صفحة 1 من 1

بطلان كلام القاضي أبي يعلى ونقض ما يتعلق به المجسمة من كلامه:

مرسل: الأحد مايو 19, 2024 7:10 pm
بواسطة عود الخيزران
بطلان كلام القاضي أبي يعلى ونقض ما يتعلق به المجسمة من كلامه:

قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(547):
القاضي أبو يعلى(380 ـ 458):
547- قال عالم العراق القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفَرَّاء البغدادي الحنبلي في كتاب ((إبطال التأويل)) له: لا يجوز ردُّ هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات لله لا تشبه سائر صفات الموصوفين بها من الخلق، قال: ويدلُّ على إبطال التأويل أنَّ الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها ولم يتعرَّضوا لتأويلها ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه يعني على زعم من قال إنَّ ظاهرها تشبيه.
قلت: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولَّدة ما علمت أحداً سبقهم بها، قالوا: هذه الصفات تمرُّ كما جاءت ولا تؤوَّل، مع اعتقاد أنَّ ظاهرها غير مراد، فتفرَّع من هذا أنَّ الظاهر يعني به أمران: (أحدهما): أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بَيِّنَة واضحة في اللغة، لا يبتغى لها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف مع اتِّفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له، لا في ذاته ولا في صفاته، (الثاني): أنَّ ظاهرها هو الذي يتشكَّل في الخيال من الصفة كما يتشكَّل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد، فإنَّ الله تعالى فردٌ صمد، ليس له نظير وإن تعددت صفاته، فإنها حق ولكن ما لها مثل ولا نظير، فَمَنْ الذي عاينه ونعته لنا ومَنْ الذي يستطيع أن ينعتَ لنا كيف سمع كلامه، والله إنَّا لعاجزون كالُّون حائرون باهتون في حدِّ الروح التي فينا، وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها باريها وكيف يرسلها وكيف تستقلُّ بعد الموت، وكيف حياة الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله، وكيف حياة النبيين الآن، وكيف شاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخاه موسى عليه السلام يصلي في قبره قائماً؟ ثمَّ رآه في السماء السادسة وحاوره وأشار إليه بمراجعة رب العالمين، وطلب التخفيف منه على أُمَّته؟ وكيف ناظر موسى أباه آدم وحجَّه آدم بالقدر السابق، وبأنَّ اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه، وكذلك نعجز عن وصف هيئاتنا في الجنة ووصف الحور العين، فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها وأنَّ بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة؟ مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني؟ فالله أعلى وأعظم وله المثل الأعلى والكمال المطلق ولا مِثْلَ له أصلاً، آمنَّا بالله واشهد بأنَّا مسلمون.
وقال القاضي أبو يعلى أيضاً بعد أن ذكر حديث الجاريـة: الكلام في هذه في فصلين: (أحدهما): جواز السؤال عن الله سبحانه بأينَ هو؟ (والثاني): جواز الإخبار عنه بأنه في السماء. وقد أخبرنا تعالى أنه في السماء فقال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}الملك:16، وهو على العرش.
وسرد كلاماً طويلاً، لكنه ساق أحاديث ساقطة لا نسوِّغ أن يُثْبَتَ بمثلها لله صفة، وكان آيةً في معرفة مذهب الإمام أحمد، صنَّف التصانيف الفائقة، توفي سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة، وكان عالي الإسناد، سمع من علي بن عمر الحربي وطائفة، وعاش نيّفاً وثمانين سنة].


أقول في النقض على كلام هذا المجسم:

أبو يعلى ساقط من أئمة المجسمة ولا عبرة بقوله البتة!! وقد رد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى على سخافاته وخاصة على كتابه "إبطال التأويل" في كتابه"دفع شبه التشبيه"حيث أتى أبو يعلى في ذلك الكتاب المتهاوي بالعجب العجاب!! ومما قاله العلمـاء فيـه:
1- قال العلامة ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" في حوادث سنة تسع وعشرين وأربعمائة:
((وفيها أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمَّنَه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى، المشعرة بأنه يعتقد التجسيم، وحضر أبوالحسن القزويني الزاهد بجامع المنصور وتكلَّم في ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً)).
2- وقال العلامة ابن الأثير أيضاً في حوادث سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة:
((وفيها توفي أبويعلى الفرَّاء الحنبلي، وهو مصنِّف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدلُّ على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك)).
3- وفي " الكامل"(10/52) أيضاً للعلامة ابن الأثير نقلاً عن العلامة أبي محمد التميمي الحنبلي مـا معنـاه: ((لقد شان أبويعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحر)).
4- وقال الحافظ أبو بكر بن العربي في " العواصم" (2/283) الأصلي: [أخبرني من أثق به من مشيختي أنَّ القاضي أبا يعلى الحنبلي كان إذا ذُكِرَ الله سبحانه يقول فيما ورد من هذه الظواهر في صفاته تعالى: (ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة) قال بعض أئمة أهل الحق: وهذا كفر قبيح واستهزاء بالله تعالى، وقائله جاهل به تعالى لا يُقتدى به ولا يُلْتَفَتُ إليه، ولا هو متبع لإمامه الذي ينتسب إليه ويتستَّر به، بل هو شريك للمشركين في عبادة الأصنام، فإنه ما عبد الله ولا عرفه، وإنما صوَّر صنماً في نفسه تعالى الله عما يقول الملحدون والجاحدون علواً كبيراً].
وقد مرَّ فيما تقدَّم أن القادر بالله العباسي عليه لعائن الله تعالى استحسن كتاب أبي يعلى "إبطال التأويل" في التعليق على النص رقم (540) ومن ذلك: قول الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/90) في ترجمة أبي يعلى: [وجمع كتاب "إبطال تأويل الصفات"، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل إلى القادر كتاب "إبطال التأويل"، فأعجبه، وجرت أمور وفتن نسأل الله العافية..].

وحجته في إبطال التأويل ؛ فحجة فاسدة وكلامه كله كذب مبين، وتفسير ابن جرير الطبري مشحون بالتأويل عن الصحابة والتابعين والسلف!! قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (18/90) في ترجمة أبي يعلى: [وجمع كتاب "إبطال تأويل الصفات"، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل إلى القادر كتاب "إبطال التأويل"، فأعجبه، وجرت أمور وفتن - نسأل الله العافية - ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن مسلمة، وقال في الملأ: القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت].
هذا النص من الذهبي عليه الملاحظات التالية:
الأولى : أن هناك دعماً سياسياً من القادر بالله العباسي لأبي يعلى ورضى وإعجاب به!
الثانية : أن الذهبي اعترف بأن كتاب أبي يعلى مبني أكثره على الواهي والموضوع! فهو كتاب لا قيمة له!
الثالثة : أن كتابه سَبَّبَ فتنةً بين أبي يعلى وجماعته الحنابلة المجسمة وبقية علماء أهل السنة المنزهين. الرابعة : أن الذهبي لم يذكر من هو الفريق الآخر وكان عليه أن يبين أن الفريق الآخر هم العلماء المنزهون من أهل السنة والجماعة.
الخامسة: أنه لم يذكر ما حواه كتاب أبي يعلى من التجسيم! وقد تقدَّم قبل قليل عن ابن الأثير: (وفيها أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمَّنَه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى، المشعرة بأنَّه يعتقد التجسيم، وحضر أبوالحسن القزويني الزاهد بجامع المنصور وتكلَّم في ذلك، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً). قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (30/457) في ترجمة أبي يعلى: [قال: ثمّ تُوُفّي ابن القزوينيّ سنة اثنتين وأربعين، وخصومنا عالم كثير، فجرت أمور فحضر الوالد سنة خمسٍ وأربعين دار الخلافة، فجلس أبو القاسم علي رئيس الرُّؤساء، ومعه خلق من كبار الفقهاء والرؤساء، فقال أبو القاسم على رؤوس الأشهاد: القرآن كلام اللَّه، وأخبار الصَّفات تمر كما جاءت. وأصلح بين الفريقين]. - اعلموا أن جملة (وخصومنا عالم كثير) محذوفة من طبعات تاريخ الإسلام إلا طبعة دار الغرب – وهنا تظهر لنا الأمور: وهي أن الدولة العباسية لما دعمت التيار التجسيمي الحنبلي وثارت فتن فعارض التجسيم أكثر العلماء والناس خَشِيَتْ الدولة من انقلاب الناس عليها فتظاهرت بالإصلاح فيما بين المختلفين فكانت مادة التصالح في قضيتين:
الأولى: (مسألة القرآن وأنه مخلوق أو غير مخلوق)
والثانية: (أحاديث الصفات وتفسيرها على مقتضى التنزيه أو التشبيه)! فجمع بينهم وزير الخليفة قائلاً ما معناه وملخصه: أن قضية القرآن يكتفى فيها بأن يقولوا: (القرآن كلام الله) وهذا محل اتفاق ولا ينبغي التعرض إلى أنه مخلوق أو غير مخلوق، والثانية: أحاديث الصفات تذكر كما جاءت ولا يدخلون في تفسيرها كما دخل فيه أبو يعلى وردَّ عليه الحافظ ابن الجوزي وبين سخافة عقله! قال الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" في الكلام على الحديث الخامس عشر: [وقد أثبت به القاضي أبو يعلى ذراعين وصدراً لله عز وجل. قلت: وهذا قبيح، لأنه حديث ليس بمرفوع ولا يصح، وهل يجوز أنْ يُخْلَقَ مخلوق من ذات الله القديم..؟! هذا أقبح مما ادعاه النصارى..](!!) فهذا هو أبو يعلى!
و الذهبي يقول ــ في تذييله ــ بأن هذا الرأي القائل بعدم الأخذ بالظاهر مولَّد! أي مبتدع! وهذا تلطف وتفذلك في التعبير! ومراده أن السلف كانوا يقولون بأنها على ظاهرها! والصواب أن السلف كابن عباس وغيره أوَّلوها على غير ظاهرها وفسَّروها فصرفوها عن الظاهر! وهذا الذي قاله الذهبي هنا من تأييد القول بالظاهر خالفه فيما بعد واعتبر القول بالظاهر تجسيماً! فمن ذلك قوله في "السير" (19/582) أنَّ ابن عساكر قال عن الحافظ العبدري: [كان سيء الاعتقاد يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها].
؛ولأجل ذلك وصفه الذهبي بالتجسيم هناك في أول ترجمته ص (579) إذ قال: [وكان من بحور العلم، لولا تجسيم فيه]. وبذلك يكون مَنْ يأخذ بظواهر النصوص مجسماً، وهذا من جملة تقلُّبات الذهبي وتغيرُ الأفكار لديه عبر السنين. والحقيقة أن قول المجسمة متفق على أن الواجب الأخذ بظاهر نصوص الكتاب والسنة! وهم يطنطنون بذلك كثيراً! ونجد الاضطراب في هذه القضية – قضية الأخذ بظواهر النصوص في الصفات - عند بعض مخالفي المجسمة الذين يدَّعون التنزيه! كالبيهقي والخَطَّابي والبغوي! ونجد الذين يتعصبون لمثل الأشعري والباقلاني يحيدون عن بيان الحقيقة فيذهبون هنا وهناك في تفسيرها دون طائل! فيدعون بأن الظاهر الذي يقول به مثل الأشعري والباقلاني غير الظاهر الذي يقول به ابن تيمية وأمثاله! مع أن المآل واحد! فذِكْرهم عبارات التظاهر بنفي التشبيه والجارجة لا ينجيهم من التشبيه والتجسيم وإثبات الجارحة! يقول العلامة شرف الدين التلمساني الأشعري (ت658هـ) في "شرح معالم أصول الدين" للفخر الرازي ص (327): [وقد أثبت بعض الأشعرية لله تعالى صفات وراء ما ذُكِر من صفات المعاني سمَّاها صفات سمعية، وهي مدلول الوجه واليدين، وزعم أن ذلك يرجع إلى صفات زائدة، وهو ضعيف إذ لا يمتنع ردُّ ذلك إلى ما علمناه، فيرد الوجه إلى الوجود أو إلى أخص وصفه، واليدين إلى يدي القدرة والنعمة..]. وقد تلطف العلامة التلمساني معهم هنا بقوله (ضعيف) وإن كان حقيقة القول في ذلك أنه (باطل فاسد) و(تشبيه وتجسيم) كما قال الحافظ ابن حجر وغيره. وأكَّد ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/30) عند شرح حديث النزول فقال: [وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم مَنْ حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم].
وقال ابن حجر أيضاً: [فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم ومن لم يتضح له وعلم أن الله مُنَزَّهٌ عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يُكَذِّب نَقَلَتها وإما أن يُؤَوِّلها]. ومن الأقوال الباطلة لبعض السلف في القول بالظاهر: قول ابن أبي عاصم (ت 287هـ الترجمة 100 النص 481) هنا فيما نقله الذهبي عنه وهو في كتابه "السنة": [جميع ما في كتابنا كتاب السنة الكبير الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم فنحن نؤمن بها لصحتها وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها وترك تكلّف الكلام في كيفيتها]! وهذا تخبّط لا يعوَّل عليه لأنه يقول قبله: إن الأخبار التي في كتابه تفيد العلم! ونجد في كلام البيهقي والخَطَّابي والبغوي تخبّط واضح في قضية الأخذ بالظاهر في الصفات كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في تراجمهم حيث يقولون أحياناً بأنها تؤخذ على ظاهرها وأحياناً يردُّون الظاهر ويؤولونها وهو المعتمد عندهم! قال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (419) عن حديث الأطيط: [وقد جعله أبو سليمان الخَطَّابي (ت 388هـ) ثابتاً واشتغل بتأويله، فقال: هذا الكلام إذا أُجْرِيَ على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية]. وقال الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (100): [وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل...]. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (5/24): [قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ}، ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم..]. وأما ابن تيمية فيقول في "مجموع الفتاوى" (3/196): [ذكرت في ضمن ذلك كلام الخَطَّابي الذي نقل أنه مذهب السلف وهو: إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها]. قلت: هذا باطل لعدة أسباب،
الأول : أن التأويل وعدم الإجراء على الظاهر منقول عن سيدنا ابن عباس وغيره من السلف
الثاني: أن هذا هو مذهب مجسمة الحنابلة وغيرهم
الثالث: أن الخَطَّابي في مواضع عديدة أوَّلها ولم يجرها على ظاهرها كما تقدَّم قبل قليل في حديث الأطيط! ولذلك قاتل الحافظ ابن حجر كما تقدَّم: [فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم..]. وقال السبكي في "الطبقات" (5/192): [إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر والاعتقاد أنه المراد].
وكنت قد قلت في التحقيق القديم أن ما نقله الذهبي عمن وصفهم بالمتأخرين: بأن هذا هو التفويض!! ومعناه: الإيمان بالنص مع عدم الإحاطة أو عدم الاهتداء للمقصود به بالضبط أي على التعيين وتفويض علمه إلى الله تعالى!! وهذا المسلك لا يسلك إلا عند عدم الاهتداء للمعنى المراد من النص للحديث لقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}آل عمران:7، لكن تبين لنا فيما بعد أن هذا النص لا يدل على أن أهل العلم لا يعلمون معناه بل يعلمونه وهم مخاطبون بما يمكنهم فهمه، وقلت: ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وإنما نزل كتاب الله عزَّ وجل يصدّق بعضه بعضاً، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوه وما جهلتم فكلوه إلى عالمه)). وكنت أظنه صحيحاً ثم تبيَّن لي أنه ضعيف كما بينته في "شرح الجوهرة" (1/427)، وتبين أن معنى عالمه أي العالم به منكم لقول سيدنا معاذ رضي الله عنه: (..وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمٍ). رواه ابن أبي شيبة (6/128) بإسناد حسن.
فقول الذهبي: (قالوا مقالة مولَّدة ما علمت أحداً سبقهم بها) غير صحيح أو تمويه منه!! فقد نقل الترمذي في السنن (4/692) عن الثوري ومالك وابن المبارك وابن عُيَيْنَة أنَّ هذه النصوص ((يُؤمَنُ بها ولا تُفَسَّر ولا تتوهَّم ولا يقال كيف)) فهؤلاء من السلف هم سابقون لأهل النظر المتأخرين!! لكن هذا لا يثبت عنهم كما بينته في "شرح الجوهرة" (1/487وما بعدها).
ومن التضليل عن الحقيقة بل والمراوغة، بطرق مُعْوَجَّة! قول الذهبي:( الظاهر يعني به أمران: (أحدهما): أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم ...)
فمعنى (معلـوم) هنا: أي ذِكْرُهُ، والذهبي وابن تيميـة والمجسمـة يؤكِّدون أن (الكيف مجهول) فيثبتون لله كيفاً لكن يزعمون أن هذا الكيفَ مجهولٌ لهم!! وهو تأسيس لتفكير وتصوّر مخطىء!!
وما جاء به من تفسير فليس كذلك وهذا تفسير باطل؛ لأن المراد مما يفيد التجسيم والحدوث معناه المجازي!
ودعوى أن هذا مذهب السلف فالأمر ليس كذلك!! والسلف الذين يعنيهم هم أئمة المجسمة الشاذون!!
وقصة محاججة موسى عليه السلام لأبينا آدم عليه السلام فهي القصة لا تصح وإن وردت في الصحيحين!! وهي من جملة الدخائل الإسرائيلية!!
والتفسيرات التي جاء بها لإثبات المكان الحسي لله تعالى فكل هذا كلام مردود تقدَّم تفنيد ما فيه من أفكار واستدلالات!!

وذيل كلام الذهبي الذي اختتم به فهذه شهادة جيدة من الذهبي على كتابات واستدلالات أبي يعلى!!