ليس كل ما في صحيح البخاري ومسلم صحيح، وغالب ما فيهما صحيح مقبول وهناك أحاديث شاذة مردودة:
مرسل: الأحد فبراير 18, 2024 8:43 am
ومثلهما كمثل صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وسنن الترمذي وسنن النسائي.
هؤلاء الذين يعترضون على تضعيف بعض الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما أكثرهم لم يقرأوا البخاري ولم يطلعوا عليه، ولا يفهمون المسألة إلا نظريا أما عمليا فهم أبعد الناس عن هذا المهيع!
وهناك قواعد وأسسا ذكرها أهل الحديث وغيرهم لقبول الأخبار وردها سنبينها ونذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد.
وادعاء الإجماع على صحة ما فيهما إلا أحرفا يسيرة كما قال ابن الصلاح والإسفراييني غير صحيح ولا صواب وهو غير موافق للواقع.
النووي قال عن ابن الصلاح: وخالفه المحققون والأكثرون!
وابن الصلاح ليس من الحفاظ والنقاد في علم الحديث والتخريج والعلل! هو فقيه شافعي مدير مدرسة فحسب!
حاول بعض العلماء أيضاً أن يعكس فقال: أن يقول ووافقه محققون كثيرون!
وعلى كل حال لا إجماع ولا اتفاق على ذلك بين الأمة!
الذين يقولون بإجماع الأمة يقصدون إجماع أهل السنة فقط! مع أن أهل السنة غير متفقين على صحة كل ما في الصحيحين قبل وجود البخاري ومسلم وبعد وجود البخاري ومسلم!
أما قبل الوجود فهناك أحاديث في الصحيحين لا يقول بها أبو حنيفة ولا الشافعي مثلاً، مثل حديث أن التيمم بضربة واحدة يمسح بها الوجه والكفين دون إدخال الذراعين. إلى غير ذلك.
وهناك أحاديث لا يقبلها أحمد بن حنبل وأمر بالضرب عليها كما هو ثابت في المسند في مثل حديث (لو أن الناس اعتزلوهم) يعني الحكام، فهذا حديث مردود عند أحمد وهو مروي في الصحيحين.
وقد استنكر أحمد بن حنبل أيضاً حديث ((من مات وعليه صوم، صام عنه وليه)) وهو في الصحيحين انظر ((سير أعلام النبلاء)) (6/10).
والصحابة رضي الله عنهم ردوا أحاديث مروية في الصحيحين وقصة ردهم لها كلها في الصحيحين أو في أحدهما أيضا، مثل:
رد السيدة عائشة رضي الله عنها حديث سيدنا ابن عمر (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.
وهذا يفيدنا أن الراوي حتى ولو كان صحابيا فإنه يجوز عليه الخطأ والنسيان.
حركت السيدة عائشة رضي الله عنها عقلها (المجتهد البصير المنفتح) وفكرت في النص فوجدته مخالفا لقوله تعالى {لا تزر وازرة وزر أخرى}. وهذا رد الحديث بعرضه على القرآن.
وردت على من قال إن سيدنا محمدا رأى رب العزة وقالت: إنه أعظم الفرية على الله تعالى! لقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}.
وردت حديث يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار، وقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب.
وردت حديث: (الشؤم في ثلاث في المرأة والدار والفرس)!
وغير ذلك، وقد جمع ذلك الحافظ الزركشي في كتابه (الإجابة في استدراك السيدة عائشة على الصحابة).
ورد السلف من الصحابة والتابعين على أبي هريرة حينما حدث - كما في كتاب الصيام من صحيح البخاري - بحديث (من أصبح جنبا فلا صوم له).
وأنكر أبو هريرة كما في الصحيحين أنه حدث بحديث (لا عدوى) عندما ترك التحديث به وأصبح يروي حديث (لا يردن ممرض على مصح)! وقال تلميذه أبو سلمة عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف أحد رواه هذا الحديث: أن أبا هريرة نسي أنه كان يحدث به!
هذا بعض ما كان قبل وجود الصحيحين ودوّن فيهما وهو كثير، لم نستقصه.
وروى البخاري (6422) ومسلم (33) عن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يوافيَ عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)). فرد على عتبان أبو أيوب الأنصاري كما في صحيح البخاري (1186) فقال له: (والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلتَ قطُّ..).
أما في زمن وعصر البخاري؛ فالبخاري صار متروكا - وإن كنا لا نوافق قطعا على هذا - عند أبي زرعة وأبي حاتم وابنه عبد الرحمن ومحمد بن يحيى الذهلي لأجل مسألة اللفظ كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم المعاصر للبخاري في ترجمة البخاري التي لا تزيد عن أربعة أسطر في كتابه الجرح والتعديل!
وفي "سير أعلام النبلاء" (12/571) للذهبي:
(قال سعيد البرذعي: شهدت أبا زُرْعَة ذكر صحيح مسلم وأنَّ الفضل الصائغ أَلَّفَ على مثاله فقال: هؤلاء أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوَّقون به).
وصرح الحاكم في أوائل المستدرك بأن أحاديث الصحيحين بعضها لا يخلو من علة فقال:
[وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما، وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها، وهي معلولة،...].
والبخاري نفسه رد حديث التربة المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم وقال الأصح أنه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار! أي أنه من الإسرائيليات!
وأشار البخاري في عدة مواضع من صحيحه على بعض الأحاديث أن الأصح وقفها كحديث (إذا التقى المسلمان بسيفيهما..). أي أنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورد ابن حزم والنووي والفخر الرازي حديث البخاري المبهم الذي فيه أن المعوذتين ليستا من كتاب الله عند ابن مسعود!
وقال الخطابي عن حديث شريك بن أبي نمر في الإسراء ليس في الكتاب حديث أشنع منه! كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه!
وألف الدارقطني كتاب "الإلزامات" و "التتبع" في نقد أحاديث رووياها ربما تبلغ مائتي حديث.
ونقل الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/358) أنَّ ابن حزم ردَّ أحاديث إسرائيل كلها التي في الصحيحين!!
وقال الإمام المحدِّث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص (40):
((ألَّف الحافظ الضياء المقدسي في ذلك مؤلفاً سمَّاه (غرائب الصحيحين) وذكر فيه ما يزيد على مائتي حديث من الغرائب والأفراد المخرَّجة في الصحيحين)).
وقال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى قبل ذلك ص (32):
((ولأبي مسعود الدمشقي (صاحـب الأطراف) استدراك عليهما ـ البخاري
ومسلـم ـ، وكذا لأبي علي الغساني في تقييده)).
وروى البخاري في الصحيح (5081) بسنده عن عروة أنَّ النبي خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال له: ((أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال)).
قال الحافظ أثناء شرح الحديث هناك:
(وقال مغلطاي في هذا الحديث نظـــر لأنَّ الخلة إنما كانت لأبي بكر في المدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك ؟ وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما باشر الخطبة بنفسه....).
وروى البخاري في صحيحه (4769) بسنده عن أبي هريرة عن النبي قال:
((يَلْقَـى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنَّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرَّمت الجنة على الكافرين)).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه هناك في الفتح (8/500):
((وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعـــن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر من جهة أنَّ إبراهيم علم أنَّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً مع علمه بذلك ؟ وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلمَّا تبيَّن له أنَّه عدو لله تبرَّأ منه } انتهى..)).
وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (14/540) في ترجمة الإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن أبي الحسين الشهيد:
((وقد خرَّج الحافظ أبو الفضل صحيحاً على رسم صحيح مسلم، ورأيت له جزءاً مفيداً فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بيَّن عللها في صحيح مسلم)).
وقال الذهبي في ((السير)) (6/10) في ترجمة عبيدالله بن أبي جعفر الكناني:
((وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه))) .
وهذا غيض من فيض ولو أردنا أن نتتبع كلام علماء الحديث والحفاظ من أهل السنة والجماعة لطال الكلام وسنذكر ذلك في كتاب مستقل إن شاء الله تعالى!
هذا بالإضافة إلى الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى كالإمامية والإباضية والزيدية والمعتزلة وغيرهم وهم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا يقر بصحة كل ما في الصحيحين ويتشاركون معنا في صحة كثير من أحاديثهما!
زد على ذلك أن هناك أمثلة على أحاديث فصل الحفاظ في نقدها والحكم عليها بالوضع أو النكارة منها حديث: (من عادى لي وليا)ً قال الذهبي في الميزان (1/641):
(فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبةُ الجامع الصحيح لعدُّوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يَرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد).
وروى مسلم (2501) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان، من طريق عكرمة بن عمّار عن أبي زميل عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا نبيِّ الله! ثلاث أَعْطِينِهِنَّ ؟! قال ((نعم)).
قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أُزوجكها ؟
قال: ((نعم)).
قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ؟ قال: ((نعم)).
قال: وتؤمرني حتى أُقاتل الكفار كما كنت أُقاتل المسلمين ؟ قال: ((نعم)).
قال أبوزميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يُسْأَلُ شيئاً إلا قال: ((نعم)) .
قلت: هذه حديث موضوع، وهو أحد الأحاديث الموضوعة التي في صحيح الإمام مسلم.
ومن دلائل وضعه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد تزوّج أم حبيبة بنت أبي سفيان قبل فتح مكة بدهر، ولمّا زارها أبوسفيان في المدينة وهو مشرك نحته عن فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مشرك نجس ساعتذ وهذا مشهور ومعلوم.
قال الحافظ الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/137) عن هذا الحديث في ترجمة أحد رواته (عكرمة بن عمار) ما نصه:
((قلت: قد ساق له مسلم في الأصول حديثاً منكــــــراً، وهو الذي يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس، في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم)) .
وقد نقل الإمام الحافظ النووي رحمه الله تعالى في ((شرح مسلم)) (16/63) عند شرح هذا الحديث أن ابن حزم حكم عليه بالوضع.
قلت: وهو حكم صحيح لا غبار عليه.
وقال الحافظ ابن الجوزي في هذا الحديث:
((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمّار راوي الحديث، وإنما قلنا: إن هذا وهم لأنَّ أهل التاريخ أجمعوا على أنَّ أُم حبيبة كانت تحت عبيد الله بين جحش، وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصّر وثبتت أُم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النّجاشيِّ يخطبها عليه، فزوّجه إيّاها، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبوسفيان في زمن الهدنة وهي التي كانت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش في صلح الحديبية فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف في أنَّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمانٍ ولا يُعْرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمَّر أبا سفيان)).
وقال الإمام الحافظ النووي في هذه المسألة في ((شرح صحيح مسلم)) (1/131) حيث قال:
((وذهب بعض المحدّثين إلى أنَّ الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول..))
ثم قال بعد ذلك بأسطر:
((وأما من قال يوجب العلم ـ خبر الواحد ـ فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه ؟! والله اعلم)) اهـ
فتأملوا في هذه الحقائق يا من تريدون أن تصلوا إلى الحقيقة والحق، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وأخيرا كل من يعلق بقلة أدب على هذا البحث والبيان فسوف يحظر ويحذف تعليقه، خذ المقال وناقش نفسك أو إخوانك من طلبة العلم، أما المعارضات المفلسة والتطاول بالتعالم الفارغ فهو ليس مقبولا ههنا. والله يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.
____________(تعليقات مفيدة)_____________
ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن عيسى المصري: " قال: سعيد البرذعي:
شهدت أبا زرعة ذكر صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتسوقون به. وأتاه رجل - وأنا شاهد - بكتاب مسلم، فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر قال: ما أبعده هذا عن الصحيح، ثم رأى قطن ابن نسير فقال لي: وهذا أطم من الأول، قطن بن نسير يصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس، ثم نظر فقال: يروي عن أحمد بن عيسى في الصحيح! ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه - وأشار إلى لسانه -. " (1).
وقال بترجمة محمد بن يحيى الذهلي: " قال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما أن قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فلمن ترك الباقي؟ ثم قال: هذا ليس له عقل، لو داري محمد بن يحيى لصار رجلاً. __________
لقد توافق أهل الحديث على إطلاق صفة الصحة على الحديث الذي توافرت فيه شروط الصحة، فهل حقا كل حديث توافرت فيه شروط الصحة يعتبر حديثا صحيحا؟
وهل شروط الصحة متفق عليها عند كل علماء الحديث؟
ومما هو معلوم أن معايير الصحة المتعلقة بضبط الراوي وعدالته غير متفق عليها عند علماء الحديث، وبناء على ذلك فما رآه البخاري حديثا صحيحا وأخرجه في كتابه فقد لا يكون صحيحا عند مسلم او عند مالك أو عند أبي حنيفة وكذلك ما رآه مسلم حديثا صحيحا وأخرجه في كتابه ليس بالضرورة أن يكون صحيحا عند البخاري أو عند غيره، هذه حقيقة لا يستطيع أن يماري فيها أحد، إذا من المجازفة أن نطلق صفة الصحة على حديث دون أن نبين هو صحيح عند من من علماء الحديث، ولعلنا نكون أكثر صدقا أن نقول هذا الحديث توافرت فيه شروط الصحة عند البخاري مثلا أو عند مسلم أو عند أحمد، إذا في الحقيقة لا يوجد حديثا صحيحا بالمطلق وإنما يوجد حديث توافرت فيه شروط الصحة عند من أخرج الحديث، ومن الحقائق أنه ليس كل حديث توافرت فيه شروط الصحة بالضرورة حديثا صحيحا، فهو حديث صحيح نسبيا حتى يثبت خلاف ذلك، ومن الإشكاليات التي ترتبت على وصف الحديث بأنه صحيحا أنها أوهمت الناس متعلميهم وعامتهم بان الحديث صحيحا بالمطلق وأن صحته مسلمة من المسلمات والحقيقة غير ذلك، فوصف الصحة المطلقة صفة تطلق على كتاب الله فقط ولا يجوز أن تطلق على غيره، وأنا على يقين من أنه سيأتي يوم ولعله يكون قريبا يشكل فيه فريقا من العلماء الربانيين ويضعوا معايير جديدة تتعلق بمتن الحديث، ومن ثم يتم مراجعة جميع الأحاديث التي وصفت بالصحة سابقا ويتم أخضاعها لهذه المعايير ويتم من خلال ذلك إخراج الأحاديث التي كانت توصف بالصحة سابقا من دائرة الصحة لأنها لم تنطبق عليها شروط الصحة الجديدة المتعلقة بالمتن.
هؤلاء الذين يعترضون على تضعيف بعض الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما أكثرهم لم يقرأوا البخاري ولم يطلعوا عليه، ولا يفهمون المسألة إلا نظريا أما عمليا فهم أبعد الناس عن هذا المهيع!
وهناك قواعد وأسسا ذكرها أهل الحديث وغيرهم لقبول الأخبار وردها سنبينها ونذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد.
وادعاء الإجماع على صحة ما فيهما إلا أحرفا يسيرة كما قال ابن الصلاح والإسفراييني غير صحيح ولا صواب وهو غير موافق للواقع.
النووي قال عن ابن الصلاح: وخالفه المحققون والأكثرون!
وابن الصلاح ليس من الحفاظ والنقاد في علم الحديث والتخريج والعلل! هو فقيه شافعي مدير مدرسة فحسب!
حاول بعض العلماء أيضاً أن يعكس فقال: أن يقول ووافقه محققون كثيرون!
وعلى كل حال لا إجماع ولا اتفاق على ذلك بين الأمة!
الذين يقولون بإجماع الأمة يقصدون إجماع أهل السنة فقط! مع أن أهل السنة غير متفقين على صحة كل ما في الصحيحين قبل وجود البخاري ومسلم وبعد وجود البخاري ومسلم!
أما قبل الوجود فهناك أحاديث في الصحيحين لا يقول بها أبو حنيفة ولا الشافعي مثلاً، مثل حديث أن التيمم بضربة واحدة يمسح بها الوجه والكفين دون إدخال الذراعين. إلى غير ذلك.
وهناك أحاديث لا يقبلها أحمد بن حنبل وأمر بالضرب عليها كما هو ثابت في المسند في مثل حديث (لو أن الناس اعتزلوهم) يعني الحكام، فهذا حديث مردود عند أحمد وهو مروي في الصحيحين.
وقد استنكر أحمد بن حنبل أيضاً حديث ((من مات وعليه صوم، صام عنه وليه)) وهو في الصحيحين انظر ((سير أعلام النبلاء)) (6/10).
والصحابة رضي الله عنهم ردوا أحاديث مروية في الصحيحين وقصة ردهم لها كلها في الصحيحين أو في أحدهما أيضا، مثل:
رد السيدة عائشة رضي الله عنها حديث سيدنا ابن عمر (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.
وهذا يفيدنا أن الراوي حتى ولو كان صحابيا فإنه يجوز عليه الخطأ والنسيان.
حركت السيدة عائشة رضي الله عنها عقلها (المجتهد البصير المنفتح) وفكرت في النص فوجدته مخالفا لقوله تعالى {لا تزر وازرة وزر أخرى}. وهذا رد الحديث بعرضه على القرآن.
وردت على من قال إن سيدنا محمدا رأى رب العزة وقالت: إنه أعظم الفرية على الله تعالى! لقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}.
وردت حديث يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار، وقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب.
وردت حديث: (الشؤم في ثلاث في المرأة والدار والفرس)!
وغير ذلك، وقد جمع ذلك الحافظ الزركشي في كتابه (الإجابة في استدراك السيدة عائشة على الصحابة).
ورد السلف من الصحابة والتابعين على أبي هريرة حينما حدث - كما في كتاب الصيام من صحيح البخاري - بحديث (من أصبح جنبا فلا صوم له).
وأنكر أبو هريرة كما في الصحيحين أنه حدث بحديث (لا عدوى) عندما ترك التحديث به وأصبح يروي حديث (لا يردن ممرض على مصح)! وقال تلميذه أبو سلمة عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف أحد رواه هذا الحديث: أن أبا هريرة نسي أنه كان يحدث به!
هذا بعض ما كان قبل وجود الصحيحين ودوّن فيهما وهو كثير، لم نستقصه.
وروى البخاري (6422) ومسلم (33) عن عتبان بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يوافيَ عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرَّم الله عليه النار)). فرد على عتبان أبو أيوب الأنصاري كما في صحيح البخاري (1186) فقال له: (والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قلتَ قطُّ..).
أما في زمن وعصر البخاري؛ فالبخاري صار متروكا - وإن كنا لا نوافق قطعا على هذا - عند أبي زرعة وأبي حاتم وابنه عبد الرحمن ومحمد بن يحيى الذهلي لأجل مسألة اللفظ كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم المعاصر للبخاري في ترجمة البخاري التي لا تزيد عن أربعة أسطر في كتابه الجرح والتعديل!
وفي "سير أعلام النبلاء" (12/571) للذهبي:
(قال سعيد البرذعي: شهدت أبا زُرْعَة ذكر صحيح مسلم وأنَّ الفضل الصائغ أَلَّفَ على مثاله فقال: هؤلاء أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتسوَّقون به).
وصرح الحاكم في أوائل المستدرك بأن أحاديث الصحيحين بعضها لا يخلو من علة فقال:
[وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما، وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها، وهي معلولة،...].
والبخاري نفسه رد حديث التربة المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم وقال الأصح أنه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار! أي أنه من الإسرائيليات!
وأشار البخاري في عدة مواضع من صحيحه على بعض الأحاديث أن الأصح وقفها كحديث (إذا التقى المسلمان بسيفيهما..). أي أنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ورد ابن حزم والنووي والفخر الرازي حديث البخاري المبهم الذي فيه أن المعوذتين ليستا من كتاب الله عند ابن مسعود!
وقال الخطابي عن حديث شريك بن أبي نمر في الإسراء ليس في الكتاب حديث أشنع منه! كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه!
وألف الدارقطني كتاب "الإلزامات" و "التتبع" في نقد أحاديث رووياها ربما تبلغ مائتي حديث.
ونقل الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/358) أنَّ ابن حزم ردَّ أحاديث إسرائيل كلها التي في الصحيحين!!
وقال الإمام المحدِّث الكوثري رحمه الله تعالى في تعليقه على شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص (40):
((ألَّف الحافظ الضياء المقدسي في ذلك مؤلفاً سمَّاه (غرائب الصحيحين) وذكر فيه ما يزيد على مائتي حديث من الغرائب والأفراد المخرَّجة في الصحيحين)).
وقال الإمام الكوثري رحمه الله تعالى قبل ذلك ص (32):
((ولأبي مسعود الدمشقي (صاحـب الأطراف) استدراك عليهما ـ البخاري
ومسلـم ـ، وكذا لأبي علي الغساني في تقييده)).
وروى البخاري في الصحيح (5081) بسنده عن عروة أنَّ النبي خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال له: ((أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال)).
قال الحافظ أثناء شرح الحديث هناك:
(وقال مغلطاي في هذا الحديث نظـــر لأنَّ الخلة إنما كانت لأبي بكر في المدينة، وخطبة عائشة كانت بمكة، فكيف يلتئم قوله إنما أنا أخوك ؟ وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما باشر الخطبة بنفسه....).
وروى البخاري في صحيحه (4769) بسنده عن أبي هريرة عن النبي قال:
((يَلْقَـى إبراهيم أباه فيقول: يا رب إنَّك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إنّي حرَّمت الجنة على الكافرين)).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه هناك في الفتح (8/500):
((وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعـــن في صحته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر من جهة أنَّ إبراهيم علم أنَّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً مع علمه بذلك ؟ وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلمَّا تبيَّن له أنَّه عدو لله تبرَّأ منه } انتهى..)).
وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (14/540) في ترجمة الإمام الحافظ أبي الفضل محمد بن أبي الحسين الشهيد:
((وقد خرَّج الحافظ أبو الفضل صحيحاً على رسم صحيح مسلم، ورأيت له جزءاً مفيداً فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بيَّن عللها في صحيح مسلم)).
وقال الذهبي في ((السير)) (6/10) في ترجمة عبيدالله بن أبي جعفر الكناني:
((وقد قال أحمد بن حنبل مرة: ليس بالقوي، واستنكر له حديثاً ثابتاً في الصحيحين في: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه))) .
وهذا غيض من فيض ولو أردنا أن نتتبع كلام علماء الحديث والحفاظ من أهل السنة والجماعة لطال الكلام وسنذكر ذلك في كتاب مستقل إن شاء الله تعالى!
هذا بالإضافة إلى الفرق والمذاهب الإسلامية الأخرى كالإمامية والإباضية والزيدية والمعتزلة وغيرهم وهم من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ممن لا يقر بصحة كل ما في الصحيحين ويتشاركون معنا في صحة كثير من أحاديثهما!
زد على ذلك أن هناك أمثلة على أحاديث فصل الحفاظ في نقدها والحكم عليها بالوضع أو النكارة منها حديث: (من عادى لي وليا)ً قال الذهبي في الميزان (1/641):
(فهذا حديث غريب جداً، لولا هيبةُ الجامع الصحيح لعدُّوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يَرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد).
وروى مسلم (2501) في فضائل الصحابة: باب من فضائل أبي سفيان، من طريق عكرمة بن عمّار عن أبي زميل عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنّبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا نبيِّ الله! ثلاث أَعْطِينِهِنَّ ؟! قال ((نعم)).
قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أُزوجكها ؟
قال: ((نعم)).
قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ؟ قال: ((نعم)).
قال: وتؤمرني حتى أُقاتل الكفار كما كنت أُقاتل المسلمين ؟ قال: ((نعم)).
قال أبوزميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يُسْأَلُ شيئاً إلا قال: ((نعم)) .
قلت: هذه حديث موضوع، وهو أحد الأحاديث الموضوعة التي في صحيح الإمام مسلم.
ومن دلائل وضعه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد تزوّج أم حبيبة بنت أبي سفيان قبل فتح مكة بدهر، ولمّا زارها أبوسفيان في المدينة وهو مشرك نحته عن فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه مشرك نجس ساعتذ وهذا مشهور ومعلوم.
قال الحافظ الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (7/137) عن هذا الحديث في ترجمة أحد رواته (عكرمة بن عمار) ما نصه:
((قلت: قد ساق له مسلم في الأصول حديثاً منكــــــراً، وهو الذي يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس، في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان من النّبي صلى الله عليه وآله وسلم)) .
وقد نقل الإمام الحافظ النووي رحمه الله تعالى في ((شرح مسلم)) (16/63) عند شرح هذا الحديث أن ابن حزم حكم عليه بالوضع.
قلت: وهو حكم صحيح لا غبار عليه.
وقال الحافظ ابن الجوزي في هذا الحديث:
((هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمّار راوي الحديث، وإنما قلنا: إن هذا وهم لأنَّ أهل التاريخ أجمعوا على أنَّ أُم حبيبة كانت تحت عبيد الله بين جحش، وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصّر وثبتت أُم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النّجاشيِّ يخطبها عليه، فزوّجه إيّاها، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبوسفيان في زمن الهدنة وهي التي كانت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش في صلح الحديبية فدخل عليها، فثنت بساط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف في أنَّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمانٍ ولا يُعْرف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمَّر أبا سفيان)).
وقال الإمام الحافظ النووي في هذه المسألة في ((شرح صحيح مسلم)) (1/131) حيث قال:
((وذهب بعض المحدّثين إلى أنَّ الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدّمنا هذا القول وإبطاله في الفصول..))
ثم قال بعد ذلك بأسطر:
((وأما من قال يوجب العلم ـ خبر الواحد ـ فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه ؟! والله اعلم)) اهـ
فتأملوا في هذه الحقائق يا من تريدون أن تصلوا إلى الحقيقة والحق، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وأخيرا كل من يعلق بقلة أدب على هذا البحث والبيان فسوف يحظر ويحذف تعليقه، خذ المقال وناقش نفسك أو إخوانك من طلبة العلم، أما المعارضات المفلسة والتطاول بالتعالم الفارغ فهو ليس مقبولا ههنا. والله يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.
____________(تعليقات مفيدة)_____________
ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن عيسى المصري: " قال: سعيد البرذعي:
شهدت أبا زرعة ذكر صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه فعملوا شيئا يتسوقون به. وأتاه رجل - وأنا شاهد - بكتاب مسلم، فجعل ينظر فيه فإذا حديث عن أسباط بن نصر قال: ما أبعده هذا عن الصحيح، ثم رأى قطن ابن نسير فقال لي: وهذا أطم من الأول، قطن بن نسير يصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس، ثم نظر فقال: يروي عن أحمد بن عيسى في الصحيح! ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه - وأشار إلى لسانه -. " (1).
وقال بترجمة محمد بن يحيى الذهلي: " قال أبو قريش الحافظ: كنت عند أبي زرعة فجاء مسلم بن الحجاج فسلم عليه وجلس ساعة، وتذاكرا، فلما أن قام قلت له: هذا جمع أربعة آلاف حديث في الصحيح، قال: فلمن ترك الباقي؟ ثم قال: هذا ليس له عقل، لو داري محمد بن يحيى لصار رجلاً. __________
لقد توافق أهل الحديث على إطلاق صفة الصحة على الحديث الذي توافرت فيه شروط الصحة، فهل حقا كل حديث توافرت فيه شروط الصحة يعتبر حديثا صحيحا؟
وهل شروط الصحة متفق عليها عند كل علماء الحديث؟
ومما هو معلوم أن معايير الصحة المتعلقة بضبط الراوي وعدالته غير متفق عليها عند علماء الحديث، وبناء على ذلك فما رآه البخاري حديثا صحيحا وأخرجه في كتابه فقد لا يكون صحيحا عند مسلم او عند مالك أو عند أبي حنيفة وكذلك ما رآه مسلم حديثا صحيحا وأخرجه في كتابه ليس بالضرورة أن يكون صحيحا عند البخاري أو عند غيره، هذه حقيقة لا يستطيع أن يماري فيها أحد، إذا من المجازفة أن نطلق صفة الصحة على حديث دون أن نبين هو صحيح عند من من علماء الحديث، ولعلنا نكون أكثر صدقا أن نقول هذا الحديث توافرت فيه شروط الصحة عند البخاري مثلا أو عند مسلم أو عند أحمد، إذا في الحقيقة لا يوجد حديثا صحيحا بالمطلق وإنما يوجد حديث توافرت فيه شروط الصحة عند من أخرج الحديث، ومن الحقائق أنه ليس كل حديث توافرت فيه شروط الصحة بالضرورة حديثا صحيحا، فهو حديث صحيح نسبيا حتى يثبت خلاف ذلك، ومن الإشكاليات التي ترتبت على وصف الحديث بأنه صحيحا أنها أوهمت الناس متعلميهم وعامتهم بان الحديث صحيحا بالمطلق وأن صحته مسلمة من المسلمات والحقيقة غير ذلك، فوصف الصحة المطلقة صفة تطلق على كتاب الله فقط ولا يجوز أن تطلق على غيره، وأنا على يقين من أنه سيأتي يوم ولعله يكون قريبا يشكل فيه فريقا من العلماء الربانيين ويضعوا معايير جديدة تتعلق بمتن الحديث، ومن ثم يتم مراجعة جميع الأحاديث التي وصفت بالصحة سابقا ويتم أخضاعها لهذه المعايير ويتم من خلال ذلك إخراج الأحاديث التي كانت توصف بالصحة سابقا من دائرة الصحة لأنها لم تنطبق عليها شروط الصحة الجديدة المتعلقة بالمتن.