بطلان حديث جابر الذي جاء بلفظ:( إنَّ الله يبعثكم حفاة عراة غُرْلاً بُهْمَاً، ثمَّ ينادي بصوت رفيع غير فظيع وهو قائم على عرشه يسمع القريب والبعيد يقول: أنا الديان لا ظلم اليوم...):
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث في المبتدأ لإسحق بن بشر وهو كذاب كما قدمنا، أخبرني عثمان بن ساج، عن مقاتل بن حيان، عن أبي الجارود العبدي، عن جابر قال: بلغني حديث في القصاص وصاحبه بمصر، فاشتريت بعيراً وسرت إليه فأتيته، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
((إنَّ الله يبعثكم حفاة عراة غُرْلاً بُهْمَاً، ثمَّ ينادي بصوت رفيع غير فظيع وهو قائم على عرشه يسمع القريب والبعيد يقول: أنا الديان لا ظلم اليوم …)) الحديث فهذا شبه موضوع].
أقول في بيان بطلان هذا الحديث:
موضـوع وهو خرافة. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقد صرح الذهبي عقبه مباشرة بقوله (وهذا شبه موضوع)! رواه كما ذكر الذهبي هنا أبو حذيفة اسحاق بن بشر وقد أجمعوا على أنه كذَّاب كما تقدّم، انظر ((لسان الميزان)) (1/392)، ورواه أيضاً الطبراني في ((مسند الشاميين)) (1/104) فأساء لنفسه لكن بدون عبارة (وهو قائـم على عرشه). ورواه الخطيب في "الرحلة في طلب الحديث" برقم (33) وفي سنده عمر بن الصبح وهو كذَّاب أيضاً. وليس فيه لفظة (قائم).
وعلينا الآن أن نناقش إسناد الطبراني فنقول وبالله تعالى التوفيق: قال الطبراني هناك:
[حدثنا الحسن بن جرير الصوري، ثنا عثمان بن سعيد الصيداوي، ثنا سليمان بن صالح، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال: كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً في القصاص، وكان صاحب الحديث بمصر، فاشتريت بعيراً، فشددت عليه رحلاً …فذكر القصة وذكر روايته للحديث وأوله: إنَّ الله يبعثكم يوم القيامة من قبوركم حفاة عراة بهماً، ينادي بصوت رفيع غير فظيع يُسْمَعُ مِن بُعْدٍ كما يُسمعُ مِنْ قُرْبٍ …] الحديث.
قلت: أما الحسن بن جرير الصوري فمجهول الحال ترجمه الذهبي في "السير" (13/442) نقلاً عن ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/42) وانظر أيضاً تهذيب تاريخه (4/156) ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما شيخه عثمان بن سعيد الصيداوي فهو مجهول لم أقف على من ترجمه البتة إلا ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (38/367) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما سليمان بن صالح فمجهول الحال أو مستور لأنه لم يوثقه أحد وتوثيق الحافظ له في "التقريب" لأنه ظنَّ أنه من رجال البخاري فيما يظهر وليس له في الكتب الستة بل ولا عند أحمد في مسنده بل ولا في الموطأ والدارمي رواية ولا ذُكِرَ البتة إلا في سنن النَّسائي الكبرى دون الصغرى، وفي البخاري في موضعين مقروناً بغيره وبذلك يصح أن نقول بأنه مجهول، بل إعراض هؤلاء الأئمة عن الرواية عنه وعدم وجود مَنْ تَكَلَّم فيه بجرح أو تعديل يُرَجِّحُ ضَعْفَه وعدم التعويل على روايته لأنَّ البخاري لم يعتمد عليها بل قَرَنَهُ بغيره. وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقال عنه ابن مَعِين في أكثر الروايات: ضعيف، وقـال: لا شيء. وقال عنه أحمد: أحاديثه مناكير. وقال صالح بن محمد البغدادي أثناء كلام عليـه: ((وحديث الشامي لا يُضَمُّ إلى غيـره..)) وقال الأوزاعي كما في ((المعرفة والتاريخ)) (2/392): ((قد رفع عنه القلم أي أنه مجنون)). وأما الحجاج بن دينار فوثقه بعضهم وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال ابن خزيمة: في القلب منه. انظر ((تهذيب الكمال)) (5/437).
فبعد هذا البيان إذا لم نقل عن هذا السند بأنه واهٍ؛ قلنا: ضعيف جداً ومتنه موضوع بلا شك.
فثبت بهذا أنَّ الحديث بإثبات لفظ (بصوت رفيع غير فظيع وهو قائم على عرشه) في عداد الموضوعات. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والآن ننتقل إلى سند آخر له ومتن ليس فيه ذكر للفظ (رفيع غير فظيع) وليس فيه أيضاً (وهو قائم على عرشه) وهو ما علَّقه البخاري في صحيحه (13/453) [باب قول الله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده} …] بصيغة تمريض قال: ((ويُذْكَرُ عن جابر عن عبدالله بن أُنَيْس قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه مَنْ بَعُدَ كما يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُب: أنا الملك أنا الديان)). ورواه في الأدب المفرد (رقم 970) مسنداً، وأحمد في المسند (3/495) والحاكم في المستدرك (2/438) و (4/575) والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) ص (78) وإسناده تالف فيه القاسم بن عبد الواحد قال أبو حاتم ما معناه: لا يحتج به. "الجرح والتعديل" (7/114) وأما شيخه عبدالله بن محمد بن عقيل فإليك أقوال من جرحه من الأئمة من "تهذيب التهذيب" (6/13):
[1- قال ابن سعد: كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه.
2- وقال بشر بن عمر: كان مالك لا يروي عنه.
3- وقال علي بن المَدِيني: كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه.
4- وقال يعقوب بن شيبة: عن ابن المَدِيني: لم يدخله مالك في كتبه.
5- وقال يعقوب بن أبي شيبة: صدوق في حديثه ضعف شديد جداً.
6- وقال سفيان بن عُيَيْنَة: متروك الحديث.
7- وقال الإمام أحمد: منكر الحديث.
8- وقال ابن مَعِين: لا يحتج بحديثه.
9- وقال أبو زرعة: مختلف عنه في الأسانيد.
10- وقال أبو حاتم: لين الحديث ليس بالقوي ولا ممن يحتج بحديثه.
11- وقال النَّسائي: ضعيف.
12- وقال ابن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه.
13- وقال ابن المَدِيني: كان ضعيفاً.
14- وقال الخطيب: كان سيء الحفظ.
15- وقال ابن حِبَّان: كان رديء الحفظ يحدّث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه فوجب مجانبة أخباره] انتهى من "تهذيب التهذيب" (6/13). وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (6/205): ((قلت: لا يرتقي خبره إلى درجة الصحة والاحتجاج)). وقال الإمام الكوثري في تعليقه على ((الأسماء والصفات)) للبيهقي ص (78) بعدما ذكر طعن الأئمة فيه: ((ولا تغتر بالذهبي وأذياله، وقول من قال: احتجَّ به أحمد وإسحق بمعنى أنهما أخرجا حديثه في مسنديهما وأنت تعرف حال المسانيد)).
قلت: ومتناقض عصرنا الألباني متناقض فيه!! ومع ذلك قال في رده على البوطي المسمـى (دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على جهالات الدكتور البوطي في كتابه فقه السيـرة) ص (9) ما نصه: ((فإنَّ ابن عقيل هذا تابعي على ضعف فيه، قال الحافظ في التقريب: صدوق في حديثه لين، ويقال تغير بأخرة …)).
قلت: ومع ذلك أساء وعارض الحقائق العلمية فأورد حديثه المنكر هذا في "صحيح الأدب المفرد" ص (371) برقم (746) لأنَّ فيه تأييداً لمعتقده الباطل! فكابر!! واقترف مثل ذلك بل استعمل التدليس في تعليقه على "سنة ابن أبي عاصم" (225) فتلاعب في كلام الحافظ في "الفتح" (1/174) وقد رددت عليه وأبطلت كلامه المتعلق بهذه المسألة في كتابي ((إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشـر)) ص(32) فليرجع إليه من شاء التبصر. وقد وقع مريد الألباني المتناقض!! الجهول!! في تعليقه على رسالة "نجاة الخلف في اعتقاد السلف" للشيخ عثمان بن عثمان النجدي [ص 31 من طبعة المكتب الإسلامي ودار عمار الطبعة الأولى 1407هـ] في مزالق الجهالة حيث قال هناك: [تنبيه: قوله ((رفيع غير فظيع)) لعله من تفسير ابن بشر فلم أره في شيء من طرق الحديث!!]!!! فتأملوا!!
بطلان حديث جابر الذي جاء بلفظ:( إنَّ الله يبعثكم حفاة عراة غُرْلاً بُهْمَاً، ثمَّ ينادي بصوت رفيع غير فظيع وهو قائم على
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm