صفحة 1 من 1

الحلقة الثانية من رسالة : (الجُنة في بيان من يطلق عليهم أهل السنة):

مرسل: الأحد أكتوبر 29, 2023 12:19 pm
بواسطة cissoso
[ملاحظة قبل أن أكمل الموضوع: (أنا أعتبر نفسي صوفيا أشعريا من أهل السنة منكرا لعقيدة الوهابية والمجسمة أشد الإنكار) فلا يغفل بالك عن هذا ! وإنما نبهت على هذا لأن بعض من لم يفهم كلامي وقصدي ظن أنني عندما أقول بأن المجسمة والمشبهة من أهل السنة أنني أناصرهم وأعتقد أنهم على حق! والحق ليس كذلك، والله الموفق].

بداية التكملة:
أبدأ بنموذجين وهما: عثمان بن سعيد الدارمي صاحب كتاب "الرد على بشر المريسي" وكتاب "الرد على الجهمية". والثاني ابن خزيمة صاحب كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب" فأقول:

1- عثمان بن سعيد الدارمي المجسم المشهور له كتاب "الرد على بشر المريسي" وكتاب " الرد على الجهمية وكلاهما مطبوع متداول، وهذا الرجل هو الذي يقول في كتابه الأول: (لو شاء الله لاستقرَّ على ظهر بعوضة فاستقلَّت به) التي احتج ابن تيمية وتمسك بها! تَرْجَمَ له الإمام الحافظ السبكي الشافعي الأشعري في "طبقات الشافعية الكبرى" فقال:
[عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد السجستانى الحافظ أبو سعيد الدارمي، محدِّث هراة وأحد الأعلام الثقات، ومَنْ ذَكَرَهُ العبادي فى الطبقات قائلاً: الإمام فى الحديث والفقه، أخذ الأدب عن ابن الأعرابى والفقه عن البويطى والحديث عن يحيى بن معين. قلت: كان الدارمي واسع الرحلة طوف الأقاليم ولقى الكبار... ومن مشايخه فى الحديث أحمد بن حنبل وعلي بن المدينى وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وشيخه فى الفقه البويطى. قال أبو الفضل يعقوب الهروى القراب: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأى هو مثل نفسه... توفى الدارمي رحمه الله فى ذى الحجة سنة ثمانين ومائتين .. وللدارمي كتاب فى الرد على الجهمية وكتاب في الرد على بشر المريسي ..].
فهذه شهادة السبكي الشافعي الأشعري في هذا الدارمي الشافعي المجسم - الذي احتوى كتابه "الرد على المريسي" مخازيَ وبلايا عظاماً- أنه أحد الأعلام الثقات وأن من شيوخه أحمد بن حنبل! ولم يقل السبكي أن هذا المجسم ليس من أهل السنة والجماعة! مع أن الإمام الكوثري رحمه الله تعالى شنع على هذا الدارمي أشد التشنيع وبين سوء حاله في التشبيه والتجسيم!

2- ابن خزيمة صاحب الصحيح وهو شافعي سُنِّي، صاحب كتاب "التوحيد وإثبات صفات الرب".
يلقبه الإمام النووي الشافعي الأشعري رحمه الله تعالى في عدة مواضع بِـ (إمام الأئمة) (!!)
ويقول عنه الفخر الرازي الشافعي الأشعري في تفسيره (14/27/151):
[واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه بالتوحيد! وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات لأنه كان رجلاً مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: (نحن نثبت لله وجهاً ونقول: إن لوجه ربنا من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره...)...].
لقَّب الرازي كتاب ابن خزيمة كما ترون بكتاب (الشرك) وسرد شيئاً من التجسيم والتشبيه المودع في ذلك الكتاب الذي حققه الوهابية وطبعوه ونشروه في مشارق الأرض ومغاربها وسهلوا الوصول إليه على الانترنت لكل من أراد أن يهتدي (!) إلى ما فيه! - ولم يتولَّ الأشاعرة والماتريدية نشر الكتاب وطباعته وترويجه- ولم يخرج أئمة أهل السنة السابقين ابن خزيمة من أهل السنة!
هذان مثالان واضحان في كون ابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي الشافعيين من جملة المجسمة والمشبهة، بما تثبته كتبهما!
ثم هل يعتبر هؤلاء المتعصبون دون روية أو علم مثلَ ابن قدامة الحنبلي صاحب "المغني" في الفقه الحنبلي وأمثاله كالحافظ ابن رجب ليسوا من أهل السنة أيضاً؟!
ثم إننا لو نظرنا في بعض الرواة الذين يروون الحديث والسنة وجاءوا بالطامات في أحاديث العقائد الصريحة في التشبيه والتجسيم كَـ (حمَّاد بن سلمة) (ت167هـ) و(نُعَيم المِرْوزي) (ت228هـ) ومَنْ بعدهما مثل الطبراني صاحب كتاب "السنة" وكثيرون ممن وُصِفَ الواحد منهم بأنه كان (صُلْباً في السنة) أو كان (من الشُّدَّاد في السُّنة) (!!)
ومن نماذج من قيل فيه إنه (صُلْباً في السُّنة) أو ممن قيل فيه (كان من الشُّدَّاد في السُّنة): أبو يعلى الحنبلي المعروف، قال الذهبي في "العبر" (1/249) في ترجمته:
[القاضي أبو الحسين بن الفرّاء محمد ابن القاضي أبي يعلى محمد ابن الحسين البغدادي الحنبليّ،... وكان مفتياً مناظراً عارفاً بالمذهب ودقائقه، صُلْباً في السُّنة، كثير الحطِّ على الأشاعرة].
فالصلب في السنة هذا حاله!
وقال ابن العماد العكري الدمشقي في "شذرات الذهب" (4/31) في ترجمة أبي يعلى:
[عارفا بالمذهب ودقائقه صُلْباً في السنة كثير الحط على الأشاعرة... وقال ابن رجب: كان عارفاً بالمذهب متشدداً في السنة وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول].
فتبين من هذا حال مَنْ يصفونه بِـ (الصُلْب في السُّنة) و (من الشُّدَّاد في السُّنة) (!!)
وكلٌّ من ابن خزيمة وأبي يعلى والباقلاني والأشعري أثبت لله تعالى صفة العينين أو العين (!!) وانظر إلى قول الإمام المُنَزّه ابن الجوزي رحمه الله تعالى حيث يقول في كتابه "دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه" ص (114) ما نصه: [وقد ذهب القاضي أبويعلى إلى أن العين صفة زائدة على الذات وقد سبقه أبوبكر بن خزيمة فقال في الآية: (لربنا عينان ينظر بهما)!! قلــت: وهذا ابتداع لا دليل لهم عليه وإنما أثبتوا عينين من دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: ((وإن الله ليس بأعور)). وإنما أراد نفي النقص عنه تعالى، ومتى ثبت أنه لا يتجزأ لم يكن لما يُتَخَيَّل من الصفات وجه]. انتهى كلام الحافظ ابن الجوزي.
فكلٌّ من ابن خزيمة والباقلاني وأبي يعلى في بابة واحدة في هذا الأمر فهل يخرجهم المتعصبون جميعاً من دائرة أهل السنة أم أنهم يستقوون فقط على أبي يعلى الحنبلي؟!.
_______________________