الأشعري والباقلاني يثبتان العينين أو العين للمولى سبحانه وتعالى عما يقولان والأشاعرة المنزهون العقلاء يرفضون ذلك:
مرسل: الأحد ديسمبر 24, 2023 5:52 pm
قال الأشعري في "مقالات الإسلاميين" ص (195):
[واجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين
فمنهم من أنكر أن يقال لله يدان وأنكر أن يقال إنه ذو عين وأن له عينين].
وقال ص (211) من المقالات أيضاً:
[وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء وانه على العرش... وان له يدين كما قال خلقت بيدى وان له عينين كما قال تجرى بأعيننا].
وقال في الإبانة ص (11):
[وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: (تجري بأعيننا)]. وفي نسخة عين والصواب عنه عينين.
واعتبر في الإبانة أن نفي العينين من قول المعتزلة مجوس هذه الأمة (!!)
وقال الباقلاني في كتابه الإنصاف ص (47):
[والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: " ولتصنع على عيني " و " تجري بأعيننا " وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقال الباقلاني في التمهيد:
[ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر: (قد استوى بشر على العراق..) لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَىْ } يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فبطل ما قالوه..].
وقد عظم الحنابلة الباقلاني ومشوا في جنازته ووصفوه بناصر السنة كما في ترجمته، وأما الأشعري فسنبين ذلك فيما بعد ليتمتع المتعصبون!
وقد نقل ابن فورك الأشعري في كتابه مجرد مقالات الأشعري ص (40) أن الأشعري أثبت صفات منها: الوجه واليدين والجنب والعين....
قال ابن حزم في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (2/127):
[وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مدخل في قول المجسمة]!!
وجميع الأشاعرة والماتريدية المنزهون العقلاء على موافقة ابن حزم والمعتزلة وعلماء أهل البيت والإباضية والزيدية والإمامية وغيرهم في اعتبار أن اثبات العينين من جملة أقوال وعقائد المجسمة والمشبهة، لذلك لم يثبتوهما، وإنما أثبتوا صفة البصر وأنه سبحانه سميع بصير.
وتمحلات المشاغبين في التأويلات والتسويغات الباردة في الدفاع عن عصمة فلان وفلان لا قيمة لها. فالخطأ خطأ والصواب صواب.
وغيرتنا هي لله تعالى وتنزيهه لا لقول فلان وفلان!
والمتعصبون احتاروا هل ينكرون كتب الأشعري ويزعمون أنها محرفة مدسوسة أم يؤلون كلماته ؟!
وتضاربت أقوالهم فمنهم من ينقل عن ابن عساكر أن الأشاعرة احتفوا بكتاب الإبانة واعتنوا به أشد الاعتناء ومنهم من وجد الواقع يخالف ذلك وأدركوا أنهم لم يعولوا عليه ولا نقلوا منه في مصنفاتهم ومؤلفاتهم!
فالمسألة ضائعة! والعصمة الاستمساك بتنزيه الباري سبحانه!
فهناك عدة مسائل لا بد أن نطرحها ويتناقش فيها العقلاء وغير المتعصبين، والقصد المحافظة على مذهب التنزيه ومنابذة كل من قال بالتشبيه والتجسيم ولو كان ممن نظن أنه من أئمتنا ومن العلماء الأفذاذ.
وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وهذه نقطة مهمة لا ينبغي أن نغفل عنها.
وأصحابنا الأشاعرة الذين يدرسون علم العقائد ويقولون (في عقد الاشعري... وفي طريقة الجنيد السالك) إنما يدرسون العقيدة المبنية على التنزيه التي قعدها وأصّلها أمثال إمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي وغيرهم من علماء أهل السنة المنزهين، لا ما كتبه وقاله الأشعري.
وهؤلاء العلماء المنزهين لم يلتفتوا إلى ما قاله الأشعري والباقلاني من إثبات ما يسمونه بالصفات الخبرية كالعينين واليدين والوجه والساق والقدم والأصابع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهناك قوم متنطعون سلكوا طريق الفلسفة والمنطق اليوناني مكابرون وهم مستعدون أن يجادلوا ويناقشوا بالباطل ويقلبوا الباطل حقا والحق باطلا في سبيل الدفاع عن شخص الأشعري وغلطاته وإثبات أنه من جملة المعصومين!
وكما قال أحد الإخوة الكرام: هم غير مستعدين أن يعترفوا بخطأ واحد وقع فيه الأشعري! وهم يكابرون ويجادلون بالكلام الذي يعتبر إنشاء لا قيمة له وهو غير مقنع لأي عاقل!
فالخطأ خطأ كائنا من كان القائل به والحق حق كائنا من كان قائله.
ومع أن الأشاعرة المنزهين أو علماء أهل السنة المنزهون ـ المسمون بالأشعرية مجازا ولا علاقة لهم بالأشعري حقيقة ـ خالفوا الأشعري ولم يهتموا بكتبه ولم يحفظوها ولم ينقلوا عنها ـ ولم يصونوها من التحريف والدس والتزوير عند القائلين بتحريفها ـ وصرحوا بمخالفة الأشعري في قولهم في كثير من المواضع قائلين (خلافا للأشعري) إلا أن المتعصبين يصرون على عدم الاعتراف بخطأ واحد له لأنه معصوم بنظرهم!
وهو حنبلي لا راح ولا جاء لا سيما والعلامة الكوثري رحمه الله تعالى يقول (الحنابلة أولى به)! فمعتقده المسطور في كتبه موافق لمعتقدهم ومعتقد من يسمونهم بأهل الحديث!
وقول الكوثري بالنسخة المحرفة الهندية وأن المقالات فيها وقفة فذلك من هول ما فيها من الكوارث وليس هذا بيان لعدم ثبوتها وهو المصرح بأن الحنابلة أولى به.
ويقول الأشعري في الإبانة بأن اليدين والصفات على ظاهرها وحقيقتها، وينقل عنه ابن فورك في مجرد مقالات الأشعري كما تقدم أنه يقول حتى بصفة الجنب! تعالى الله عن ذلك! وهو مع ذلك يشترك مع ابن تيمية في قولهما بلا تشبيه ولا تمثيل ولا...
أي بالبلكفة!
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا //// شنع الورى فتستروا بالبلكفة
وإليكم بعض النصوص التي يصرح فيها ابن تيمية كالأشعري بأن هذه الصفات بلا تمثيل ولا تشبيه مع أنها لا تنج الأشعري ولا ابن تيمية من التمثيل والتشبيه!
نصوص ابن تيمية المجسم التي يتظاهر فيها بنفي التشبيه ونحوه:
نصوص في نفي الجارحة عند ابن تيمية:
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/51):
[وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتين به ذاتيتين له كما يليق بجلاله.....
قلت له: فالقائل إن زعم أنه ليس له يد من جنس أيدي المخلوقين وأن يده ليست جارحة فهذا حق. وإن زعم أنه ليس له يد زائدة على الصفات السبع فهو مبطل].
وقال ابن تيمية في الحموية الكبرى ص (74):
[وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المتكلم - وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ; ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده - قال في كتاب "الإبانة" تصنيفه:
فإن قال قائل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً ؟ قيل له قوله: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله تعالى: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } فأثبت لنفسه وجها ويدا. فإن قال: فلم أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إن كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلا جارحة ؟ قلنا لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته أن يكون جوهرا..].
لاحظوا الثناء على الباقلاني لأنه يوافقه في المعتقد في هذه الصفات الباطلة!
نصوص في نفي التشبيه:
قال في التدمرية ص (2):
[وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأتمها إثبات ما أثبته من الصفات من غير بكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد......
فطريقهم تتضمن اثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات: اثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ففي قوله { ليس كمثله شيء }: رد للبشبيه والتمثيل وقوله: { وهو السميع البصير }: رد للالحاد والتعطيل. والله سبحانه: بعث رسله (باثبات مفصل ونفي مجمل) فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } قال أهل اللغة: هل تعلم له سميا أن نظيرا يستحق مثل اسمه ويقال: مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس (هل تعلم له سميا) مثيلا أو شبيها].
وقال في منهاج السنة (2/58):
[مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل يثبتون لله ما أثبته من الصفات وينفون عن مماثلة المخلوقات يثبتون له صفات الكمال وينفون عنه ضروب الأمثال ينزهونه عن النقص والتعطيل وعن التشبيه والتمثيل إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل ليس كمثله شيء رد على الممثلة وهو السميع البصير (سورة الشورى). رد على المعطلة ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم].
فتأملوا الاتفاق والمشابهة بين ما هو مسطور في كتب ابن تيمية وما هو مسطور في كتب الأشعري والباقلاني اللذين أعرض الأشاعرة المنزهة وأصحاب المتون عن طريقتهم وقولهم فلم يثبتوا لله ما أثبت هؤلاء!
نحن نريد وعيا ومعرفة وفهما للواقع لا ترقيعا وتأويلا فاسدا وقلبا للحقائق ودفاعا عن عصمة باطلة!
ونريد أن ندك مذهب التفويض دكا ونبين أن السلف ما كانوا إلا مؤولين ومفسرين ومبينين وقد امتلأت كتب التفاسير والحديث بتأويلاتهم!
فاعرف الحق تعرف أهله!
فبدل أن يتهجم المتعصبون علي ليحلوا كوارث مشاكلهم العقائدية التي ساهمت في حلها والجواب عليها
وفوق كل ذي علم عليم..
والحمد لله رب العالمين
______________(تعليقات مفيدة)____________
قال الإمام الماتريدي في كتابه "تأويلات أهل السنة": (4/213) أو (8/538):
[ويحتمل {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}، أي: قوتنا؛ كقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، وقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، أي: بقوة ونحوه، واللَّه أعلم].
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (4/323) و (8/705):
[فعلى ذلك ما ذكر من قبضته ويده ويمينه إنما هو الوصف له بالقوة، والسلطان، والقدرة على ذلك].
فهذا بكل صراحة تأويل الإمام الماتريدي لليد بالقوة والقدرة ولم يثبت منها صفة اليد.
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (4/600) و (9/414):
[وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}. أي: بمنظر وعلم منا].
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (3/291) و (7/280):
[وقوله: (عَلَى عَيْنِي): قَالَ بَعْضُهُمْ: لتُغَذَّى على حفظي، يقال: عين اللَّه عليك: أي كن في حفظ اللَّه، وهو قول الحسن وقتادة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لتربي على عيني، أي: على علمي، والأول أشبه].
فلم يثبت الإمام الماتريدي صفة العين بل أولها.
ونحن مع الماتريدي إمام مذهب الأحناف والماتريدية العقائدي في أقواله هذه.
ـــــــــــــــــــــــ
وقد علق أحد الفضلاء من تلاميذنا وهو العلامة عبد الله المالكي الأشعري على هذا فقال:
لَقَدْ رَدَّ الفَخْرُ الرَّازِي عَلَى المُشَبِّهَةِ والمُجَسِّمَةِ بِأَدِلَّةٍ ((هِيَ نَفْسُهَا وَعيْنُهَا)) الَّتِي رَدَّ بِهَا عَلَى شَيْخِهِ ((أَبي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ)) و((البَاقِلَّانِي))، بَلْ بالأَحْرَى هُوَ ((أَنْكَرَ عَلَيْهِمَا))، وَإِنْ زَعَمَ مَنْ زَعَم أَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ((مَعانِيَ)) لَا ((أَعْيَاناً)).
فَلَمْ يَلْتَفِتْ الفَخْرُ الرَّازِي إِلَى هَذَا، بَلْ الْتَفَتَ إِلى خُطُورَةِ مآلِ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ الكَلَامِ ((الهَوَائِي))، وَرَدَّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الأَدِلَّةِ الَّتِي يَرُدُّ بِهَا عَلَى مَن يُثْبِتُ تِلْكَ الصِّفِاتِ - المَزْعُومَةَ - ((أَعْيَاناً)) لَا مَعَانِيَ.
------------------
فَقَالَ الرَّاَزِي ((مُنْكِراً)) عَلَى الأَشْعَرِيِّ والبَاقِلَّانِي فِي إِثْبَاتِِهِمَا (اليَدَ) صِفَةً، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمَا يَنْفِيَانِ عَنْهَا مَعْنَى الجَارِحَةِ:
1- [فَإِنْ قِـيــلَ]: بِمَ ((تُنْكِرُونَ)) عَلَى شَيْخِكُمْ ((أَبِي الحَسَنِ وَالقَاضِي)) حَيْثُ ((أَثْبَتَنا)) اليَدَيْنِ صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَى الذَّاتِ وَمَاعَدَاهُمَا مِنَ الصِّفَاتِ؟ وَاحْتَجَّا بِأَنْ قَالَا:
صَرَّحَتْ الآيَةُ بِإِثْبَاتِ اليَدَيْنِ مُتَعَلّقَتَيْنِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَشْرِيفاً لَهُ وَتَمْيِيزاً عَنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].
((وَقَدْ وَضُحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الجَارِحَتَيْنِ)) وَ ((لَا يَجُوزُ أَيْضاً حَمْلُهُ عَلَى النِّعْمَةِ)) لِأَنَّ اليَدَيْنِ تُنْبِئَانِ عَنْ شَيْءٍ، وَنِعْمَةُ اللهِ تَعَالَى لَا تَنْحَصِرُ عَلَى آدَمَ لِأَنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي إيِجَادَ آدَمَ بِيَدَيِْهِ وَلَا يَصِحُّ إِيجَادُ الشَّيْءِ بِالنِّعْمَةِ، وَلَا يَصِحًّ أَيْضاً حَمْلُهَا عَلَى القُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ فَإِنَّ آدَمَ وَكَافَّةَ المَخْلُوقَاتِ فِي حُكْمِ تَعَلُّقِ القُدْرَةِ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ اليَدَيْنِ عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَقُدْرَتُهُ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حَمْلُهُ عَلَى صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَى القُدْرَةِ.
2- [قُـلْنا]: أَلَا صَحَّ حَمْلُ اليَدَيْنِ عَلَى القُدْرَةِ، وَقَوْلُهُمْ: (إِنَّ فِيهِ إِبْطَالَ التَّخْصِيصِ)، فَنَقُولُ: التَّشْرِيفُ يَتَحَقَّقُ بِتَخْصِيصِ اللهِ تَعَالَى آدَمَ بِالذِّكْرِ، كَمَا شَرَّفَ عِبَادَهُ المُخْلِصِينَ بِإِضَافَتِهِمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الكَفَرَةُ أَيْضاً عِبَادَ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا سَبِيلُ تَخْصِيصِ البَيْتِ والنَّاقَةِ وَغَيْرِهِمََا مِنَ المُشَرَّفَاتِ بالإِضَافَاتِ يُحَقَّقُهُ أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَ قَرِيباً مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71]، وَالمُرَادُ بِهِ القُدْرَةُ إِجْمَاعاً.
وَالتَّمَسُّكُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ كَمَا يُعَبَّرُ بِاليَدِ عَنِ الاِقْتِدَارِ يُعَبَّرُ بِاليَدَيْنِ عَنْ كَمَالِ الاِقْتِدَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] وَالمُرَادُ بِهِ القُدْرَةُ إِجْمَاعاً.
((فَبَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ)) - ((فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِفَةٍ وَرَاءَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَجَبَ نَفْيُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُودُهُ عَنْ عَدَمِهِ، وَلَا يَكُونُ عَدَدٌ أَوْلَى مِنْ عَدَدٍ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَاتِ مَالَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الصَّفَاتِ المَجْهُولَةِ، وَلِأَنَّا مُكَلَّفُونَ بِمَعْرِفَةِ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] وَالعِلْمُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاحِداً فَرْعٌ عَنِ العِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ، فَإِذَا مَا لَمْ نَعْلَمِ الشَّيْءَ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا نَعْلَمُ الإِلَهَ إِذَا عَلِمْنَا جَمِيعَ مَا لَهُ مِنَ الصَّفَاتِ إِذِ الإِلَهُ هُوَ الذَّاتُ المَوْصُوفَةُ بِجَمِيعِ الصَّفَاتِ القَائِمَةِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَإِلَّا لَكُنَّا مُكَلَّفِينَ بِمَعْرِفَةِ مَا لَا نَعْلَمُ بِالدَّلِيلِ مَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ لَمْ يَدُلَّ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْبَارِي تَعَالَى صِفَةٌ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ.
___________________________
[واجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين
فمنهم من أنكر أن يقال لله يدان وأنكر أن يقال إنه ذو عين وأن له عينين].
وقال ص (211) من المقالات أيضاً:
[وقال اهل السنة واصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الاشياء وانه على العرش... وان له يدين كما قال خلقت بيدى وان له عينين كما قال تجرى بأعيننا].
وقال في الإبانة ص (11):
[وأن له سبحانه عينين بلا كيف، كما قال سبحانه: (تجري بأعيننا)]. وفي نسخة عين والصواب عنه عينين.
واعتبر في الإبانة أن نفي العينين من قول المعتزلة مجوس هذه الأمة (!!)
وقال الباقلاني في كتابه الإنصاف ص (47):
[والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: " ولتصنع على عيني " و " تجري بأعيننا " وأن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس].
وقال الباقلاني في التمهيد:
[ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر: (قد استوى بشر على العراق..) لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَىْ } يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فبطل ما قالوه..].
وقد عظم الحنابلة الباقلاني ومشوا في جنازته ووصفوه بناصر السنة كما في ترجمته، وأما الأشعري فسنبين ذلك فيما بعد ليتمتع المتعصبون!
وقد نقل ابن فورك الأشعري في كتابه مجرد مقالات الأشعري ص (40) أن الأشعري أثبت صفات منها: الوجه واليدين والجنب والعين....
قال ابن حزم في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (2/127):
[وقال الأشعري إن المراد بقول الله تعالى أيدينا إنما معناه اليدان وإن ذكر الأعين إنما معناه عينان وهذا باطل مدخل في قول المجسمة]!!
وجميع الأشاعرة والماتريدية المنزهون العقلاء على موافقة ابن حزم والمعتزلة وعلماء أهل البيت والإباضية والزيدية والإمامية وغيرهم في اعتبار أن اثبات العينين من جملة أقوال وعقائد المجسمة والمشبهة، لذلك لم يثبتوهما، وإنما أثبتوا صفة البصر وأنه سبحانه سميع بصير.
وتمحلات المشاغبين في التأويلات والتسويغات الباردة في الدفاع عن عصمة فلان وفلان لا قيمة لها. فالخطأ خطأ والصواب صواب.
وغيرتنا هي لله تعالى وتنزيهه لا لقول فلان وفلان!
والمتعصبون احتاروا هل ينكرون كتب الأشعري ويزعمون أنها محرفة مدسوسة أم يؤلون كلماته ؟!
وتضاربت أقوالهم فمنهم من ينقل عن ابن عساكر أن الأشاعرة احتفوا بكتاب الإبانة واعتنوا به أشد الاعتناء ومنهم من وجد الواقع يخالف ذلك وأدركوا أنهم لم يعولوا عليه ولا نقلوا منه في مصنفاتهم ومؤلفاتهم!
فالمسألة ضائعة! والعصمة الاستمساك بتنزيه الباري سبحانه!
فهناك عدة مسائل لا بد أن نطرحها ويتناقش فيها العقلاء وغير المتعصبين، والقصد المحافظة على مذهب التنزيه ومنابذة كل من قال بالتشبيه والتجسيم ولو كان ممن نظن أنه من أئمتنا ومن العلماء الأفذاذ.
وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وهذه نقطة مهمة لا ينبغي أن نغفل عنها.
وأصحابنا الأشاعرة الذين يدرسون علم العقائد ويقولون (في عقد الاشعري... وفي طريقة الجنيد السالك) إنما يدرسون العقيدة المبنية على التنزيه التي قعدها وأصّلها أمثال إمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي وغيرهم من علماء أهل السنة المنزهين، لا ما كتبه وقاله الأشعري.
وهؤلاء العلماء المنزهين لم يلتفتوا إلى ما قاله الأشعري والباقلاني من إثبات ما يسمونه بالصفات الخبرية كالعينين واليدين والوجه والساق والقدم والأصابع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وهناك قوم متنطعون سلكوا طريق الفلسفة والمنطق اليوناني مكابرون وهم مستعدون أن يجادلوا ويناقشوا بالباطل ويقلبوا الباطل حقا والحق باطلا في سبيل الدفاع عن شخص الأشعري وغلطاته وإثبات أنه من جملة المعصومين!
وكما قال أحد الإخوة الكرام: هم غير مستعدين أن يعترفوا بخطأ واحد وقع فيه الأشعري! وهم يكابرون ويجادلون بالكلام الذي يعتبر إنشاء لا قيمة له وهو غير مقنع لأي عاقل!
فالخطأ خطأ كائنا من كان القائل به والحق حق كائنا من كان قائله.
ومع أن الأشاعرة المنزهين أو علماء أهل السنة المنزهون ـ المسمون بالأشعرية مجازا ولا علاقة لهم بالأشعري حقيقة ـ خالفوا الأشعري ولم يهتموا بكتبه ولم يحفظوها ولم ينقلوا عنها ـ ولم يصونوها من التحريف والدس والتزوير عند القائلين بتحريفها ـ وصرحوا بمخالفة الأشعري في قولهم في كثير من المواضع قائلين (خلافا للأشعري) إلا أن المتعصبين يصرون على عدم الاعتراف بخطأ واحد له لأنه معصوم بنظرهم!
وهو حنبلي لا راح ولا جاء لا سيما والعلامة الكوثري رحمه الله تعالى يقول (الحنابلة أولى به)! فمعتقده المسطور في كتبه موافق لمعتقدهم ومعتقد من يسمونهم بأهل الحديث!
وقول الكوثري بالنسخة المحرفة الهندية وأن المقالات فيها وقفة فذلك من هول ما فيها من الكوارث وليس هذا بيان لعدم ثبوتها وهو المصرح بأن الحنابلة أولى به.
ويقول الأشعري في الإبانة بأن اليدين والصفات على ظاهرها وحقيقتها، وينقل عنه ابن فورك في مجرد مقالات الأشعري كما تقدم أنه يقول حتى بصفة الجنب! تعالى الله عن ذلك! وهو مع ذلك يشترك مع ابن تيمية في قولهما بلا تشبيه ولا تمثيل ولا...
أي بالبلكفة!
قد شبهوه بخلقه فتخوفوا //// شنع الورى فتستروا بالبلكفة
وإليكم بعض النصوص التي يصرح فيها ابن تيمية كالأشعري بأن هذه الصفات بلا تمثيل ولا تشبيه مع أنها لا تنج الأشعري ولا ابن تيمية من التمثيل والتشبيه!
نصوص ابن تيمية المجسم التي يتظاهر فيها بنفي التشبيه ونحوه:
نصوص في نفي الجارحة عند ابن تيمية:
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/51):
[وقد تواتر في السنة مجيء اليد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فالمفهوم من هذا الكلام أن لله تعالى يدين مختصتين به ذاتيتين له كما يليق بجلاله.....
قلت له: فالقائل إن زعم أنه ليس له يد من جنس أيدي المخلوقين وأن يده ليست جارحة فهذا حق. وإن زعم أنه ليس له يد زائدة على الصفات السبع فهو مبطل].
وقال ابن تيمية في الحموية الكبرى ص (74):
[وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المتكلم - وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ; ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده - قال في كتاب "الإبانة" تصنيفه:
فإن قال قائل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً ؟ قيل له قوله: { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله تعالى: { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } فأثبت لنفسه وجها ويدا. فإن قال: فلم أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة إن كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلا جارحة ؟ قلنا لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته أن يكون جوهرا..].
لاحظوا الثناء على الباقلاني لأنه يوافقه في المعتقد في هذه الصفات الباطلة!
نصوص في نفي التشبيه:
قال في التدمرية ص (2):
[وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأتمها إثبات ما أثبته من الصفات من غير بكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد......
فطريقهم تتضمن اثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات: اثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما قال تعالى { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ففي قوله { ليس كمثله شيء }: رد للبشبيه والتمثيل وقوله: { وهو السميع البصير }: رد للالحاد والتعطيل. والله سبحانه: بعث رسله (باثبات مفصل ونفي مجمل) فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل كما قال تعالى { فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } قال أهل اللغة: هل تعلم له سميا أن نظيرا يستحق مثل اسمه ويقال: مساميا يساميه وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس (هل تعلم له سميا) مثيلا أو شبيها].
وقال في منهاج السنة (2/58):
[مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل يثبتون لله ما أثبته من الصفات وينفون عن مماثلة المخلوقات يثبتون له صفات الكمال وينفون عنه ضروب الأمثال ينزهونه عن النقص والتعطيل وعن التشبيه والتمثيل إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل ليس كمثله شيء رد على الممثلة وهو السميع البصير (سورة الشورى). رد على المعطلة ومن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم].
فتأملوا الاتفاق والمشابهة بين ما هو مسطور في كتب ابن تيمية وما هو مسطور في كتب الأشعري والباقلاني اللذين أعرض الأشاعرة المنزهة وأصحاب المتون عن طريقتهم وقولهم فلم يثبتوا لله ما أثبت هؤلاء!
نحن نريد وعيا ومعرفة وفهما للواقع لا ترقيعا وتأويلا فاسدا وقلبا للحقائق ودفاعا عن عصمة باطلة!
ونريد أن ندك مذهب التفويض دكا ونبين أن السلف ما كانوا إلا مؤولين ومفسرين ومبينين وقد امتلأت كتب التفاسير والحديث بتأويلاتهم!
فاعرف الحق تعرف أهله!
فبدل أن يتهجم المتعصبون علي ليحلوا كوارث مشاكلهم العقائدية التي ساهمت في حلها والجواب عليها
وفوق كل ذي علم عليم..
والحمد لله رب العالمين
______________(تعليقات مفيدة)____________
قال الإمام الماتريدي في كتابه "تأويلات أهل السنة": (4/213) أو (8/538):
[ويحتمل {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}، أي: قوتنا؛ كقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، وقوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، أي: بقوة ونحوه، واللَّه أعلم].
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (4/323) و (8/705):
[فعلى ذلك ما ذكر من قبضته ويده ويمينه إنما هو الوصف له بالقوة، والسلطان، والقدرة على ذلك].
فهذا بكل صراحة تأويل الإمام الماتريدي لليد بالقوة والقدرة ولم يثبت منها صفة اليد.
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (4/600) و (9/414):
[وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}. أي: بمنظر وعلم منا].
وقال الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (3/291) و (7/280):
[وقوله: (عَلَى عَيْنِي): قَالَ بَعْضُهُمْ: لتُغَذَّى على حفظي، يقال: عين اللَّه عليك: أي كن في حفظ اللَّه، وهو قول الحسن وقتادة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لتربي على عيني، أي: على علمي، والأول أشبه].
فلم يثبت الإمام الماتريدي صفة العين بل أولها.
ونحن مع الماتريدي إمام مذهب الأحناف والماتريدية العقائدي في أقواله هذه.
ـــــــــــــــــــــــ
وقد علق أحد الفضلاء من تلاميذنا وهو العلامة عبد الله المالكي الأشعري على هذا فقال:
لَقَدْ رَدَّ الفَخْرُ الرَّازِي عَلَى المُشَبِّهَةِ والمُجَسِّمَةِ بِأَدِلَّةٍ ((هِيَ نَفْسُهَا وَعيْنُهَا)) الَّتِي رَدَّ بِهَا عَلَى شَيْخِهِ ((أَبي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ)) و((البَاقِلَّانِي))، بَلْ بالأَحْرَى هُوَ ((أَنْكَرَ عَلَيْهِمَا))، وَإِنْ زَعَمَ مَنْ زَعَم أَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ هَذِهِ الصِّفَاتِ ((مَعانِيَ)) لَا ((أَعْيَاناً)).
فَلَمْ يَلْتَفِتْ الفَخْرُ الرَّازِي إِلَى هَذَا، بَلْ الْتَفَتَ إِلى خُطُورَةِ مآلِ التَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ الكَلَامِ ((الهَوَائِي))، وَرَدَّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الأَدِلَّةِ الَّتِي يَرُدُّ بِهَا عَلَى مَن يُثْبِتُ تِلْكَ الصِّفِاتِ - المَزْعُومَةَ - ((أَعْيَاناً)) لَا مَعَانِيَ.
------------------
فَقَالَ الرَّاَزِي ((مُنْكِراً)) عَلَى الأَشْعَرِيِّ والبَاقِلَّانِي فِي إِثْبَاتِِهِمَا (اليَدَ) صِفَةً، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمَا يَنْفِيَانِ عَنْهَا مَعْنَى الجَارِحَةِ:
1- [فَإِنْ قِـيــلَ]: بِمَ ((تُنْكِرُونَ)) عَلَى شَيْخِكُمْ ((أَبِي الحَسَنِ وَالقَاضِي)) حَيْثُ ((أَثْبَتَنا)) اليَدَيْنِ صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَى الذَّاتِ وَمَاعَدَاهُمَا مِنَ الصِّفَاتِ؟ وَاحْتَجَّا بِأَنْ قَالَا:
صَرَّحَتْ الآيَةُ بِإِثْبَاتِ اليَدَيْنِ مُتَعَلّقَتَيْنِ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَشْرِيفاً لَهُ وَتَمْيِيزاً عَنْ سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75].
((وَقَدْ وَضُحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الجَارِحَتَيْنِ)) وَ ((لَا يَجُوزُ أَيْضاً حَمْلُهُ عَلَى النِّعْمَةِ)) لِأَنَّ اليَدَيْنِ تُنْبِئَانِ عَنْ شَيْءٍ، وَنِعْمَةُ اللهِ تَعَالَى لَا تَنْحَصِرُ عَلَى آدَمَ لِأَنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي إيِجَادَ آدَمَ بِيَدَيِْهِ وَلَا يَصِحُّ إِيجَادُ الشَّيْءِ بِالنِّعْمَةِ، وَلَا يَصِحًّ أَيْضاً حَمْلُهَا عَلَى القُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ فَإِنَّ آدَمَ وَكَافَّةَ المَخْلُوقَاتِ فِي حُكْمِ تَعَلُّقِ القُدْرَةِ سَوَاءٌ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ اليَدَيْنِ عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَقُدْرَتُهُ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حَمْلُهُ عَلَى صِفَتَيْنِ زَائِدَتَيْنِ عَلَى القُدْرَةِ.
2- [قُـلْنا]: أَلَا صَحَّ حَمْلُ اليَدَيْنِ عَلَى القُدْرَةِ، وَقَوْلُهُمْ: (إِنَّ فِيهِ إِبْطَالَ التَّخْصِيصِ)، فَنَقُولُ: التَّشْرِيفُ يَتَحَقَّقُ بِتَخْصِيصِ اللهِ تَعَالَى آدَمَ بِالذِّكْرِ، كَمَا شَرَّفَ عِبَادَهُ المُخْلِصِينَ بِإِضَافَتِهِمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الكَفَرَةُ أَيْضاً عِبَادَ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا سَبِيلُ تَخْصِيصِ البَيْتِ والنَّاقَةِ وَغَيْرِهِمََا مِنَ المُشَرَّفَاتِ بالإِضَافَاتِ يُحَقَّقُهُ أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَ قَرِيباً مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71]، وَالمُرَادُ بِهِ القُدْرَةُ إِجْمَاعاً.
وَالتَّمَسُّكُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ كَمَا يُعَبَّرُ بِاليَدِ عَنِ الاِقْتِدَارِ يُعَبَّرُ بِاليَدَيْنِ عَنْ كَمَالِ الاِقْتِدَارِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بل يداه مبسوطتان} [المائدة: 64] وَالمُرَادُ بِهِ القُدْرَةُ إِجْمَاعاً.
((فَبَطَلَ مَا ذَكَرُوهُ)) - ((فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى صِفَةٍ وَرَاءَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَجَبَ نَفْيُهُ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُودُهُ عَنْ عَدَمِهِ، وَلَا يَكُونُ عَدَدٌ أَوْلَى مِنْ عَدَدٍ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِثْبَاتِ مَالَا نِهَايَةَ لَهُ مِنَ الصَّفَاتِ المَجْهُولَةِ، وَلِأَنَّا مُكَلَّفُونَ بِمَعْرِفَةِ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] وَالعِلْمُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاحِداً فَرْعٌ عَنِ العِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ، فَإِذَا مَا لَمْ نَعْلَمِ الشَّيْءَ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا نَعْلَمُ الإِلَهَ إِذَا عَلِمْنَا جَمِيعَ مَا لَهُ مِنَ الصَّفَاتِ إِذِ الإِلَهُ هُوَ الذَّاتُ المَوْصُوفَةُ بِجَمِيعِ الصَّفَاتِ القَائِمَةِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَإِلَّا لَكُنَّا مُكَلَّفِينَ بِمَعْرِفَةِ مَا لَا نَعْلَمُ بِالدَّلِيلِ مَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ لَمْ يَدُلَّ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْبَارِي تَعَالَى صِفَةٌ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ.
___________________________