السنوسي صاحب كتب العقائد يدعوا على المعتزلة بالهلاك ويصفهم بأنهم مجوس:
مرسل: الأحد فبراير 18, 2024 8:34 am
عبد القاهر التميمي البصري والسنوسي عندهما تعصب زائد غير مقبول على المعتزلة:
من تعصب السنوسي صاحب كتب العقائد ومما أخطأ به أنه يدعوا على المعتزلة بالهلاك ويصفهم بأنهم مجوس وهو لم يقرأ كتاب إمام الحرمين الأشعري "الرسالة النظامية" فضلاً عن أن يقرأ كتب المعتزلة ويطلع على آرائهم وإنما ينقل مقلدا من أقوال كتب مشايخه أو بعض الكتب التي كان قد اطلع عليها!!!
تنبيه: قبل الدخول في الموضوع ينبغي أن نبين بأن العقيدة الصحيحة هي اعتقاد أن الله تعالى شاء وأراد أن يخلق الإنسان مختاراً غير مجبر ولا مكره وأمكنه من أن يفعل ما يشاء، وأمره أن يتوقى الضرر والأذى وأسباب المرض وأن يقوم بما فرضه عليه وينتهي عما نهاه عنه. {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}. والآن نشرع في بيان ما عنونا له:
يقول السنوسي في شرح العقيدة الوسطى ص (224) طبع دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 2006م ما نصه:
[ونبه بهذا(المنبه هنا هو السنوسي مصنف الوسطى نفسه لا غير) على مذهب القدرية مجوس هذه الأمة أبعدهم الله تعالى حيث قالوا: إن القدرة الحادثة والقوة التي خلق الله تعالى في الحيوان هي التي بها يخترع الحيوان أفعاله على وفق ما يريد. قالوا أهلكهم الله تعالى.....].
أقول:
أولاً:
القائل بهذا أيضاً هو إمام الحرمين الأشعري في النظامية والإمام الغزالي والإمام السبكي والإمام الفخر الرازي في آخر أقوالهم! والسنوسي لم يطلع على الرسالة النظامية لإمام الحرمين بل ذهب ينكر أن هذا ثابتاً عنه وأنه لو ثبت عنه فهو مؤوَّل!
وهذا تحكم بقول الإمام بلا دليل!
كما أنه لا يدري أن الأشعري إمامه يقول في مقالات الإسلاميين - كما ذكرنا في التعليقات على المقال السابق - (2/221):
[والحق عندي أن معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسباً لمن وقع بقدرته].
ثانياً: أن السنوسي رمى من يقول بمخالفة قوله - ويدخل فيه أئمة أهل السنة الذين ذكرناهم والذين لم نذكرهم- بأنه:
أ- قدري.
ب- مجوس.
ج- أبعدهم الله.
د- أهلكهم الله.
!!!!!
وفي نصوص أخرى له بأنهم:
هـ - مشركون.
و- المجوس أسعد حالاً منهم.
ونقل عن بعض الأئمة أيضا:
ز- من أهل الزيغ.
فما هي العقيدة التي استشاط السنوسي غضبا على من يخالفها وأوجب اعتقادها ونسبها لأهل السنة وضلل من يخالفها واعتبر المجوس الكفرة المشركين أسعد حالاً منه؟!
إنها قوله ص (236) من شرح الوسطى:
[وحاصل العبد القادر عند أهل السنة أنه مجبور في قالب مختار، مجبور من حيث أنه لا أثر له البتة في أثر ما عموماً وإنما هو ظرف للحوادث والأعراض يخلق الله تعالى فيه ما شاء منها ويختار..].
وهذا صريح الجبر وليس جبرا متوسطا، وقد نعى أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/338) هذا القول وعزاه للجهم بن صفوان وبين أن هذا القول مما انفرد بهم الجهم بن صفوان فقال الأشعري هناك: [وتفرَّد جهم بأمور منها: أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة...]!!
وبعد هذا كله يأتي بعض المقلدة المتعصبة فيقولون بأننا لا نفهم كلام العلماء وليست لنا ممارسة في هذه الصناعة وإنما خصهم الله تعالى وحدهم بالفهم والعلم!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ونحن نرى فئتين من المتعصبة المدعية للأشعرية فئة مصرة على التكفير وهي تنقل تجمع أقوال العلماء المكفرين دون وعي ودون أن تعمل عقلها في القضية لتدرك الحق من الصواب وهي طائفة متشددة في التكفير، وطائفة أخرى تحمل أقوالا متناقضة وهي لا تدري فهي تقول في التكفير قولان، نظريا تقول بعدم التكفير لكنها ترمي مخالفيها وخاصة في هذه المسألة بالتبديع وغيره، وعملياً تسير في ركاب التكفير!
وهنا ينبغي أن نعلم بأننا بحاجة لعلماء عقلاء يضعون (استرتيجية) وأهداف علمية واضحة بعيدة عن الغلو والتعصب واحتقار المخالفين والنظر إليهم بازدراء وفهم الأمور والأدلة والتوازن الراجح وعدم الالتفات إلى المؤثرات السلبية التي تورث التباغض والتنافر والتحاسد ما بين المذاهب والفرق الإسلامية.
نشعر أحياناً في المجال العلمي الشرعي أننا نتعامل مع أطفال أو مع قاصرين في التفكير مستعدين في لحظة واحدة أن يتهجموا على من يخالفهم ولو في أبسط المسائل ويمتلئوا حقدا وبغضا وكراهية وتشنيعا عليه!
والله الموفق.
(ملحق):
والهدف من تزييف قول السنوسي في المقالات السابقة والاعتراض عليه في مسألة رمي القدرية بالكفر والشرك والمجوسية هو مكافحة التطرف والتكفير ورمي المسلمين بالشرك والمجوسية، وعدم متابعة بعض الأفكار في كتب التراث التي تكفر المخالفين بما لا يوجب التكفير والرمي بالشرك والكفر والابتداع.
وبذلك نبتعد عن المنهج السلفي الوهابي والداعشي الذي يرمي الناس بالكفر والشرك والابتداع والمجوسية والإلحاد وغير ذلك من ألفاظ النبز
العبد الفقير لا يقول ما يقوله من الدعاوى والمسائل والقضايا العلمية مثل عدم اطلاع السنوسي على الرسالة النظامية أو التأكد من تكفير السنوسي الحقيقي للقدرية إلا بعد البحث والدراسة والتأمل والرجوع للأدلة ولأقوال العلماء والتحقق منها، مع أنني عبد خطاء وغير معصوم ويجوز علي الوهم والنسيان كبقية عباد الله تعالى.
لقد كتب أحد المقلدة المتعصبة - هداهم الله تعالى وفتح عقولهم وأبصارهم للحق - يرد عليَّ بياني لقضية (تكفير السنوسي للقدرية) وقوله (بالجبر) واستنكاري لذلك، فثارت ثائرته وجن جنونه! وهذا الراد مبتلى بما ابتلي به كثير من المشتغلين بمنطق (إيساغوجي) اليوناني، وفلسفة أرسطو، من اعتقاد أنهم يفهمون وغيرهم لا يفهم مع اعتقاد عصمة المشايخ الذين يقلدونهم والتأويل لما أخطأوا فيه بباطل القول، كما أنهم يصرحون بأن مخالفيهم لا يفهمون كلام أهل العلم وليست لهم ممارسة في كتب العلماء، وهذا الضرر الوبيل من الغرور والاستطالة منشأه ما قدمناه من التعصب والطريقة اليونانية الفلسفية التي سرت إليهم أو استعملوها في غير ما وضعت له، وعلى كل حال ينبغي أن أنبه على أمورٍ في مثل هذا المقام لإفادة طلبة العلم وتدريبهم على كشف الخطأ والتعصب والغرور والقول الباطل الذي يسلكه بعض المتعصبين الذين قد يظهر لمن لا يدرك سطحيتهم بأنهم يتكلمون بعلم وفهم وهم ليسوا كذلك، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: أننا إذا ذكرنا السنوسي مثلاً فإننا لا نقصده بعينه! بل هو عينة أو مثال على بعض من ينظر إليه بالتحقيق والإمامة من المشايخ ومن كانت له مدرسة في فن من الفنون أو علم من العلوم، وله أخطاء، فعلو منزلته لا تعني أنه معصوم وليس له خطأ، بل إذا كنا ممن ننظر إليه بالتقدير والاحترام فإن الخطأ الذي وقع فيه فلان أو فلان لا يجوز أن نتابعهم عليه ولا أن نقتدي بهم فيه!
ونحن نعرف أن هناك غير السنوسي أيضاً ممن يرمي المخالفين في هذه القضية بالكفر والشرك، ونعتقد أن قول السنوسي ومن قال بقوله خطأ فادح ولو كان القائل بذلك آلاف من العلماء والأئمة! ما دام أن الدليل يدل على عكس مذهبه ومع وجود الخلاف بين أهل السنة أنفسهم في ذلك فضلاً عن بقية علماء الأمة المحمدية!
والهدف في ذلك أننا نريد تصحيح المفاهيم المخطئة، ومن ذلك الفهم المخطىء للقضاء والقدر الذي أثر في حياة الناس وكثيراً من أفراد العامة وسبّب التواكل والاعتماد على الغير مما أدّى إلى التأخر والتقهقر وعدم النهضة!
ثانياً: زعم بعض الرادّين علينا – وقد صادفنا الكثير من المعاندين المتعصبين منهم في مسيرة حياتنا – أن السنوسي قصد كفرا دون كفر وشركا دون شرك عندما رمى القدرية بالشرك والكفر وأننا لا نفهم مقاصد العلماء ولا كلامهم!! هكذا زعم!
وأنا أقتصر هنا على عرض كلام للسنوسي في شرح عقيدته الكبرى فضلا عما نقلناه عنه في شرح عقيدته الوسطى من رميهم بالشرك والكفر والمجوسية بل وقوله بأن المجوس أسعد حالا منهم مع ما عرضناه من اعتراض شراح السنوسية أم البراهين كالدسوقي والشرقاوي والهدهدي وغيرهم على السنوسي وعلى من قال بمثل مقالته في رمي القدرية بالكفر والشرك والمجوسية!
قال السنوسي في "شرحه على عقيدته الكبرى" (160-161):
[من أصناف الشرك: فائدة: قال ابن دهاق في "شرح الإرشاد": حين تعرض لأصناف الشرك:
.......... ثم ذكر أن النوع الثالث من هذا الصنف ما تقوله المعتزلة، ويعتقده أكثر من جهل هذا العلم من المسلمين: أن العبد يوجد أفعاله على حسب اختياره بقدرة خلقها الله تعالى له، وأمره أن يتصرّف بها في غير ما نهاه عنه. وذكر خلاف أهل السنة في تكفيرهم، قال: والأظهر أنهم كافرون، انتهى].
ثم قال السنوسي عقب ذلك مباشرة:
[قلت: فانظر هذا الخطر العظيم في العقائد، وكيف عرض بنفسه من أعرض عن النظر في علم التوحيد للعذاب المؤبد، والخزي السرمد في نار جهنم مع كل كافر جاحد].
فتأمل كيف يعتمد السنوسي بأن الأظهر كفرهم ثم يؤكد ذلك بتصريحه بأنهم في العذاب المؤبد والخزي السرمد في نار جهنم مع كل كافر جاحد!!!!
لا حول ولا قوة إلا بالله!
وليس غرضنا هنا أن نرد على بعض السذج أو المتنطعين فيما قالوه وإنما غرضنا تأكيد أصل المنشور السابق وما ذكرناه في الرد على بعض الادين دون وعي علينا والأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب والتنبه إلى عدم الاغترار بغلو ومبالغة بعض العلماء في التكفير أو الغلو مثل قول السنوسي المتقدم في شرح الكبرى (ما تقوله المعتزلة، ويعتقده أكثر من جهل هذا العلم من المسلمين) ثم اعتمد أنهم كفار مخلدون مع الكفار الجاحدين في نار جهنم وبذلك رمى عامة المسلمين بهذا الموبقات والعظائم!
والذي يؤكد أن السنوسي لم يطلع ويحصّل ويقرأ الرسالة النظامية لإمام الحرمين أنه يقول في كتبه أنه نُقِلَ عن إمام الحرمين أنه يقول بأن قدرة العبد الحادثة هي المؤثرة في فعله وأحياناً يشكك في ثبوت ذلك عن إمام الحرمين! ولو أنه وقف على الرسالة النظامية لم يقل بمثل ذلك! ومن جملة قول السنوسي في ذلك قوله في شرح الوسطى ص (239):
[ومنها نقل عن إمام الحرمين في آخر أمره أن القدرة الحادثة تؤثر في وجود الفعل على وفق مشيئة الله تعالى ولا يخفى فساد هذه الأقوال وأنها متشعبة من مذهب القدرية مجوس هذه الأمة].
وقال في موضع آخر ص (241):
[والظن بهؤلاء الأئمة الذين عزيت لهم هذه الأقوال على تقدير صحة صدورها عنهم أنهم لم يقولوها على الوجه الذي فهم الناقل لها عنهم من اعتقاد صحة ظاهرها، وإنما تكون صدرت منهم على سبيل البحث في المجالس أو في مناظرة جدلية مع الخصوم ونحو ذلك].
وهذا يؤكد ما قلناه من أن السنوسي لم يقف على النظامية!
والله تعالى أعلم.
من تعصب السنوسي صاحب كتب العقائد ومما أخطأ به أنه يدعوا على المعتزلة بالهلاك ويصفهم بأنهم مجوس وهو لم يقرأ كتاب إمام الحرمين الأشعري "الرسالة النظامية" فضلاً عن أن يقرأ كتب المعتزلة ويطلع على آرائهم وإنما ينقل مقلدا من أقوال كتب مشايخه أو بعض الكتب التي كان قد اطلع عليها!!!
تنبيه: قبل الدخول في الموضوع ينبغي أن نبين بأن العقيدة الصحيحة هي اعتقاد أن الله تعالى شاء وأراد أن يخلق الإنسان مختاراً غير مجبر ولا مكره وأمكنه من أن يفعل ما يشاء، وأمره أن يتوقى الضرر والأذى وأسباب المرض وأن يقوم بما فرضه عليه وينتهي عما نهاه عنه. {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}. والآن نشرع في بيان ما عنونا له:
يقول السنوسي في شرح العقيدة الوسطى ص (224) طبع دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 2006م ما نصه:
[ونبه بهذا(المنبه هنا هو السنوسي مصنف الوسطى نفسه لا غير) على مذهب القدرية مجوس هذه الأمة أبعدهم الله تعالى حيث قالوا: إن القدرة الحادثة والقوة التي خلق الله تعالى في الحيوان هي التي بها يخترع الحيوان أفعاله على وفق ما يريد. قالوا أهلكهم الله تعالى.....].
أقول:
أولاً:
القائل بهذا أيضاً هو إمام الحرمين الأشعري في النظامية والإمام الغزالي والإمام السبكي والإمام الفخر الرازي في آخر أقوالهم! والسنوسي لم يطلع على الرسالة النظامية لإمام الحرمين بل ذهب ينكر أن هذا ثابتاً عنه وأنه لو ثبت عنه فهو مؤوَّل!
وهذا تحكم بقول الإمام بلا دليل!
كما أنه لا يدري أن الأشعري إمامه يقول في مقالات الإسلاميين - كما ذكرنا في التعليقات على المقال السابق - (2/221):
[والحق عندي أن معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسباً لمن وقع بقدرته].
ثانياً: أن السنوسي رمى من يقول بمخالفة قوله - ويدخل فيه أئمة أهل السنة الذين ذكرناهم والذين لم نذكرهم- بأنه:
أ- قدري.
ب- مجوس.
ج- أبعدهم الله.
د- أهلكهم الله.
!!!!!
وفي نصوص أخرى له بأنهم:
هـ - مشركون.
و- المجوس أسعد حالاً منهم.
ونقل عن بعض الأئمة أيضا:
ز- من أهل الزيغ.
فما هي العقيدة التي استشاط السنوسي غضبا على من يخالفها وأوجب اعتقادها ونسبها لأهل السنة وضلل من يخالفها واعتبر المجوس الكفرة المشركين أسعد حالاً منه؟!
إنها قوله ص (236) من شرح الوسطى:
[وحاصل العبد القادر عند أهل السنة أنه مجبور في قالب مختار، مجبور من حيث أنه لا أثر له البتة في أثر ما عموماً وإنما هو ظرف للحوادث والأعراض يخلق الله تعالى فيه ما شاء منها ويختار..].
وهذا صريح الجبر وليس جبرا متوسطا، وقد نعى أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/338) هذا القول وعزاه للجهم بن صفوان وبين أن هذا القول مما انفرد بهم الجهم بن صفوان فقال الأشعري هناك: [وتفرَّد جهم بأمور منها: أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة...]!!
وبعد هذا كله يأتي بعض المقلدة المتعصبة فيقولون بأننا لا نفهم كلام العلماء وليست لنا ممارسة في هذه الصناعة وإنما خصهم الله تعالى وحدهم بالفهم والعلم!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ونحن نرى فئتين من المتعصبة المدعية للأشعرية فئة مصرة على التكفير وهي تنقل تجمع أقوال العلماء المكفرين دون وعي ودون أن تعمل عقلها في القضية لتدرك الحق من الصواب وهي طائفة متشددة في التكفير، وطائفة أخرى تحمل أقوالا متناقضة وهي لا تدري فهي تقول في التكفير قولان، نظريا تقول بعدم التكفير لكنها ترمي مخالفيها وخاصة في هذه المسألة بالتبديع وغيره، وعملياً تسير في ركاب التكفير!
وهنا ينبغي أن نعلم بأننا بحاجة لعلماء عقلاء يضعون (استرتيجية) وأهداف علمية واضحة بعيدة عن الغلو والتعصب واحتقار المخالفين والنظر إليهم بازدراء وفهم الأمور والأدلة والتوازن الراجح وعدم الالتفات إلى المؤثرات السلبية التي تورث التباغض والتنافر والتحاسد ما بين المذاهب والفرق الإسلامية.
نشعر أحياناً في المجال العلمي الشرعي أننا نتعامل مع أطفال أو مع قاصرين في التفكير مستعدين في لحظة واحدة أن يتهجموا على من يخالفهم ولو في أبسط المسائل ويمتلئوا حقدا وبغضا وكراهية وتشنيعا عليه!
والله الموفق.
(ملحق):
والهدف من تزييف قول السنوسي في المقالات السابقة والاعتراض عليه في مسألة رمي القدرية بالكفر والشرك والمجوسية هو مكافحة التطرف والتكفير ورمي المسلمين بالشرك والمجوسية، وعدم متابعة بعض الأفكار في كتب التراث التي تكفر المخالفين بما لا يوجب التكفير والرمي بالشرك والكفر والابتداع.
وبذلك نبتعد عن المنهج السلفي الوهابي والداعشي الذي يرمي الناس بالكفر والشرك والابتداع والمجوسية والإلحاد وغير ذلك من ألفاظ النبز
العبد الفقير لا يقول ما يقوله من الدعاوى والمسائل والقضايا العلمية مثل عدم اطلاع السنوسي على الرسالة النظامية أو التأكد من تكفير السنوسي الحقيقي للقدرية إلا بعد البحث والدراسة والتأمل والرجوع للأدلة ولأقوال العلماء والتحقق منها، مع أنني عبد خطاء وغير معصوم ويجوز علي الوهم والنسيان كبقية عباد الله تعالى.
لقد كتب أحد المقلدة المتعصبة - هداهم الله تعالى وفتح عقولهم وأبصارهم للحق - يرد عليَّ بياني لقضية (تكفير السنوسي للقدرية) وقوله (بالجبر) واستنكاري لذلك، فثارت ثائرته وجن جنونه! وهذا الراد مبتلى بما ابتلي به كثير من المشتغلين بمنطق (إيساغوجي) اليوناني، وفلسفة أرسطو، من اعتقاد أنهم يفهمون وغيرهم لا يفهم مع اعتقاد عصمة المشايخ الذين يقلدونهم والتأويل لما أخطأوا فيه بباطل القول، كما أنهم يصرحون بأن مخالفيهم لا يفهمون كلام أهل العلم وليست لهم ممارسة في كتب العلماء، وهذا الضرر الوبيل من الغرور والاستطالة منشأه ما قدمناه من التعصب والطريقة اليونانية الفلسفية التي سرت إليهم أو استعملوها في غير ما وضعت له، وعلى كل حال ينبغي أن أنبه على أمورٍ في مثل هذا المقام لإفادة طلبة العلم وتدريبهم على كشف الخطأ والتعصب والغرور والقول الباطل الذي يسلكه بعض المتعصبين الذين قد يظهر لمن لا يدرك سطحيتهم بأنهم يتكلمون بعلم وفهم وهم ليسوا كذلك، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
أولاً: أننا إذا ذكرنا السنوسي مثلاً فإننا لا نقصده بعينه! بل هو عينة أو مثال على بعض من ينظر إليه بالتحقيق والإمامة من المشايخ ومن كانت له مدرسة في فن من الفنون أو علم من العلوم، وله أخطاء، فعلو منزلته لا تعني أنه معصوم وليس له خطأ، بل إذا كنا ممن ننظر إليه بالتقدير والاحترام فإن الخطأ الذي وقع فيه فلان أو فلان لا يجوز أن نتابعهم عليه ولا أن نقتدي بهم فيه!
ونحن نعرف أن هناك غير السنوسي أيضاً ممن يرمي المخالفين في هذه القضية بالكفر والشرك، ونعتقد أن قول السنوسي ومن قال بقوله خطأ فادح ولو كان القائل بذلك آلاف من العلماء والأئمة! ما دام أن الدليل يدل على عكس مذهبه ومع وجود الخلاف بين أهل السنة أنفسهم في ذلك فضلاً عن بقية علماء الأمة المحمدية!
والهدف في ذلك أننا نريد تصحيح المفاهيم المخطئة، ومن ذلك الفهم المخطىء للقضاء والقدر الذي أثر في حياة الناس وكثيراً من أفراد العامة وسبّب التواكل والاعتماد على الغير مما أدّى إلى التأخر والتقهقر وعدم النهضة!
ثانياً: زعم بعض الرادّين علينا – وقد صادفنا الكثير من المعاندين المتعصبين منهم في مسيرة حياتنا – أن السنوسي قصد كفرا دون كفر وشركا دون شرك عندما رمى القدرية بالشرك والكفر وأننا لا نفهم مقاصد العلماء ولا كلامهم!! هكذا زعم!
وأنا أقتصر هنا على عرض كلام للسنوسي في شرح عقيدته الكبرى فضلا عما نقلناه عنه في شرح عقيدته الوسطى من رميهم بالشرك والكفر والمجوسية بل وقوله بأن المجوس أسعد حالا منهم مع ما عرضناه من اعتراض شراح السنوسية أم البراهين كالدسوقي والشرقاوي والهدهدي وغيرهم على السنوسي وعلى من قال بمثل مقالته في رمي القدرية بالكفر والشرك والمجوسية!
قال السنوسي في "شرحه على عقيدته الكبرى" (160-161):
[من أصناف الشرك: فائدة: قال ابن دهاق في "شرح الإرشاد": حين تعرض لأصناف الشرك:
.......... ثم ذكر أن النوع الثالث من هذا الصنف ما تقوله المعتزلة، ويعتقده أكثر من جهل هذا العلم من المسلمين: أن العبد يوجد أفعاله على حسب اختياره بقدرة خلقها الله تعالى له، وأمره أن يتصرّف بها في غير ما نهاه عنه. وذكر خلاف أهل السنة في تكفيرهم، قال: والأظهر أنهم كافرون، انتهى].
ثم قال السنوسي عقب ذلك مباشرة:
[قلت: فانظر هذا الخطر العظيم في العقائد، وكيف عرض بنفسه من أعرض عن النظر في علم التوحيد للعذاب المؤبد، والخزي السرمد في نار جهنم مع كل كافر جاحد].
فتأمل كيف يعتمد السنوسي بأن الأظهر كفرهم ثم يؤكد ذلك بتصريحه بأنهم في العذاب المؤبد والخزي السرمد في نار جهنم مع كل كافر جاحد!!!!
لا حول ولا قوة إلا بالله!
وليس غرضنا هنا أن نرد على بعض السذج أو المتنطعين فيما قالوه وإنما غرضنا تأكيد أصل المنشور السابق وما ذكرناه في الرد على بعض الادين دون وعي علينا والأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب والتنبه إلى عدم الاغترار بغلو ومبالغة بعض العلماء في التكفير أو الغلو مثل قول السنوسي المتقدم في شرح الكبرى (ما تقوله المعتزلة، ويعتقده أكثر من جهل هذا العلم من المسلمين) ثم اعتمد أنهم كفار مخلدون مع الكفار الجاحدين في نار جهنم وبذلك رمى عامة المسلمين بهذا الموبقات والعظائم!
والذي يؤكد أن السنوسي لم يطلع ويحصّل ويقرأ الرسالة النظامية لإمام الحرمين أنه يقول في كتبه أنه نُقِلَ عن إمام الحرمين أنه يقول بأن قدرة العبد الحادثة هي المؤثرة في فعله وأحياناً يشكك في ثبوت ذلك عن إمام الحرمين! ولو أنه وقف على الرسالة النظامية لم يقل بمثل ذلك! ومن جملة قول السنوسي في ذلك قوله في شرح الوسطى ص (239):
[ومنها نقل عن إمام الحرمين في آخر أمره أن القدرة الحادثة تؤثر في وجود الفعل على وفق مشيئة الله تعالى ولا يخفى فساد هذه الأقوال وأنها متشعبة من مذهب القدرية مجوس هذه الأمة].
وقال في موضع آخر ص (241):
[والظن بهؤلاء الأئمة الذين عزيت لهم هذه الأقوال على تقدير صحة صدورها عنهم أنهم لم يقولوها على الوجه الذي فهم الناقل لها عنهم من اعتقاد صحة ظاهرها، وإنما تكون صدرت منهم على سبيل البحث في المجالس أو في مناظرة جدلية مع الخصوم ونحو ذلك].
وهذا يؤكد ما قلناه من أن السنوسي لم يقف على النظامية!
والله تعالى أعلم.