معنى وتفسير قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}:

تفسير آية أو آيات كريمة
أضف رد جديد
cisayman3
مشاركات: 300
اشترك في: السبت نوفمبر 11, 2023 8:00 pm

معنى وتفسير قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}:

مشاركة بواسطة cisayman3 »

بكل بساطة واختصارمعناه: الله تعالى الرحمن هو مدبر هذا الكون ومسير أمره ومنظمه والقائم عليه. لذلك نجد أنه يُذكر معها غالباً قوله تعالى: (يدبر الأمر..)
وتفسير المجسمة للآية بما يدور أو يحقق (تخيلهم قعوده سبحانه على كرسي فخم) هو حسب تصورهم فنراهم يقولون: (علا وارتفع وجلس واستقر وقعد ونحو هذه الأمور) وهو مردود كائن من كان القائل به من السلف والخلف!
والكلام الذي ينقله بعضهم ومنهم ابن تيمية عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى في الاستواء أنه قال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول..)
لا يثبت عنه بهذا اللفظ!
ولأن فيه إثبات كيفية لله تعالى وأن هذه الكيفية مجهولة! والله تعالى لا كيف له! وقد صرَّح الإمام مالك بذلك!
والصواب أنه قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول) أو (الاستواء معلوم والكيف غير معقول)
وقد رواه وأورده البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بهذا اللفظ وهو:
(فقال مالك: (الرحمن على العرش استوى) كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع..).
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (3/355):
[وقال محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك فجاءه رجل فقال: الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ وذكر نحوه ولفظه؟ فقال الإستواء غير مجهول، والكيف غير معقول].
وأورده الذهبي في العلو النص (317): عن سفيان قال: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسأله رجل فقال: { الرحمن على العرش استوى } كيف استوى فقال:
الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه
بدعة. وفي لفظ آخر صحَّ عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق.
وقد انقدح لي في هذه الأقوال المنقولة عن ربيعة وعن مالك وغيرهما رحمهمـــا الله تعالى - ومن خلال تحقيقنا لكتاب العلو للذهبي واطلاعنا على الجو الذي كان سائداً في تلك الأعصار من الانكباب على كتب أهل الكتاب والشغف بالإسرائيليات ونقلها في التفاسير عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما وتأيد الدولة الأموية يومئذ للتجسيم وسكوتها عن حملة أفكاره - أنَّ أولئك الأئمة العقلاء رحمهم الله تعالى كانوا منزعجين من هذه الإسرائيليات التي تصف الله تعالى بأنه جسم جالس على العرش وأنَّ رجليه أو قدميه على الكرسي وما إلى ذلك من خرط وطامات مستشنعة، فكان أتباع أو حملة ذلك الفكر الإسرائيلي يأتون أولئك الأئمة في دروسهم ليثيروا تلك القضايا عندهم ويعرفوا موقفهم منها فكانوا يجيبونهم بهذا الجواب، فيقولون: (الاستواء غير مجهول) أي غير مجهول ذكره في القرآن فنحن نعرف أنه مذكور (والكيف غير معقول) أي ما تقولونه أيها المجسمة من الكيفيات التي تصوّرون الله تعالى بها فهي غير مقبولة ولا يقبلها العقل الذي يعرف أن الكتاب والسنة والشريعة جاءت بتنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه، وإذا كانت النصوص تنزه الله تعالى عن مشابهة الخلق فلا يعقل أن يكون لله تعالى كيف، وفي رواية مالك وقد تقدمت: (ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع) أي ما يقوله هؤلاء هو تجسيم محض لأنه إثبات كيفيــة وصــورة وهيئة لله تعالى والله تعالى بخلاف ذلك!!
ومما يؤكد هذا الذي قررناه أن الإمام مالكاً رحمه الله تعالى المتبع لشيخه ربيعة الرأي في ذلك كان ينهاهم عن رواية ما يسمونه بأحاديث الصفات فقد تقدَّم النقل عنه من عدة مصادر منها فتح الباري (7/124) أنه أنكر حديث اهتزاز العرش بموت سعد بن معاذ ونهى عن التحديث به، وفي "سير أعلام النبلاء" (8/103):
[قال ابن القاسم: سألتُ مالكاً عمَّن حدَّث بالحديث، الذين قالوا: ((إنَّ الله خلق آدم على صورته)) والحديث الذي جاء: ((إنَّ الله يكشف عن ساقه)) ((وأنه يُدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد)) فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً، ونهى أن يحدث بها أحد، فقيل له: إنَّ ناساً من أهل العلم يتحدّثون به، فقال: من هو ؟ قيل: ابن عجلان عن أبي الزناد، قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات] انتهى. أي لم يزل عاملاً للأمويين متأثراً بهذا الفكر المعوج.
وزاد العقيلي على هـــذه العبارة في ((الضعفاء)) (2/251): ((وكان صاحب عمَّال يتبعهم)) أي أنَّ أبا الزناد كان صاحب عامل بني أمية على المدينة وكان تابعاً لهم ويدل على ذلك ما سيأتي الآن من بيان سيرته!!
وما قاله الإمام مالك رحمه الله تعالى من كلام فهو مهم جداً جداً لا بد من تأمله بعمق.
قلت: وقد توفي أبو الزناد سنة (130) من الهجرة أي في أيام الدولة الأموية كما نجد ذلك في ترجمته.
واعلم أنَّ الأمويون كانوا يروّجون للتشبيه والتجسيم!! فهذا معاوية يقول في كعب الأحبار ((ألا إنَّ كعب الأحبار أحد العلماء إن كان عنده لعلم كالثمــار وإن كنا فيه لمفرطين)) (!!) وهذا منقول من ترجمة كعب في مثل ((تهذيب التهذيب)).
وروى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص (108) فقال: حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: [قدمت على عبد الملك فذكرت عنده الصخرة التي ببيت المقدس فقال عبد الملك: هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله …] فأنكر عليه عروة.
وهذا سند صحيح.... فتأمل جيداً!!
قال الشيخ عبد القاهر البغدادي (ت429هـ) في "أصول الدين" ص (113):
[ورويَ أن مالكا سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معقول وكيفيته مجهولة والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب..... والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك. كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره. وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب: ثل عرش فلان إذا ذهب ملكه....].
ومن المعلوم أن الثابت عن الإمام مالك أنه قال:
[الاستواء معلوم والكيف غير معقول...].
ولا يثبت أنه قال: (والكيفية مجهولة)!!
هذا مع التنبه إلى أن عبد القاهر البغدادي لم يعتمد القول المنقول عن الإمام مالك رحمه الله تعالى!
والله تعالى أعلم!
___________(تعليقات مفيدة)_____________
جَزَاكمُ اللهُ خَيْرًا شَيْخَنَا، وَمِنْ بَيْنِ النُّصُوصِ فِي (أَبِي الزَّنَادِ) هَذَا الَّذِي هُوَ ابْنُ أَخِ (أَبِي لُؤْلُؤَةَ المَجُوسِيِّ) قَاتِلِ عُمَرَ، وَالَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّـهُ كَانَ ((كَاتِبًا)) لِبَنِي أُمَيَّـةَ:
مَا رَوَاهُ (ابْنُ عدِيٍّ) فِي الكَامِلِ:
[حَدَّثَنَا ابْنُ أبِي بَكْر، حَدَّثَنا عَبَّاس، قَالَ يَحْيى: قَالَ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ): أبُو الزّنَادِ كانَ ((كَاتِبَ)) هَؤُلَاءِ القَوْمِ يَعْنِي ((بَنِي أُمَيَّةَ)) وَكَانَ لَا يَرْضَاهُ] اهـ.
قَالَ الحَافِظُ فِي هَدْيِ السَّارِي:
[يُقَال إِن مَالِكًا كرهه لِأَنَّهُ كَانَ يعْمل للسُّلْطَان] اهـ.
قَالَ (مصعب بن عبد الله الزبيري) فِيمَا نَقَلَ الذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُ:
[وكَانَ ((كَاتِباً)) لِـ ((خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم)) بالمَدِينَةِ، وكَانَ ((كَاتِباً)) لِـ ((عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب))] اهـ.
---
وَكَانَ يَكْتُبُ لِـ ((هشام بْن عبد الملك)) أَيْضًا، قَالَ (الوَاقِدِيُّ):
[حَدَّثَنِي (ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ) عَنْ (أَبِيهِ) قَالَ: كَتَبَ إِلّيَّ (هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ) قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ المَدِينَةَ أَنِ ((اكْتُبْ لي)) سُنَنَ الحَجِّ ((فَكَتَبْتُهَا لَهُ))] اهـ.
وَفِي هَذهِ القِصَّـةِ يَسْمَعُ (سعيدَ بْن عبد الله بْن الوليد بْن عثمان بْن عفان) يَلْعَنُ الإِمَامَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَمَامَ (هِشَامَ) فَلَا يُنْكرُ عَلَيْهِ!
وَكَانَ يُجَالِسُ (الوَلِيدَ) وَهُوََ يَشْرَبُ الخَمْرَ، فَيَبْقَى مَعَهُ حَتَّى الصَّبَاحِ: قَالَ الطَّبَرِي مُتَحَدِّثًا عَنِ (الوَلِيدِ):
[وكَانَ شَاعِرًا شَرُوبًا للخَمْرِ، حَدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي، عن (ابن أبي الزناد)، قَالَ: قَالَ (أبي):
..... فقلت: بَلْ يُطِيلُ اللهُ لَكَ عُمرَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَيُمَتِّعُ الأُمَّةَ بِبَقَائِكَ، فَدَعَا بِالعَشَاءِ فَتَعَشَّيْنَا، وَجَاءَتْ المَغْرِبُ فَصَلَّيْنَا، وَتَحَدَّثْنَا حَتَّى جَاءَتْ العشَاءُ الآخِرَة فَصَلَّيْنَا وَجَلَسَ، وَقَالَ: اسْقِنِي، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ مُغَطَّى، وَجَاءَ ثَلَاثُ جَوَارٍ فَصَفَفْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ، بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَرِبَ، وَذَهَبْنَا فَتَحَدَّثْنَا، وَاسْتَسْقَى فَصَنَعْنَ مِثْلَ مَا صَنَعْنَ أَوَّلًا، قَالَ: فَمَا زَالَ عَلَى ذَلِكَ يَتَحَدَّثُ وَيَسْتَسْقِي وَيَصْنَعْنَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَأَحْصَيْتُ لَهُ سَبْعِينَ قَدَحًا] اهـ.
وَمَا خَفِيَ أَعْظَمُ!
أضف رد جديد

العودة إلى ”تفسير آية أو آيات كريمة“