صفحة 1 من 1

بيان وقف حديث أبي هريرة الذي جاء فيه:(... فإذا تفرَّقوا صعدوا إلى السماء، فيقول الله تعالى: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟..

مرسل: الخميس يوليو 11, 2024 1:38 pm
بواسطة عود الخيزران
بيان وقف حديث أبي هريرة الذي جاء فيه:(... فإذا تفرَّقوا صعدوا إلى السماء، فيقول الله تعالى: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟...) عليه وأنه من كلامه لا من كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

قال الذهبي في كتابه " العلو:
[ أخبرنا عبد الخالق بن علوان وإسماعيل بن عبد الرحمن قالا: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا محمد هو ابن البَطّي، أنبأنا أحمد بن الحسن، أنبأنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أحمد بن محمد بن زيادة، أخبرنا أحمد بن محمد البرتي، نـا يحيى يعني الحماني، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
((إنَّ لله ملائكة سياحين في الأرض فُضُلاً عن كُتّاب الناس، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى نادوا: تعالوا هلموا إلى بغيتكم، فيحفّون بهم، يعني فإذا تفرَّقوا صعدوا إلى السماء، فيقول الله تعالى: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولـون: لا، فيقول: وكيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا لك أشد تحميداً وتمجيداً وذكراً، فيقول: وأي شيء يطلبون؟ فيقولون: يطلبون الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف إذا رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد لها طلباً وأشد حرصاً. فيقول: من أي شيء يتعوَّذون؟ فيقولون: يتعوَّذون من النار. فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: وكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها هرباً، وأشد منها تعوّذاً وخوفاً، فيقول: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقولون: فيهم فلان الخطاء لم يُرِدْهُم إنما جاء لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهـم مرتيـن)). متفق عليه].


أقول في بيان وقف هذا الحديث على أبي هريرة:

هو موقـوف وهو من قول أبي هريرة وليس من كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأبو هريرة يروي عن كعب الأحبار. وهذا رواه البخاري (11/209/6408) ومسلم (2689) والترمذي (3600) وأحمد (2/251و358و382) وابن حِبَّان (3/139/856-857). وذكر البخاري أنَّ شعبة وهو العمدة فيمن رواه عن الأعمش رواه موقوفاً على أبي هريرة إذ قال عقيبه: ((رواه شعبة عن الأعمش ولم يرفعه، ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم)). وسهيل بن أبي صالح فيه ضعف وكلام. وقال الحافظ ابن حجر هناك (11/211): [قوله (عن أبي صالح) لم أر حديث الأعمش إلا بالعنعنة لكن اعتمد البخاري على وصله لكون شعبة رواه عن الأعمش كما سأذكره، فإنَّ شعبة كان لا يحدّث عن شيوخه المنسوبين للتدليس إلا بما تحقق أنهم سمعوه. قوله (عن أبي هريرة) كذا قال جرير وتابعه الفضيل ابن عياض عند ابن حِبَّان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش، وأخرجه الترمذي عن أبي معاوية عن الأعمش فقال ((عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد)) هكذا بالشك للأكثر، وفي نسخة ((وعن أبي سعيد)) بواو العطف، والأول هو المعتمد، فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال: ((شك الأعمش))،...... قوله (ولم يرفعه) هكذا وصله أحمد قال: ((حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال بنحوه ولم يرفعه))، وهكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية بشر بن خالد عن محمد بن جعفر موقوفاً].
أقـول: هكذا صرَّح البخاري بأنَّ هذا الحديث يُروى بأصح رواية له بنظر الحافظ ابن حجر عن الأعمش موقوفاً!! وهو الصواب!!
ثمَّ اعلم أن للحديث طريقين: الأولى: ما تقدّم الكلام عليها وهي طريق الأعمش عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة. والثانية: من طريق سهيل ابن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم وغيره. ورواية الأعمش عن أبي صالح مقدمة على رواية سهيل ابن أبي صالح وقد صـرَّح بذلك الحفاظ، فقد ذكره ابن المَدِيني عقب حديث أبي هريرة ((أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) وقال: ((لا يحفظ من حديث سهيل، والأعمش أثبت في أبي صالح من غيره)) انظر حاشية ((تهذيب الكمال)) (12/227) نقلاً عن علل ابن المَدِيني (80). لا سيما وقد ذكر ابن عَدِي والعُقَيلي سهيلاً في جملة الضعفاء. فتبين بذلك أنَّ أصح أسانيد هذا الحديث هو شعبة عن الأعمش به؛ وأنه موقوف وهو المعتمد وإن رفعه الأكثر، وفي هذه المسألة رواية الواحد المعتمد المتثبت مقدمة على رواية الآخرين الذين رووه عن الأعمش ومقدَّم على رواية سهيل، ولـمّا كان هذا هو الصواب نبَّه عليه البخاري عقب الحديث لأهميته، فخلاصة الأمر أنَّ الحديث موقوف ولا حجة فيه.
وهنا نذكر مسألتين تتعلقان بهذا الحديث:
الأولى: أنه لا دلالة في هذا الحديث على الرؤية. وفي رواية سهيل التي في مسلم خلـو من ذكر لفظة (فكيف لو رأوني).
والثانية: أنَّ روايات هذا الحديث من طريق الأعمش اجتمعت على التصريح بأنَّ سؤال الله تعالى للملائكة وهم في السماء الدنيا ونصه: (فَيَحُفُّونَ بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله أي شيء تركتم عبادي) أحمد (2/251) والترمذي (3600)، وفي رواية زهير بن محمد عن سهيل (حتى يبلغوا العرش) وهي رواية شاذة مردودة. وعلى كل حال فلو قدَّرنا ثبوت هذا الحديث مرفوعاً وأنه ليس من الإسرائيليات فلا دلالة فيه على العلو الحسي!! وذلك لأنَّ سؤال الله تعالى واقع للملائكة بعد صعودهم إلى أماكنهم الأصلية في السماء! لا أنهم يذهبون إلى مكان في السماء فيه الله تعالى ليحدّثوه بما جرى! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!! فليس في الحديث أصلاً دلالة على أنَّ الله تعالى في السماء!!
ومنطق الإسرائيليات والفكر اليهودي واضح في هذا الحديث، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/416): ((قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء)). وهذا الحديث مما يستدرك على الدارقطني في ((التتبع)) وفي ((العلل)) وأظنُّ أنه لم يذكره فيهما لتنبيه البخاري على أنَّ الحديث موقوف وهذا عذره في المسألة!! فافهم!! والله تعالى أعلم.
والحديث مروي عن غير أبي هريرة من الصحابة بأسانيد واهية تالفة!! فقد رواه البزار من حديث سيدنا أنس (كشف الأستار 4/4/3062) من طريق زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري عن أنس، وزائدة قال فيه أبو حاتم الرازي: يحدّث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة لا ندري منه أو من زياد... وقال البخاري: منكر الحديث. كما في ((تهذيب الكمال)) (9/272). وشيخه ضعيف أيضاً انظر ترجمته في ((تهذيب الكمال)) (9/492) وانظر ما قاله فيه ابن حِبَّان فـي ((المجروحين)) (1/306).
وروي من حديث سيدنا ابن عباس عند الطبراني في "المعجم الصغير" (2/227/"1074الروض الداني") وأبو نُعَيم في "الحلية" (5/117و118) والسند ضعيف جداً!! شيخ الطبراني ضعيف كما في ((اللسان)) ومحمد بن حماد الكوفي مجهول عندنا، وله مناكير كما في ((اللسان)) (5/165)!!
ملاحظة مهمة جداً: من الملاحظ في الأحاديث الثلاثة الماضية ـ حديث الشفاعة وحديث الإسراء وهذا الحديث ـ أنَّها وخاصة حديث الشفاعة والإسراء:
1- مُجَمَّعة أو ملفقة من عدة أحاديث بالإضافة إلى عدة أقوال ربما أُخِذَتْ من إسرائيليات فجمّعت جميعاً لتكوِّن قصة مطولة.
2- من خلال بحثي عن أسانيد وطرق تلك الأحاديث رأيتها متداولة بين سيدنا أنس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهم وهؤلاء من صغار الصحابة ولم يرووا جميع تلك الأحاديث فيما يظهر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة بل رووها بالواسطة، فحديث الإسراء يرويه سيدنا أنس تارة عن مالك بن صعصعة وتارة عن أبي ذر وتارة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رواه بعد سنة خمسين أو ستين من الهجرة فإذا كان قد رواه فعلاً بطوله عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حاجة لروايته عن أبي ذر أو مالك بن صعصعة، ثمَّ إنَّ مالك بن صعصعة غير معروف على التحقيق وإن ذكروا نسبه وكان حديثه في الصحيحين، لأنه ليس له إلا هذا الحديث ولم يعرف إلا به!!
3- أنَّ قضية السماع والعنعنة لم يكن يلتفت إليها الرواة إلا بعد نحو سنة 120 أو 130 من الهجرة وإننا لا ندري بأي صيغة حَدَّثَ هؤلاء الصحابة مثل هذه الأحاديث ثمَّ جاء الرواة الذين رووا بعدهم فرفعوها ظانين أنها مما رووه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مثل حديث التربة الذي رواه مسلم (ذكرناه في مقدمة "دفع شبه التشبيه" ص 50 وفي مقدّمة هذا الكتاب) وإن جاءت صيغته بتصريح أبي هريرة بسماعه له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنَّ البخاري قال إنَّ الأصح أنه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وليس عن أبي هريرة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!! فتأمَّل!!
ونقول إن الأمر مع ذلك مضبوط ما دامت لنا عقول ندرك بها الأفكار التي تأتي في تلك الأحاديث هل هي موافقة للقطعيات في القرآن والسنة أو مخالفة أو لا مخالفة ولا موافقة، ولذلك لا نستطيع أن نبني على خبر الواحد عقيدة لا مجال للخطأ والوهم والغلط فيها!!
وملخص الأمر أنه ينبغي التدقيق في رواية هؤلاء الأربع رضوان الله تعالى عليهم وغيرهم ممن نبهنا عليهم في المقدّمة ويضاف إليهم غيرهم مثل عبدالله بن عمرو بن العاص لأنه كان ينقل من كتب أهل الكتاب كما نبَّه على ذلك الحفاظ!! قال الإمام البيهقي في "الأسماء والصفات" ص (343): ((عبدالله ابن عمرو كان ينظر في كتب الأوائل، فما لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتمل أن يكون مما رآه فيما وقع بيده من تلك الكتب)). يعني كتب أهل الكتاب المحرفة!! وما جاءنا عنه مرفوع وكان بأسلوب تلك الإسرائيليات فهو مما رواه أيضاً من كتب أهل الكتاب ورفعه الرواة عنه فصيروه حديثاً مرفوعاً! فتأمل!!
وفي ((سير أعلام النبلاء)) (3/489): أنَّ كعباً ـ الأحبار ـ ((جالس أصحاب محمداً  فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية)). وقال له سيدنا عمر رضي الله عنه كما في تاريخ أبي زُرْعَة (1/544): ((لتتركنَّ الأحاديث أو لألحقنَّك بأرض القردة)). وذكر الذهبي أيضاً في ترجمة كعب هناك أنَّ ممن روى عنه: أبو هريرة ومعاوية وابن عباس. وذكر المزي في ترجمة عبدالله بن سلام الإسرائيلي من ((تهذيب الكمال)) (15/75): أنَّ ممن روى عنـه: سيدنا أنس وأبو هريرة بل وروى عنه أيضاً أبو سعيد الخدري كما في ترجمة أبي سعيد!! وعبدالله بن سلام حسب اعتقادي هو صاحب فكرة الصراط بالمفهوم الباطل الذي تكلَّمت فيه في ((صحيح شرح الطحاوية))!! فارجع إليه!! وهو صاحب فكرة الإقعاد على العرش وهي قوله: (يجاءُ بنبيكم فيقعد بين يدي الله على كرسيه). الذي رواه الخلال في سنته في مواضع كثيرة من ص (209-260) وابن أبي عاصم في سنته (786) والحاكم (4/568) لكن إسناد الحاكم غير إسناد الخلال وابن أبي عاصم وبإسناده ثبتت القصة عن ابن سلام.
فملخص الأمر أن تلك القصص المشكوك فيها أو تلك التفاصيل الدقيقة نجدها مشتركة في العادة من رواية أبي هريرة وجابر وابن عباس وأبي سعيد وأنس رضي الله عنهم وهذا أمر يدركه الباحث المتأمل فلا بدَّ أن تتمحص تلك الروايات حتى نكون مطمئنين للأخذ بها أو طرحها ونبذها والله الموفق.
4- قولهم إنَّ شعبة مثلاً لا يروي إلا عن ثقة أو أنه متثبت في روايات الأعمش أو غير ذلك عند دفاعهم عن بعض الأحاديث التي يريدون إثباتها بأي طريقة غير صحيح، أو هو منقوض بعد التتبع والفحص والنظر!! فكم من حديث تكلموا فيه وكان وصفه هكذا، وكم من راوٍ طعنوا فيه وقد روى عنه مالك أو شعبة!! وقد ذكرت مثالاً على ذلك في ((التناقضات الواضحات)) (2/282) ويمكن تتبع هذه المسائل وإفراد أمثلة عليها في جزء خاص!! والله المستعان!! .