بيان بطلان وعدم صحة ما ينسبه المجسمة للأشعري من لعنه المعتزلة:

[عود الخيزران]

بيان عدم صحة ما ينسبه المجسمة للأشعري من لعن المعتزلة من رواية أبي علي الدقاق:

قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(٥١٢):
[ 512- سمعتُ أبا علي الدقاق يقول سمعتُ زاهر بن أحمد الفقيه يقول: مات الأشعري رحمه الله ورأسه في حجري فكان يقول شيئاً في حال نزعه: لعن الله المعتزلة موَّهوا ومخرقوا ].

أقول في بيان عدم صحة نسبة هذا الكلام للأشعري:

هذا كذب بحت!! وزاهر بن أحمد هذا تقدَّم الكلام عليه في مقدّمة هذا الكتاب! وأنه هو الذي حكى تلك القصة المنكرة عن الأشعري والتي فيها أنه نظر من صِيْرِ بابٍ على الأشعري فرآه يبول في البالوعة.... إلى آخر القصة التي أبطلناها؛ فمثله لا يوثق بنقله بل يُكَذَّب ولا يصدَّق! وقد رويَ عن زاهر هذا ما ينقض هذه المقالة! وقد نقض الذهبي ذلك فيما بعد لما ألَّفَ "سير أعلام النبلاء" (15/ 88) في ترجمة أبي الحسن الأشعريّ رحمه الله تعالى حيث قال ما نصّه: [رأيت للأشعريّ كلمة أعجبتني، وهي ثابتةٌ، رواها البيهقيّ، سمعت أبا حازم العبدويّ، سمعت زاهر بن أحمد السرخسيّ يقول: لَمّا قرب أجل أبي الحسن الأشعريّ في داري ببغداد، دعاني، فأتيته، فقال: اشْهَدْ عليَّ أني لا أُكفّر أحدًا من أهل القبلة؛ لأن الكلّ يُشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات. قال الذهبيّ: وبنحو هذا أدين، وكذا كان شيخنا ابن تيميّة في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفّر أحدًا من الأمة، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا يُحافظ على الوضوء إلَّا مؤمن)). فمن لازم الصلوات بوضوء، فهومسلم]. انتهى كلام الذهبيّ.

وهذا المروي عن الأشعري في عدم تكفير أحد من أهل القبلة عند مماته مروي عند البيهقي في "السنن الكبرى" (10/207)، وفي "معرفة السنن والآثار" (14/319)، وزاهر بن أحمد هو أبو علي السرخسي توفي سنة (389هـ) وهو ابن (96) سنة. روى عن يحيى بن صاعد وأبي القاسم البغوي وهو مجهول الحال! مع أن جماعة ترجموا له! ولم يدرك ابنُ قاضي شهبة في "طبقات الشافعية" (1/158) أن زاهراً هذا مضطرب الرواية لا يعول على ما ينقله من الترهات خاصة عن الأشعري! والعبدوي (417هـ) حافظ ثقة قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/1072): [سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين، أبو نُعَيم وأبوحازم العبدوي، قلت: كان أبوه أحمد قد أسمعه في الصبا من الصبغي وحامد الرفاء فلم يحدّث عنهما تورعاً]. وتمام الكلام في تاريخ نيسابور للحاكم: [وقال: لست أذكرهم فلا أروي عنهم. وحدث عمن سمع منهم بخراسان والعراق والحجاز بعد الخمسين والثلاثمائة]. كما في كتاب "المنتخب من تاريخ نيسابور" (1/401). قلت: أبو بكر أحمد بن إسحاق الصِّبْغي توفي سنة (342هـ)، والرَّفاء هو أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الرَّفاء الهروي (ت356هـ). قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (16/478): [قال شيخ الإسلام (يعني الأنصاري المجسم): سمعت يحيى بن عمار، سمعت زاهر بن أحمد وكان للمسلمين إماماً يقول: نظرتُ في صِيرِ بابٍ، فرأيت أبا الحسن الأشعري يبول في البالوعة، فدخلت، فحانت الصلاة، فقام يصلي، وما كان تمسح ولا توضأ، فذكرت الوضوء، فقال: لست بمحدث]. قلت: ومن هذا الكلام فيما يظهر أطلق السبكيُّ على زاهر في "طبقات الشافعية الكبرى" بأنه: (المحدث إمام من الأئمة)! وهو ليس كذلك! وكل هذا الذي ذكرناه يثبت أن هذه القصة التي ذكرها الذهبي هنا عن الأشعري من جملة الأكاذيب التي لا يُلْتَفَتُ إليها!