بيان تخريج الأثر الصحيح (أخطأ عمر وأصابت امرأة):
هذا الأثر رواه كثير من أصحاب كتب الحديث وجوَّد إسناده جماعة من الحفاظ وحاول الألباني أن يضعفه بطرق واهية وإليكم ذلك:
أولاً: رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه (6/180برقم10430) قال: [عن قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله يقول: {وإن آتيتم إحداهن قنطاراً} من ذهب، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله {فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئاً} فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته].
حاول الألباني المتناقض أن يضعف هذا الأثر الذي له عدة طرق اثنان منها جياد حسان، وزعم في إرواء غليله أن له علتين:
الأولى: ضعف قيس بن الربيع! والصواب أن قيساً ثقة صحيح الحديث، وثقه الأئمة الذين لقوه ورووا عنه مثل شعبة والثوري، واعتمد الألباني على تضعيف ابن معين له! وابن معين لم يلقه! والألباني يتناقض فيقول في تعديل بعض الرواة كما في صحيحته (5/12): [ويكفي في تعديله رواية شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كانوا يروي عنهم]!!
وأذكر لكم ملخص كلام معاصريه الذين وثقوه منقولاً من كتاب الحافظ المزي في "تهذيب الكمال: (24/28):
[قال أبو داود الطيالسي عن شعبة: سمعت أبا حصين يثني على قيس بن الربيع. قال: وقال لنا شعبة: أدركوا قيساً قبل أن يموت.. وقال عفان عن معاذ بن معاذ قال لي شعبة: ألا ترى إلى يحيى بن سعيد يقع في قيس بن الربيع الأسدي لا والله ما إلى ذلك سبيل. وقال عفان قلت ليحيى بن سعيد هل سمعت من سفيان يقول فيه بغلطة أو يتكلم فيه بشيء قال لا قلت ليحيى أفتتهمه بكذب قال: لا. قال عفان: فما جاء فيه بحجة... وقال حاتم بن الليث الجوهري عن عفان: كان قيس ثقة يوثقه الثوري وشعبة.. وقال حاتم بن الليث عن أبي الوليد الطياليسي كان قيس بن الربيع ثقة حسن الحديث حدث عنه معاذ بن معاذ. وقال محمد بن يحيى الذهلي: سمعت أبا الوليد يقول: كتبت عن قيس بن الربيع ستة آلاف حديث هي أحب إلي من ستة آلاف دينار. وقال عمرو بن علي قلت لأبي الوليد ما رأيت أحداً أحسن رأياً منك في قيس قال: إنه والله كان ممن يخاف الله. وقال سريج بن يونس سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما رأيت رجلاً بالكوفة أجود حديثاً من قيس بن الربيع. وقال أحمد بن صالح: قلت لأبي نعيم: في نفسك من قيس بن الربيع شيء؟ قال: لا. وقال عمرو بن علي: سمعت معاذ بن معاذ يحسن الثناء على قيس.... وقال أبو أحمد بن عدي: وعامة رواياته مستقيمة والقول فيه ما قال شعبة وإنه لا بأس به...].
والعلة الثانية: التي أعله الألباني بها هي زعمه الانقطاع وهي كون أبي عبد الرحمن السلمي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه! وعبَّر الألباني عن ذلك بقوله في إروائه: "الانقطاع فإن أبا عبد الرحمن السلمي واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة لم يسمع من عمر كما قال ابن معين".
وهذا مردود أيضاً! وملخص ذلك أنه زعم بعضهم في ترجمته أنه لم يرو عن سيدنا علي عليه السلام وروايته عن سيدنا علي كثيرة في الصحيحين، وزعموا أنه لم يرو عن سيدنا عثمان رضي الله عنه وروايته عنه في صحيح البخاري، كما زعم بعضهم أنه لم يرو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ثبت عنه وهو ثقة في الترمذي ونص عليه البخاري أنه قال: "قال لنا عمر" وصرَّح الذهبي في ترجمته أنه سمع من عمر رضي الله عنه.
وإليكم ذلك مفصلاً:
قال الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" (برقم347): [عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي. قال شعبة: لم يسمع من عثمان ولا من عبد الله بن مسعود، ولكنه سمع من علي. وقال أبو حاتم: لا تثبت روايته عن علي رضي الله عنه. فقيل له: سمع من عثمان؟ فقال: روى عنه لا يذكر سماعاً. وقال ابن معين: لم يسمع من عمر رضي الله عنه. وقال أحمد بن حنبل في قول شعبة لم يسمع من ابن مسعود شيئاً: أراه وَهَمَاً..].
وعلى مثل هذه الأقوال الضعيفة دون تحقيق اعتمد الألباني! وقلده من افتتن به من المتعصبة له دون تحقيق أو تتبع!!
- أما قول شعبة: إنه لم يسمع من ابن مسعود. فقال أحمد بن حنبل: إنه وَهَمٌ من شعبة.
- وأما روايته عن سيدنا علي عليه السلام فهي في الصحيحين في مواضع عدة منها:
البخاري (269و1362و3983) وفي مسلم (1705و1840و2647).
- وأما رويته عن سيدنا عثمان رضي الله عنه فهي في صحيح البخاري (5027)، (5028)..
- وأما روايته عن سيدنا عمر رضي الله عنه فروى الترمذي (258) قال:
[حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا أبو حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الركب سنت لكم فخذوا بالركب... قال أبو عيسى حديث عمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم لا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه..].
قال البخاري في التاريخ الكبير في آخر ترجمته (5/72): [..روى عنه إبراهيم النخعي وأبو حصين. وقال: قال لنا عمر]. ولم يستنكر ذلك.
وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1/58): [(ع) أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة وعالمها عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفى قرأ على عثمان وعلي وابن مسعود وسمع منهم ومن عمر وتصدر للإقراء في خلافة عثمان إلى أن مات في سنة ثلاث وسبعين أو بعدها في إمرة بشر بن مروان على العراق قرأ عليه عاصم وحدث عنه إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعلقمة بن مرثد وعطاء بن السائب وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي وكان ثقة رفيع المحل رحمه الله تعالى].
ذكره البخاري في التاريخ الأوسط أنه ممن مات بين سنة سبعين وثمانين، وفي آخر ترجمته في "تهذيب الكمال" أنه عاش تسعين سنة، فعلى هذا يكون قد أدرك عمر رضي الله عنه، وهو ابن صحابي، قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/161):
[عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي القاري ولأبيه صحبة روى عن عمر وعثمان وعلي وسعد وخالد بن الوليد وابن مسعود وحذيفة وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنه..].
فعلى هذا يكون سند هذا الأثر صحيحاً! ولا يجوز التعويل على ما يهذي به الألباني ومن انغر بقوله من المقلدة المتعصبة!
ثانياً: وروى أثر (أخطأ عمر وأصابت امرأة) أيضاً أبو يعلى بإسناد متصل، أورده ابن كثير في تفسيره (1/467) قال أبو يعلى:
حدثنا أبو خيثمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال:
ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: يا أيها الناس ما أكثاركم في صدق النساء! وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك فلو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش، فقالت يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم! قال: نعم. قالت: أما سمعت ما أنزل الله عز وجل في القرآن؟ فقال: فأنى ذلك؟ قالت: أما سمعت الله عز وجل يقول {وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتاخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} فقال: اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر. قال: ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت نفسه فليفعل.
رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (365) بهذا السند المتصل كذلك عن الشعبي عن مسروق. وقال ابن كثير عقبه في التفسير: (إسناده جيد قوي).
وقال الحافظ الهيثمي بعدما أورده في مجمع الزوائد (2/198): (رواه أبو يعلى في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وُثِّق).
وقال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة ص (171): [وسنده جيد قوي].
قال المزي في تهذيب الكمال (27/222):
(قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول حديث مجالد عند الأحداث يحيي بن سعيد وأبي أسامة ليس بشيء ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء القدماء يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره).
أما الألباني فاعتبر عند الشواهد والمتابعات حديث مجالد صحيحاً وأحياناً حسناً!
ومن ذلك أنه قال في صحيحته (6/207) عن حديث هناك: [أخرجه أبو داود الطيالسي في " المسند " (788): حدثنا شعبة عن مجالد عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات مشهورون من رجال الشيخين غير مجالد - وهو ابن سعيد -، وفيه ضعف من قبل حفظه، وهو صدوق في ذات نفسه، وقد توبع كما يأتي، فدل ذلك على أنه قد حفظه، فهو من صحيح حديثه].
وقال في صحيحته (3/93): [وفي مجالد وهو ابن سعيد ضعف لا يضر في الشواهد والمتابعات].
وقال في إرواء غليله (6/37) عن حديث هناك: [وجملة القول: إن مجيء الحديث في هذه الطرق المتباينة والألفاظ المتقاربة مما يدل على أن مجالد بن سعيد قد حفظ الحديث فهو على أقل تقدير حديث حسن].
وللحديث طرق أخرى لا داعي الآن للإطالة بذكرها لعلنا نذكرها في موضع آخر، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
تخريج الأثر الصحيح (أخطأ عمر وأصابت امرأة):
تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
-
- مشاركات: 19
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:33 pm
العودة إلى ”تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد