وقد روى الإمام مسلم بن الحجاج في كتابه "التمييز" ص (10) بإسناده الصحيح عن بسر بن سعيد أنه قال: [اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله، ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم. فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم].
وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (8/109)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (67/359) وفي المخطوط منه (19/121/1) والذهبي في "سير النبلاء" (2/606) وقال المعلق عليه: (وهذا إسناد صحيح).
وبُسْر بن سعيد هو الإمام التابعي القدوة بسر بن سعيد المدني من رجال الصحيحين وكتب السنن الأربعة، وقال عمر بن عبدالعزيز: إنه أفضل أهل زمانه بالمدينة، وثقوه، توفي سنة مائة من الهجرة، انظر "سير أعلام النبلاء" (4/594).
وقال ابن كثير (ت774هـ) في "البداية والنهاية" (8/117): [وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس - أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يميز هذا من هذا - ذكره ابن عساكر. وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه (مَنْ أصبح جُنُباً فلا صيام له) فإنه لما حوقق عليه قال: أخبرنيه مُخْبِرٌ ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يَدَعون من حديث أبي هريرة. وروى الأعمش عن إبراهيم قال: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة، وقال الثوري: عن منصور، عن إبراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً، وما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة، إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار، أو حث على عمل صالح، أو نهي عن شر جاء القرآن به. وقد انتصر ابن عساكر لأبي هريرة ورد هذا الذي قاله إبراهيم النخعي. وقد قال ما قاله إبراهيم طائفة من الكوفيين، والجمهور على خلافهم].
وكلام ابن عساكر لا يقوى لأن يقف أمام واحد من أكابر السلف كالنخعي، فالنخعي رحمه الله تعالى أقرب إلى أبي هريرة وأدرى بعصره.
وهذا يفيدنا أن أهل السنة مختلفون في قبول جميع روايات أبي هريرة وإن عاند وكابر المتعصبون! والمهم أن هناك من أئمة السلف المحترمين الموثوقين من قال بأنه لا يؤخذ بجميع أحاديث أبي هريرة لإشكالات قامت فيها.
وعن السائب بن يزيد: سمع عمرَ يقول لأبي هريرة: (لتتركنَّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لأُلحقنَّك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركنَّ الأحاديث أو لأُلحقنَّك بأرض القردة).
رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1475) كما في حاشية "سير أعلام النبلاء" (2/601) وقال المعلّق هناك: (وهذا إسناد صحيح).
وقال الشريف العلامة زكريا الإدريسي المالكي الأشعري (629هـ) في "أبكار الأفكار العُلْوِيَة في شرح الأسرار العقلية" ص (119):
[قاعدة: كل لفظٍ يرد من الشارع في الذات والصفات فلا يخلو أن يكون متواتراً أو آحاداً، فإن كان متواتراً فيستحيل أن يكون منه نص لا يحتمل التأويل على أمر محال عقلاً، وإن كان ظاهراً أولناه كما سيأتي ذكر ذلك. وإن كان آحاداً فما ورد على المحال قطعنا بكذب راويه، وما كان ظاهراً في المحال علمنا أنه غير مراد].
والله تعالى أعلم.
........ يتبع
______________(تعليقات مفيدة)_____________
قال الإمام المجتهد أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي المتوفى عام 370 هـ في كتاب (الفصول في الأصول) (3/127):
[بَابٌ الْقَوْلُ فِي اعْتِبَارِ أَحْوَالِ أَخْبَارِ الْآحَادِ]
قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَيُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَمْ يَتِمَّ وَهْمُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عَدْلًا.
وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُقْبَلُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَمْ يَرُدَّهُ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يُخَالِفْ نَظَائِرَهُ مِنْ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبِلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَلَمْ يَرُدُّوهُ. وَقَالَ: وَلَمْ يُنَزَّلْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْزِلَةَ حَدِيثِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ وَالْحِفْظِ، لِكَثْرَةِ مَا نَكِرَ النَّاسُ مِنْ حَدِيثِهِ، وَشَكِّهِمْ فِي أَشْيَاءَ مِنْ رِوَايَتِهِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: " كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَدَعُونَ ".
وَقَالَ: " كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا مَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ". وَلَمْ يَقْبَلْ ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَتَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ» وَعَارَضَهُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ قَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، " إنَّا نَتَوَضَّأُ بِالْحَمِيمِ، وَقَدْ أُغْلِيَ عَلَى النَّارِ، وَإِنَّا نَدْهُنُ بِالدُّهْنِ وَقَدْ أُغْلِيَ عَلَى النَّارِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا ابْنَ أَخِي، إذَا جَاءَكَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ ".
...
" وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَمْشِي فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ وَتَقُولُ: لَأُحَدِّثَن أَبَا هُرَيْرَةَ ". وَقَالَتْ لِابْنِ أَخِيهَا: " لَا تَعْجَبْ مِنْ هَذَا وَكَثْرَةِ حَدِيثِهِ. إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ أَحْصَاهُ ".
وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَجَمَاعَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِكَثِيرٍ مِنْهَا، حَتَّى يَسْأَلُوا غَيْرَهُ، فَإِذَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ غَيْرُهُ عَمِلُوا بِهِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِيمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ فِي أَنَّهُ قَالَ: «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ»: " لَمْ يَنْتَظِرْ بِأُمِّهِ أَنْ تَضَعَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: جَعَلَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ظَهَرَ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّلَفِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِقِيَاسِ الْأُصُولِ، وَتَثْبِيتِهِمْ فِيهِ، عِلَّةً لِجَوَازِ مُقَابَلَةِ رِوَايَاتِهِ بِالْقِيَاسِ. فَمَا وَافَقَ الْقِيَاسَ مِنْهَا قَبِلَهُ، وَمَا خَالَفَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا قَدْ قَبِلَهُ الصَّحَابَةُ فَيُتَّبَعُونَ فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ كَحَدِيثِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ التَّثَبُّتِ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ مُقَابَلَتُهُ بِالْقِيَاسِ، مِثْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ أَحَدَ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِ، وَعَرْضِهِ عَلَى النَّظَائِرِ مِنْ الْأُصُولِ، فَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ النَّظَائِرُ مِنْ الْأُصُولِ قَبِلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ نَظَائِرُهُ مِنْ الْأُصُولِ بِخِلَافِهِ - عُمِلَ عَلَى النَّظَائِرِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْخَبَرِ، كَمَا اعْتَبَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَكَمَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ فِي مَشْيِهَا فِي خُفٍّ وَاحِدٍ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ عَلَى جِهَةِ الِاجْتِهَادِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّاوِي، كَالشَّهَادَاتِ، فَمَتَى كَثُرَ غَلَطُ الرَّاوِي، وَظَهَرَ مِنْ السَّلَفِ التَّثَبُّتُ فِي رِوَايَتِهِ، كَانَ ذَلِكَ مُسَوِّغًا لِلِاجْتِهَادِ فِي مُقَابَلَتِهِ بِالْقِيَاسِ، وَشَوَاهِدِ الْأُصُولِ.
يُتبع
تابع لكلام الإمام الجصّاص الحنفي
{ فَإِنْ قِيلَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: " يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي كُنْت امْرَأً مِسْكِينًا، أَصْحَبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمْ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ، وَإِنِّي شَهِدْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْلِسًا وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي، فَبَسَطْت بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقَالَتَهُ، فَقَبَضْتهَا، فَمَا نَسِيت شَيْئًا بَعْدَهُ» سَمِعْته مِنْهُ.
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ حَفِظَ مَا سَمِعَهُ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ رِوَايَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رِوَايَاتِ غَيْرِهِ.
قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَزْعُمُونَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ يَدُلُّ: عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَنْكَرُوا كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ.
وَأَمَّا حِفْظُهُ لِمَا كَانَ سَمِعَهُ حَتَّى لَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ هَذِهِ فَضِيلَةً لَهُ قَدْ اُخْتُصَّ بِهَا، وَفَازَ بِحَظِّهَا مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ لَعَرَفُوا ذَلِكَ لَهُ، وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ أَمْرُهُ، حَتَّى كَانَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتُهُ، وَلَرَجَعَت الصَّحَابَةُ إلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ، وَلَقَدَّمُوهَا عَلَى رِوَايَاتِ غَيْرِهِ، لِامْتِنَاعِ جَوَازِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ، وَجَوَازِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَكَانَ هَذَا التَّشْرِيفُ وَالتَّفْضِيلُ الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ مُتَوَارَثًا فِي أَعْقَابِهِ، كَمَا " خُصَّ جَعْفَرٌ بِأَنَّ لَهُ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ " وَخُصَّ " حَنْظَلَةَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْهُ ".
فَلَمَّا وَجَدْنَا أَمْرَهُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ بِضِدِّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا كَثْرَةَ رِوَايَتِهِ: عَلِمْنَا: أَنَّ مَا رَوَى: فِي أَنَّهُ لَا يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ - غَلَطٌ. وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا أَخْبَرَ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» ثُمَّ رَوَى «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ».
فَقِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَيْت لَنَا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ ذَلِكَ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ». فَقَالَ: مَا رَوَيْتُه.
وَلَا يَشُكُّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ نَسِيَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا صَحِيحَتَانِ عَنْهُ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّهُ بَسَطَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ شَيْئًا، كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَا سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَاصَّةً، دُونَ غَيْرِهِ، وَاَلَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ فِي رُتْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: فِي الْفِقْهِ، وَالدِّرَايَةِ، وَالْإِتْقَانِ، وَقُرْبِ الْمَحَلِّ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: " جَالَسْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَمَا سَمِعْتُهُ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ اعْتَرَاهُ السَّهْوُ وَالْعَرَقُ ثُمَّ قَالَ: أَوْ نَحْوَ هَذَا، أَوْ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ مِثْلُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْعِلْمِ: يَتَهَيَّبُ الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنْ لَا يُدَانِيهِ وَلَا يُقَارِبُهُ فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي مَعْرِفَةٍ: أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فِي التَّثَبُّتِ، وَالْإِتْقَانِ، وَسُكُونِ النَّفْسِ إلَيْهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْيَاءَ لَا تُعْرَفُ: " لَئِنْ لَمْ تَكُفَّ عَنْ هَذَا لَأُلْحِقُك بِجِبَالِ دَوْسٍ }
منقول.
عبد الله المالكي الأشعري
جَزَاكُمُ اللهُ خَيْرًا شَيْخَنَا العلَّامـة، وَبَعْضُ رِوَايَاتِ (أَبِي هُرَيْرَةَ) رَضِيَ اللهُ عْنُه، والتِّي أَضَافَهَا إِلَى رَسُولِ الله (صلَّى اللهُ عَلَيْه وآله) أَظُنُّ أَنَّـهُ كَانَ يُدَلِّسُ فِيهَا وَيَقْصِدُ بِقَوْلـهِ (رَسُولِ الله) إِمَّا سَيِّدَنَـا (مُوسَى) أَوْ سَيِّدَنَـا (عِيسَى) (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وسَلَّم)، أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الأَنْبِياءِ (عَلَيْهُم السَّلام)، وَذَلِكَ لأَنَّـهُ كَانَ يَتَلقَّى عَنْ (كَعْب) وَ (عَبْدِ الله بْنِ سلام) وَغَيْرِهِمَا كَثِيرًا مِنَ القِصصِ والأَقْوَالِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ (عَلَيْهُم السَّلام)... وَلإِثْبَاتِ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ!! وسَأَذْكُرُ دَلِيلًا وَاحِدًا...
---
فَقَدْ عَثَرْتُ مُؤَخَّرًا عَلَى حَدِيثٍ رَفَعَهُ (أَبُو هُرَيْرَةَ) هُوَ بِنَّصِهِ: فِي (التَّلْمُودِ البَابِلِيِّ) مَنْسُوبـًا إِلَى الحَاخَامَاتِ القُدَامـى!! هُوَ هُوَ تَمَامًا!! نَسَبَـهُ (أَبُو هُرَيْرَةَ) - أَوْ (أَحَدُ الرُّوَاةِ) إِنْ أَحْسَنَّـا الظَّنَّ!! - إِلَى رَسُولِ الله (صلَّى اللهُ عَلَيْه وآله)!!
وَ (التَّلْمُودُ البَابِليِّ) بِحَمْدِ الله مَوْجُودٌ عَلَى الشَّبَكِة بالإِنْجلِيزِيَّـةِ، بَلْ إِنَّ قِسْمَ (المِشْنـاة) مِنْهُ مَوْجُودٌ عَلَى الإِنْترنَت بـ (العَربيَّـةِ) بِتَرْجَمَـةِ (د.مصطفى عبد المعبود).
وَعَثَرْتُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى بَعْضَ التَّشَابُهَاتِ الخَاصَّـةِ بالانْتِقَاصِ مِنَ النِّسَـاءِ!!
أَمَّا قِسْمُ (الجمَارا) الَّتِي هِيَ القِسْمُ الأَكْبَرُ مِنَ التَّلْمُود، فَهُوَ لَيْسَ مَرْفُوعًا عَلَى الشَّبَّكةِ مُعَرَّبًا... والمَوْجُودُ عَلَى الشَّبكـةِ فَقَطْ بالإِنْجلِيزِيَّـة... وَهُوَ كَافٍ.
ولِهَذَا بالنِّسْبَـةِ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ الإِنْجِليزِيَّـة، يَكْفِي فَقَطْ نَسْخُ ذَلِكَ النَّصِّ وَتَرْجَمَتُهُ فِي (Google)، أَوْ عَرْضُـهُ عَلَى مَنْ يَفْهَمُهَا، وسَيَجِدُ النَّصَّ الَّذِي رَفَعـهُ (أَبُو هُرَيْرَةَ) هُو هُوَ.... وَهَذَا لَا يَعْرِفُـهُ الكَثِيرُونَ، وَلِذَا لَيْسَ مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يُنْكِرُوا عَلَى مَنْ يَعْرِف أَشْيَـاءَ لَا يَعْرِفُونَهَا هُمْ...!!
-----
وَلِذَا فَإِنَّ انْتِقَاءَ (إبْرَاهِيم النَّخْعِيِّ) وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيث (أَبِي هُرَيْرَة) فَهُمْ فِيه عَلَى حَقٍّ، وَقَدْ أَكْثَرَ يَوْمًا (الأَعْمشُ) عَلَى (النَّخْعِيِّ) مِنْ رِوَاياتِ (أبِي هُريرَةَ) الَّتِي رَفَعَهَا، قَالَ: فَكُنْتُ آتِي (إِبْرَاهِيْمَ) أحَدِّثَهُ بِهَا ((فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ))، قَالَ لِي: (مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ بكلِّ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ)!!
_________________________________