ليس كل ما في الصحيحين صحيح بالقول الصريح أو المفهوم عند جماعات من أكابر علماء أهل السنة:
مرسل: الأحد فبراير 18, 2024 8:51 am
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه).
رواه أحمد في المسند (3/497) و (5/425) وابن حبان في صحيحه (1/264) والطحاوي في مشكل الآثار (15/344) وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/387) والبزار (1/105كشف الأستار)
وصححه متناقض عصرنا الألباني في صحيحته (2/369برقم732).
والشيخ شعيب الأرنأووط وصححه أيضاً الشيخ شعيب في تعليقه على "مشكل الآثار" (15/344)،
والشيخ أحمد شاكر.
وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (1/150): [رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح].
وقال الخطيب البغدادي شيخ المحدثين في وقته في كتابه "الفقيه والمتفقه" ص(132):
[باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد:..... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا.
والثاني: أن يخالف نصَّ الكتاب أو السنة المتواترة فَيُعْلَمُ أنه لا أصل له أو منسوخ.
والثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتُجمع الأمة على خلافه...
والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.....].
هذا وقد طبَّق فقهاء الصحابة الكرام هذه القواعد وعلى ذلك أمثلة كثيرة في الصحيحين وغيرهما من أمهات كتب الحديث، وفيما سقناه من الأحاديث سابقا مما نقده الصحابة رضي الله عنهم في رد بعض الأخبار دون أن يتكلموا على رجالها ويعللوا أسانيدها ولم يكن للحديث سند وليس فيه إلا راو واحد وهو الصحابي الثقة ومع ذلك ردوه بعقولهم التي أدركت أنه مخالف للقرآن أو الواقع الذي شاهدوه أو المنطق الذي ألفوه أو غير ذلك.
فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن ابن عمر:
(أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ).
وقال عبدالله بن مسعود لحذيفة رضي الله عنهما عندما حدث حذيفة بأنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة:
(لعلك نسيت وحفظوا وأخطأت وأصابوا).
ومن أقوال الحفاظ في هذا الأمر أيضاً:
قول الإمام أبو عبدالله الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" ص (112):
(وإنّما يُعَلَّل الحديث من أَوجهٍ ليس للجرح فيها مدخل فإنّ حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلّة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يُحَدِّثوا بحديثٍ له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير...) اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (143):
(اعلم أنّ للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفها إلا العلماء الفقهاء، تارة في نظمها وتارة في كشف معناها...).
وقال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في "تدريب الراوي" (1/233) أثناء كلامه على الحديث الشاذ:
[قال شيخ الإسلام –ابن حجر العسقلاني-:وبقي من كلامه الحاكم: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا، قال: وهذا القيد لا بُدَّ منه، قال: وإنّما يغاير المعلل من هذه الجهة، قال: وهذا على هذا أدق من المعلَّل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلاّ من مارس الفن غاية الممارسة، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة.
قلت: ولعسره لم يُفْرِدْه أحد بالتصنيف، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في "المستدرك" من طريق عبيد بن غنّام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك، عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: (في كل أرض نبي كنبيّكم، وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى) وقال صحيح الإسناد، ولم أزل أتعجبُ من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح، ولكنّه شاذ بمرّة].
انتهى كلام الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى.
قلت: وفي قوله (ولعسره لم يُفْرِده أحد بالتصنيف) أكبر دلالة على أنَّ الحفاظ الذين كانوا حفاظاً على طريقة المحدّثين ولم يكن لهم تَمَرُّسٌ في الفقه وباعٍ طويل فيه لا يمكن أن يكتشفوا مثل هذا النوع، وما أعلم في القديم أحداً أفرد مثل هذا النوع بكتاب، إلا إذا اعتبرنا كتاب الحافظ ابن الجوزي "مشكل الصحاح" من هذا النوع، وإلا فما رأينا أحداً جمع في ذلك كتاباً إلا شيخنا السيد الإمام أبو الفضل الغماري أعلى الله درجته، فإنه صنف كتاباً في هذه المسألة سمّاهُ: "الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذّة المردودة" فهو أوّل من حرر في هذه المسألة تصنيفاً مستقلاً فيما علمناه.
وإذا كان الحفاظ قد عرّفوا الشاذ في كتب المصطلح بأنّه: ما خالف الثقة به الثقات، فنقول إذا خالف الثقة الثقات في رواية اعتبر حديثه شاذاً مقدوحاً فيه، فما بالك إذا خالف الثقة القرآن ؟! حيث أتى برواية تخالف المقطوع به ؟! لا شك أنه يطرح ماجاء به وهو شاذ بمرّة، وإنّما يُدْرِكُ ذلك مَنْ كان فهمه ثاقباً وكان فقيهاً صاحب استنباط دقيق وعقل كبير فطن، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء. والمقلدة والمتعصبة والحسدة ليس لهم من ذلك شيء.
والحمد لله رب العالمين
...... يتبع
(إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه).
رواه أحمد في المسند (3/497) و (5/425) وابن حبان في صحيحه (1/264) والطحاوي في مشكل الآثار (15/344) وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/387) والبزار (1/105كشف الأستار)
وصححه متناقض عصرنا الألباني في صحيحته (2/369برقم732).
والشيخ شعيب الأرنأووط وصححه أيضاً الشيخ شعيب في تعليقه على "مشكل الآثار" (15/344)،
والشيخ أحمد شاكر.
وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (1/150): [رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح].
وقال الخطيب البغدادي شيخ المحدثين في وقته في كتابه "الفقيه والمتفقه" ص(132):
[باب القول فيما يُرَدُّ به خبر الواحد:..... وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور:
أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا.
والثاني: أن يخالف نصَّ الكتاب أو السنة المتواترة فَيُعْلَمُ أنه لا أصل له أو منسوخ.
والثالث: أن يخالف الإجماع فيستدل على أنه منسوخ أو لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتُجمع الأمة على خلافه...
والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمه فيدل ذلك على أنه لا أصل له لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.....].
هذا وقد طبَّق فقهاء الصحابة الكرام هذه القواعد وعلى ذلك أمثلة كثيرة في الصحيحين وغيرهما من أمهات كتب الحديث، وفيما سقناه من الأحاديث سابقا مما نقده الصحابة رضي الله عنهم في رد بعض الأخبار دون أن يتكلموا على رجالها ويعللوا أسانيدها ولم يكن للحديث سند وليس فيه إلا راو واحد وهو الصحابي الثقة ومع ذلك ردوه بعقولهم التي أدركت أنه مخالف للقرآن أو الواقع الذي شاهدوه أو المنطق الذي ألفوه أو غير ذلك.
فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن ابن عمر:
(أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ).
وقال عبدالله بن مسعود لحذيفة رضي الله عنهما عندما حدث حذيفة بأنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة:
(لعلك نسيت وحفظوا وأخطأت وأصابوا).
ومن أقوال الحفاظ في هذا الأمر أيضاً:
قول الإمام أبو عبدالله الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" ص (112):
(وإنّما يُعَلَّل الحديث من أَوجهٍ ليس للجرح فيها مدخل فإنّ حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلّة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يُحَدِّثوا بحديثٍ له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولاً، والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير...) اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (143):
(اعلم أنّ للأحاديث دقائق وآفات لا يعرفها إلا العلماء الفقهاء، تارة في نظمها وتارة في كشف معناها...).
وقال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في "تدريب الراوي" (1/233) أثناء كلامه على الحديث الشاذ:
[قال شيخ الإسلام –ابن حجر العسقلاني-:وبقي من كلامه الحاكم: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على هذا، قال: وهذا القيد لا بُدَّ منه، قال: وإنّما يغاير المعلل من هذه الجهة، قال: وهذا على هذا أدق من المعلَّل بكثير فلا يتمكن من الحكم به إلاّ من مارس الفن غاية الممارسة، وكان في الذروة من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة.
قلت: ولعسره لم يُفْرِدْه أحد بالتصنيف، ومن أوضح أمثلته ما أخرجه في "المستدرك" من طريق عبيد بن غنّام النخعي عن علي بن حكيم عن شريك، عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: (في كل أرض نبي كنبيّكم، وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى) وقال صحيح الإسناد، ولم أزل أتعجبُ من تصحيح الحاكم له حتى رأيت البيهقي قال: إسناده صحيح، ولكنّه شاذ بمرّة].
انتهى كلام الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى.
قلت: وفي قوله (ولعسره لم يُفْرِده أحد بالتصنيف) أكبر دلالة على أنَّ الحفاظ الذين كانوا حفاظاً على طريقة المحدّثين ولم يكن لهم تَمَرُّسٌ في الفقه وباعٍ طويل فيه لا يمكن أن يكتشفوا مثل هذا النوع، وما أعلم في القديم أحداً أفرد مثل هذا النوع بكتاب، إلا إذا اعتبرنا كتاب الحافظ ابن الجوزي "مشكل الصحاح" من هذا النوع، وإلا فما رأينا أحداً جمع في ذلك كتاباً إلا شيخنا السيد الإمام أبو الفضل الغماري أعلى الله درجته، فإنه صنف كتاباً في هذه المسألة سمّاهُ: "الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذّة المردودة" فهو أوّل من حرر في هذه المسألة تصنيفاً مستقلاً فيما علمناه.
وإذا كان الحفاظ قد عرّفوا الشاذ في كتب المصطلح بأنّه: ما خالف الثقة به الثقات، فنقول إذا خالف الثقة الثقات في رواية اعتبر حديثه شاذاً مقدوحاً فيه، فما بالك إذا خالف الثقة القرآن ؟! حيث أتى برواية تخالف المقطوع به ؟! لا شك أنه يطرح ماجاء به وهو شاذ بمرّة، وإنّما يُدْرِكُ ذلك مَنْ كان فهمه ثاقباً وكان فقيهاً صاحب استنباط دقيق وعقل كبير فطن، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ يشاء. والمقلدة والمتعصبة والحسدة ليس لهم من ذلك شيء.
والحمد لله رب العالمين
...... يتبع