كشف اللثام عن حقيقة كلام البغوي وهل فيه نصرة للمجسمة ؟:
مرسل: الثلاثاء مايو 21, 2024 7:21 pm
كشف اللثام عن حقيقة كلام البغوي وهل فيه نصرة للمجسمة ؟:
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(555):
[ البغـوي (436 ـ 516):
555- قال الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي صاحب "معالم التنزيل" عند قوله تعالى: {ثمَّ استوى على العرش}: قال الكلبي ومقاتل: استقرَّ، وقال أبو عبيدة: صعد.
قلت: لا يعجبني قوله استقرَّ بل أقول كما قال مالك الإمام: الاستواء معلوم. ثمَّ قال البغوي: وأوَّلَتِ المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، يجب الإيمان به.
وقـال في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}فصلت:11، قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: ارتفع إلى السماء.
وقال في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ}البقرة:210، الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله، ويعتقد أنَّ الله مُنَزَّه عن سمات الحدوث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة .
وقال في {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}المجادلة:7، بالعِلْم.
كـان محيي السُّنَّـة من كبار أئمة المذهب زاهداً ورعاً متعبـداً، ألَّـفَ كتـاب ((التهذيب)) في المذهب فأتقنه، وصنَّف كتاب ((شرح السنة)) فأحسنه، توفي سنة ست عشرة وخمسمائة، وقد قارب الثمانين].
أقول في الكشف عن حقيقة هذا الكلام وبيانه:
تفسير البغوي (ت516)"معالم التنزيل" مختصر من تفسير الثعلبي (ت427)، والثعلبي ليس من أهل الحديث ويورد الخرافات والقصص والإسرائيليات والموضوعات والواهيات في تفسيره، والبغوي حذف منها الكثير إلا أنه بقي في تفسيره أشياء مردودة، وقد أوَّل البغوي في تفسيره من آيات الصفات كما سيأتي في الحاشية التالية، على عكس ما زعم ابن تيمية بأنه لا يورد أقوال أهل البدع فيه. قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/12): [أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي إمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون هو كحاطب ليل، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين زيادة ينقلون الصحيح والضعيف، ولهذا لما كان البغوي عالماً بالحديث أعلم به من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال، وأما أهل العلم الكبار أهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وبقي بن مخلد وابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وأمثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات]. وقال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/84): [وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي لكنه مختصر من تفسير الثعلبي وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه وحذف أشياء غير ذلك]. وهذا فيه اعتراف بأن تفسير البغوي أساسه من تفسير الثعلبي المليء بالواهيات، والثعلبي صاحب كتاب "عرائس المجالس" المحشو بالخرافات! وما قاله ابن تيمية من أن تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما ليس فيها موضوعات فليس بصحيح!
ثُمَّ إنّ البغوي ليس مع المجسمة في كل ما قال، والذي قاله أبو عبيدة (110-209هـ) في كتابه "مجاز القرآن" ص (273): [{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه]. ويعني بذلك الاستيلاء وهو المعنى المجازي الواضح من لفظ (الظهور)! وهم لا يذكرون كلامه كاملاً وإنما يبترونه من سباقه وسياقه! فكلام أبي عبيدة تم تحريفه وحرفه عن حقيقة قصد قائله من المتمسلفين وقدماء مجسمة الحنابلة وغيرهم وسذج العلماء الذين ينقلون الكلام دون أن يتحققوا منه من مصدره! وهذا النقل المحرَّف عن أبي عبيدة نقله البغوي في تفسيره (3/235) بلا سند! وأبدل (علا) بِـ (صعد) وحذف تمام الجملة التي قالها أبو عبيدة في كتابه "مجاز القرآن"! قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/372): [أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري اللغوي الحافظ صاحب التصانيف روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وليس هو بصاحب حديث، بل سبق قلمى بكتابته(!!) روى عنه علي بن المديني وعمر بن شبة وأبو عثمان المازني وأبو العيناء وخلق، قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجى ولا جماعى أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره بن المديني فصحح رواياته]. وكان على الذهبي أن لا يورد كلام الكلبي ومقاتل في قولهما بأن معنى الاستواء هو الاستقرار لأنه تفسير باطل! وإن أورده البغوي في تفسيره! والأول منهما – الكلبي - كذاب ومقاتل مجسم، كما كان عليه أن لا يورد تفسير أبي عبيدة بأن معنى استوى: صعد! لا سيما والبغوي لم يعتمد شيئاً من ذلك، وإن تظاهر الذهبي بأنه لا يعجبه قول مَنْ فسر (استوى) بِـ (استقرَّ)! وهو عندما يذكر هذه الأقوال يمهد في نفسية القارىء والمطالع في كتابه لِيَجُرّهُ بلطف إلى عقيدة التجسيم والعلو الحسي الذي يريده آنذاك، وإن تراجع عن كثير من ذلك فيما بعد! وقول البغوي: (وأما أهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، يجب الإيمان به)! فكل المسلمين يعتقدون أن الله تعالى موصوف بأنه استوى على العرش وأنه لا كيف لله تعالى وليس كما يردد الذهبي وابن تيمية أحياناً (والكيف مجهول) والصواب أن الكيف مرفوع ولا كيف وليس مجهولاً كما قال البغوي (بلا كيف)! فكلام البغوي ليس في صالح المجسمة! وأئمة الأشاعرة أو المنزهين من أهل السنة كإمام الحرمين والغزالي يقولون بأن معنى الاستواء الاستيلاء اتفاقاً بينهم وبين المعتزلة! ولا ضير في ذلك! بل هو الحق! وأقول للبغوي: كان عليك أن تقول بأن معنى الاستواء هو الاستيلاء أو القهر أو التدبير ولا تبقي المسألة عائمة في بحر الحيرة! أو أنك تقول كما قال الحافظ ابن جرير الطبري - المُنَزّه الذي عَادَتْهُ الحنابلة - في "تفسيره" (1/192): [فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال]!! فليـس في كلام البغوي على كل حال إثبات للعلو الحسي الذي ينشده الذهبي!! وقد ردَّ الإمام البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (413-415) على قول الكلبي استقرَّ!! فارجع إليه هناك إن شئت!!
والتفسير الوارد لقوله تعالى: : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}فصلت:11 فهذا لم يثبت عن مفسري السلف وخاصة عن ابن عباس كما بيناه بإسهاب في التعليق على النص رقم (380و402و464) فأين تحقيقات الذهبي ونقده ومعرفته؟! ونَصُّ كلام البغوي في "تفسيره" (1/78): [{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي السَّلَفِ: أَيِ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: أَيْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: قَصَدَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}]. وأقول رادَّاً على البغوي قبل الذهبي: ما يروى عن ابن عباس لا يصح عنه فأين إسناده أيها المحدث البغوي وأيها الحافظ الذهبي؟! إن هذا لمكذوب على ابن عباس! هذا قاله الفرَّاء (ت207هـ) بلا إسناد! وهو قول مردود! وهذا مما يعدّه الحنابلة والذهبي من أقوال السلف وهي حكايات مكذوبة تحكى عن السلف بلا إسناد! ولا خطام لها ولا زمام! والبغوي ضعيف في هذه الأمور يورد الأحاديث الضعيفة في العقائد وينقل عن الخَطَّابي تأويلها كما في "شرح السنة" (1/176) في حديث الأطيط حيث رواه هناك ونقل تأويله عن الخَطَّابي، حتى قال المعلِّق عليه شعيب الأرنأووط: [ فالحديث ضعيف لا تقوم به الحجة ولا يتكلف في تأويله كما فعل الخَطَّابي رحمه الله تعالى]. والبغوي من العلماء الذين لا يستفيد القارىء مما يكتبونه في هذه البابة إلا الضياع والحيرة وعدم الوصول للقول الحق والجزم بالعقائد! وعلى كلٍّ فالبغوي مؤوّل وليس على عقيدة هؤلاء المجسمة ومن أمثلة ذلك: قال البغوي في تفسيره (5/139): [{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} قِيلَ: عَنْ أَمْرٍ فَظِيعٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ ]. وقال أيضاً في تفسيره (4/98): [مَعْنَى قوله: {يَاحَسْرَتَا}.. {عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}: قَالَ الْحَسَنُ: قَصَّرْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فِي حَقِّ اللَّهِ. وَقِيلَ: ضَيَّعْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ]. وقال في تفسيره (4/287): [{وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ}: بِقُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالى عنهما: لقادرون. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى خلقنا]. وأعتقد أنه بذلك تذهب محاولات الذهبي أدراج الرياح!
وقول البغوي في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ}البقرة: 210: (الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله... ) فقد ذكر ذلك في تفسيره (1/269) بينما نجده يقول في تفسيره (5/252): [{وَجاءَ رَبُّكَ} قَالَ الْحَسَنُ: جَاءَ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ]. مع أن قوله (يؤمن الإنسان بظاهرها) مع قوله (ويعتقد أنَّ الله مُنَزَّه عن سمات الحدوث) تخبط وتناقض واضح!!
قال الذهبي في كتابه " العلو" النص رقم(555):
[ البغـوي (436 ـ 516):
555- قال الإمام محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي صاحب "معالم التنزيل" عند قوله تعالى: {ثمَّ استوى على العرش}: قال الكلبي ومقاتل: استقرَّ، وقال أبو عبيدة: صعد.
قلت: لا يعجبني قوله استقرَّ بل أقول كما قال مالك الإمام: الاستواء معلوم. ثمَّ قال البغوي: وأوَّلَتِ المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، يجب الإيمان به.
وقـال في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}فصلت:11، قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: ارتفع إلى السماء.
وقال في قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ}البقرة:210، الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله، ويعتقد أنَّ الله مُنَزَّه عن سمات الحدوث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة .
وقال في {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}المجادلة:7، بالعِلْم.
كـان محيي السُّنَّـة من كبار أئمة المذهب زاهداً ورعاً متعبـداً، ألَّـفَ كتـاب ((التهذيب)) في المذهب فأتقنه، وصنَّف كتاب ((شرح السنة)) فأحسنه، توفي سنة ست عشرة وخمسمائة، وقد قارب الثمانين].
أقول في الكشف عن حقيقة هذا الكلام وبيانه:
تفسير البغوي (ت516)"معالم التنزيل" مختصر من تفسير الثعلبي (ت427)، والثعلبي ليس من أهل الحديث ويورد الخرافات والقصص والإسرائيليات والموضوعات والواهيات في تفسيره، والبغوي حذف منها الكثير إلا أنه بقي في تفسيره أشياء مردودة، وقد أوَّل البغوي في تفسيره من آيات الصفات كما سيأتي في الحاشية التالية، على عكس ما زعم ابن تيمية بأنه لا يورد أقوال أهل البدع فيه. قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (7/12): [أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي إمامة في فضل تلك السورة وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون هو كحاطب ليل، وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين زيادة ينقلون الصحيح والضعيف، ولهذا لما كان البغوي عالماً بالحديث أعلم به من الثعلبي والواحدي وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي لم يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث زيادة، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال، وأما أهل العلم الكبار أهل التفسير مثل تفسير محمد بن جرير الطبري وبقي بن مخلد وابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وأمثالهم فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات]. وقال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/84): [وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي لكنه مختصر من تفسير الثعلبي وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه وحذف أشياء غير ذلك]. وهذا فيه اعتراف بأن تفسير البغوي أساسه من تفسير الثعلبي المليء بالواهيات، والثعلبي صاحب كتاب "عرائس المجالس" المحشو بالخرافات! وما قاله ابن تيمية من أن تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما ليس فيها موضوعات فليس بصحيح!
ثُمَّ إنّ البغوي ليس مع المجسمة في كل ما قال، والذي قاله أبو عبيدة (110-209هـ) في كتابه "مجاز القرآن" ص (273): [{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه]. ويعني بذلك الاستيلاء وهو المعنى المجازي الواضح من لفظ (الظهور)! وهم لا يذكرون كلامه كاملاً وإنما يبترونه من سباقه وسياقه! فكلام أبي عبيدة تم تحريفه وحرفه عن حقيقة قصد قائله من المتمسلفين وقدماء مجسمة الحنابلة وغيرهم وسذج العلماء الذين ينقلون الكلام دون أن يتحققوا منه من مصدره! وهذا النقل المحرَّف عن أبي عبيدة نقله البغوي في تفسيره (3/235) بلا سند! وأبدل (علا) بِـ (صعد) وحذف تمام الجملة التي قالها أبو عبيدة في كتابه "مجاز القرآن"! قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/372): [أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري اللغوي الحافظ صاحب التصانيف روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وليس هو بصاحب حديث، بل سبق قلمى بكتابته(!!) روى عنه علي بن المديني وعمر بن شبة وأبو عثمان المازني وأبو العيناء وخلق، قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجى ولا جماعى أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره بن المديني فصحح رواياته]. وكان على الذهبي أن لا يورد كلام الكلبي ومقاتل في قولهما بأن معنى الاستواء هو الاستقرار لأنه تفسير باطل! وإن أورده البغوي في تفسيره! والأول منهما – الكلبي - كذاب ومقاتل مجسم، كما كان عليه أن لا يورد تفسير أبي عبيدة بأن معنى استوى: صعد! لا سيما والبغوي لم يعتمد شيئاً من ذلك، وإن تظاهر الذهبي بأنه لا يعجبه قول مَنْ فسر (استوى) بِـ (استقرَّ)! وهو عندما يذكر هذه الأقوال يمهد في نفسية القارىء والمطالع في كتابه لِيَجُرّهُ بلطف إلى عقيدة التجسيم والعلو الحسي الذي يريده آنذاك، وإن تراجع عن كثير من ذلك فيما بعد! وقول البغوي: (وأما أهل السنة فيقولون الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، يجب الإيمان به)! فكل المسلمين يعتقدون أن الله تعالى موصوف بأنه استوى على العرش وأنه لا كيف لله تعالى وليس كما يردد الذهبي وابن تيمية أحياناً (والكيف مجهول) والصواب أن الكيف مرفوع ولا كيف وليس مجهولاً كما قال البغوي (بلا كيف)! فكلام البغوي ليس في صالح المجسمة! وأئمة الأشاعرة أو المنزهين من أهل السنة كإمام الحرمين والغزالي يقولون بأن معنى الاستواء الاستيلاء اتفاقاً بينهم وبين المعتزلة! ولا ضير في ذلك! بل هو الحق! وأقول للبغوي: كان عليك أن تقول بأن معنى الاستواء هو الاستيلاء أو القهر أو التدبير ولا تبقي المسألة عائمة في بحر الحيرة! أو أنك تقول كما قال الحافظ ابن جرير الطبري - المُنَزّه الذي عَادَتْهُ الحنابلة - في "تفسيره" (1/192): [فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال]!! فليـس في كلام البغوي على كل حال إثبات للعلو الحسي الذي ينشده الذهبي!! وقد ردَّ الإمام البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (413-415) على قول الكلبي استقرَّ!! فارجع إليه هناك إن شئت!!
والتفسير الوارد لقوله تعالى: : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}فصلت:11 فهذا لم يثبت عن مفسري السلف وخاصة عن ابن عباس كما بيناه بإسهاب في التعليق على النص رقم (380و402و464) فأين تحقيقات الذهبي ونقده ومعرفته؟! ونَصُّ كلام البغوي في "تفسيره" (1/78): [{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي السَّلَفِ: أَيِ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: أَيْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: قَصَدَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ {فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}]. وأقول رادَّاً على البغوي قبل الذهبي: ما يروى عن ابن عباس لا يصح عنه فأين إسناده أيها المحدث البغوي وأيها الحافظ الذهبي؟! إن هذا لمكذوب على ابن عباس! هذا قاله الفرَّاء (ت207هـ) بلا إسناد! وهو قول مردود! وهذا مما يعدّه الحنابلة والذهبي من أقوال السلف وهي حكايات مكذوبة تحكى عن السلف بلا إسناد! ولا خطام لها ولا زمام! والبغوي ضعيف في هذه الأمور يورد الأحاديث الضعيفة في العقائد وينقل عن الخَطَّابي تأويلها كما في "شرح السنة" (1/176) في حديث الأطيط حيث رواه هناك ونقل تأويله عن الخَطَّابي، حتى قال المعلِّق عليه شعيب الأرنأووط: [ فالحديث ضعيف لا تقوم به الحجة ولا يتكلف في تأويله كما فعل الخَطَّابي رحمه الله تعالى]. والبغوي من العلماء الذين لا يستفيد القارىء مما يكتبونه في هذه البابة إلا الضياع والحيرة وعدم الوصول للقول الحق والجزم بالعقائد! وعلى كلٍّ فالبغوي مؤوّل وليس على عقيدة هؤلاء المجسمة ومن أمثلة ذلك: قال البغوي في تفسيره (5/139): [{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} قِيلَ: عَنْ أَمْرٍ فَظِيعٍ شَدِيدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي الْقِيَامَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ ]. وقال أيضاً في تفسيره (4/98): [مَعْنَى قوله: {يَاحَسْرَتَا}.. {عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}: قَالَ الْحَسَنُ: قَصَّرْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فِي حَقِّ اللَّهِ. وَقِيلَ: ضَيَّعْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ]. وقال في تفسيره (4/287): [{وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ}: بِقُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالى عنهما: لقادرون. وَعَنْهُ أَيْضًا: لَمُوسِعُونَ الرِّزْقَ عَلَى خلقنا]. وأعتقد أنه بذلك تذهب محاولات الذهبي أدراج الرياح!
وقول البغوي في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ}البقرة: 210: (الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله... ) فقد ذكر ذلك في تفسيره (1/269) بينما نجده يقول في تفسيره (5/252): [{وَجاءَ رَبُّكَ} قَالَ الْحَسَنُ: جَاءَ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ]. مع أن قوله (يؤمن الإنسان بظاهرها) مع قوله (ويعتقد أنَّ الله مُنَزَّه عن سمات الحدوث) تخبط وتناقض واضح!!