي قال خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال: (سمع الله لمن حمده): قال: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) .. الخ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها) كما في البخاري (799) ومسلم (600)، وكل ذلك حصل قبل إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم على ما فعلوه من عبادات أو في العبادات. ورأى النبي أنه لا بأس بذلك حيث قال للرجل الذي قال (..حمدا كثيراً طيباً..): (لم يقل بأساً).
فهؤلاء الصحابة أحدثوا أمورا في العبادات أو في غيرها لم يأت التخصيص بها في هذا الموضع أو لم ترد في هذه المواطن وقبل أن يقرهم صلى الله عليه وآله وسلم عليها أثنى عليهم في المرة الأولى قبل الإقرار فهذا هو منهج الصحابة ومنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إقراره على ما أحدثوه.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ منهم فاسقون} الحديد:27.
بين الله تعالى أن الرهبانية بدعة لم يأمر الله بها أي لم يكتبها عليهم ولكن لم يعبهم عليها وإنما آخذهم بعدم رعايتها حق الرعاية، فدل ذلك أن البدعة ليست مذمومة على الإطلاق.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم في صحيحه (1017).
قوله في هذا الحديث (من سن) معناه هنا: (من ابتدع).
ودليل ذلك ما جاء في حديث البخاري ومسلم: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل).
معنى: (سن القتل) ابتدأه وأحدثه. أي أول من ابتدع ذلك في البشر.
وفي حديث (من سن في الإسلام سنة حسنة) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (7/104):
[وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة].
وقال في شرح مسلم (6/155):
[ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى {تدمر كل شيء}].
أي ما دمرت كل شيء في الدنيا أو على وجه الأرض أو حتى في البلدة التي أرسلها الله تعالى عليها.
ولا يشترط للبدعة أن تكون أول أمر أُحْدِثَ في البشرية بل يكفي أن يُحْدَث في مجتمع من المجتمعات ويكون جديدا عليهم لم يعهدوه من قبل. بل ربما يكون موجودا من قبل أو في مجتمعات أخرى.
وقد يعتبر صحابيٌّ أمرا ما بدعة وهو عند غيره من الصحابة أو واقعاً ليس ببدعة مثال ذلك:
ما رواه البخاري (1776) ومسلم (1255) عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة. ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أربعا إحداهن في رجب. فكرهنا أن نرد عليه. قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة. فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده! وما اعتمر في رجب قط].
وقول عمر بن الخطاب في جمع الناس على صلاة التراويح كما في البخاري (2010):
[نعم البدعة هذه].
وروى أبو نُعَيم في الحلية (9/113) عن إبراهيم بن الجنيد، قال: (سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم).
وروى البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/469) عنه، قال:
[ المحدثات ضربان: أحدهما : ما أُحْدِث مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة ، والثانية : ما أُحْدِث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر في قيام رمضان: نعمة البدعة هذه يعني أنها مُحْدَثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردٌّ لما مضى ].
وما قاله النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" ص (22) وفي "شرح مسلم" (6/155) و (7/104) والعز ابن عبد السلام، والحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/254)، وغيرهم من علماء السلف والخلف يبين أن حدي (وكل بدعة ضلالة) ليس على عمومه.
وعليه فالبدعة إما محمودة وحسنة وإما مذمومة سيئة.
وقد أجاز الإمام أحمد بن حنبل مس قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله وهذا هو التمسح ففي "كتاب العلل ومعرفة الرجال" (2/492) من رواية ابنه عبد الله عنه قال:
[وسألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرَّك بمسَّه ويقبّله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرّب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك].
وهذه بدعة أجازها أحمد بن حنبل وقال لا بأس بها. ومحاولات من يطعن بمثل هذا محاولات فاشلة.
فمن قال إن هناك بدعة لغوية وهناك بدعة شرعية فهو مبتدع بدعة ضلالة يريد أن يتيه طلبة العلم في التقسيمات والتفريعات الباطلة فإن الشريعة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم لم يقسموها إلى شرعية ولغوية ... وأنا في شك من ثبوت حديث (كل بدعة ضلالة) المروي في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وعند غيره عن العرباض بن سارية وعند بعضهم عن ابن مسعود وقد نص الدارقطني في العلل (5/323) أن الصواب في رواية ابن مسعود أنه موقوف عليه وهو من قوله. وهذا الموضع يحتاج إلى إطالة البحث فيه. والحجة أولا وآخرا بنصوص الكتاب والسنة لا بأقوال الرجال وإنما نورد كلامهم لإلزام مخالفينا الحجة.
والله تعالى أعلم.
ومثاله في العبادات أن خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أراد المشركون قتله صلى ركعتين قبل أن يقتلوه، وسيدنا بلال رضي الله عنه كان عندما يفرغ من الوضوء يصلي ركعتين، وزاد (الصلاة خير من النوم) وأُقِر على ذلك، والصحابي الذي قال خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال: (سمع الله لمن حمده): قال: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه) .. الخ قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها) كما في البخاري (799) ومسلم (600)، وكل ذلك حصل قبل إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم على ما فعلوه من عبادات أو في العبادات. ورأى النبي أنه لا بأس بذلك حيث قال للرجل الذي قال (..حمدا كثيراً طيباً..): (لم يقل بأساً).
فهؤلاء الصحابة أحدثوا أمورا في العبادات أو في غيرها لم يأت التخصيص بها في هذا الموضع أو لم ترد في هذه المواطن وقبل أن يقرهم صلى الله عليه وآله وسلم عليها أثنى عليهم في المرة الأولى قبل الإقرار فهذا هو منهج الصحابة ومنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إقراره على ما أحدثوه.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَامَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ منهم فاسقون} الحديد:27.
بين الله تعالى أن الرهبانية بدعة لم يأمر الله بها أي لم يكتبها عليهم ولكن لم يعبهم عليها وإنما آخذهم بعدم رعايتها حق الرعاية، فدل ذلك أن البدعة ليست مذمومة على الإطلاق.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء) رواه مسلم في صحيحه (1017).
قوله في هذا الحديث (من سن) معناه هنا: (من ابتدع).
ودليل ذلك ما جاء في حديث البخاري ومسلم: (لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل).
معنى: (سن القتل) ابتدأه وأحدثه. أي أول من ابتدع ذلك في البشر.
وفي حديث (من سن في الإسلام سنة حسنة) قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (7/104):
[وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة].
وقال في شرح مسلم (6/155):
[ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله كل بدعة مؤكدا بكل بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى {تدمر كل شيء}].
أي ما دمرت كل شيء في الدنيا أو على وجه الأرض أو حتى في البلدة التي أرسلها الله تعالى عليها.
ولا يشترط للبدعة أن تكون أول أمر أُحْدِثَ في البشرية بل يكفي أن يُحْدَث في مجتمع من المجتمعات ويكون جديدا عليهم لم يعهدوه من قبل. بل ربما يكون موجودا من قبل أو في مجتمعات أخرى.
وقد يعتبر صحابيٌّ أمرا ما بدعة وهو عند غيره من الصحابة أو واقعاً ليس ببدعة مثال ذلك:
ما رواه البخاري (1776) ومسلم (1255) عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة. ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: أربعا إحداهن في رجب. فكرهنا أن نرد عليه. قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة. فقال عروة: يا أماه يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب. قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده! وما اعتمر في رجب قط].
وقول عمر بن الخطاب في جمع الناس على صلاة التراويح كما في البخاري (2010):
[نعم البدعة هذه].
وروى أبو نُعَيم في الحلية (9/113) عن إبراهيم بن الجنيد، قال: (سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم).
وروى البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/469) عنه، قال:
[ المحدثات ضربان: أحدهما : ما أُحْدِث مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً، فهذه البدعة الضلالة ، والثانية : ما أُحْدِث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر في قيام رمضان: نعمة البدعة هذه يعني أنها مُحْدَثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردٌّ لما مضى ].
وما قاله النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" ص (22) وفي "شرح مسلم" (6/155) و (7/104) والعز ابن عبد السلام، والحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/254)، وغيرهم من علماء السلف والخلف يبين أن حدي (وكل بدعة ضلالة) ليس على عمومه.
وعليه فالبدعة إما محمودة وحسنة وإما مذمومة سيئة.
وقد أجاز الإمام أحمد بن حنبل مس قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله وهذا هو التمسح ففي "كتاب العلل ومعرفة الرجال" (2/492) من رواية ابنه عبد الله عنه قال:
[وسألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرَّك بمسَّه ويقبّله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرّب إلى الله جل وعز فقال: لا بأس بذلك].
وهذه بدعة أجازها أحمد بن حنبل وقال لا بأس بها. ومحاولات من يطعن بمثل هذا محاولات فاشلة.
فمن قال إن هناك بدعة لغوية وهناك بدعة شرعية فهو مبتدع بدعة ضلالة يريد أن يتيه طلبة العلم في التقسيمات والتفريعات الباطلة فإن الشريعة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم لم يقسموها إلى شرعية ولغوية ... وأنا في شك من ثبوت حديث (كل بدعة ضلالة) المروي في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله وعند غيره عن العرباض بن سارية وعند بعضهم عن ابن مسعود وقد نص الدارقطني في العلل (5/323) أن الصواب في رواية ابن مسعود أنه موقوف عليه وهو من قوله. وهذا الموضع يحتاج إلى إطالة البحث فيه. والحجة أولا وآخرا بنصوص الكتاب والسنة لا بأقوال الرجال وإنما نورد كلامهم لإلزام مخالفينا الحجة.
والله تعالى أعلم.