بطلان حديث الجارية الذي جاء بلفظ:( أين الله؟) كما هو من رواية معاوية بن الحكم السُّلميّ:
مرسل: الخميس يوليو 04, 2024 3:08 pm
بطلان حديث الجارية الذي جاء بلفظ:( أين الله؟) كما هو من رواية معاوية بن الحكم السُّلميّ:
أورد الذهبي في كتابه العلو هذا الحديث وقال:
[فمن الأحاديث المتوافرة الواردة في العلو:
حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِي قال:
كانت لي غنم بين أحد والجوَّانـيَّة فيها جارية لي؛ فاطَّلَعْتُ ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة؛ وأنا رجل من بني آدم؛ فأسفتُ فصككتها فأتيت النبي فذكرتُ ذلك له، فعظَّم ذلك عليَّ، فقلتُ يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ((أُدعها)) فدعوتهـا؛ فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((مَـنْ أنـا؟)) قالت أنت رسول الله، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة))
هذا حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية السلمي، أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم، يمرُّونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويلولا تحريف].
أقول في بيان بطلان ونكارة هذا الحديث:
أولًا:
تنبّهْ هنا، إلى أنَّ الذهبي قال: (الأحاديث المتوافرة) أي الكثيرة؛ كذا قرأتها في المخطوطة وتحققت منها بهذا اللفظ (المتوافرة) وقد أثبتها المدعو عبد الرزاق حمزة بلفظ (المتواترة) ليضلل بها القارىء المسكين!! ويوهمه بأنَّ الذهبي قال المتواترة!! وليس كذلك!! وقد جرى على سَنَنِهِ الشيخ المتناقـض!! الذي لم يرجع إلى المخطوطة رغم ادعاءاته الفارغة غير الصادقة أنه رجع للمخطوطات؛ وإنما عوَّل على نسخة عبدالرزاق حمزة المطبوعة!! لكنه اعترف في "مختصر العلو" بأنَّ حديث الجارية غير متواتر!! فيكون أخف ضرراً من عبد الرزاق حمزة في هذه النقطة!! فإنـه قال فـي ((مختصر العلـو)) ص (81): ((ورد هذا الحديث من طرق، وكأنه لذلك قال المصنّف إنه من الأحاديث المتواترة وفيه نظر))!! فتأمل!! قلت: والحديث غير متواتر قطعاً!! ولفظة (أين الله) التي فيه ليست صحيحة وهي محل استدلالهم وشاهدهم من الحديث فهي ليست صحيحة فضلاً عن كونها متواترة!!
ثانياً:
الصواب هنا ــ في القصة الواردة ــ : (فاطَّلعتُ ذات يوم) وهو ما وقع في نسخة صحيح مسلم التي بين أيدينا؛ أما ما أثبته المتناقض!! في "مختصر العلو" ص 81 من قوله (فاطلعتها ذات يوم) تبعاً لطبعـة عبـدالرزاق حمزة (المبتدع!!) فخطأ مجانب للصواب!!
ولفظة (أين الله)؛ هذه شاذة والصواب أنها منكرة، وقد روى الحديث آخرون فلم يذكروهـا!! فقد روى المحاملي (235-330هـ) في أماليه ص (166حديث رقم319) رواية ابن مهدي بنفس إسناد مسلم دون لفظة (أين الله)! ولفظه: [...لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رسول الله أعتقها؟ قال: ((ايتني بها))، فأتيته بها فقال: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))]، وليس فيه لفظ (أين الله؟) كما ترون. بل رواه آخرون بلفظ: ((أتشهدين أن لا إله إلا الله....)) وهو الصواب كما في "موطأ مالك" (1512) و"مسند أحمد" (3/452) وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/244): ((رجاله رجـال الصحيح)). ورواه أيضاً بلفظ (أتشهدين..) عبد الرزاق في "المصنَّف" (9/175) والبزار (1/14كشف) والدارمي (2/187) والبيهقي (10/57) والطبرانـي (12/27) وابـن الجـارود في ((المنتقى)) (931) وابن أبي شيبة (11/20) وغيرهم، وقد بسطنا الكلام بإسهاب على هذا الحديث وما يتعلّق به في كتابنا ((تنقيح الفهوم العالية بما ثبت وما لم يثبت في حديث الجارية)) وأثبتنا عدم صحة لفظ (أين الله) وجزمنا بأنَّ النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم لم يقله بـل قال لها ((أتشهدين أن لا إله إلا الله...)) هذا هو اللفظ الصحيح الثابت وهذا هو الموافق لسائر أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مطالبته الناس بالشهادتين، روى البخاري (1496) ومسلم (19) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..)). الحديث. وروى البخاري (25) ومسلم (22) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)). والأحاديث في ذلك كثيرة وليس في شيء منها (أين الله؟). ومن أراد التوسع فليرجع إلى رسالتنا المذكورة في حديث الجارية من شاء استقصاء الأمر من جميع أطرافه وبه يبطل الاستدلال على العلو الذي يزعمونه والله الموفق والهادي.
وهذا الحديث شاذ مردود منكر، وهو مذكور في "صحيح مسلم" المطبوع، ونفى البيهقي وجوده في صحيح مسلم. وذلك لأن حديث معاوية بن الحكم السلمي رويَ في "صحيح مسلم" (537) المطبوع من طريقين: إحداهما كما قال مسلم: (حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ..). والثانية: من طريق (يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ). وزيادة قصة الجارية إنما أتت في حديث (هلال بن علي وهو ابن أبي ميمونة)! والظاهر أنها أُدْخِلَتْ فيما بعد على صحيح مسلم وأُلْحِقت به من بعض الرواة أو الناسخين. فالبيهقي –كما تقدَّم- أنكر كون رواية قصة الجارية في صحيح مسلم. قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/327): [أخرجه مسلم مقطعاً من حديث الأوزاعي، وحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث]. وقال البيهقي في "سننه الكبرى" (10/57): [أخرجه مسلم فى الصحيح من حديث الأوزاعى دون قصة الجارية]. أقول: وله علتان: وهما ضعف هلال واختلاف الرواة في لفظه! فهلال ابن أبي ميمونة وهو هلال بن علي بن أسامة قال عنه أبو حاتم: (شيخ) أي ضعيف، قال المزي في "تهذيب الكمال" (30/344): [قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس به بأس]. وقد ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديـل" (6/109) أنَّ لفـظ (الشيخ) عند أبيه هو: الضعيف!! قـال الذهبـي في "سير أعلام النبلاء" (6/360): [قلت: قد علمت بالاستقراء التام أنَّ أبا حاتم الرازي إذا قال في رجل: يُكْتَبُ حديثه أنه عنده ليس بحجة]. ووصف (لا بأس به) عند النسائي يقتضي التضعيف أيضاً كما بينته في التعليق الجديد على "العلو" ترجمة حماد بن سلمة برقم (9) قبل النص رقم (348) مباشرة. وقد روى يحيى بن أبي كثير عن هلال بن علي هذا حديثاً منكراً في النزول فيه لفظ: (لا أَسألُ عن عبادي غيري). وقد اضطرب فيه وزاد هذا اللفظ الذي فيه نفي نزولِ مَلَكٍ كما جاء بروايات أخرى صحيحة الأسانيد بينتها مفصَّلة في آخر التعليق على النص رقم (208) في كتاب "العلو" فليراجعها من شاء. أما اختلاف لفظ حديث الجارية هذا فمن جهتين: الأولى: أنه روي أيضاً من طريق هلال بن علي وليس فيه لفظ (أين الله؟)! فروى المحاملي (235-330هـ) في أماليه كما تقدم ص (166حديث رقم319) رواية ابن مهدي بنفس إسناد مسلم دون لفظة (أين الله)! ولفظه: [...لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رسول الله أعتقها؟ قال: ((إيتني بها)). فأتيته بها فقال: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))]. وليس فيه كما ترون لفظ (أين الله؟). وجهة الاختلاف الثانية في لفظه: أن جماعة من أئمة الحفاظ رووه بلفظ (أتشهدين أن لا إله إلا الله..). رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1512) وأحمد في "المسند" (3/452) وعبد الرزاق في "المصنَّف" (9/175) وابن أبي شيبة (11/20) والبزار (1/14كشف) والدارمي (2/187) والبيهقي (10/57) والطبرانـي (12/27) وابـن الجـارود في "المنتقى" (931) وغيرهم. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/244): [رجاله رجـال الصحيح]. وقال الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (9/114): [ظاهره الإرسال لكنه محمول على الاتصال للقاء عبيدالله جماعة من الصحابة]. وقال ابن كثير في تفسيره (1/547): [إسناده صحيح وجهالة الصحابي لا تضرُّه]. وعليه فإننا نحكم بضعـف رواية (أين الله؟) بل ببطلانها!! ووجه كونها منكرة أن هلالاً (شيخ) عند أبي حاتم، ولمعارضته ما صحَّ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بـدل (أيـن الله): (أتشهدين أن لا إله إلا الله)، ولمعارضته قواعد الكتاب والسنة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان! قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/221): [فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حُكْمه لم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث]. فتدبر، والله تعالى أعلم.
وقوله : ( هذا حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية السلمي) ، فأقـول: هو ضعيف الإسناد كما بينته في التعليق السابق، وعند مَنْ حسَّن حديث هلال هو حسن الإسناد وليس بصحيح!! فقد قال الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (2/466): ((هلال ثقة حسن الحديث يروي عن عطاء بن يسار أحاديث حساناً)). وقال الحافظ ابن عبد البر في ((الاستيعاب)) (3/403) عن معاوية بن الحكم راوي الحديث: ((له عن النبي حديث واحد حسن في الكهانة والطيرة والخط وتشميت العاطس في الصلاة جاهلاً وفي عتق الجاريـة)). والصواب أنَّ سند حديثه الذي فيـه لفـظ (أين الله) ضعيـف منكر كما تقدَّم!! أي لأن هلالاً هذا ضعيف وللمخالفة مع بقية الروايات الأخرى!! فقد قال عنه أبو حاتـم الرازي: ((شيخ يُكتَبُ حديثه)) كما تقدَّم وهـذا تضعيف له!! فقد ذكر ابنه في ((الجرح والتعديـل)) (6/109) أنَّ لفـظ (الشيخ) عنده هو: الضعيف!! وعليه فإننا نحكم بضعـف الحديث إسناداً وبطلانه متناً!! وهو منكر لمعارضته ما صحَّ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بـدل (أيـن الله): ((أتشهدين أن لا إله إلا الله)) فتأمل!!
وقد خرجه مسلم ؛ انظر ((صحيح مسلم)) (1/382برقم537) وشرح مسلم للإمام النووي (5/20).
وهو عند أبي داود في السنن (3/230برقم3282).
وعند النسائي في السنن الصغرى (6/252) وفي الكبرى في مواضع منها: (4/110).
وأقول في الختام: إنَّ عادة الأئمة عند روايتهم للأحاديث في كتب الصحاح والسنن عدم التعرض للأحاديث بالتأويل والتفسير إلا في القليل النادر!! فما قاله المصنف لا حجة فيه أصلاً وليس هو دليل شرعي!! وكنا قد ذكرنا في رسالتنا في حديث الجارية ((تنقيح الفهوم العالية)) ص (27) أنَّ كثيراً من العلماء أوَّلوا لفظ (أين الله) التي في حديث الجارية ولم يأخذوا بظاهره!! منهم الإمام النووي فـي ((شرح صحيح مسلم)) (5/24) والقاضي عياض كمـا في المرجع السابق والإمام ابـن الجوزي في ((دفع شبه التشبيه)) ص (189) والحافظ ابن العربي في ((شـرح سنن الترمذي)) (11/273) والحافظ الباجي في "المنتقى" وغيرهم، وقد نفى الحافظ ابن حجر الأين عن الله تعالى كما في "فتح الباري" في عدة مواضع منها (1/273). فكلام المصنِّف هنا هو تهويل وليس بشيء!! .
أورد الذهبي في كتابه العلو هذا الحديث وقال:
[فمن الأحاديث المتوافرة الواردة في العلو:
حديث معاوية بن الحكم السُّلَمِي قال:
كانت لي غنم بين أحد والجوَّانـيَّة فيها جارية لي؛ فاطَّلَعْتُ ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة؛ وأنا رجل من بني آدم؛ فأسفتُ فصككتها فأتيت النبي فذكرتُ ذلك له، فعظَّم ذلك عليَّ، فقلتُ يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ((أُدعها)) فدعوتهـا؛ فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((مَـنْ أنـا؟)) قالت أنت رسول الله، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة))
هذا حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية السلمي، أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم، يمرُّونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويلولا تحريف].
أقول في بيان بطلان ونكارة هذا الحديث:
أولًا:
تنبّهْ هنا، إلى أنَّ الذهبي قال: (الأحاديث المتوافرة) أي الكثيرة؛ كذا قرأتها في المخطوطة وتحققت منها بهذا اللفظ (المتوافرة) وقد أثبتها المدعو عبد الرزاق حمزة بلفظ (المتواترة) ليضلل بها القارىء المسكين!! ويوهمه بأنَّ الذهبي قال المتواترة!! وليس كذلك!! وقد جرى على سَنَنِهِ الشيخ المتناقـض!! الذي لم يرجع إلى المخطوطة رغم ادعاءاته الفارغة غير الصادقة أنه رجع للمخطوطات؛ وإنما عوَّل على نسخة عبدالرزاق حمزة المطبوعة!! لكنه اعترف في "مختصر العلو" بأنَّ حديث الجارية غير متواتر!! فيكون أخف ضرراً من عبد الرزاق حمزة في هذه النقطة!! فإنـه قال فـي ((مختصر العلـو)) ص (81): ((ورد هذا الحديث من طرق، وكأنه لذلك قال المصنّف إنه من الأحاديث المتواترة وفيه نظر))!! فتأمل!! قلت: والحديث غير متواتر قطعاً!! ولفظة (أين الله) التي فيه ليست صحيحة وهي محل استدلالهم وشاهدهم من الحديث فهي ليست صحيحة فضلاً عن كونها متواترة!!
ثانياً:
الصواب هنا ــ في القصة الواردة ــ : (فاطَّلعتُ ذات يوم) وهو ما وقع في نسخة صحيح مسلم التي بين أيدينا؛ أما ما أثبته المتناقض!! في "مختصر العلو" ص 81 من قوله (فاطلعتها ذات يوم) تبعاً لطبعـة عبـدالرزاق حمزة (المبتدع!!) فخطأ مجانب للصواب!!
ولفظة (أين الله)؛ هذه شاذة والصواب أنها منكرة، وقد روى الحديث آخرون فلم يذكروهـا!! فقد روى المحاملي (235-330هـ) في أماليه ص (166حديث رقم319) رواية ابن مهدي بنفس إسناد مسلم دون لفظة (أين الله)! ولفظه: [...لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رسول الله أعتقها؟ قال: ((ايتني بها))، فأتيته بها فقال: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))]، وليس فيه لفظ (أين الله؟) كما ترون. بل رواه آخرون بلفظ: ((أتشهدين أن لا إله إلا الله....)) وهو الصواب كما في "موطأ مالك" (1512) و"مسند أحمد" (3/452) وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/244): ((رجاله رجـال الصحيح)). ورواه أيضاً بلفظ (أتشهدين..) عبد الرزاق في "المصنَّف" (9/175) والبزار (1/14كشف) والدارمي (2/187) والبيهقي (10/57) والطبرانـي (12/27) وابـن الجـارود في ((المنتقى)) (931) وابن أبي شيبة (11/20) وغيرهم، وقد بسطنا الكلام بإسهاب على هذا الحديث وما يتعلّق به في كتابنا ((تنقيح الفهوم العالية بما ثبت وما لم يثبت في حديث الجارية)) وأثبتنا عدم صحة لفظ (أين الله) وجزمنا بأنَّ النبي صلى الله عليه وآلـه وسلم لم يقله بـل قال لها ((أتشهدين أن لا إله إلا الله...)) هذا هو اللفظ الصحيح الثابت وهذا هو الموافق لسائر أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مطالبته الناس بالشهادتين، روى البخاري (1496) ومسلم (19) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..)). الحديث. وروى البخاري (25) ومسلم (22) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)). والأحاديث في ذلك كثيرة وليس في شيء منها (أين الله؟). ومن أراد التوسع فليرجع إلى رسالتنا المذكورة في حديث الجارية من شاء استقصاء الأمر من جميع أطرافه وبه يبطل الاستدلال على العلو الذي يزعمونه والله الموفق والهادي.
وهذا الحديث شاذ مردود منكر، وهو مذكور في "صحيح مسلم" المطبوع، ونفى البيهقي وجوده في صحيح مسلم. وذلك لأن حديث معاوية بن الحكم السلمي رويَ في "صحيح مسلم" (537) المطبوع من طريقين: إحداهما كما قال مسلم: (حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ..). والثانية: من طريق (يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَزَادَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ). وزيادة قصة الجارية إنما أتت في حديث (هلال بن علي وهو ابن أبي ميمونة)! والظاهر أنها أُدْخِلَتْ فيما بعد على صحيح مسلم وأُلْحِقت به من بعض الرواة أو الناسخين. فالبيهقي –كما تقدَّم- أنكر كون رواية قصة الجارية في صحيح مسلم. قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/327): [أخرجه مسلم مقطعاً من حديث الأوزاعي، وحجاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث]. وقال البيهقي في "سننه الكبرى" (10/57): [أخرجه مسلم فى الصحيح من حديث الأوزاعى دون قصة الجارية]. أقول: وله علتان: وهما ضعف هلال واختلاف الرواة في لفظه! فهلال ابن أبي ميمونة وهو هلال بن علي بن أسامة قال عنه أبو حاتم: (شيخ) أي ضعيف، قال المزي في "تهذيب الكمال" (30/344): [قال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس به بأس]. وقد ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديـل" (6/109) أنَّ لفـظ (الشيخ) عند أبيه هو: الضعيف!! قـال الذهبـي في "سير أعلام النبلاء" (6/360): [قلت: قد علمت بالاستقراء التام أنَّ أبا حاتم الرازي إذا قال في رجل: يُكْتَبُ حديثه أنه عنده ليس بحجة]. ووصف (لا بأس به) عند النسائي يقتضي التضعيف أيضاً كما بينته في التعليق الجديد على "العلو" ترجمة حماد بن سلمة برقم (9) قبل النص رقم (348) مباشرة. وقد روى يحيى بن أبي كثير عن هلال بن علي هذا حديثاً منكراً في النزول فيه لفظ: (لا أَسألُ عن عبادي غيري). وقد اضطرب فيه وزاد هذا اللفظ الذي فيه نفي نزولِ مَلَكٍ كما جاء بروايات أخرى صحيحة الأسانيد بينتها مفصَّلة في آخر التعليق على النص رقم (208) في كتاب "العلو" فليراجعها من شاء. أما اختلاف لفظ حديث الجارية هذا فمن جهتين: الأولى: أنه روي أيضاً من طريق هلال بن علي وليس فيه لفظ (أين الله؟)! فروى المحاملي (235-330هـ) في أماليه كما تقدم ص (166حديث رقم319) رواية ابن مهدي بنفس إسناد مسلم دون لفظة (أين الله)! ولفظه: [...لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رسول الله أعتقها؟ قال: ((إيتني بها)). فأتيته بها فقال: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))]. وليس فيه كما ترون لفظ (أين الله؟). وجهة الاختلاف الثانية في لفظه: أن جماعة من أئمة الحفاظ رووه بلفظ (أتشهدين أن لا إله إلا الله..). رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1512) وأحمد في "المسند" (3/452) وعبد الرزاق في "المصنَّف" (9/175) وابن أبي شيبة (11/20) والبزار (1/14كشف) والدارمي (2/187) والبيهقي (10/57) والطبرانـي (12/27) وابـن الجـارود في "المنتقى" (931) وغيرهم. قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/244): [رجاله رجـال الصحيح]. وقال الحافظ ابن عبدالبر في "التمهيد" (9/114): [ظاهره الإرسال لكنه محمول على الاتصال للقاء عبيدالله جماعة من الصحابة]. وقال ابن كثير في تفسيره (1/547): [إسناده صحيح وجهالة الصحابي لا تضرُّه]. وعليه فإننا نحكم بضعـف رواية (أين الله؟) بل ببطلانها!! ووجه كونها منكرة أن هلالاً (شيخ) عند أبي حاتم، ولمعارضته ما صحَّ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بـدل (أيـن الله): (أتشهدين أن لا إله إلا الله)، ولمعارضته قواعد الكتاب والسنة في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن المكان! قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/221): [فإن إدراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حُكْمه لم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث]. فتدبر، والله تعالى أعلم.
وقوله : ( هذا حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية السلمي) ، فأقـول: هو ضعيف الإسناد كما بينته في التعليق السابق، وعند مَنْ حسَّن حديث هلال هو حسن الإسناد وليس بصحيح!! فقد قال الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (2/466): ((هلال ثقة حسن الحديث يروي عن عطاء بن يسار أحاديث حساناً)). وقال الحافظ ابن عبد البر في ((الاستيعاب)) (3/403) عن معاوية بن الحكم راوي الحديث: ((له عن النبي حديث واحد حسن في الكهانة والطيرة والخط وتشميت العاطس في الصلاة جاهلاً وفي عتق الجاريـة)). والصواب أنَّ سند حديثه الذي فيـه لفـظ (أين الله) ضعيـف منكر كما تقدَّم!! أي لأن هلالاً هذا ضعيف وللمخالفة مع بقية الروايات الأخرى!! فقد قال عنه أبو حاتـم الرازي: ((شيخ يُكتَبُ حديثه)) كما تقدَّم وهـذا تضعيف له!! فقد ذكر ابنه في ((الجرح والتعديـل)) (6/109) أنَّ لفـظ (الشيخ) عنده هو: الضعيف!! وعليه فإننا نحكم بضعـف الحديث إسناداً وبطلانه متناً!! وهو منكر لمعارضته ما صحَّ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بـدل (أيـن الله): ((أتشهدين أن لا إله إلا الله)) فتأمل!!
وقد خرجه مسلم ؛ انظر ((صحيح مسلم)) (1/382برقم537) وشرح مسلم للإمام النووي (5/20).
وهو عند أبي داود في السنن (3/230برقم3282).
وعند النسائي في السنن الصغرى (6/252) وفي الكبرى في مواضع منها: (4/110).
وأقول في الختام: إنَّ عادة الأئمة عند روايتهم للأحاديث في كتب الصحاح والسنن عدم التعرض للأحاديث بالتأويل والتفسير إلا في القليل النادر!! فما قاله المصنف لا حجة فيه أصلاً وليس هو دليل شرعي!! وكنا قد ذكرنا في رسالتنا في حديث الجارية ((تنقيح الفهوم العالية)) ص (27) أنَّ كثيراً من العلماء أوَّلوا لفظ (أين الله) التي في حديث الجارية ولم يأخذوا بظاهره!! منهم الإمام النووي فـي ((شرح صحيح مسلم)) (5/24) والقاضي عياض كمـا في المرجع السابق والإمام ابـن الجوزي في ((دفع شبه التشبيه)) ص (189) والحافظ ابن العربي في ((شـرح سنن الترمذي)) (11/273) والحافظ الباجي في "المنتقى" وغيرهم، وقد نفى الحافظ ابن حجر الأين عن الله تعالى كما في "فتح الباري" في عدة مواضع منها (1/273). فكلام المصنِّف هنا هو تهويل وليس بشيء!! .