بطلان حديث ابن عباس الذي جاء فيه:(... ولكن ربنا عزَّ وجل إذا قضى أمراً سبَّحت حملة العرش حتى يُسبِّح أهل السماء الذين يل
مرسل: الخميس يوليو 11, 2024 1:47 pm
بطلان حديث ابن عباس الذي جاء فيه:(... ولكن ربنا عزَّ وجل إذا قضى أمراً سبَّحت حملة العرش حتى يُسبِّح أهل السماء الذين يلونهم...):
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس: حدثني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رُمِيَ بنجم فاستنار، فقال: ((ما كنتم تقولون إذا رمي بمثل هذا؟)). قالوا: كنا نقول: وُلِد الليلة عظيم أو مات عظيم. فقال:
((إنها لم يُرْمَ بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا عزَّ وجل إذا قضى أمراً سبَّحت حملة العرش حتى يُسبِّح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضاً حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو الحق، ولكنهم يقرفون ويزيدون)). أخرجه م س ت].
أقول في بيان بطلان هذا الحديث:
لفظة يقرفون: أي يكذبون.
وهذا حديث معلول إسناداً ومتناً! للأمور التالية:
1- أن مسلماً رواه (2229) بهذا الإسناد: [.. عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً.... غَيْرَ أَنَّ يُونُسَ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ... وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَقَالَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ..].
وغير مسلم كالبيهقي في "السنن الكبرى" (8/138) رواه عن سيدنا علي بن سيدنا الحسين بلفظ: [عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ أُرَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ..].
ورواه أبو يعلى في مسنده (13/105) هكذا: [عن الأوزاعي عن الزهري أراه قال: أخبرني علي بن حسين: أن ابن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب رسول الله..]. (ومعنى أُراه عن ابن عباس أي: أظنه عنه) وقد أسقط أكثر الرواة لفظة (أُراه) فتحصَّل من هذا أن هناك شك في رواية هذا عن ابن عباس!
2- اختلافهم في رواية ابن عباس للحديث عن (رجل) أو عن (رجال) مع عدم ذكر هؤلاء الرجال إبهام يُحتمل فيه أن ابن عباس رواه عن بعض أهل الكتاب (وإن قيل فيه عن رجل من أصحاب النبي) لأن ابن سلام الإسرائيلي من الصحابة وهو ممن يروي الإسرائيليات للإشكالات التي ستأتي في متنه! وعدم تأكد الراوي أنه من حديث ابن عباس!
3- أن قوله في الحديث (ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبَّح حملة العرش) يفيد ظاهره أن الله يقضي الأمور شيئاً فشيئاً! أي أن قضاءه وأمره حادث! مع أن المذهب الحق هو أن الله سبحانه قدَّر الأمور قبل خلق الخلق في الأزل! وفي حديث مسلم (2653) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ..)). ويبعد تأويل القضاء هنا بإظهاره للملائكة لأن ظاهر حديث ابن عباس صريح في أنه يُحْدِثُ ذلك القضاء في ذلك الوقت.
4- وقول مسلم في صحيحه عقب رواية الحديث: (وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَقَالَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ) يفيدنا أن هذا هو حديث ابن مسعود الذي رواه أبو داود (4738) قال: [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ((إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ فَيَقُولُ الْحَقَّ فَيَقُولُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ))]. وقد ذكره البخاري في صحيحه مُعَلَّقاً. فكلاً منهما مشابه ومتفق في المجمل مع الآخَر خاصة قوله في آخره: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ)! وهذا الذي رواه أبو داود وعلقه البخاري ليس فيه ذِكْرٌ للعرش.
5- أن ما ورد في هذا الحديث من أن الجن كانوا يُرْجَمُون في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في هذا الحديث (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رُمِيَ بمثل هذا) وظاهر القرآن يفيد أنهم لم يكونوا يُرْجمون ويرون الشهب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم! قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} الجن:8-10، لذلك أورد الطحاوي هذا الحديث في "مشكل الآثار" برقم (1935) فقال: [إن الذي كانوا يرمون به في الجاهلية قد يحتمل أن يكون كان في خاص من الأوقات, ثم كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات كلها, ويدل على ذلك قول الله عز وجل في إخباره عن الجن بقولهم: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع} يعنون قبل أن يروا الشهب التي رأوها بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي أنه لا يستطيع مثل ما كان يستطيعه قبل ذلك من الاستماع مع الشهب التي حدثت مما يمنع من ذلك. ومن ذلك قوله عز وجل: {.. ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب} أي أنهم مدحورون ممنوعون من ذلك, والواصب الدائم, أي أنه دائم غير منقطع. ومن ذلك قوله عز وجل: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير}، وذلك كله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وفي ذلك ما قد دل على أن ما كان من ذلك الجنس قبل مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقطعهم عن المعاودة لما كانوا يرمون من أجله, وأن ما حَدَثَ من ذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبخلاف ذلك, ويؤكّد ذلك: ما حكى الله عز وجل عن الجن من قوله: {فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً} أي: أن الأمر الذي قد حرست به ليس مما كان قبل ذلك في شيء, وأنه قد منعنا مما كنا واصلين إليه قبل ذلك من ذلك الجنس]. وهو وإن تمحل في تأويله! إلا أنه أفادنا بأنه من مشكل الآثار وأن فيه معارضة لما هو مقرر في القرآن الكريم!
وعليه فإنني لا أقول بصحة هذا الحديث وأنه لا دلالة فيه على ثبوت لفظ (العرش) و(العلو) الذي يريده الذهبي (على أنَّ لنا كلاماً في الزهري لا حاجة إلى ذكره هنا ويمكن معرفته في الجزء الثالث من التناقضات الواضحات). وهذا كما قدَّمنا رواه مسلم (4/1750/2229) وأحمد (1/218) والترمذي (5/362/3224) والنَّسائي في "السنن الكبرى: (6/374/11272) وغيرهم. وهو خبر آحاد لا يقطع بما فيه، ووقع استدلال الذهبي على ما يريده بعبارة: (سَبَّحَتْ حملة العرش) التي وردت فيه! والعرش عندنا هو المُلك أي الكون بأسره، وحملته هم الموكّلون من الملائكة عليهم السلام بالأمور العظيمة في إدارة الكون بأمر الله سبحانه وتعالى
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس: حدثني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رُمِيَ بنجم فاستنار، فقال: ((ما كنتم تقولون إذا رمي بمثل هذا؟)). قالوا: كنا نقول: وُلِد الليلة عظيم أو مات عظيم. فقال:
((إنها لم يُرْمَ بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا عزَّ وجل إذا قضى أمراً سبَّحت حملة العرش حتى يُسبِّح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضاً حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو الحق، ولكنهم يقرفون ويزيدون)). أخرجه م س ت].
أقول في بيان بطلان هذا الحديث:
لفظة يقرفون: أي يكذبون.
وهذا حديث معلول إسناداً ومتناً! للأمور التالية:
1- أن مسلماً رواه (2229) بهذا الإسناد: [.. عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ لَيْلَةً.... غَيْرَ أَنَّ يُونُسَ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ... وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَقَالَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ..].
وغير مسلم كالبيهقي في "السنن الكبرى" (8/138) رواه عن سيدنا علي بن سيدنا الحسين بلفظ: [عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ أُرَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَنِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ..].
ورواه أبو يعلى في مسنده (13/105) هكذا: [عن الأوزاعي عن الزهري أراه قال: أخبرني علي بن حسين: أن ابن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب رسول الله..]. (ومعنى أُراه عن ابن عباس أي: أظنه عنه) وقد أسقط أكثر الرواة لفظة (أُراه) فتحصَّل من هذا أن هناك شك في رواية هذا عن ابن عباس!
2- اختلافهم في رواية ابن عباس للحديث عن (رجل) أو عن (رجال) مع عدم ذكر هؤلاء الرجال إبهام يُحتمل فيه أن ابن عباس رواه عن بعض أهل الكتاب (وإن قيل فيه عن رجل من أصحاب النبي) لأن ابن سلام الإسرائيلي من الصحابة وهو ممن يروي الإسرائيليات للإشكالات التي ستأتي في متنه! وعدم تأكد الراوي أنه من حديث ابن عباس!
3- أن قوله في الحديث (ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبَّح حملة العرش) يفيد ظاهره أن الله يقضي الأمور شيئاً فشيئاً! أي أن قضاءه وأمره حادث! مع أن المذهب الحق هو أن الله سبحانه قدَّر الأمور قبل خلق الخلق في الأزل! وفي حديث مسلم (2653) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ..)). ويبعد تأويل القضاء هنا بإظهاره للملائكة لأن ظاهر حديث ابن عباس صريح في أنه يُحْدِثُ ذلك القضاء في ذلك الوقت.
4- وقول مسلم في صحيحه عقب رواية الحديث: (وَزَادَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: وَقَالَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ) يفيدنا أن هذا هو حديث ابن مسعود الذي رواه أبو داود (4738) قال: [حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ((إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ حَتَّى إِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ فَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ فَيَقُولُ الْحَقَّ فَيَقُولُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ))]. وقد ذكره البخاري في صحيحه مُعَلَّقاً. فكلاً منهما مشابه ومتفق في المجمل مع الآخَر خاصة قوله في آخره: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ)! وهذا الذي رواه أبو داود وعلقه البخاري ليس فيه ذِكْرٌ للعرش.
5- أن ما ورد في هذا الحديث من أن الجن كانوا يُرْجَمُون في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في هذا الحديث (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رُمِيَ بمثل هذا) وظاهر القرآن يفيد أنهم لم يكونوا يُرْجمون ويرون الشهب قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم! قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} الجن:8-10، لذلك أورد الطحاوي هذا الحديث في "مشكل الآثار" برقم (1935) فقال: [إن الذي كانوا يرمون به في الجاهلية قد يحتمل أن يكون كان في خاص من الأوقات, ثم كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات كلها, ويدل على ذلك قول الله عز وجل في إخباره عن الجن بقولهم: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع} يعنون قبل أن يروا الشهب التي رأوها بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي أنه لا يستطيع مثل ما كان يستطيعه قبل ذلك من الاستماع مع الشهب التي حدثت مما يمنع من ذلك. ومن ذلك قوله عز وجل: {.. ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب} أي أنهم مدحورون ممنوعون من ذلك, والواصب الدائم, أي أنه دائم غير منقطع. ومن ذلك قوله عز وجل: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير}، وذلك كله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وفي ذلك ما قد دل على أن ما كان من ذلك الجنس قبل مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يقطعهم عن المعاودة لما كانوا يرمون من أجله, وأن ما حَدَثَ من ذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فبخلاف ذلك, ويؤكّد ذلك: ما حكى الله عز وجل عن الجن من قوله: {فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً} أي: أن الأمر الذي قد حرست به ليس مما كان قبل ذلك في شيء, وأنه قد منعنا مما كنا واصلين إليه قبل ذلك من ذلك الجنس]. وهو وإن تمحل في تأويله! إلا أنه أفادنا بأنه من مشكل الآثار وأن فيه معارضة لما هو مقرر في القرآن الكريم!
وعليه فإنني لا أقول بصحة هذا الحديث وأنه لا دلالة فيه على ثبوت لفظ (العرش) و(العلو) الذي يريده الذهبي (على أنَّ لنا كلاماً في الزهري لا حاجة إلى ذكره هنا ويمكن معرفته في الجزء الثالث من التناقضات الواضحات). وهذا كما قدَّمنا رواه مسلم (4/1750/2229) وأحمد (1/218) والترمذي (5/362/3224) والنَّسائي في "السنن الكبرى: (6/374/11272) وغيرهم. وهو خبر آحاد لا يقطع بما فيه، ووقع استدلال الذهبي على ما يريده بعبارة: (سَبَّحَتْ حملة العرش) التي وردت فيه! والعرش عندنا هو المُلك أي الكون بأسره، وحملته هم الموكّلون من الملائكة عليهم السلام بالأمور العظيمة في إدارة الكون بأمر الله سبحانه وتعالى