صفحة 1 من 1

بيان بطلان حديث أبي ذر الذي يستدل به المجسمة بأن الشمس تسجد عند ربها وقت المغيب:

مرسل: السبت يوليو 13, 2024 10:47 am
بواسطة عود الخيزران
بيان بطلان حديث أبي ذر الذي يستدل به المجسمة بأن الشمس تسجد عند ربها وقت المغيب:

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال النبي :
((أتدري أين تغرب هذه الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش عند ربها تستأذن)) وذكر الحديث. أخرجه البخاري].


أقول في بيان بطلان هذا الحديث:

شـاذ وباطـل. لم يروه البخاري بهذا اللفظ الذي فيه (عند ربها) والذي أراد المصنف الاستدلال به على العلو! وهو بهذا اللفظ شاذ مردود لمخالفة الروايات الصحيحة في الصحيحين وغيرهما لمن انفرد بروايته، ولفظه في البخاري (3199و4802و7424) ومسلم (159) قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر عن الشمس: ((أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟)) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا)). فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}]. وهو عندهما بألفاظ متقاربة وبأسانيد متعددة ليس في شيء منها لفظ (عند ربها) الذي أورده الذهبي هنا وعزاه للبخاري ليستدل به على العلو! وهو بهذه اللفظة مرويٌ عند النَّسائي في "السنن الكبرى" (6/439/11430) وابن حِبَّان (14/24) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (برقم836)، ومنه يتبين أن المصنِّف وقع في تدليس لا يليق بمثله أن يقع فيه!! فلا حول ولا قوَّة إلا بالله!! والعجب العجاب أنَّ الألبانيَّ المتناقض!! أقرَّ الذهبي في ((مختصر العلو)) على ما قال ولم يتعقبه ولم يُبَيِّن! وهذا دالٌّ على عدم التحقيق!! فتنبهوا لذلك!! وقد قال بعض المجسمة المعاصرين في تعليقه على علو ابن قدامة مستدلاً بالرواية التي ساقها الذهبي: [وهذا يدل على إثبات العرش، وأن الله مستو عليه، كما يدل على صفة العلو لله تبارك وتعالى]. وقد تبين بطلان هذا الاستدلال بهذه الزيادة الشاذة المردودة!
[زيادة فائدة]: أصل حديث الشمس هذا هو ما رواه البخاري (3199) ومسلم (159) عن أبي ذر قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} قـال: ((مستقرها تحت العرش)). أقول: وقـد أضيف لهذا الحديث في الصحيحين (بخاري 3199و4802و7424 ومسلم 1/138/159) وغيرهما بعض المزاعم الباطلة وهي أنَّ الشمس تذهب كل يوم بعد غيابها فتسجد تحت العرش وتستأذن ربها في أن تشرق على الأرض فيأذن لها فتشرق من جهة المشرق وعند حصول علامات الساعة الكبرى وعندما يريد الله تعالى أن يقفل باب التوبة كما يزعمـون!! تذهب الشمس بعد الغياب وتسجد وتستأذن الله تعالى في الشروق من المشرق فلا يأذن لها فتعود وتشرق من المغرب!!
وأقـول: إنَّ هذا باطل من القول مخالف للواقع!! لأنَّ الشمس لا تغيب عن وجه الأرض ولا لحظة واحدة بل هي مستمرة في الشروق ولا أظنُّ أنَّ أحداً اليوم يخالف في ذلك!! ونحن ننزِّه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يكون قد قال ذلك الحديث!! وقائل الحديث الحقيقي الواضع له كان لا يرى كروية الأرض، والفكر المنبثق من هذا الحديث فكر الأمم السابقة والإسرائيليات يتخيل أنَّ الله تعالى عمَّا يقولون جالس على العرش وأنَّ الشمس تذهب كل ليلة عنده وتسجد له وتستأذن كأنها عاقلة غير مُسَخَّرَة، والقرآن أثبت أنها مسخرة ودائبة {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} إبراهيم: 33. قال الراغب في "المفردات": ((التسخير سياقةٌ إلـى الغرض المُخْتَصّ قهراً)). فمن هنا انبثقت فكرة سجود الشمس تحت العرش وهذه العلامة المزعومة من علامات الساعة، وهي من أبطل الباطل!! وقد تمحّل بعض العلماء قديماً في تأويل حديث سجود الشمس تحت العرش دون طائل ودون إقناع. وننبه هنا إلى أننا نعتقد أنَّ الشمس والقمر وكل ما في السموات والأرض ساجد لله تعالى خاضع له في كل لحظة وحين، وليس كما جاء في هذا الحديث في حق الشمس أنها إنما تسجد فقط بعد غيابها عن الأرض (غير الكروية التي يتخيلها المجسمة) وتبقى طيلة النهار غير ساجدة!! ودليلنا قول الله تعالى: {ألم تر أنَّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} الحج: 18. والله تعالى أعلم وأحكم!!
فملخص الكلام أنَّ هذه الزيادة التي جاءت في الرواية التي ساقها الذهبي هنا في هذا الحديث الذي احتج به زيادة شاذة مردودة لمخالفتها بقية الروايات والطرق الصحيحة ولمخالفتها لصريح المعقول وصحيح المنقول والله المستعان. وهي تحتاج لجزء مفرد في تتبع طرقها وبيان أن زيادة الثقات في مثل هذه الأبواب الظنية هي من باب تصرُّف الرواة الشاذ الباطل المردود.