صفحة 1 من 1

بيان عدم صحة ما نسب إلى عبد العزيز بن الماجشون وأنه يقول بعقيدة المجسمة:

مرسل: الخميس مارس 14, 2024 5:55 pm
بواسطة عود الخيزران
بيان عدم صحة ما نسب إلى عبد العزيز بن الماجشون وأنه يقول بعقيدة المجسمة:


قال الذهبي في كتابه "العلو"نقلاً عن ابن الماجشون في النص رقم(349):
عبدالعزيز بن الماجشون، مفتي المدينة وعالمها مع مالك ( 164):
[349- فصحَّ عن ابن الماجشون أنه سئل عمَّا جحدت به الجهمية فقال: أما بعد: قد فهمت ما سألت عنه فيما تتايعت الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلَّت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلم تجد العقول مساغاً فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أُمروا بالنظر والتفكير فيما خلق، وإنما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثمَّ كان، أمَّا من لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو إلى أن قال: فالدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغراً يحول ويزول، ولا يُرى له بصر ولا سمع، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة ما وصف منها، فإذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلُّفك علم ما لم يصف، هل تستدلُّ بذلك على شيء من طاعته أو تنزجر به عن شيء من معصيته؟ فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمّقاً وتكليفاً فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران فعمي عن البيِّن بالخفي، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}القيامة:23، فقال: لا يُرى يوم القيامة، وقد قال المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم: هل نرى ربنا يا رسول الله فقال: ((هل تضارون في رؤية الشمس...)) الحديث إلى أن قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تمتلىء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط، ويزوى بعضها على بعض))، وقال لثابت بن قيس: ((لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة))، وذكر فصلاً طويلاً في المعنى.


أقول رداً على هذا الكلام وكشفاً لبطلانه:

لم يصح هذا كما سيأتي تحقيقه والبرهان عليه إن شاء الله تعالى وإنما هو كذب بحت على هذا الإمام رحمه الله تعالى!! والدليل على أنه مفترى على هذا الإمام أمران:
(الأول): أنَّ السند تالف، فقد أورد الذهبي إسناد هذا القول عن ابن الماجشون عقب كلامه وكذا في ((سير أعلام النبلاء)) (7/311): فقال: ((أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة، عن يحيى بن أسعد، أنبأنا عبدالقادر بن محمد، أنبأنا أبو إسحق البرمكي، أنبأنا أبو بكر بن بخيت، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر الأثرم، حدثنا عبدالله بن صالح، عن عبد العزيز بن الماجشون...)) بـه.
قلت: وفي السند علتان:
1- عبدالله بن صالح ضعيف. كما هو مشهور وتقدَّم الكلام عليه. ومن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (5/228): [وقال بن يونس: روى عن الليث مناكير، ولم يكن أحمد بن شعيب – أي النسائي – يرضاه... وقال الحاكم: أبو أحمد ذاهب الحديث... وقال الخليلي: كاتب الليث كبير لم يتفقوا عليه لأحاديث رواها يخالف فيها. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي عن الأثبات ما ليس من حديث الثقات، وكان صدوقاً في نفسه وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له كان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به].

2- الجوهري الراوي عن الأثرم صاحب مناكير. قـال الخطيب البغـدادي في "تاريخـه" (11/225): ((وفي بعض حديثه نكرة)).
والألباني المتناقض!! أقرَّ الذهبي في "مختصر العلو"ص (145) على صحة هذا عن ابن الماجشون، ولم يعرف حقيقة حال هذا السند التالف وزاد ضغثاً على إبالة!! فقال في الحاشيـة هناك: ((ورواه ابن بطة في الإبانة بإسناد صحيح عن ابن الماجشون كما في العقيدة الحموية)) (!!)
وأقـول: ما رواه ابن بطة كذب بحت!! لأنَّ ابن بطة نفسه متهم وضاع حنبلي مجسم (!!) كما تجدون ذلك في ترجمته في "لسان الميزان" (4/131) وقد تقدَّم الكلام عليه في تخريج النص رقم (147). وهو في إبانة ابن بطة (7/63) وفي إسناده عبدالله بن صالح، وابن بطة كذاب وضاع.
(والأمر الثاني): أن الإمام مالكاً كان لا يسكت على من يذيع هذه الأحاديث التي يسمونها أحاديث الصفات وينشرها بين الناس، وقد تقدّم كلامه في إنكاره على ابن عجلان وأبي الزناد في ذلك في التعليق على النص رقم (317)!! فهذا الكلام لو قاله ابن الماجشون لأنكره مالك عليه!! ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل!!

وأقول: كل ما يتعلق بالرؤيا من هذه النصوص بينته وشرحته في كتابي ((صحيح شرح العقيدة الطحاوية)) في باب رؤية الله تعالى ص (582). وفي رسالة خاصة في أحاديث الرؤية بينت فيها علل تلك الأحاديث.

والحديث الوارد في النص الذي نقله الذهبي عن ابن الماجشون من أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : (لا تمتلىء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول: قط قط، ويزوى بعضها على بعض).

أقول: هذا حديث شاذ باطل مردود. وهو مروي في البخاري (4848و4850و6661و7384و7449) ومسلم (2847و2848) وهو مروي فيهما أو في أحدهما عن سيدنا أنس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، ورواه أحمد في المسند (3/134) من حديث سيدنا أنس بلفظ: ((فيدلي فيها رب العالمين قدمه))، وفي الدارمي (2849) من حديث أبي هريرة: ((حتى يأتيها ربها فيضع قدمه عليها)) (!!) وقد رده الإمام أبو منصور الماتريدي في كتابه "تأويلات أهل السنة" (4/566) عند قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}: [وقال أهل التأويل - أي التأويل الباطل-: إنها تسأل الزيادة حتى يضع قدمه فيها، فتضيق بأهلها حتى لا يبقى فيها مدخل لرجل واحد، ورووا خبراً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك. وإنه فاسد، وقول بالتشبيه، وقد قامت الدلائل العقلية على إبطال التشبيه، فكل خبر ورد مخالفاً للدلائل العقلية يجب ردّه لأنه مخالف لنص التنزيل وهو قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم هذا القول على قول المشبهة على ما توهموا مخالف للكتاب لأن الله عز وجل قال: {لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، وعندهم لا تمتلىء بهم ما لم يضع الرحمن قدمه فيها]. وقد أورد سيدنا الإمام المحدّث الشريف سيدي عبدالله ابن الصديق أعلى الله درجته هذا الحديث (يضع قدمه في النار) في كتابه القيم ((الفوائد المقصودة في بيان الأحاديث الشاذة المردودة)) كما ذكرته في التعليق على ((دفع الشبه)) ص (170). ثمَّ تبين لي أنَّ هذا الحديث هو في الحقيقة جزء من حديث الرؤية الطويل الباطل الذي فيه ذكر الصورة والصراط!! وقد جزأه المصنفون أو بعض الرواة فروي كأنه حديث مستقل!! وهو ضمن الحديث الطويل في مسند أحمد (2/368) والترمذي (2557) وقال: ((حسن صحيح)). وحديث الرؤية الطويل هو من جملة الإسرائيليات المنقولة عن أهل الكتاب أو كتبهم.

وأقول: الحديث الذي جاء في النص من أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لثابت بن قيس: ( لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة ).
هو حديث شاذ مردود بهذا اللفظ. رواه البخاري (3798) ولفظه ((ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما)) وهو في مسلم (2054) بروايتين واحدة فيها ذكر العجب فقط، ولفظه: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة) والثانية التي تليها خالية من ذكر اللفظين، وهو كذلك في الترمذي (3304) بأحسن سياق وهو خال من الجملة بأسرها. والحديث مذكور في "دفع شبه التشبيه" ص (198).