صفحة 1 من 1

بطلان استدلال المجسمة بحديث الإسراء والمعراج ونقض تمسكهم بماجاء فيه بلفظ:(... فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك...):

مرسل: الخميس يوليو 11, 2024 1:36 pm
بواسطة عود الخيزران
بطلان استدلال المجسمة بحديث الإسراء والمعراج ونقض تمسكهم بماجاء فيه بلفظ:(... فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك...):

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[أخبرنا ابن قدامة وطائفة كتابة قالوا: أنبأنا حنبل، أنبأنا هبة الله بن الحصين، أنبأنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبدالله بن أحمد، حدثنا أبي، نا عفان، نا همام، سمعت قتادة يحدّث عن أنس أنَّ مالك بن صعصعة بن صوحان حدثه أنَّ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثه عن ليلة أسري به قال:
((بينما أنا في الحطيم ـ وربما قال قتادة في الحِجْر ـ مضطجع إذ أتاني آت)).
فذكر الحديث وفيه قال:
((ثمَّ أُتيتُ بدابةٍ دون البغل وفوق الحمار أبيض يقع خطوه عند أقصى طرفـه، قال: فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح فقيل: مَنْ هـذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد. قيل: أَوَقَدْ أرسل إليه؟ قال: نعم. فقيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح. فلما خلصتُ إذا فيها آدم قال: هذا أبوك آدم فَسَلِّمْ عليه فَسَلَّمْتُ عليه، فرد السلام ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثمَّ صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلِّم عليهما، فسلَّمتُ فَرَدَّا السلام، وقـالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثمَّ صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح، فقيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريل قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلما خلصتُ إذا يوسـف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلَّمت عليه، فردَّ السلام ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثمَّ صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل ومَنْ معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قـال: نعم، قال: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال: ففتح، فلمَّا خلصتُ فإذا إدريس، قـال: هذا إدريس فسلِّم عليه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ السلام ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثمَّ صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومَنْ معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به ونعم المجيء جاء. قال: ففتح، فلمَّا خلصتُ فإذا هارون، قـال: هذا هارون فسلِّم عليه، قال: فسلَّمتُ عليه فردَّ السلام ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثمَّ صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: مَنْ هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومـن معك؟ قال محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قـال: مرحباً به ونعم المجيء جاء، ففتح، فلمَّا خلصتُ فإذا أنا بموسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلَّمت فردَّ السلام ثمَّ قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، قال: فلمَّا تجاوزت بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأنَّ غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، ثمَّ صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قـال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قال: مرحباً به ونعم المجيء جاء، قال: ففتح. فلما خلصتُ فإذا إبراهيم، قال: هذا إبراهيم فسلِّم عليه، قال: فسلَّمتُ عليه فردَّ السلام ثمَّ قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: ثمَّ رُفِعَتْ إليَّ سدرة المنتهى، ثمَّ رُفِعَ لي البيت المعمور، قال: ثمَّ فرضت عليَّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعتُ فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة كل يوم، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإنّي قد خَبَرْتُ الناس قبلك وعالجتُ بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك قال: فرجعتُ فوضع عني عشراً، فرجعتُ إلى موسى فقال: بمَ أُمِرْتَ؟ قلت: بأربعين صلاة كل يوم، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجتُ بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشراً أخر، فرجعتُ إلى موسى فقال: بمَ أُمرت؟ قلت: أمرتُ بثلاثين صلاة كل يوم، قال إنَّ أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجتُ بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فرجعتُ فوضع عني عشراً أُخَر، فرجعتُ إلى موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: بعشرين صلاة كل يوم، قال: إنَّ أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فرجعتُ فأُمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بمَ أمرت؟ قلت: بعشر صلوات كل يوم، فقال: إنَّ أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فرجعتُ فأمرتُ بخمس صلوات كل يوم فرجعتُ إلى موسى فقال: بمَ أمرتَ؟ قلت: أمرتُ بخمس صلوات كل يوم، فقال: إنَّ أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، قلت: سألت ربي حتى استحييتُ ولكن أرضى وأُسلّم. فلمَّـا نفدت نادى مناد: قد أمضيتُ فريضتي وخففت عن عبادي)) متفق عليه].


أقول في إبطال هذا الاستدلال والنقض على المجسمة:

بداية: هل يعقل أن الملائكة بعد عشر سنوات من مبعثه  لم يكونوا يعرفون بأنهّ قد بُعِثَ؟!! وإذا ثبت هذا بطل قول من قال إنه صلى الله عليه وآله وسلم مرسل للملائكة!! وفي لفظ عند البخاري (3887و7517) ومسلم (162): ((وقد بُعِثَ إليه؟)).
ثُمَّ إننيا أُنزّه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام من هذا، فهو لا يسمي ولا يصف سيد الخلق وشفيعهم ومن أُخِذَ منه العهد والميثاق على الإيمان به غلاماً!! وخاصة أنَّ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان عمره ساعتئذ خمسين سنة!! ثمَّ أتساءل هل يجوز لنبي أن يتحسَّر ويبكي على أنَّ الذين يتبعون سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أكثر ممن يتبعه هو؟!! وأرى أن الفكر الإسرائيلي الذي أدخل بعض هذه التفاصيل على هذه القصة أو سردها بهذا الترتيب فلمَّا وصل إلى ذكر سيدنا موسى فيها وقف عنده وأظهر بعض ما يجول من الأفكار بذهن ذلك الفكر تجاه شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووضعها على لسان سيدنا موسى عليه السلام الذي أُنَزّهه أنا من هذا كله!! ثمَّ لم يكتف بذلك بل بين أنَّ إدراك سيدنا موسى لعدم تحمّل هذه الأمة لخمسين صلاة فوق إدراك الله - جل جلاله وتعالى عما يقولون - لذلك!!! حتى جعل يُغَيِّر فيها حتى أوصلها لخمس ولم يدرك ذلك سيدنا محمد ولا سيدنا إبراهيم وجعلوا تجارب سيدنا موسى متفوقة على تجارب سيدنا محمد وسيدنا إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وعلى إدراك الله تعالى لما يناسب عباده!! لكن غفل مُرَكِّب القصة بهذا السياق عن أنَّ سيدنا جبريل قد مرَّت عليه تجارب سيدنا موسى وما عاناه وكذا جميع تجارب ومعاناة الأنبياء والمرسلين فلم يتفطن لذلك وتفطنها سيدنا موسى عليه السلام الذي ينتمي واضع هذا السياق إليه وهو عليه السلام بريءٌ منه ومن عمله!! فتأملوا في هذا كله فما وجدتموه حقاً فخذوه وما سوى ذلك فانبذوه!! والمقصد في ذلك كله تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به وكذا الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام!! والحمد لله رب العالمين!! اللهم ارزقنا صدق العبودية والخضوع إليك!!

وهذه الجملة من الحديث:( فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك ) ، أقول:
قد وقع استدلال المجسمة والمشبهة بهذه الجملة على موضوع العلو الحسي الذي يريدون إثباته! ولا يتم لهم الاستدلال به!! وذلك لأنَّ معنى الجملة إن صحت وثبتت: أي ارجع إلى المكان الذي خاطبك فيه ربك أو أوحى إليك فيه فاسأله التخفيف!! لا أنَّ الله تعالى موجود في مكان معين يرجع إليه فيه!! ومما يؤكد ذلك أنَّ نفس سيدنا موسى صاحب هذه المحاورة في هذه القصة لمّا كان في الدنيا وعلى وجه الأرض إذا أراد أن يناجي ربه ويكلمه كان يذهب إلى الطور فيكلمه ولا يعني ذلك أنَّ الله سبحانه كان في الطور فافهم!! ثمَّ وجدت الإمام النووي رحمه الله تعالى يقول في ((شرح صحيح مسلم)) (2/214): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم (فرجعت إلى ربي) معناه: رجعتُ إلى الموضع الذي ناجيته منه أولاً فناجيته فيه ثانياً]. فالحمد لله تعالى على توفيقه. وقد تكلمنا بالتفصيل في رسالتنا في حديث الجارية ((تنقيـح الفهـوم العالية)) ص (59) وكـذا في ((صحيح شرح الطحاوية)) ص (600) على عدم صحة الاستدلال بحديث الإسراء على العلو الذي يريدونه بما أغنى عن إعادته هنا فارجع إليه على أنني سأوجز سبب ذلك عقيب تخريج هذا الحديث والله الموفق والهادي.

ومسألة إشارة سيدنا موسى عليه السلام إلى مراجعة الله تعالى وطلب التخفيف منه ، نقول:
إنَّ هذا الكلام يعارض صفة الحكمة والعلم وغير ذلك فنحن نقول ببطلان هذا الكلام لكن لو جاريناه فيه جدلاً لسألناه ألم يَتَنَبَّـه لما يناسب هذا الأمة بعد هذا التنبيه من سيدنا موسى عليه السلام سيدنا جبريل عليه السلام؟!!
والحديث رواه البخاري في مواضع منها (7/201/3887) ومسلم (1/149/164) وأحمد (4/208-210) وغيرهم. وليس في هذا القصة دلالة على أن الله تعالى في السماء البتة كما أنه لا دليل فيها على العلو الحسي كما ذكرنا في التعليق السابق أو الذي قبله فارجع إليه. ومختصر الكلام في قضية الإسراء أن الله تعالى أخبرنا في أول سورة الإسراء أنه مُنَزَّهٌ، ومن ذلك أنه منزه عن المكان، وأنه أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليريه من آياته الكبرى لا ليذهب إليه في محل أو مكانٍ ما! لأنه سبحانه موجود بلا مكان! فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}الإسراء:1، لاحظ حكمة قوله: {سبحان} أي تنزه عما يخطر لكم! ولاحظ {لنريه من آياتنا} وفي آية أخرى {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}النجم:18، ولم يقل لنريه خالقه أو ربه أو نحو ذلك ولا قال ما معناه: لنأتي به عندنا! وأما قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى} فمعناه: أنه رأى سيدنا جبريل بدلالة الكتاب والسنة! أما الكتاب فقوله تعالى في نفس الآيات: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} أي لم ير الله وإنما رآى آيات من الله! وأما السنة ففي "صحيح مسلم" (177) أن السيدة عائشة قالت: [أنا أوَّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خُلِقَ عليها غير هاتين المرَّتين، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عِظَمُ خَلقِهِ ما بين السماء إلى الأرض))]. فارتفع بهذا الإشكال. والله تعالى أعلم.