النقض على كلام ابن بطة المجسم وبيان عوار مذهبه:
مرسل: الخميس مايو 09, 2024 8:07 am
النقض على كلام ابن بطة المجسم وبيان عوار مذهبه:
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(٥٢٨):
[ ابن بطـة (304 ـ 387):
528- قال الإمـام الزاهد أبو عبدالله بن بطة العكبري شيخ الحنابلة في كتاب ((الإبانة)) من جمعه وهو ثلاث مجلدات: (باب الإيمان بأنَّ الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه): أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أنَّ الله على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، فأما قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ}الحديد:4، فهو كما قالـت العلمـاء: (علمه)، وأما قوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ}الأنعام:3، معناه: أنه هو الله في السموات وهو الله في الأرض، وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}الزخرف:84، واحتجَّ الجهمي بقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}المجادلة:7، فقال: إنَّ الله معنا وفينا، وقد فسَّر العلماء أنَّ ذلك علمه، ثمَّ قال تعالى في آخرها: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}الأنفال:75.
ثمَّ إنَّ ابن بطة سرد بأسانيده أقوال من قال: إنه علمه، وهم الضحاك والثوري ونُعَيم بن حماد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وكان ابن بطة من كبار الأئمة ذا زهد وفقه وسنة واتباع، وتكلَّموا في إتقانه وهو صدوق في نفسه، سمع من البغوي وطبقته، وتوفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة].
أقول في نقض كلام هذا المجسم:
ابن بطة هذا وضاع مجسم من أئمة التشبيه لا عبرة بقوله!! واسمه: عبيدالله بن محمد بن بطة العُكْبُري، له ترجمة في "لسان الميزان" (4/131) وقد تقدَّم الكلام عليه في تخريج النص رقم (147) ترجمه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(4/131) وقال في ترجمته متعقباً على الذهبي: ((وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعرَّ جلدي منه)) ثمَّ أثبت الحافظ أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحك، وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه (10/375) حديثاً بسند باطل ثمَّ قال: ((وهو موضـوع بـهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة)). أي أنه هو واضعه!! فلا بُدَّ من تأمل ترجمة مثل هذا الرجل لنعلم في أي فلك يدور ابن بطة الحنبلي هذا! وكيف انغرَّ به من يقرأ كتبه المتهاوية في التجسيم وهو لا يعلم حقيقة حاله! قال الذهبي في "الميزان" (3/15): [إمام لكنه ذو أوهام لحق البغوي، وابنَ صاعد. قال ابن أبي الفوارس: روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب عن مالك، عَنْ الزُّهْرِيّ، عَن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وهذا باطل. العتيقي: حدثنا ابن بطة , حدثنا البغوي , حدثنا مصعب , حدثنا مالك عن هشام، عَن أبيه فذكر حديث قبض العلم وهو بهذا الإسناد باطل. وقد روى ابن بطة عن النجاد عن العطاردي فأنكر عليه علي بن ينال وأساء القول فيه حتى همت العامة بابن ينال فاختفى. وقال أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف ضعيف. قلت: ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية فكان إماماً في السنة إماماً في الفقه صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه]. وكلام الذهبي بأنه إمام في السنة يعني في التجسيم والعقائد الحنبلية! وبعدما ثبت أنه يروي الأباطيل ويدعي السماع من أشخاص لم يسمع منهم لا يكون صاحب دعوة مستجابة بل صاحب أحوال كاذبة!
وقد أكمل الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/342أبو غدة) في ترجمة ابن بطة العكبري فزاد على كلام الذهبي قائلاً: [وقد وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه. قال ابن الجوزي في "الموضوعات": أخبرنا علي بن عُبَيد الله الزاغواني، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أنبأنا أبو عبد الله ابن بطة, حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلم الله تعالى موسى يوم كلمه وعليه جبة صوف وكساء صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله). قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين والمُتَّهم به حميد. قلت: كلا والله بل حميد بريء من هذه الزيادة المنكرة، فقد أخبرنا به الحافظ أبو الفضل بن الحسين بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الفتح الميدومي، أخبرنا أبو الفرج بن الصيقل، أخبرنا أبو الفرج بن كليب، أخبرنا أبو القاسم بن بيان، أخبرنا أبو الحسن بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عَن عَبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم كلم الله تعالى موسى كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمه صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكي... وقد رويناه من طرق ليس فيها هذه الزيادة وما أدري ما أقول في ابن بطة بعد هذا فما أشك أن إسماعيل بن محمد الصفار لم يحدث بهذا قط والله أعلم بغيبه.. قال الخطيب: حدثني عبد الواحد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، وَلا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة. ومات سنة 387.
قال أبو ذر الهروي: سمعت نصر الأندلسي - وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان - قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها، عَن أبي خليفة وعن ابن بطة ورجعت إلى بغداد فقال الدارقطني: أيش كتبت، عَنِ ابن بطة؟ قلت: كتاب السنن لِرَجَاء بن مُرَجَّا حدثني به عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رَجَاء بن مُرَجَّا فقال الدارقطني: هذا محال دخل رَجَاء بن مُرَجَّا بغداد سنة أربعين ودخل حفص بن عمر سنة سبعين فكيف سمع منه؟! وحكى الحسن بن شهاب نحو هذه الحكاية عن الدارقطني وزاد: إنهم أبردوا بريداً إلى أردبيل وكان ولد حفص بن عمر حياً هناك فعاد جوابه أن أباه لم يروه عن رَجَاء بن مُرَجَّا ولم يره قط وأن مولده كان بعد موته بسنتين. قال: فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغَيَّر الرواية وجعل مكانها: عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء. وقال أبو القاسم التنوخي: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بطة "معجم الصحابة" للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له: لا تفعل فإن ابن بطة لم يسمعه من البغوي. وقال الأزهري: عندي، عَنِ ابن بطة "معجم البغوي" فلا أخرج عنه في الصحيح شيئاً لأنا لم نر له به أصلاً وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فقرأناها عليه. وقال الخطيب: حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حك اسم صاحبها وكتب عليها اسمه. قال ابن عساكر: وقد أراني شيخنا أبو القاسم السمرقندي بعض نسخة ابن بطة بمعجم البغوي فوجدت سماعه فيه مصلحاً بعد الحك كما حكاه الخطيب، عَنِ ابن خيرون. وقال أبو ذر الهروي: أجهدت على أن يخرج لي شيئاً من الأصول فلم يفعل فزهدت فيه]. ومنه يتبين أن الرجل وضاع يحدث بالبواطيل باعتراف الذهبي فكيف يكون إماماً مجاب الدعوة؟! فهذا حال أئمة التجسيم كالبربهاري وغيره!
ومع هذا كله فقد دلس محقق كتاب "العلو" أ.د/ عبدالله البراك في تحقيقه (2/1125) فذكر مَنْ مدح ابن بطة ولم يذكر كلام أئمة الحديث الطاعنين فيه وبمروياته!
وحكاية إجماع المسلمين ، إذا أرادوا بهذا الإجماع أنهم أجمعوا على أنَّ الله فوق العرش كما تقصد الحنابلة والمجسمة من أنه فوق السماوات عال على العرش علواً حسياً في مكان يطلقون عليه بأنه عدمي وغير مخلوق!! فهذا إجماع باطل وهو خرافة وخيال قائم في أذهان المجسمة!! وقولهم (بائن) لم يجمع عليها المسلمون وعلى رأسهم الصحابة والتابعون وكذلك المنزهون!! لأنَّ الله تعالى مع تنزيهنا له عن الحلول والاتحاد لا نصفه بالاتصال ولا بالانفصال كما صرَّح بذلك الإمام النووي في أوائل كتاب "الردة" من الروضة!! فتنبَّه!!
ثمَّ كيف يقولون (أجمع المسلمون) والمعتزلة ينزهون الله تعالى عن أن يكون على العرش بالمكان والجهة ومعهم الأشاعرة، ثم الجهمية الذين تزعم المجسمة كذباً وزوراً أنهم يقولون بأنَّ الله تعالى في مكان يخالفونهم في ذلك؟ فإن قالت المجسمة: نحن لا نعدّهم من المسلمين!! قلنا لهم: ونحن أيضاً لا نعدّكم من المسلمين لما أنتم عليه من التشبيه والتجسيم!
واستدلاله بقوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} فهذا يقتضي أنه ليس في السماء!! أي لا يقال إنه في السماء!! وبالتالي بطلت عقيدتهم القائلة بأنَّ الله في السماء!! ووجب حمل جميع النصوص الناصة على أنه في السماء وتفسيرها بأنَّ معناها (بأنه إله السماء) أو (مَنْ هو معبود في السماء)!! وهذا إقرار صريح من أحد أئمتهم وهو ابن بطة الحنبلي الوضاع!!
وقد وقع في تأويل بحت! كما ترى في نص كلامه ؛ ولـمَّا كان واقعاً منهم كان تأويلاً جائزاً ممدوحاً مقبولاً!! ولو كان من خصومهم لعدوه تجهماً!! فسبحان الله!!
و مدح الذهبي المجسمة من أهل نحلته قد تبين لك من تعليقات على كتاب " العلو" لكن قد نسي الذهبي أن يقول بأنه كان وضاعاً كذاباً يكشط أسماء الأئمة من الأسانيد ويضع اسمه محلَّ الكشط ويغيِّرُ الأسماء!! فقد تَعَقَّب الحافظ ابن حجر الذهبي في "لسان الميزان" (4/131) وبيَّن بعض ما يثبت الوضع والتزوير الذي كان يقترفه ابن بطة كما قدَّمناه في التعليق السابق!! فإذا كان كذلك فكيف يكون صاحب سنة واتباع؟ وهل ينفعه الزهد والفقه؟
و أما قوله (صدوق في نفسه) فليس بصحيح بل هو وضاع كما سبق!! وأما سماعه من البغوي فمردود أو فيه كلام! فمن تأمل ترجمته في "لسان الميزان" و"تاريخ بغداد" سيجد أن روايته عن البغوي مطعون فيها! ومن ذلك قول الخطيب في ترجمته في "تاريخ بغداد" (10/373): [لذلك والله أعلم حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال رأيت كتاب بن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حكك اسم صاحبها وكتب اسمه عليها، قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف ضعيف ليس بحجة وعندي عنه معجم البغوي ولا أخرج منه في الصحيح شيئاً. قلت له: فكيف كان كتابه بالمعجم؟ فقال: لم نر له أصلاً به وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها، وقرأنا عليه، شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق نسخة بكتاب محمد بن عزيز في غريب القرآن وعليها سماع بن السوسنجردي من ابن بطة عن ابن عزيز فسألت حمزة عن ذلك؟ فأنكر أن يكون ابن بطة سمع الكتاب من ابن عزيز وقال ادعى سماعه ورواه]. ومن الغرائب عنه أيضاً ما ذكره الخطيب في ترجمته (10/373): [قلت وكذلك ادَّعى سماعَ كتب أبي محمد ابن قتيبة ورواها عن شيخ سماه أبي مريم وزعم أنه دِيْنَوَِري حدَّثه عن ابن قتيبة وابن أبي مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم ولا ذكره سوى ابن بطة والله أعلم]. وسكت متناقض عصرنا الألباني على كل هذه الطامات عن ابن بطة ولم يذكر منها شيئاً!! وأما محقق كتاب "العلو" أ.د عبد الله البراك فقال عن ابن بطة: (وقال الخطيب: كان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة) والصواب أن الذي قال ذلك العتيقي وليس الخطيب! قال الخطيب ص (373) هناك: [أخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم وكان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة، سألت عبد الواحد بن علي العكبري عن وفاة بن بطة فقال ودفناه يوم عاشوراء من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة]. فظهر أن نسبة البراك القول للخطيب من أوهامه! والصواب أنه قول عبد الواحد بن علي العكبري، وهو مطعون فيه كما في "لسان الميزان" (4/82).
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(٥٢٨):
[ ابن بطـة (304 ـ 387):
528- قال الإمـام الزاهد أبو عبدالله بن بطة العكبري شيخ الحنابلة في كتاب ((الإبانة)) من جمعه وهو ثلاث مجلدات: (باب الإيمان بأنَّ الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه): أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أنَّ الله على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، فأما قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ}الحديد:4، فهو كما قالـت العلمـاء: (علمه)، وأما قوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ}الأنعام:3، معناه: أنه هو الله في السموات وهو الله في الأرض، وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}الزخرف:84، واحتجَّ الجهمي بقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}المجادلة:7، فقال: إنَّ الله معنا وفينا، وقد فسَّر العلماء أنَّ ذلك علمه، ثمَّ قال تعالى في آخرها: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}الأنفال:75.
ثمَّ إنَّ ابن بطة سرد بأسانيده أقوال من قال: إنه علمه، وهم الضحاك والثوري ونُعَيم بن حماد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وكان ابن بطة من كبار الأئمة ذا زهد وفقه وسنة واتباع، وتكلَّموا في إتقانه وهو صدوق في نفسه، سمع من البغوي وطبقته، وتوفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة].
أقول في نقض كلام هذا المجسم:
ابن بطة هذا وضاع مجسم من أئمة التشبيه لا عبرة بقوله!! واسمه: عبيدالله بن محمد بن بطة العُكْبُري، له ترجمة في "لسان الميزان" (4/131) وقد تقدَّم الكلام عليه في تخريج النص رقم (147) ترجمه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(4/131) وقال في ترجمته متعقباً على الذهبي: ((وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعرَّ جلدي منه)) ثمَّ أثبت الحافظ أنه وضاع، وأنه كان يحك أسماء الأئمة من كتب الحديث ويضع اسمه مكان الحك، وأورد الخطيب البغدادي في تاريخه (10/375) حديثاً بسند باطل ثمَّ قال: ((وهو موضـوع بـهذا الإسناد والحمل فيه على ابن بطة)). أي أنه هو واضعه!! فلا بُدَّ من تأمل ترجمة مثل هذا الرجل لنعلم في أي فلك يدور ابن بطة الحنبلي هذا! وكيف انغرَّ به من يقرأ كتبه المتهاوية في التجسيم وهو لا يعلم حقيقة حاله! قال الذهبي في "الميزان" (3/15): [إمام لكنه ذو أوهام لحق البغوي، وابنَ صاعد. قال ابن أبي الفوارس: روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب عن مالك، عَنْ الزُّهْرِيّ، عَن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: طلب العلم فريضة على كل مسلم. وهذا باطل. العتيقي: حدثنا ابن بطة , حدثنا البغوي , حدثنا مصعب , حدثنا مالك عن هشام، عَن أبيه فذكر حديث قبض العلم وهو بهذا الإسناد باطل. وقد روى ابن بطة عن النجاد عن العطاردي فأنكر عليه علي بن ينال وأساء القول فيه حتى همت العامة بابن ينال فاختفى. وقال أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف ضعيف. قلت: ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية فكان إماماً في السنة إماماً في الفقه صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه]. وكلام الذهبي بأنه إمام في السنة يعني في التجسيم والعقائد الحنبلية! وبعدما ثبت أنه يروي الأباطيل ويدعي السماع من أشخاص لم يسمع منهم لا يكون صاحب دعوة مستجابة بل صاحب أحوال كاذبة!
وقد أكمل الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/342أبو غدة) في ترجمة ابن بطة العكبري فزاد على كلام الذهبي قائلاً: [وقد وقفت لابن بطة على أمر استعظمته واقشعر جلدي منه. قال ابن الجوزي في "الموضوعات": أخبرنا علي بن عُبَيد الله الزاغواني، أخبرنا علي بن أحمد بن البسري، أنبأنا أبو عبد الله ابن بطة, حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلم الله تعالى موسى يوم كلمه وعليه جبة صوف وكساء صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله). قال ابن الجوزي: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين والمُتَّهم به حميد. قلت: كلا والله بل حميد بريء من هذه الزيادة المنكرة، فقد أخبرنا به الحافظ أبو الفضل بن الحسين بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الفتح الميدومي، أخبرنا أبو الفرج بن الصيقل، أخبرنا أبو الفرج بن كليب، أخبرنا أبو القاسم بن بيان، أخبرنا أبو الحسن بن مخلد، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا خلف بن خليفة، عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عَن عَبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم كلم الله تعالى موسى كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمه صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكي... وقد رويناه من طرق ليس فيها هذه الزيادة وما أدري ما أقول في ابن بطة بعد هذا فما أشك أن إسماعيل بن محمد الصفار لم يحدث بهذا قط والله أعلم بغيبه.. قال الخطيب: حدثني عبد الواحد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، وَلا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة. ومات سنة 387.
قال أبو ذر الهروي: سمعت نصر الأندلسي - وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان - قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها، عَن أبي خليفة وعن ابن بطة ورجعت إلى بغداد فقال الدارقطني: أيش كتبت، عَنِ ابن بطة؟ قلت: كتاب السنن لِرَجَاء بن مُرَجَّا حدثني به عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رَجَاء بن مُرَجَّا فقال الدارقطني: هذا محال دخل رَجَاء بن مُرَجَّا بغداد سنة أربعين ودخل حفص بن عمر سنة سبعين فكيف سمع منه؟! وحكى الحسن بن شهاب نحو هذه الحكاية عن الدارقطني وزاد: إنهم أبردوا بريداً إلى أردبيل وكان ولد حفص بن عمر حياً هناك فعاد جوابه أن أباه لم يروه عن رَجَاء بن مُرَجَّا ولم يره قط وأن مولده كان بعد موته بسنتين. قال: فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغَيَّر الرواية وجعل مكانها: عن ابن الراجيان عن فتح بن شخرف عن رجاء. وقال أبو القاسم التنوخي: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بطة "معجم الصحابة" للبغوي فجاءه أبو عبد الله بن بكير وقال له: لا تفعل فإن ابن بطة لم يسمعه من البغوي. وقال الأزهري: عندي، عَنِ ابن بطة "معجم البغوي" فلا أخرج عنه في الصحيح شيئاً لأنا لم نر له به أصلاً وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فقرأناها عليه. وقال الخطيب: حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حك اسم صاحبها وكتب عليها اسمه. قال ابن عساكر: وقد أراني شيخنا أبو القاسم السمرقندي بعض نسخة ابن بطة بمعجم البغوي فوجدت سماعه فيه مصلحاً بعد الحك كما حكاه الخطيب، عَنِ ابن خيرون. وقال أبو ذر الهروي: أجهدت على أن يخرج لي شيئاً من الأصول فلم يفعل فزهدت فيه]. ومنه يتبين أن الرجل وضاع يحدث بالبواطيل باعتراف الذهبي فكيف يكون إماماً مجاب الدعوة؟! فهذا حال أئمة التجسيم كالبربهاري وغيره!
ومع هذا كله فقد دلس محقق كتاب "العلو" أ.د/ عبدالله البراك في تحقيقه (2/1125) فذكر مَنْ مدح ابن بطة ولم يذكر كلام أئمة الحديث الطاعنين فيه وبمروياته!
وحكاية إجماع المسلمين ، إذا أرادوا بهذا الإجماع أنهم أجمعوا على أنَّ الله فوق العرش كما تقصد الحنابلة والمجسمة من أنه فوق السماوات عال على العرش علواً حسياً في مكان يطلقون عليه بأنه عدمي وغير مخلوق!! فهذا إجماع باطل وهو خرافة وخيال قائم في أذهان المجسمة!! وقولهم (بائن) لم يجمع عليها المسلمون وعلى رأسهم الصحابة والتابعون وكذلك المنزهون!! لأنَّ الله تعالى مع تنزيهنا له عن الحلول والاتحاد لا نصفه بالاتصال ولا بالانفصال كما صرَّح بذلك الإمام النووي في أوائل كتاب "الردة" من الروضة!! فتنبَّه!!
ثمَّ كيف يقولون (أجمع المسلمون) والمعتزلة ينزهون الله تعالى عن أن يكون على العرش بالمكان والجهة ومعهم الأشاعرة، ثم الجهمية الذين تزعم المجسمة كذباً وزوراً أنهم يقولون بأنَّ الله تعالى في مكان يخالفونهم في ذلك؟ فإن قالت المجسمة: نحن لا نعدّهم من المسلمين!! قلنا لهم: ونحن أيضاً لا نعدّكم من المسلمين لما أنتم عليه من التشبيه والتجسيم!
واستدلاله بقوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} فهذا يقتضي أنه ليس في السماء!! أي لا يقال إنه في السماء!! وبالتالي بطلت عقيدتهم القائلة بأنَّ الله في السماء!! ووجب حمل جميع النصوص الناصة على أنه في السماء وتفسيرها بأنَّ معناها (بأنه إله السماء) أو (مَنْ هو معبود في السماء)!! وهذا إقرار صريح من أحد أئمتهم وهو ابن بطة الحنبلي الوضاع!!
وقد وقع في تأويل بحت! كما ترى في نص كلامه ؛ ولـمَّا كان واقعاً منهم كان تأويلاً جائزاً ممدوحاً مقبولاً!! ولو كان من خصومهم لعدوه تجهماً!! فسبحان الله!!
و مدح الذهبي المجسمة من أهل نحلته قد تبين لك من تعليقات على كتاب " العلو" لكن قد نسي الذهبي أن يقول بأنه كان وضاعاً كذاباً يكشط أسماء الأئمة من الأسانيد ويضع اسمه محلَّ الكشط ويغيِّرُ الأسماء!! فقد تَعَقَّب الحافظ ابن حجر الذهبي في "لسان الميزان" (4/131) وبيَّن بعض ما يثبت الوضع والتزوير الذي كان يقترفه ابن بطة كما قدَّمناه في التعليق السابق!! فإذا كان كذلك فكيف يكون صاحب سنة واتباع؟ وهل ينفعه الزهد والفقه؟
و أما قوله (صدوق في نفسه) فليس بصحيح بل هو وضاع كما سبق!! وأما سماعه من البغوي فمردود أو فيه كلام! فمن تأمل ترجمته في "لسان الميزان" و"تاريخ بغداد" سيجد أن روايته عن البغوي مطعون فيها! ومن ذلك قول الخطيب في ترجمته في "تاريخ بغداد" (10/373): [لذلك والله أعلم حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال رأيت كتاب بن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره وقد حكك اسم صاحبها وكتب اسمه عليها، قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف ضعيف ليس بحجة وعندي عنه معجم البغوي ولا أخرج منه في الصحيح شيئاً. قلت له: فكيف كان كتابه بالمعجم؟ فقال: لم نر له أصلاً به وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها، وقرأنا عليه، شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق نسخة بكتاب محمد بن عزيز في غريب القرآن وعليها سماع بن السوسنجردي من ابن بطة عن ابن عزيز فسألت حمزة عن ذلك؟ فأنكر أن يكون ابن بطة سمع الكتاب من ابن عزيز وقال ادعى سماعه ورواه]. ومن الغرائب عنه أيضاً ما ذكره الخطيب في ترجمته (10/373): [قلت وكذلك ادَّعى سماعَ كتب أبي محمد ابن قتيبة ورواها عن شيخ سماه أبي مريم وزعم أنه دِيْنَوَِري حدَّثه عن ابن قتيبة وابن أبي مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم ولا ذكره سوى ابن بطة والله أعلم]. وسكت متناقض عصرنا الألباني على كل هذه الطامات عن ابن بطة ولم يذكر منها شيئاً!! وأما محقق كتاب "العلو" أ.د عبد الله البراك فقال عن ابن بطة: (وقال الخطيب: كان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة) والصواب أن الذي قال ذلك العتيقي وليس الخطيب! قال الخطيب ص (373) هناك: [أخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم وكان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة، سألت عبد الواحد بن علي العكبري عن وفاة بن بطة فقال ودفناه يوم عاشوراء من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة]. فظهر أن نسبة البراك القول للخطيب من أوهامه! والصواب أنه قول عبد الواحد بن علي العكبري، وهو مطعون فيه كما في "لسان الميزان" (4/82).