التلعيق على حديث ابن عمر الذي جاء فيه:( اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً):
قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث ابن فضيل وغيره عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعاً: ((اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً)). وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وحذيفة، وأبي هريرة، وأسماء بنت يزيد، ومعيقيب. فهذا متواتر أشهد بأنَّ الرسول قاله].
أقول في التعليق على هذا الحديث:
صحيح بما ذكرنا في الحاشية المُطَوَّلة رقم (465) من تحقيقنا لكتاب "العلو" ، له طرق وشواهد أخرى. وهذا الإسناد فيه عطاء بن السائب وكان قد اختلط. لكن كما قال الدارقطني رواه عن عطاء بن السائب غيره كما بيناه في الحاشية المذكورة، رواه ابن سعد في "الطبقات" (3/433) والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (10/367/4171) والبزار (كشف الأستار 3/256) والحاكم في "المستدرك" (3/206)، وغيرهم. لكن رواه الطحاوي في ((شرح المشكل)) (10/363/4168) بسند آخر وقال إنه مثل لفظ حديث جابر الذي قبله والذي لفظه: ((اهتز العرش لموت سعد بن معاذ)). وفيه إسماعيل بن أبي مسعود مترجم في ((لسـان الميزان)) (1/490) وفيه: ((يُغْرِب. قاله ابن حِبَّان في الثقات)). انظر ((الثقات)) (8/95). وسيأتي الكلام عليه في الحاشية التي بعد التالية.
و إسناده واهٍ والمتن باطل مردود، وقد بين البخاري أن راويه عن سعد بن أبي وقاص أخطأ فيه فبدل أن يرويه عن أبي سعيد الخدري رواه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. رواه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (10/370/4174)، والبزار (كشف الأستار 3/257/2700). قال الطحاوي: [ووجدنا أبا أمية قد حدثنا قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري، قال: حدثنا صالح بن محمد بن صالح التَّمَّار ومعن بن عيسى وعبد العزيز بن عمران، عن محمد بن صالح، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، أن عمر قال لأم سعد بن معاذ -وهي تبكي عليه-: انظري ما تقولين يا أم سعد! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعها يا عمر كل نائحة مكذبة إلا أم سعد، ما قالت من خير فلن تكذب)) ثم احتمل فوضع في قبره فتغيَّر لون النبي F فقال المسلمون: يا رسول الله إن كنت لتقطعنا يعنون في السرعة قال: ((خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله كما سبقتنا إلى غسل حنظلة بن أبي عامر)). قالوا: يا رسول الله رأينا لونك قد تغير حين قعدت على القبر! قال: ((ضم سعد في القبر ضمة ولو أعفي منها أحد أعفي منها سعد)).
وقال البزار: [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعْتَمِرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، ثنا أَبِي، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا مَرَّتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ النَّبِيُّ F: ((لَقَدِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ)).قَالَ الْبَزَّارُ: لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ سَعْدٍ إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ].
أقول: في إسنادهما يعقوب بن محمد الزهري. قال أبو زرعة: ((واهي الحديث)) وقال ابن مَعِين: ((تركوا حديثه)). انظر ((تهذيب الكمال)) (32/370). وقال أحمد بن حنبل كما في "الجرح والتعديل" (9/214): [يعقوب بن محمد الزهرى ليس بشيء ليس يسوى شيئاً]. وشيخه صالح بن محمد بن صالح التَّمَّار مجهول لم يوثقه أحد له ترجمة في "تاريخ البخاري" (4/291) وفيها أن حديثه غَلَطَ فيه. وأبوه صالح التَّمَّار فيه كلام مشهور، ومنه قول أبي حاتم الرازي فيه كما في ((الجرح)) (7/287): ((شيخ ليس بالقوي لا يعجبني حديثه)). وزادنا الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (9/200) فقال: [وقال البرقاني: سألت الدارقطني عن محمد بن صالح يروي عنه زيد بن الحباب فقال: هو التَّمَّار متروك]. وهو في كتاب "سؤالات البرقاني للدارقطني" (برقم439). وللحديث علة واضحة بَيَّنَها البخاريُّ في "التاريخ الكبير" (4/291) فقال: [صالح بن محمد بن صالح بن دينار التَّمَّار المدني عن أبيه عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سعد بن معاذ. وخالفه شعبة عن سعد عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أصح]. أي أن هذا الإسناد غلط! أخطأ فيه التَّمَّار! لأن هذا حديث أبي سعيد الخدري وليس سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه!
تنبيه: هذا عن ابن عمر له روايتان وليستا في صالح عقيدة الذهبي والمجسمة:
الأولى: صحيحة وفيها أن (العرش) هو النَّعْش والسَّرير الذي حُمِلَ عليه سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه، أوردناها في التعليق على النص رقم (171)، وهي: ما رواه ابن أبي شيبة (6/393)، وابن سعد في "الطبقات" (3/433)، والبزار (كشف الأستار3/256/2697)، والحاكم في "المستدرك" (3/228) وصححه ووافقه الذهبي، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (10/115) من طريق: [..عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً. قال: ثم قالوا: وما العرش؟ قال: سبحان الله لقد تَفَسَّخَتْ أعواده أو عوارضه وإنه على رقابنا وأكتافنا..]. وهو وإن رواه عطاء بن السائب وكان قد اختلط إلا أنه رواه عنه جمع منهم حماد بن سلمة كما قال الدارقطني وقد بينا في التعليق على النص (171) أنه ممن روى عنه قبل الاختلاط. قال الحافظ البوصيري في "اتحاف الخيرة المهرة" (7/101): [رواه أبو بكر بن أبي شيبة ورواته ثقات]. وقد أسهبنا هنالك في بيان طرقه وثبوته. وقال الإمام الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (10/367): ((فكان في هذا الحديث أنَّ ذلك العرش هو السرير الذي حمل عليه سعد رضي الله عنه)). وفي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (1/218): [وَقَالَ: السُّيُوطِيُّ فِي "مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ": اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدٍ وَهُوَ سَرِيرُ الْمَيِّتِ، وَاهْتِزَازُهُ فَرَحُهُ لِحَمْلِ سَعْدٍ عَلَيْهِ إِلَى مَدْفَنِهِ].
وتقدَّم أن الحافظ ابن حجر ذكر في "الفتح" (7/124) أيضاً أن الإمام مالكاً أنكر حديث اهتزاز عرش الرحمن بموت سيدنا سعد رضي الله عنه أو نهى عن التحديث به. وبينَّا أن لا يثبت الحديث بلفظ (عرش الرحمن) وإنما بلفظ (العرش) الذي هو النَّعْش.
والرواية الثانية: رواية لا تثبت عن ابن عمر رواها ابن سعد في "الطبقات" (3/328) من طريق: عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر مرفوعاً فقال: [أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ (ت192هـ) قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (ت147هـ)، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ F: ((لَهَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وفتحت له أبواب السماوات وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا الأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ أفرج عنه)) يعني سعد بن معاذ] لكنه معلل لا يصح! وعلته الأساسية التي نبَّهَ عليها الحفاظ من عهد السلف أن نافعاً لم يروه عن ابن عمر إنما أرسله وفي بعض الروايات قال (أُخْبِرْتُ..) هذا الذي صرَّح به وَبَيَّنَهُ الحُفَّاظ وأهل العلل كما سيأتي توثيق ذلك بعد أسطر إن شاء الله تعالى، فهو منقطع لا يثبت.
وإسماعيل ابن أبي مسعود قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1/439): [يُغْرِبُ؛ قاله ابن حبان في الثقات]. وقال الطبراني (ت360هـ) في "الكبير" (11/191) وفي "الأوسط" (2/199): [لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلا ابْنُ إِدْرِيسَ]. قلت: رواه البزار في مسنده (5746) من طريق (داود بن عبد الرحمن عن عبيد الله..). مرسلاً}
فقال البزار (ت292هـ) في مسنده (2/238/5746): [حَدَّثنا عَبد الأعلى بن حماد، حَدَّثنا داود بن عَبد الرحمن، حَدَّثنا عُبَيد الله بن عُمَر، عَن نافع، عَن ابن عُمَر: قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لقد هبط يوم مات سَعْد بن معاذ سبعون ألف ملك إلى الأرض لم يهبطوا قبل ذلك ولقد ضَمَّهُ القبر ضمة ثم بكى نافع. وهذا الحديث لا نعلَمُ رواه عَن عُبَيد الله عَن ابن عُمَر إلاَّ داود العطَّار، ورواه غيره عَن عُبَيد الله عَن نافع مرسلاً].
أقول: داود بن عبد الرحمن العطار انتقى له البخاري ومسلم فروى له البخاري حديثاً واحداً (726) ومسلم ثلاثة (301و1410و2975)، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (3/417): [لا بأس به صالح]. وهذا يُشْعِر بأنه ليس بذاك، وقال ابن حجر في "التهذيب" (3/166): [ونقل الحاكم عن ابن مَعِين تضعيفه وقال الأزدي: يتكلمون فيه].
وقال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (6/376/2599): [..وَرَوَاهُ محمَّد بْنُ بِشْر، عَنْ عُبَيدالله، عَنْ نَافِعٍ؛ قَالَ: بلَغني أنَّ سَعْدَ بْنَ مُعاذ صلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ، لَمْ يَذْكُرِ ابْنِ عُمَرَ؟ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: الحديثُ حديثُ محمَّد بْن بِشْر. قلتُ: كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سعيد القَطَّان، عن عُبَيدالله بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ؛ قَالَ: أُخْبِرتُ أَنَّهُ شَيَّعَ جِنَازَةَ سَعْدِ بن مُعاذ...].
هذه تصريحات بعدم ثبوت هذه الرواية من علماء السلف المتخصصين في العلل.
ورواه البزار (2/238/برقم5747) وهو في (كشف الأستار 3/256/برقم2698) فقال: [حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، ثنا أَبُو عَتَّابٍ، ثنا مِسْكِينُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، مَا وَطِئُوا الأَرْضَ قَبْلَهَا)) وَقَالَ حِينَ دُفِنَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ لَوِ انْفَلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِلانفلت منها سعد))]. والصواب في هذا الإسناد: مسكين بن عبد الله عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو خطأ من الطابعين للكتابَينِ.
أقول: (سليمان) هو بن سيف الحراني أبو داود (ت272هـ).
و(أبو عَتَّاب) مجهول على التحقيق، قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (4/219) في ترجمة (سهل بن حماد العنقزي أبو عَتَّاب الدلال البصري): [قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: لا بأس به. وقال عثمان الدارمي عن ابن مَعِين: لا أعرفه. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح الحديث شيخ... وقال ابن عَدِي: ..ثنا عثمان الدارمي، سألت ابن مَعِين عن سهل بن حماد فقال: مَنْ سهل؟ قلت: الذي مات قريباً الأزدي، ثنا عنه أبو مسلم وغيره، فقال: ما عرفته. قال ابن عَدِي: هو كما قال، لأنه ليس بالمعروف، وأبو مسلم الذي عناه عثمان الدارمي هو عبد الرحمن بن يونس وسهل غير معروف ولم يحضرني له حديث. قلت: فأظن هذا غير أبي عَتَّاب فالله أعلم]. وبالتالي فالرجل مجهول.
وسهل بن حماد لم يرو له مسلم إلا حديثاً واحداً (1934) متابعة فقط.
(ومسكين) إن كان هو مسكين بن عبد الله أبو فاطمة فهو ليس ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب! وليس لعبد الرحمن ابن بهذا الاسم ولا حفيد باسم مسكين، ولم ينسب أحد من الحفاظ مسكين إلى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. بل قال الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (3/44): [ومسكين أبو فاطمة ضعيف الحديث]. وفي "الجرح والتعديل" (8/329): [وسألت (أبي) عنه فقال: وَهَنَ أمر مسكين أبى فاطمة بهذا الحديث حديث أبى امامة في الغسل يوم الجمعة]. ولا نعلم سنة وفاته! وهذا يثبت أنه ضعيف وربما واهٍ!
و(عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) توفي سنة بضع وستين، وهو لا يروي عن نافع، فقد سمع من عمر بن الخطاب ومات قبل ابن عمر كما قال البخاري في تاريخه (5/284).
فهذا إسناد ظلمات وعجائب! فلا يصح بحال!
قلت: وقد أخطأ الألباني حيث صححه مع كل هذه العلل فأورده في صحيحته (7/1040/برقم3345)، وكان عليه أن يضعه في سلسلة "الموضوعات والواهيات" ولم يكمل البحث في رواية مسكين بن عبد الله عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن نافع! وتفيقه بذكر الرواة الذين ذكر أهل الحديث أنهم رووا عن (مسكين) وزعم أن رواية الثقات عنه تجعله ثقة محتجاً به وتدفع تضعيف أبي حاتم الرازي والدارقطني له! وصمت عن رواية مسكين عن عبد الرحمن بن زيد! مع أنه كم من الضعفاء روى عنهم ثقات معروفون ولم يَجْعَلْ ذلك حديثهم صحيحاً!
ثم ذهب الألباني على عادته ليجلب له متابعات وشواهد! فتكلم على طرق أخرى وخبط شرقاً وغرباً وعليه فينبغي أن يذكر هذا في (الضعاف والموضوعات)!
فبدأ بذكر رواية ابن سعد في "الطبقات" (3/328) التي تكلمنا عليها قبل قليل التي من طريق: [إِسْمَاعِيلُ ابْنُ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ (ت192هـ) قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (ت147هـ)، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ]. وهي معللة كما قدمنا! وقد بين ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (6/376/2599): أن محمد بن بشر ويحيى بن سعيد القطان روياه عن عبيد الله عن نافع مرسلاً فقال (بلغني) و (أُخْبِرْتُ)!
ثم ذهب الألباني ليوثق إسماعيل بن أبي مسعود الذي ذكره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1/439) وقال ابن حجر فيه: [يُغْرِبُ. قاله ابن حِبَّان في الثقات]. فزعم الألباني أنه ظفر بفائدة لم يظفر بها الحافظ ابن حجر! وهي أنه وجد في "تاريخ الخطيب" أنه ثقة حيث قال هناك في "صحيحته" (7/1043): [ثم روى بسنده – أي الخطيب - عن ابن السكن: "حدثنا إسماعيل بن أبي مسعود، بغدادي ثقة". قلت: وهذه فائدة تستدرك على "اللسان "]. هذا كلام الألباني!
وأقول: مما يبطل قول الألباني هذا أن الذي قاله الخطيب في "تاريخ بغداد" (6/249): [...حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْد اللَّهِ بْن سُلَيْمَان بْنِ الأشعث، حدّثنا أحمد بن محمّد بن السّكن، حدثنا إسماعيل بن أبي مسعود بغدادي ثقة]. فظن الألباني أنه بهذا قطع وشيجة كل خطيب! فأما (أبو بكر عبد الله بن سليمان) فهو أبو بكر بن أبي داود كَذَّاب مُجَسِّم ناصبي كذَّبه أبوه صاحب السنن، و(أحمد ابن السكن) هذا ليس صاحب "صحيح ابن السكن" – صاحبُ الصحيحِ اسمه سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن (294-353هـ) – وهذا اسمه أحمد وهو رجل كذَّاب أيضاً يسرق الحديث ولا يعوَّل عليه! فأحمد ابن السَّكن هذا قال عنه الذهبي في "الميزان" (1/283): [ضَعَّفَهُ عبدان الشيرازي، وقال ابن مردويه: كان ممن يسرق الحديث وكان أبو أحمد العسال يحسن أمره ويروي عنه]. وأكمل الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1/266) القول فيه فقال: [وقال أبو الشيخ: قدم علينا أصبهان سنة أربع وثلاث مائة فحدَّث عن إسحاق الخطمي وابن سهم الأنطاكي وعيسى الشيوزي وخلق فَفُتِّشَ عنه وكان ممن يسرق الحديث ويحدِّث بالبواطيل فتركوا حديثه]. فذهب كلام الألباني في توثيقه واستدراكه على ابن حجر في هذا الرجل أدراج الرياح!
ثم حاول الألباني أن يقويَهُ بما رواه النسائي (2055) من طريق (عمرو بن محمد العنقزي عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر..به) وهذا غير مقبول لثلاثة أمور:
الأول: أن أئمة من حفاظ السلف علَّلوا ذلك بأن نافعاً رواه مرسلاً ولم يروه عن ابن عمر! فقد بين كما تقدَّم ابن أبي حاتم في "علل الحديث" (6/376/2599): أن محمد بن بشر ويحيى بن سعيد القطان روياه عن عبيد الله عن نافع مرسلاً فقال (بلغني) و (أُخْبِرْتُ)!
ونبَّه على ذلك البزار (ت292هـ) فقال في مسنده (2/238/5746) عقب روايته له من طريق داود بن عبد الرحمن عن عبيد الله: [ورواه غيره عَن عُبَيد الله عَن نافع مرسلاً].
والثاني: أن البخاري ومسلماً عندما رويا حديث اهتزاز العرش حذفا قضية الضم منها! وهذا يؤكِّد على أنها معلَّة عندهما!
والثالث وهو الأهم: أن ضغطة القبر وضمته والتشديد على الميت فيه تخالف القرآن الذي يقرر أن المؤمن لا خوف عليه ولا حزن! قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة:112، وضمة القبر عذاب وخوف وحزن! وقال تعالى: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} الجاثية:21.
ثم قال الألباني معلقاً على قول البزار (ورواه غيره عن عبيد الله عن نافع مرسلاً) فقال في صحيحته (7/1044): [قلت: لم يذكر من هو هذا (الغير) ؟ ولا ذكر إسناده إليه، ولا عرفته، فإن صح فلا يضر بعد أن أسنده العنقزي متابعاً لداود بن عبد الرحمن كلاهما عن عبيد الله بن عمر، متابعين لعبد الله بن إدريس عنه، فهؤلاء ثلاثة من الثقات قد أسندوه، فلا يضرهم مخالفة من أرسله مهما كان شأنه؛ فكيف وقد توبع عبيد الله بن عمر على إسناده من مسكين أبي فاطمة عن نافع عن ابن عمر، كما في حديث الترجمة؟!].
وهذا المتناقض وقع في عدة أمور منها:
1- أنه لم يعرف من رواه مرسلاً وقد بيناه من كلام ابن أبي حاتم في "العلل".
2- أنه لم يعلم أن أصحاب العلل ممن يسميهم هو أئمة السلف والمحدثين ذكروه في كتب العلل، كابن أبي حاتم والدارقطني وعلَّلَه البزار!
3- أنه توهم أن ثلاثة من الثقات رووه مسنداً مع أن مسكين بن عبد الله ليس ثقة، ضعفه أبو حاتم والدارقطني، ولم يوثقه أحد. وداود بن عبد الرحمن قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في "التهذيب" (3/166): [ونقل الحاكم عن ابن مَعِين تضعيفه. وقال الأزدي: يتكلَّمون فيه]. ورواية يحيى بن سعيد القطان وما أدراك من هو ومحمد بن بشر بن الفرافصة - وكلاهما من أئمة الحفاظ الثقات ومن رجال الستة - المرسلة مقدمة على هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم الألباني المتناقض والذين فيهم اثنان من الضعفاء.
فدعك من تفصحن وتشدق الألباني المتناقض في القرن الخامس عشر البعيد عن إدراك وفهم علل الحديث التي نص عليها أهل الشأن في القرون الأولى، ودعك من تفيقهه في أن فلاناً ثقة وفلاناً غير ثقة! وهو لم يدرك أو يتعامى عن أن الثقات قد يروون المنكرات والشواذ!!
وبالتالي فإن حديث ابن عمر صحيح بذكر أن العرش هو السرير وأن أعْوَاده تفسَّخت على عواتقهم ولا يصح فيه ذكر الضمة، قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} مريم:97، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} القلم:35-36. {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} الجاثية:21.
و حذيفة؛ حديثه ضعيف الإسناد، رواه ابن سعد في "الطبقات" (3/435) وابن أبي شيبة (6/393) فقالا: [حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدَّثه، عن حذيفة قال: لما مات سعد بن معاذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اهتزَّ العرش لروح سعد بن معاذ))]. أقول: أما إسرائيل بن يونس حفيد أبي إسحاق فقال الذهبي في "من تكلم فيه وهو موثَّق" (برقم32): [ثقة إمام ضعَّفه ابن حزم ورد أحاديثه مع كونها كثيرة الصحاح، وقال ابن سعد: منهم مَنْ يستضعفه. وقال ابن مَعِين: كان يحيى القطان لا يروي عنه. قلت: وقد قال ابن المَدِيني سمعت يحيى بن سعيد يقول كان إسرائيل فوق أبي بكر بن عياش]. قلت: هو من رجال الصحيحين انتقوا له. وقال العُقَيلي في "الضعفاء الكبير" (1/131): [مختلف فيه]. وفي السند رجل مجهول لا يُعْرَف من هو، فهذا إسناد ضعيف لا يثبت.
و حديث أبي هريرة رواه العُقَيلي في "كتاب الضعفاء" (4/424). في ترجمة يحيى بن كثير وقال فيه: [يحيى بن كثير أبو النضر صاحب البصري منكر الحديث]. وساق حديث أبي هريرة في ترجمته.
وأسماء بنت يزيد ؛تقدّم الكلام على حديثها (في التعليق على النص رقم 174) وأنه منقطع ضعيف منكر.
وحديث معيقب؛ واهٍ منكر. رواه الطبراني في ((الكبير)) (20/531/829) وفي السند سقط. وابن عَدِي في "الكامل في الضعفاء" (5/1799). قال الحافظ الهيثمي في ((المجمع)) (9/309): ((رواه الطبراني وفيه عمرو بن مالك الغُبري...)).قلت: جاء في ترجمة الغبري في ((تهذيب الكمال)) (22/208): تركه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال ابن حِبَّان في "الثقات": يغرب ويخطىء. وقال ابن عَدِي في "الكامل" (5/1799): ((منكر الحديث عن الثقات ويسرق الحديث)) وذكر الحديث في ترجمته على أنه من منكراته، لكن سماه النُّكْري وهو خطأ إنما هو الغُبْري.
ونقول: كلا لم يتواتر حتى أن الألباني اعترف في "مختصر العلو" ص (110) بأنه لم يتواتر وقال إن في تواتره نظراً. ونص كلامه: [كذا قال وفيه نظر بينته في تخريج السنة (567)]. أقول: هذا فضلاً عن أن يُعَدَّ ذِكْرُ إضافة الرحمن إلى العرش فيه صحيحاً. وأنت ترى أنَّ أغلب الطرق التي ادّعى الذهبي لأجلها التواتر ضعيفة أو واهية. فالصواب أن نقول: بأنَّ الحديث صحيح مشهور بإثبات اهتزاز العرش الذي هو السرير (النعش) الذي حُمِلَ عليه سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه. وأما قضية عرش (الرحمن) فدخيلة، أنكرها بعض الصحابة ومن جاء بعدهم من السلف وغيرهم، فهي لم تصح على التحقيق فضلاً عن ادّعاء التواتر فيها. فشهادة الذهبي هنا بتواتره مردودة.
ومثل الذهبي في ادّعاء التواتر تلميذ ابن تيمية الآخر: المِزَّي في "تهذيب الكمال" (10/302) إذ قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اهتز العرش لموت سعد بن معاذ). ورويَ: (عرش الرحمن). وهو حديث روي من وجوه كثيرة متواترة، رواه جماعة من الصحابة]. قال السيد المحدِّث أحمد ابن الصدِّيق الغماري في "المداوي" (3/93): [وليس هذا عدد التواتر، وإن ذكروا أنه وصل إلى عشرة طرق. (قاعدة جليلة): وصرَّح المتأخرون بتواتره أيضاً، اعتماداً على قول ابن عبد البر أنه رويَ من وجوه كثيرة متواترة، لأن المتواتر في لسان الأقدمين كالطحاوي وابن حزم وابن عبد البر لا يريدون منه معناه الأصولي الاصطلاحي، وإنما يريدون منه تتابع الطرق وتواردها على معنى واحد، لأنهم يعبِّرون بذلك عما له ثلاثة طرق وأربعة، وهو لا يفيد التواتر جزماً، وذلك غرَّ جماعة ومنهم المؤلف (أي السيوطي)، فأكثر في كتابه من الأحاديث المشتهرة، وظنها متواترة، وكذلك شيخنا في "نظم المتناثر"، بل أورد فيه الضعيف وعدَّهُ متواتراً].
التلعيق على حديث ابن عمر الذي جاء فيه:( اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً):
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm