صفحة 1 من 1

عقيدة الحافظ المحدث السيد أحمد ابن الصديق الغماري رحمه الله تعالى:

مرسل: الأحد فبراير 18, 2024 9:04 am
بواسطة cisayman3
سألني بعض الإخوة في موقع (الفيسبوك) قائلاً:
[ما رأي فضيلتكم في طعن الشيخ أحمد الغماري بالأشاعرة ولماذا لا يوجد لكم رد عليه خصوصاً أن الشيخ الغماري يمدح كتب ابن القيم كاجتماع الجيوش هلا بينتم وجهة نطركم بما يشفي غليل طلبة العلم].
أقول وبالله تعالى التوفيق:
مختصر الجواب في هذه المسألة: الذي نعتقده وندين الله تعالى به أن السيد أحمد ابن الصديق الغماري كان منزهاً لا يوافق ابن تيمية في معتقده في قضايا الصفات وقضايا أهل البيت ويذمه أشد الذم، كما أنه لا يوافق ابن قيم الجوزية وإن نُقِلَتْ عنه بعض كلمات أو جمل في مدح كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وفي القلب شك من هذه الجمل أن تكون مدسوسة عليه من أبي خبزة التطواني العاق لشيخه السيد أحمد، وقد وقعت تحريفات في رسائل السيد أحمد ابن الصديق التي نشرها الشيخ عبد الله التليدي الموافق والموالي لشيخه وكنت كاتبت الشيخ التليدي في ذلك قبل نحو 25 سنة وأجابني بأن ناشر الكتاب وطابعه هو من قام بذلك التحريف والتغيير، فالسيد أحمد ابن الصديق رحمه الله تعالى لا يوافق الوهابية وسلفهم من المحدثين غير المنزهين في معتقدهم، وهناك مناظرات قصيرة له مع القرنيين في الحجاز بيّن فيها أنه لا يوافقهم في المعتقد، وقد شهد علماؤهم الوهابية بذلك مثل بكر أبو زيد الوهابي في كتابه "ابن القيم.." حيث قال ص (19): [وهو شديد الخصومة لابن تيمية وابن القيم ومن نحا نحوهما من علماء السلف]. إذاً نحن شاكون فيما ينقل هنا وهناك في بعض الرسائل المنقولة عن السيد أحمد من أنه يمدح أمثال ابن القيم لأننا نرجح بأن (محمد أبا خبزة التطواني) قد دس وتلاعب في بعض رسائل السيد أحمد ابن الصديق. هذا ما نعتقده ولذلك نحترم السيد أحمد ابن الصديق ونعظمه ونجله لعلمه، كما عظمه ومدحه الشيخ عبدالفتاح أبو غده حيث قال عنه ص (1) من التعليق على "ثلاث رسائل في الدعاء": [... لشيخنا العلامة المحدث الناقد الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي..]. وقال الشيخ عبد الفتاح ص (156) من تعليقاته على كتاب "الأجوبة الفاضلة" للعلامة اللكنوي: [.. هذا وقد صحح وحسن شيخنا العلامة المحدث الكبير أبو الفيض أحمد ابن الصديق الغماري رحمه الله..].
ولم نجد للسيد أحمد ابن الصديق شيئاً في إثبات اليدين أو العينين مثلاً لله تعالى بل وجدنا له كلاماً جميلاً في نفي العلو الحسي عندما ناظر الوهابية كما في "جؤنة العطار" وغيرها.
وقال السيد أحمد ابن الصديق الغماري في بعض الرسائل التي أرسلها لأبي خبزة المتزلف الكذاب ص(12) من رسائل أبي خبزة التي نشرها: [وبعد فلسنا نقول إن كل ما يذهب إليه ابن القيم في كتبه وما يقرره من آرائه إن كان مؤيداً بدليله في نظره هو الحق،... فإن لابن القيم والحنابلة هنات، وأوهاماً وطامات..].
وبعد هذا نقول إن ثبت عن السيد أحمد ابن الصديق أنه كان يقول ويعتقد بعقيدة الوهابية وابن تيمية وابن القيم – وهو لم يثبت عليه شيء من ذلك - فنحن برءاء منه ودين الله تعالى ليس فيه محاباة لزيد ولا لعمرو فقد تبرأنا قبل ذلك مما يقوله مثل الأشعري أو الباقلاني من إثبات الوجه والعينين واليدين للمولى سبحانه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وأما قضية ذمه للأشاعرة فنعتقد أن السيد أحمد ابن الصديق الغماري كان يحترم كبار العلماء الذين يوصفون بأنهم أشاعرة وهم منزهة مثل الرازي والنووي والسيوطي وأمثالهم وهذا كثير في كتبه، وإنما كان يذم فيما يظهر مقلدة زمانه من الأشاعرة ومَنْ قبلهم من شيوخهم الذين كان بعضهم وخاصة في المغرب يشنعون عليه ويشهرون به ويطلبون منه أن يوافقهم ولا يخالفهم فيما هو مدون في بعض المتون التي يقرأونها ويدرسونها المملوءة بالفلسفة والمنطق وعلم الكلام المبني عليهما دون دليل من الكتاب والسنة، وله الحق في ذلك. وربما كانت فيه حدة زائدة ومسارعة إلى ألفاظٍ لا تليق بمثله تزيد على الحد ولم يجد من يسكن من حدته ممن له عليه كلمة أو يحسب له حساباً.
ونحن في مثل هذه الحالة (حالة السيد أحمد ابن الصديق) نعظم ونحترم أمثال ابن عقيل وابن الجوزي الحنبليان، وهما من صِنْف (منزهة الحنابلة) ونوافقهم في منهج التنزيه في الاعتقاد ونرتضيه ونحبه، مع أنهما ليسا أشعريين بل يذمان الأشعري والأشاعرة، كما ذكرنا ونقلنا بعض ما قالا في ذلك في بعض مقالاتنا.
وأيضاً نحب العلامة المحقق الكوثري رحمه الله تعالى ونرجّح رأيه وقوله على رأي السيد أحمد ابن الصديق وعلى مصطفى صبري فيما يختلفون فيه في الغالب، ونرى أن العلامة المحقق الكوثري مصيب فيما يقول وأن ما اعترض عليه أمثال السيد أحمد ابن الصديق ومصطفى صبري خطأ، ونترك التعصب إلا للحق الذي يتضح لنا، ونرى أن الشيخ الكوثري رضي الله عنه له أياد بيضاء كثيرة وكبيرة في بث الوعي والعلم وصد الفكر الوهابي وإن أخطأ في بعض الأمور الفرعية فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد عليه، وإذا وصل حال أي أحد من أهل العلم والمشايخ إلى درجة اعتقاد عقيدة التجسيم والتشبيه الذي يعتقدها ابن تيمية وابن القيم فإننا نبرأ إلى الله عز وجل منه ومن اعتقاده الفاسد.
ويشيع بعض الناس أن عقيدة السيد أحمد ابن الصديق الغماري رحمه الله تعالى كانت عقيدة التفويض المحض القريب من مذهب أهل الإثبات من أهل الحديث الذين ننعتهم بالمشبهة والمجسمة وأن هذا هو مذهب الصوفية وهو مذهب ابن العربي الثابت في "الفتوحات المكية" والذي نقله الشيخ الشعراني في "اليواقيت والجواهر" في عقائد الأكابر وغيره، والسيد أحمد على هذا المذهب. هكذا يزعم بعض الناس! وسأبين إن شاء الله تعالى أن مذهب الشيخ الأكبر ابن عربي قائم على تنزيه الله تعالى مع التفويض عند عدم وجود المبتدعة وأنه يؤول كثيرا ويوجب التأويل على أهل العلم إذا كان هناك مبتدعة من المجسمة يلهجون بين الناس بعقائدهم ويشوشون على العامة المعتقد، وأن السيد الحافظ المحدث أحمد ابن الصديق كان على مذهب التنزيه. وأن الصوفية ليسوا مذهبا واحدا في العقائد فمنهم حنبلي مجسم مثل ابن تيمية وابن القيم وقبلهما أبو إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب "منازل السائرين" الذي رد عليه السيد المحدث عبدالله ابن الصديق الغماري، ومنهم أشاعرة أو ماتريدية وهم كثر، ومنهم من هو على مذهب الشيخ ابن عربي، ومنهم على مذاهب أخرى، فليست للصوفية عقيدة واحدة معروفة بل هم مذاهب شتى، فمنهم من هو من أهل الحق ومنهم من هو عكس ذلك. وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى.
وإذا وقفنا على قول خطأ للسيد الحافظ أحمد ابن الصديق الغماري أو شطح مثلا لا يوافق عليه لأنه خارج عن مهيع الشريعة فنحن لا نقبله ونرده ولا نوافقه عليه كائنا من كان القائل بذلك فمرجعنا جميعا إلى الشريعة الغراء وكل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا الأنبياء وعلى رأسهم سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم.
ونسأل الله عز وجل أن يتوفانا على الإيمان الكامل وأن يهدينا إلى الحق وإلى سواء السبيل.
والله أعلم.

الحلقة (2): وإتماما لتجلية الحقيقة حسب الوسع أقول:
- لسنا على ثقة بالمنقول عن تلك الرسائل الشخصية التي كان يرسلها السيد أحمد الغماري لأبي خبزة.
- تلك الرسائل أيضا لا نعلم هل قام أبو خبزة بتحريفها لأنه يحسن ويتقن تقليد خط الحافظ السيد أحمد ابن الصديق، والله تعالى أعلم.
- أرى أن السيد الحافظ أحمد ابن الصديق كان مخطئا في تلقيب أبي خبزة بالعلامة وهو آنذاك إلى أن توفي أبو خبزة ليس من أصحاب البحث العلمي ولا له كتب معتبرة في التحقيق والنقد، وكان عمره عندما توفي السيد أحمد ابن الصديق 28 سنة، ثم انقلب على السيد أحمد وشنع عليه وبهته بأشياء هو بريء منها، وربما أخطأ السيد أحمد في بعض الأمور وأهمها شدته وألفاظه القاسية وخاصة على العلامة الكوثري التي لا نوافقه عليها رحمه الله تعالى.
- ثناء السيد الحافظ أحمد الغماري على الألباني أنه أتقن الحديث جدا لا معنى له إن ثبت، وهو من جملة أخطاء السيد أحمد، فالألباني سنة 1960 - عندما توفي السيد أحمد - لم تكن كتبه قد انتشرت أو نشرت، وإن نشر الألباني بعض الشيء اليسير جدا منها آنذاك، وأعتقد أن السيد الحافظ أحمد ابن الصديق لو اطلع على منشورات ومؤلفات الألباني التي نشرها فيما بعد لعرف تناقضه في الحكم على الأحاديث وأنواع تخبطاته وأخطائه في هذا الفن، وقد كشفنا آلافا من ذلك في الكتب والرسائل التي نشرناها فما بالك بالسيد أحمد ابن الصديق.
لكن الغريب العجيب إن ثبت ذلك عنه طعنه بالعلامة العلم الإمام الكوثري مع اعترافه بسعة علمه وقوله عن الألباني أنه أتقن الحديث!
- سنتكلم فيما بعد على تعديل وتجريح السيد الحافظ أحمد ابن الصديق في الرجال.
- المهم أريد منكم الآن - وخاصة من تهمهم هذه القضية - أن يقارنوا في الصفحة المطبوعة من كتابي "التحقيق الدقيق" ص (734) بين الكلام المنقول عن السيد أحمد من كتاب الشيخ عبد الله التليدي عن الألباني وبين ما هو أسفل منه، وهو الكلام المنقول من الرسالة المخطوطة وقد علمت عليه بالأسود الغامق وتحته خط لتدركوا التحريف والتغيير الذي تم...
- هذا وقد أرسل لي الشيخ عبدالله التليدي رحمه الله تعالى رسالة يعتذر فيها عما وقع في كتابه (در الغمام الرقيق) من التحريف والبتر وقال إن الذي قام بذلك هو طابع الكتاب وناشره!
وإنني لم أجد رسالة الشيخ التليدي الآن وإذا وجدتها سأنشرها فورا وكان معها بنفس الظرف البريدي رسالة من ابن الشيخ التليدي وجدتها وهي تفي بالمقصود وسأنشر صورتها هنا مع صورة المغلف البريدي الذي أرسلت الرسالتان فيه.
وسنتكلم على ذلك إن رأينا أن هذا النقل والنشر لم يف بالمقصود..
ولدي رسائل ومؤلفات عديدة بخط سيدي عبدالله ابن الصديق الغماري أعلى الله درجته بعضها المخطوطة الأصلية بخطه يعني أنها غير مصورة، وبعضها مصور من خطه وليس النسخة الأصلية، فلعلنا نجد فيها ما يسعفنا،
وكل هذا أنشره لتجلية الحقيقة وكشف تزوير السلفية الوهابية ومن يقف بصفهم لكلام السيد الحافظ أحمد ابن الصديق رحمه الله تعالى، والله من وراء القصد.
نسأله سبحانه التوفيق والإعانة.