عدم صحة ما ينقله المجسمة عن البيهقي وبطلان دلالته:
مرسل: الأحد مايو 19, 2024 7:29 pm
عدم صحة ما ينقله المجسمة عن البيهقي وبطلان دلالته:
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(548):
[البيهقـي(384 ـ 458):
548- قال الإمام شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي صاحب التصانيف في كتاب المعتقد له:
(((باب القول في الاستواء): قال الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}طه:5، وقال {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الحديد:4، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}الأنعام:18، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}النحل:50، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}فاطر:10، {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}الملك:16، وأراد: مَـن فوقَ السماء. كما قال تعالى {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}طه:71، بمعنى: على جذوع النخـل، وقـال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ}التوبة:2، أي على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش على السماوات، فمعنى الآية: ءأمنتم مَنْ على العرش. كما صرَّح به في سائر الآيات... وفيما كتبناه من الآيات دلالة على إبطال قول مَنْ زعم من الجهمية بأنَّ الله بذاته في كل مكان وقوله تعالى {وهو معكم أينما كنتم} إنما أراد بعلمه لا بذاته))
شهرة البيهقي وجلالته في الإسلام تغني عن التعريف به، عاش أربعاً وسبعين سنة ولحق أصحاب الحافظ أبي حامد بن الشرقي، توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة].
أقول في بيان عدم صحة ودلالة ما نقل عن البيهقي:
لا دلالة في جميع ما ذكره الذهبي هنا ونقله عن البيهقي أنه يقول بما يريد الذهبي إثباته؛ وذلك لأنَّ البيهقي صرَّح بمعنى هذه الأمور فقال في "الأسماء والصفات" ص (410): [والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش، يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد، لأنَّ المماسة والمباينة التي هي ضدها والقيام والقعود من أوصاف الأجسام، والله عزَّ وجلَّ أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى].
وقال الإمام المحدّث الكوثري رحمه الله تعالى هناك في تعليقه على كلام الإمام البيهقي هذا: [ويقع وصف الله سبحانه بالعلو على العرش في كلام المصنِّف (أي البيهقي) وكلام ابن مهدي الطبري، ومرادهما ليس العلو الحسي، وإلا لما استقام الشرح الذي يلي إثبات العلو له تعالى، حيث تجدهما يجرّدان العلو عن جميع لوازم العلو الحسي، فظهر أنهما يريدان علو الشأن والمكانة، كما هو طريق أهل الحق، فلا تغفل مع الغافلين، فتجعل كلام هؤلاء من قبيل العلو الحسي الذي يتخيله أمثال الذهبي....]. ثمَّ إنَّ الذهبي نقل نص الإمام البيهقي هذا من كتاب "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" ص (69-73) (باب القول في الاستواء) وانتقى منه ما يوهم أنه يؤيده!! مع أنَّ البيهقي قال هناك ص (72) ما نصه: [وفي الجملة يجب أن يعلم أنَّ استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بـلا أيـن، بائن من جميع خلقه، وأنَّ إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأنَّ مجيئه ليس بحركة، وأنَّ نفسه ليس بجسم...]. لاحظ أنه ينفي الأين عن الله تعالى!! وبالتالي فهو ينفي ما جاء في حديث الجارية المنكر الشاذ (أين الله؟)!! انظر رسالتنا في هذا الموضوع التي في حديث الجارية وحكم الإمام البيهقي على الحديث بالاضطراب!! وقال البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/398): [ثم معنى قوله في الكتاب: {مَنْ فِي السَّمَاءِ}: مَن فوق السماء على العرش كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السموات، فهو على العرش كما أخبر بلا كيف، بائِنُ من خلقه، غير مُمَاسّ من خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}]. فهذا مردود وغير مقبول! وله أيضاً كلام ينقله أحياناً عن مثل الخَطَّابي لا نقبله ولا نرضاه وهو من جملة المردود عندنا فنجده يضطرب في بعض قضايا الصفات وإن كان هو على وجه العموم من جملة المنزهة والمؤوِّلة، وهذه مقتطفات من كلامه من كتابه "الأسماء والصفات": قال ص (353): [والأصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو صحت بأخبار التواتر أو رويت من طريق الآحاد وكان لها أصل في الكتاب، أو خرجت على بعض معانيه فإنَّا نقول بها ونجريها على ظاهرها من غير تكييف وما لم يكن له في الكتاب ذِكْرٌ ولا في التواتر أصل ولا له بمعاني الكتاب تعلق وكان مجيئه من طريق الآحاد وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى التشبيه فإنَّا نتأوله على معنى يحتمله الكلام ويزول معه معنى التشبيه، وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذِكْر القَدَم والرِّجْل والسَّاق، وبين اليد والوجه والعين، وبالله العصمة]. لو لم يُمَثّل بالقَدَم والرِّجْل والعين لقلنا بأنه أراد السمع والعلم والقدرة وأمثالها لكنه قال ما قال فكشف لنا عن مراده! والعجب أنه مثَّلَ للآحاد بالساق مع أنه جاء ذِكْر الساق في القرآن، والحديث الباطل الإسرائيلي المروي في الصحيحين الذي فيه ذِكْر الساق شارحٌ ومُبَيِّنٌ عند المجسمة لما جاء من الساق في القرآن! تعالى الله عن ذلك وعما يقولون ويتخيلون علواً كبيراً! ثم تأمل كيف يقول بإجراء ما كان في القرآن وما تواتر على ظاهره وأما ما جاء من طريق الآحاد فيؤوَّل إذا أفضى إجراؤه على ظاهر معناه إلى التشبيه! فيثبت الوجه واليد والعين ويؤوِّل القَدَم والرِّجل والساق! ثم يعود بعد ذلك إلى حديث النزول وهو آحاد فيقول بأنه يجريه على ظاهر لفظه! في "الأسماء والصفات" ص (453) عند الكلام على حديث النزول: [قال أبو سليمان الخطّابي: هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمانَ بها وإجراءَها على ظاهرها ونفيَ الكيفية عنها]. فكيف يجرى على ظاهره مع نفي الكيفية وهو آحاد؟! وقال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (345): [وقال في هذا الحديث ((يكشف ربنا عن ساقه)) رواه مسلم عن عيسى بن حماد عن الليث. كما رواه ابن بكير، وروى ذلك أيضاً عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال أبو سليمان الخَطَّابي رحمه الله: هذا الحديث مما تهيب القول فيه شيوخنا، فأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه، على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل مالا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله يوم يكشف عن ساق، فروى عن ابن عباس أنه قال: عن شدة وكرب]. فكيف يُجْرونه على ظاهر لفظه مع عدم الكشف عن باطن معناه؟! هذا تناقض! وقد قال في النص السابق لهذا النص بأن الساق يؤوَّل! ثم كيف يعترف - أو يعترفون - بأن ابن عباس يؤوله بالشِّدَّة ثم يخالفونه فيجرونه على ظاهر لفظه بعكس ما عليه الصحابة الذين هم أئمة السلف؟! فهذه هي طريقة المفوضة المضطربة المردودة التي يتخبطون فيها ولا يجوز سلوكها البتة. ففي مثل هذه النقطة يلتقي الحنابلة المجسمة وابن تيمية مع الأشعري والبيهقي والخَطَّابي وشيوخه من بعض الأشاعرة في حمل الأمور على ظاهرها وهذا ما يأباه أهل التنزيه والحق!! وقال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (419) عن حديث الأطيط: [وقد جعله أبو سليمان الخَطَّابي (ت 388هـ) ثابتاً واشتغل بتأويله، فقال: هذا الكلام إذا أُجْرِيَ على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية]. وهنا سلك مسلك التأويل فأوّله مع عدم ثبوته! وقال الخَطَّابي أيضاً ما مختصره كما في "الأسماء والصفات" ص (350) عند الكلام على أحاديث القَدَم والرِّجْل: [.. الزمان الذي نحن فيه قد صار أهله حزبين: منكر لما يروى من نوع هذه الأحاديث رأساً ومكذب به أصلاً.. والطائفة الأخرى مُسَلِّمة للرواية فيها، ذاهبة في تحقيق الظاهر منها مذهباً يكاد يفضي بهم إلى القول بالتشبيه، ونحن نرغب عن الأمرين معاً، ولا نرضى بواحد منهما مذهباً، فيحق علينا أن نطلب لما يرد من هذه الأحاديث إذا صحت من طريق النقل والسند تأويلاً يُخَرَّج على معاني أصول الدين، ومذاهب العلماء.. قال أبو سليمان: وذِكْر القَدَم ههنا يحتمل أن يكون المراد به مَنْ قَدَّمهم الله للنار من أهلها، فيقع بهم استيفاء عدد أهل النار. وكل شيء قَدَّمته فهو قَدَم، كما قيل لما هدمته هَدَم، ولما قبضته قَبَض، ومن هذا قوله عز وجل: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}يونس:2، أي ما قَدَّموه من الأعمال الصالحة. وقد روي معنى هذا عن الحسن..]. فأنت تلاحظ أن هذا الكلام فيه اضطراب وقد تاهت به سفينتهم! فتارة يشرقون وتارة يغرّبون! فأين هذا من القول الثابت البين الواضح الذي قاله الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (100): [وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل...]؟! والخلاصة أن البيهقي منزِّه في الجملة استفاد أكثر التنزيه من أمثال شيخه الحليمي المنزه صاحب "شعب الإيمان" من جهة ومن جهة أخرى تأثر بما في "إبانة" الأشعري في كتابه "الاعتقاد" من الكلام الذي فيه ميل إلى التجسيم والتشبيه والحنبلية المعروفة وما يهذي به بعض أهل الحديث فتاهت به سفينته! ولا نعرف مدى تأثير سياسة القادر بالله العباسي عليه الذي كان داعماً للعقيدة الحنبلية وداعماً لمثل أبي يعلى مهدداً من خالف تلك العقيدة! ثم إن البيهقي رجع فصنف "الأسماء والصفات" وبيَّن كثيراً من علل تلك الأحاديث التي يستدل بها المجسمة من ناحية الإسناد وأوَّلَ كثيراً من متون ما صح عنده منها فأبلى بلاء حسناً في الجملة في مكافحة التشبيه والتجسيم وتميز عمَّن صنَّف في الصفات ببيان ضعف وعلل تلك النصوص وبين معانيها القويمة وله غلطات مغمورة في بحر ما أنجزه من التنزيه! والله يغفر له ويرحمه! ومما يؤكِّد نفي البيهقي للعلو الحسي الذي يريده الذهبي - والذي من أجله أورد اسمه وكلامه في العلو – أن البيهقي أورد في كتابه "الأسماء والصفات" ص (400) حديث مسلم (4888) ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شي..)) ثم قال البيهقي: [استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على نفي المكان عن الله تعالى، فإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان]. فالبيهقي الذي يقول هذا وينص على اضطراب حديث الجارية وينفي وجوده في صحيح مسلم ويقول: (استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بـلا أيـن، بائن من جميع خلقه، وأنَّ إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأنَّ مجيئه ليس بحركة، وأنَّ نفسه ليس بجسم) وطعنه بحديث الجارية بلفظ (أين الله) وتصريحه باختلاف الرواة في لفظه ونفيه من كونه مروياً في صحيح مسلم في "السنن الكبرى" (10/57) وفي "الأسماء والصفات" (891) يجعل كلام الذهبي وجهوده لحشر اسم البيهقي مع القائلين بالعلو الحسي تذهب أدراج الرياح!
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(548):
[البيهقـي(384 ـ 458):
548- قال الإمام شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي صاحب التصانيف في كتاب المعتقد له:
(((باب القول في الاستواء): قال الله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}طه:5، وقال {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}الحديد:4، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}الأنعام:18، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}النحل:50، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}فاطر:10، {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}الملك:16، وأراد: مَـن فوقَ السماء. كما قال تعالى {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}طه:71، بمعنى: على جذوع النخـل، وقـال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ}التوبة:2، أي على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش على السماوات، فمعنى الآية: ءأمنتم مَنْ على العرش. كما صرَّح به في سائر الآيات... وفيما كتبناه من الآيات دلالة على إبطال قول مَنْ زعم من الجهمية بأنَّ الله بذاته في كل مكان وقوله تعالى {وهو معكم أينما كنتم} إنما أراد بعلمه لا بذاته))
شهرة البيهقي وجلالته في الإسلام تغني عن التعريف به، عاش أربعاً وسبعين سنة ولحق أصحاب الحافظ أبي حامد بن الشرقي، توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة].
أقول في بيان عدم صحة ودلالة ما نقل عن البيهقي:
لا دلالة في جميع ما ذكره الذهبي هنا ونقله عن البيهقي أنه يقول بما يريد الذهبي إثباته؛ وذلك لأنَّ البيهقي صرَّح بمعنى هذه الأمور فقال في "الأسماء والصفات" ص (410): [والقديم سبحانه عال على عرشه لا قاعد ولا قائم ولا مماس ولا مباين عن العرش، يريد به مباينة الذات التي هي بمعنى الاعتزال أو التباعد، لأنَّ المماسة والمباينة التي هي ضدها والقيام والقعود من أوصاف الأجسام، والله عزَّ وجلَّ أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فلا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام تبارك وتعالى].
وقال الإمام المحدّث الكوثري رحمه الله تعالى هناك في تعليقه على كلام الإمام البيهقي هذا: [ويقع وصف الله سبحانه بالعلو على العرش في كلام المصنِّف (أي البيهقي) وكلام ابن مهدي الطبري، ومرادهما ليس العلو الحسي، وإلا لما استقام الشرح الذي يلي إثبات العلو له تعالى، حيث تجدهما يجرّدان العلو عن جميع لوازم العلو الحسي، فظهر أنهما يريدان علو الشأن والمكانة، كما هو طريق أهل الحق، فلا تغفل مع الغافلين، فتجعل كلام هؤلاء من قبيل العلو الحسي الذي يتخيله أمثال الذهبي....]. ثمَّ إنَّ الذهبي نقل نص الإمام البيهقي هذا من كتاب "الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد" ص (69-73) (باب القول في الاستواء) وانتقى منه ما يوهم أنه يؤيده!! مع أنَّ البيهقي قال هناك ص (72) ما نصه: [وفي الجملة يجب أن يعلم أنَّ استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بـلا أيـن، بائن من جميع خلقه، وأنَّ إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأنَّ مجيئه ليس بحركة، وأنَّ نفسه ليس بجسم...]. لاحظ أنه ينفي الأين عن الله تعالى!! وبالتالي فهو ينفي ما جاء في حديث الجارية المنكر الشاذ (أين الله؟)!! انظر رسالتنا في هذا الموضوع التي في حديث الجارية وحكم الإمام البيهقي على الحديث بالاضطراب!! وقال البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/398): [ثم معنى قوله في الكتاب: {مَنْ فِي السَّمَاءِ}: مَن فوق السماء على العرش كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السموات، فهو على العرش كما أخبر بلا كيف، بائِنُ من خلقه، غير مُمَاسّ من خلقه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}]. فهذا مردود وغير مقبول! وله أيضاً كلام ينقله أحياناً عن مثل الخَطَّابي لا نقبله ولا نرضاه وهو من جملة المردود عندنا فنجده يضطرب في بعض قضايا الصفات وإن كان هو على وجه العموم من جملة المنزهة والمؤوِّلة، وهذه مقتطفات من كلامه من كتابه "الأسماء والصفات": قال ص (353): [والأصل أن كل صفة جاء بها الكتاب أو صحت بأخبار التواتر أو رويت من طريق الآحاد وكان لها أصل في الكتاب، أو خرجت على بعض معانيه فإنَّا نقول بها ونجريها على ظاهرها من غير تكييف وما لم يكن له في الكتاب ذِكْرٌ ولا في التواتر أصل ولا له بمعاني الكتاب تعلق وكان مجيئه من طريق الآحاد وأفضى بنا القول إذا أجريناه على ظاهره إلى التشبيه فإنَّا نتأوله على معنى يحتمله الكلام ويزول معه معنى التشبيه، وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذِكْر القَدَم والرِّجْل والسَّاق، وبين اليد والوجه والعين، وبالله العصمة]. لو لم يُمَثّل بالقَدَم والرِّجْل والعين لقلنا بأنه أراد السمع والعلم والقدرة وأمثالها لكنه قال ما قال فكشف لنا عن مراده! والعجب أنه مثَّلَ للآحاد بالساق مع أنه جاء ذِكْر الساق في القرآن، والحديث الباطل الإسرائيلي المروي في الصحيحين الذي فيه ذِكْر الساق شارحٌ ومُبَيِّنٌ عند المجسمة لما جاء من الساق في القرآن! تعالى الله عن ذلك وعما يقولون ويتخيلون علواً كبيراً! ثم تأمل كيف يقول بإجراء ما كان في القرآن وما تواتر على ظاهره وأما ما جاء من طريق الآحاد فيؤوَّل إذا أفضى إجراؤه على ظاهر معناه إلى التشبيه! فيثبت الوجه واليد والعين ويؤوِّل القَدَم والرِّجل والساق! ثم يعود بعد ذلك إلى حديث النزول وهو آحاد فيقول بأنه يجريه على ظاهر لفظه! في "الأسماء والصفات" ص (453) عند الكلام على حديث النزول: [قال أبو سليمان الخطّابي: هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمانَ بها وإجراءَها على ظاهرها ونفيَ الكيفية عنها]. فكيف يجرى على ظاهره مع نفي الكيفية وهو آحاد؟! وقال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (345): [وقال في هذا الحديث ((يكشف ربنا عن ساقه)) رواه مسلم عن عيسى بن حماد عن الليث. كما رواه ابن بكير، وروى ذلك أيضاً عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال أبو سليمان الخَطَّابي رحمه الله: هذا الحديث مما تهيب القول فيه شيوخنا، فأجروه على ظاهر لفظه، ولم يكشفوا عن باطن معناه، على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل مالا يحيط العلم بكنهه من هذا الباب، وقد تأوله بعضهم على معنى قوله يوم يكشف عن ساق، فروى عن ابن عباس أنه قال: عن شدة وكرب]. فكيف يُجْرونه على ظاهر لفظه مع عدم الكشف عن باطن معناه؟! هذا تناقض! وقد قال في النص السابق لهذا النص بأن الساق يؤوَّل! ثم كيف يعترف - أو يعترفون - بأن ابن عباس يؤوله بالشِّدَّة ثم يخالفونه فيجرونه على ظاهر لفظه بعكس ما عليه الصحابة الذين هم أئمة السلف؟! فهذه هي طريقة المفوضة المضطربة المردودة التي يتخبطون فيها ولا يجوز سلوكها البتة. ففي مثل هذه النقطة يلتقي الحنابلة المجسمة وابن تيمية مع الأشعري والبيهقي والخَطَّابي وشيوخه من بعض الأشاعرة في حمل الأمور على ظاهرها وهذا ما يأباه أهل التنزيه والحق!! وقال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (419) عن حديث الأطيط: [وقد جعله أبو سليمان الخَطَّابي (ت 388هـ) ثابتاً واشتغل بتأويله، فقال: هذا الكلام إذا أُجْرِيَ على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية]. وهنا سلك مسلك التأويل فأوّله مع عدم ثبوته! وقال الخَطَّابي أيضاً ما مختصره كما في "الأسماء والصفات" ص (350) عند الكلام على أحاديث القَدَم والرِّجْل: [.. الزمان الذي نحن فيه قد صار أهله حزبين: منكر لما يروى من نوع هذه الأحاديث رأساً ومكذب به أصلاً.. والطائفة الأخرى مُسَلِّمة للرواية فيها، ذاهبة في تحقيق الظاهر منها مذهباً يكاد يفضي بهم إلى القول بالتشبيه، ونحن نرغب عن الأمرين معاً، ولا نرضى بواحد منهما مذهباً، فيحق علينا أن نطلب لما يرد من هذه الأحاديث إذا صحت من طريق النقل والسند تأويلاً يُخَرَّج على معاني أصول الدين، ومذاهب العلماء.. قال أبو سليمان: وذِكْر القَدَم ههنا يحتمل أن يكون المراد به مَنْ قَدَّمهم الله للنار من أهلها، فيقع بهم استيفاء عدد أهل النار. وكل شيء قَدَّمته فهو قَدَم، كما قيل لما هدمته هَدَم، ولما قبضته قَبَض، ومن هذا قوله عز وجل: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}يونس:2، أي ما قَدَّموه من الأعمال الصالحة. وقد روي معنى هذا عن الحسن..]. فأنت تلاحظ أن هذا الكلام فيه اضطراب وقد تاهت به سفينتهم! فتارة يشرقون وتارة يغرّبون! فأين هذا من القول الثابت البين الواضح الذي قاله الحافظ ابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه" ص (100): [وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل...]؟! والخلاصة أن البيهقي منزِّه في الجملة استفاد أكثر التنزيه من أمثال شيخه الحليمي المنزه صاحب "شعب الإيمان" من جهة ومن جهة أخرى تأثر بما في "إبانة" الأشعري في كتابه "الاعتقاد" من الكلام الذي فيه ميل إلى التجسيم والتشبيه والحنبلية المعروفة وما يهذي به بعض أهل الحديث فتاهت به سفينته! ولا نعرف مدى تأثير سياسة القادر بالله العباسي عليه الذي كان داعماً للعقيدة الحنبلية وداعماً لمثل أبي يعلى مهدداً من خالف تلك العقيدة! ثم إن البيهقي رجع فصنف "الأسماء والصفات" وبيَّن كثيراً من علل تلك الأحاديث التي يستدل بها المجسمة من ناحية الإسناد وأوَّلَ كثيراً من متون ما صح عنده منها فأبلى بلاء حسناً في الجملة في مكافحة التشبيه والتجسيم وتميز عمَّن صنَّف في الصفات ببيان ضعف وعلل تلك النصوص وبين معانيها القويمة وله غلطات مغمورة في بحر ما أنجزه من التنزيه! والله يغفر له ويرحمه! ومما يؤكِّد نفي البيهقي للعلو الحسي الذي يريده الذهبي - والذي من أجله أورد اسمه وكلامه في العلو – أن البيهقي أورد في كتابه "الأسماء والصفات" ص (400) حديث مسلم (4888) ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شي..)) ثم قال البيهقي: [استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على نفي المكان عن الله تعالى، فإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان]. فالبيهقي الذي يقول هذا وينص على اضطراب حديث الجارية وينفي وجوده في صحيح مسلم ويقول: (استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بـلا أيـن، بائن من جميع خلقه، وأنَّ إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأنَّ مجيئه ليس بحركة، وأنَّ نفسه ليس بجسم) وطعنه بحديث الجارية بلفظ (أين الله) وتصريحه باختلاف الرواة في لفظه ونفيه من كونه مروياً في صحيح مسلم في "السنن الكبرى" (10/57) وفي "الأسماء والصفات" (891) يجعل كلام الذهبي وجهوده لحشر اسم البيهقي مع القائلين بالعلو الحسي تذهب أدراج الرياح!