صفحة 1 من 1

السيد أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمن قريش:

مرسل: الجمعة مارس 08, 2024 10:09 am
بواسطة cisayman3
أما السيد أبو طالب رضي الله عنه عَمُّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو عندنا مسلم مؤمن من خيار الصحابة المدافعين عن الدِّين رضي الله عنهم خلافاً لما أشاعه عنه الأمويون الذين زعموا بأنه لم يؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب التنبه لذلك جيداً، فأبو طالب رضي الله عنه كان يحوط النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحميه ويدافع عنه، وحُبِسَ معه في الشِّعب [كما في طبقات ابن سعد (1/209) وتاريخ ابن كثير (3/84)] عند فرض قريش الحصار على المسلمين دون بقية أعمامه صلى الله عليه وآله وسلم، واشتهر عنه شعر ونظم ثابت في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن دينه هو الحق، وسُمِّيَ عام وفاته هو وأم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها عام الحزن، فهل بعد هذا كله يصح أن يقال إنه مات كافراً ولم يُسْلِم ؟!
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/194) عن أبي طالب: ((واستمرَّ على نَصْرِهِ بعد أن بُعِثَ إلى أن مات.. وكان يَذُبُّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويَرُدُّ عنه كل مَنْ يؤذيه)).
وقال ابن حجر أيضاً: [وأخباره في حياطته والذب عنه صلى الله عليه وآله وسلم معروفة مشهورة، ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أُوَسَّد في التراب دفينا
وقوله:
كذبتم وبيتِ اللهِ نبزي محمداً
ولـمَّا نقاتل حوله ونناضل].
وهذا البيت يثبت أنه كان مؤمناً وأن بعض الناس من ذلك الزمن ـ أي في حياة أبي طالب ـ كانوا يحاولون أن يكذبوا فيقولوا بأنه ينبز النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن معه في دينه.
وتمام البيت الأول قول أبي طالب عليه السلام كما في ((الإصابة)) للحافظ ابن حجر (7/236) وتفسير القرطبي (6/406):
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ///// حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ///// وابشر بذاك وقرَّ منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق ///// ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد ///// من خير أديان البرية دينا
قال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (3/57) معلِّقاً على إحدى قصائد أبي طالب وهي قصيدة: (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه..): [هذه القصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا مَنْ نُسِبَتْ إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى].
والقصيدة مذكورة بطولها هناك وفيها ما يدل على التوحيد.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب). رواه ابن حبان في صحيحه (15/558). وغيره، وصححه متناقض عصرنا في صحيح ابن ماجه (122). وإحاطة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغضبه ونصرته له ثابت عندهم في البخاري (3883) ومسلم (209) وغيرهما.
واشتهر قوله في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه...). وهو ثابت في صحيح البخاري (1009) عنه، وقال الحاكم في المستدرك (2/622): [وتواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما مات عمه أبو طالب لقي هو والمسلمون أذى من المشركين بعد موته..]، وهذا يفيد بأنه كان من أكبر حراس هذا الدين والذابين عنه وهو في مهده وبدايته، ثم بعد وفاته خلفه في هذه المهام ابنه سيدنا علي بن أبي طالب، فهذه هي الشجرة الطيبة المؤمنة.
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشاً تضافروا على أذيته وتجهموا به قال: (يا عم ما أسرع ما وَجَدْتُّ فَقْدَك). هو حديث حسن. رواه الطبراني في الأوسط (4/141) وغيره كما بينته في مقدمة "أسنى المطالب في نجاة أبي طالب" لمفتي الشافعية في مكة المحمية العلامة أحمد زيني دحلان رحمه الله تعالى ص (13).
وأما ما رواه البخاري (3884) ومسلم (24) من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمه عند موته: ((أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) وأنه نزلت فيه آيتان وهما: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } التوبة: 113، وقوله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } القصص: 56، فهذا لا يصح! لأن سورة التوبة مدنية مُتَأخِّرة النزول، وقد اعترف بذلك الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (7/195) حيث قال: [أما نزول هذه الآية الثانية فواضح في قصة أبي طالب وأما نزول التي قبلها ففيه نظر]. وإذا كان في نزول الأولى نظر فإن في الثانية نظراً أيضاً لأنهما في حديث واحد! وهذا يدلنا على تلاعب الأمويين أعداء آل البيت أو أحد أذنابهم من الرواة ووضعه لهذه القصة المكذوبة والخرافة الممجوجة على أنها أمر ثابت، والظاهر أن هذا الراوي هو الزُّهْري أحد رواته،
وهو الذي روى أيضاً، كما في صحيح البخاري (6982) ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد أن ينتحر بأن يُرَدِّيَ نفسه من شواهق الجبال!! مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر كما في ((صحيح البخاري)) (5778) أيضاً أن مَنْ تَرَدَّى من جبلٍ فقتل نفسه كان خالداً مخلداً في نار جهنم! والله تعالى يقول: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } النساء: 26، وإذا كان حديث التردي هذا الذي رواه البخاري عن الزهري باطلاً مكذوباً فكذلك روايته لموت أبي طالب على الكفر من هذه البابة الباطلة أيضاً!
روى ابن عساكر في تاريخه (42/228) وهو في مختصر ابن عساكر لابن منظور (5/393): [قال جعفر بن إبراهيم الجعفري: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه، فقالت: يا جعفري لا تكتب عنه فإنه مال إلى بني أمية وأخذ جوائزهم. فقلت: من هذه ؟ قال: أختي رقية خرفت. قالت: خرفت أنت، كتمت فضائل آل محمد، قالت: وقد حدَّثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله..].
أما حديث عبدالله بن الحارث الذي فيه سؤال العباس رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ما أغنيت عن عمك ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار). فمردود بكون عبدالله ابن الحارث أموي وبأن رواية ابن سعد لهذه القصة في طبقاته (1/125) مغايرة لذلك! وهي بلفظ:
أن العباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترجو لأبي طالب؟ قال: (كل الخير أرجو من ربي). ورجاله رجال الصحيح.
وإذا كان أبو طالب رضي الله عنه كافراً كما يقولون وفي النار فإن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتخفيف عنه لن تنفعه! لقوله تعالى: { وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } وقوله تعالى: { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }! فكيف تتم لهم تصحيح تلك الأحاديث الباطلة ؟!
أما الحديث الذي فيه أن أبا طالب رضي الله عنه أهون أهل النار عذاباً وأنه في ضحضاح من نار أو أنه يلبس نعلان من نار يغلي منهما دماغه أو نحو هذا، فهو من جملة الأحاديث الباطلة المردودة أيضاً، وهو حديث مضطرب اخْتَلَفَ رواته فيه واضطربوا اضراباً شديداً وأكثر الرواة على عدم ذكر أبي طالب رضي الله عنه فيه، وعندنا أن ذكر أبي طالب مُقْحَمٌ فيه من بعض النواصب ولذا حكمنا عليه بأنه شاذ مردود، وأصل لفظ الحديث: (إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل والقمقم).
هكذا رواه البخاري (6561) ومسلم (213) من حديث النعمان، ومسلم (211) من حديث أبي سعيد، وأحمد (2/432و438) من حديث أبي هريرة دون ذِكْرِ أبي طالب فيه، وقد روى عبد الرزاق في المصنف (10/84) عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أهون أهل النار عذاباً رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه)، فقال أبو بكر الصديق: وما كان جُرْمه يا رسول الله ؟! قال: (كانت له ماشية يغشى بها الزرع ويؤذيه..) الحديث.
وقد روى الحديث أيضاً عبيد بن عمير مولى ابن عباس عند ابن أبي شيبة (7/51)، وحميد بن هلال (هو حميد بن هلال العدوي وهو من رجال الكتب الستة، كما في التقريب) عند ابن أبي شيبة (7/57) وليس فيه ذكر أبي طالب البتة.
أما من رواه بذكر أبي طالب مثل أبي سعيد الخدري في البخاري (3885) فقد اضطربت الرواية عنه حيث رويَ من طريقين آخرين دون ذكره، فرواه اثنان وكلاهما أوثق من الراوي عنه عند البخاري دون ذكر أبي طالب وهما النعمان بن أبي عياش في صحيح مسلم (211)، وأبي نضرة عند أحمد (3/13) وكلاهما من رجال الصحيح.
وأما رواية ابن عباس التي في مسلم (212) والتي فيها ذكر أبي طالب ففيها حماد بن سلمة، وقد رواه حماد عند ابن سعد (1/125) بسندٍ ولفظٍ آخر كما تقدَّم وهو قوله: إن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترجو لأبي طالب ؟ فقال: (كل الخير أرجو من ربي). ورواه أيضاً عكرمة مولى ابن عباس كما تقدم عند عبد الرزاق (10/84) في قصة أخرى ليس فيها ذِكْر لأبي طالب رضي الله عنه.
فتبين من كل ما تقدَّم أن هناك ثمانية طرق لهذا الحديث لم يرد فيها ذِكْرٌ لأبي طالب، وأن ذكره وقع في ثلاث أخرى مضطربة وفيها اختلاف ومخالفة، والترجيح كما هو معلوم للروايات الأكثر عدداً، ولا يجوز اعتبار هذا الأقل من باب زيادة الثقة بسبب وجود عوامل أخرى تضاف إلى ذلك وهي كون مَنْ أضاف أبا طالب للحديث أمويين وأنهم الأقل عدداً، وأن التخفيف على الكافر (على فرض أنه مات ولم يؤمن كما يزعمون) الذي ورد في هذا الحديث معارِض للقرآن الكريم الذي يقول: {خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}، ويقول: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }، وأيضاً فإن الله تعالى يقول في كتابه العزيز: { وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى }، والكافر ليس ممن يرتضي الله تعالى بدليل قوله تعالى: { وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ }، ويقول تعالى: { فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }.
وكل هذا يجعل الإنسان المنصف الذي تهمه الحقيقة يدرك أن الحكم على أبي طالب بالكفر أو بعدم الإيمان فكر أموي مُقْحَم في هذه الأحاديث وهو من باب الشاذ المردود الذي لا يلتفت إليه ولا يعوَّل عليه، وأنه ليس بشيء لمخالفته واقع أبي طالب رضي الله عنه في نصرته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأصحابه ولهذا الدين، بالإضافة لحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له وحزنه عليه، لا سيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب كافراً لقوله تعالى: { لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }، وقوله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ... } إلى قوله: { وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } الممتحنة: 1، وقوله تعالى: { وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }.
وقد أطلنا الكلام في تفنيد ما ذكروه في أبي طالب رضي الله عنه من أباطيل في مقدمتنا وتعليقاتنا على كتاب العلامة أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية رحمه الله تعالى (أسنى المطالب في نجاة أبي طالب)، فمن أراد الاستزادة والتوسع فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب، والله الموفق.