صفحة 1 من 1

عدم ثبوت ما يروى عن الشبلي من أنه يقول بمذهب المجسمة:

مرسل: الاثنين مايو 06, 2024 12:41 pm
بواسطة عود الخيزران
عدم ثبوت ما يروى عن الشبلي من أنه يقول بمذهب المجسمة:

قال الذهبي في كتابه "العلو" النص رقم(516):
[ علي بن عيسى والشبلي (الشبلي 247 ـ 334):
516- أخبرنا إسحاق بن طارق، أنا يوسف بن خليل، أنا أبو المكارم اللبان، عن أبي علي الحداد، أنا أبو نُعَيم الحافظ، سمعت محمد بن علي بن حُبَيش يقول: أُدخل أبو بكر الشبلي رحمه الله داراً للمرضى ليعالَج، فدخل عليه الوزير بن عيسى عائداً، فقال الشبلـي: ما فعل ربك؟ قال: الرب عزَّ وجلَّ في السماء يقضي ويُمضي. فقال: سألتُ عن الرب الذي تعبده ـ يريد الخليفة المقتدر ـ؟! فقال الوزير لبعض جلسائه ناظـره. فقال له رجل: سمعت يا أبا بكر تقول في حال صحتك، كل صدّيق بلا معجزة كذاب فما معجزتك؟ قال: معجزتي أن يُعْرَض خاطري في حال صحوي على خاطري في حال سكري فلا يخرجاني عن موافقة الله تعالى.
قلت: جف دماغ الشبلي فعولج وكان عَلَمُ الصوفية في زمانه، اتفق موته وموت الوزير العادل المحدّث علي بن عيسى في عام، وهو سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة في بغداد].


أقول في بيان عدم ثبوت هذه النسبة للشبلي:

لا يثبت هذا ولا يجوز التعويل عليه حتى عند ابن تيمية! قال ابن تيمية في "الاستقامة" ص (1/115): [أَن أصُول اعْتِقَاد أَئِمَّة الطَّرِيق إِلَى الله لَا يُؤْخَذ مِمَّا يُحْكَى عَنْ مِثْلِ الشبلى وَلَو كَانَت الْحِكَايَة صَادِقَة، لِمَا عُرِفَ مِنْ حَالِ الشِّبْلي وأنه كَانَ يغلب عَلَيْهِ الوَجْدُ حَتَّى يَزُولَ عقله ويَحْلِقَ لحيتَهُ ويذهبوا بِهِ إِلَى المارستان وَيسْقطَ عَنهُ التَّمْيِيز بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَمن كَانَ بِهَذِهِ الْحَالة لم يجز أَن يُجْعَلَ كَلَامُهُ وَحده أصلاً يُفَرَّقُ بِهِ بَين أَئِمَّةِ الهُدَى والضلال وَالسّنة والبدعة وَالْحق وَالْبَاطِل]. وقد أسقط الذهبي من هذا الكلام بعضه! ففي "الحلية" (10/367): [فأقبل على الوزير فقال ما فعل ربك؟ فقال الوزير: في السماء يَقْضي ويُمْضي. فقال: سألتك عن الرب الذي تعبده لا عن الرب الذي لا تعبده يريد الخليفة المقتدر، فقال عليّ لبعض حاضريه: ناظِرْه]. فجملة (في السماء) في هذا الكلام ليست للشبلي!! وقائل هذه العبارة هو الوزير لا الشبلي!! والشبلي يتهمه بأنه يعبد الخليفة المقتدر!! كما هو صريح العبارة التالية!! فهـل من يعبد الخليفة من دون الله يؤخذ كلامه في ذات الله تعالى؟! أم أنَّ مراد الذهبي التشبّث بأي كلمة فيها أنَّ الله في السماء ولو كان قائلها إبليس؟!
والكلام يفيد أنَّ الله تعالى ما قضى الأمور في الأزل وإنما يقضيها الآن ويُمضيها!! ثمَّ إنَّ الكلام مع بطلانه وفساده محتمل أن يكون معنى في السماء يمضي أي أنَّ الأمور مقدرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ الذي هو في السماء!! لا أنَّ الله في السماء!! وملخص القول أنَّ هذه العبارات من جملة التخليطات وأقوال الرجال ليست من حجج الشرع وخاصة مع وجود المخالف!!
وقد قال أبو نُعَيم الحافظ في الشبلي كما في الحلية: [المجتذب الولهان المستلب السكران الوارد العطشان اجْتُذِبَ عن الكدور والأغيار واسْتُلِبَ إلى الحضور والأنوار] ومن كانت هذه صفته لا يعول على كلامه.

ثم إنّ ابن حُبيش لم يصرِّح هنا أنه حضر القصة أو مَنْ أخبره بها ومثل هذا لا يعوَّل عليه كما تقدَّم في التعليق السابق! رواه أبو نُعَيم في "الحلية" (10/367) وابن حبيش مترجم في "تاريخ بغداد" (3/86) ونصوا على أنه ثقة، وأما هذه الحكاية فأراها منكرة!! لنكارة متنها أولاً ولأنَّ المنقول عن الشبلي التنزيه وعدم الميل إلى التشبيه مع أنه ليس هو الناطق بما استدلَّ به الذهبي!! فقـد أورد القشيري في "الرسالة" ص (4) عنه أنه قال: ((الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف)) ثمَّ عقَّب القشيري على هذا فقال: ((وهذا صريح من الشبلي أنَّ القديم سبحانه لا حدَّ لذاته ولا حروف لكلامه)).