بطلان حديث عبدالله الذي جاء فيه:( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرو

أحاديث العقائد
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 908
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

بطلان حديث عبدالله الذي جاء فيه:( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرو

Post by عود الخيزران »

بطلان حديث عبدالله الذي جاء فيه:( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام..):

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث ابن وارة وعبدالله بن أحمد وأبو أمية الطرسوسي قالوا: نا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، حدثنا محمد بن سلمة، عن خالد بن أبي يزيد، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
((يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام مـن العرش إلى الكرسي...)) الحديث بطوله. إسناده حسن].

أقول في بيان بطلان هذا الحديث:

موضوع لأنه منقول عن أهل الكتاب فهو من الإسرائيليات ويقال فيه ما يقال في الذي قبله. وسبق تخريجه تحت عنوان(بطلان حديث ابن مسعود عن أبيه الذي جاء فيه :(... فينزل الله تعـالى من العـرش إلى الكرسي في ظلل مـن الغمام) تجده بإسهابعلى الموقع، وهو ضعيف الإسناد باطل المتن. وهذا جزء من حديث ابن مسعود الطويل وقد رواه بطوله الطبراني والحاكم كما سيأتي في تخريج الحديث الذي بعده، لكن رواية الحاكم لم ترد فيها هذه القطعة المستشنعة!! وهذا مما يدلك على تلاعب الأيدي الأثيمة بهذا الموضوع. ونحن ننزه الصحابة رضي الله عنهم عن نسبة هذه الخرافات الإسرائيلية إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فافهم.
جواب على إشكال وحَلُّهُ: قد يقول قائل إنَّ هذه الأحاديث التي فيها مجيء الله يوم القيامة أو نزوله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي موافق لظاهر القرآن، فهناك آيات ذُكِرَ فيها ذلك وهي: قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} البقرة:210. وقوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} الأنعام:158، وقوله تعالى {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} الفجر: 22. فما جوابكم على ذلك؟!
أقـول: الجواب عليه مجملاً هو: أنَّ معنى هذا: هل ينظر هؤلاء الكفار حسب أفكارهم وتصوّراتهم السخيفة الباطلة أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام...! ثمَّ إنَّ هذا من المتشابه الذي لا يُراد ظاهره!!
والجواب على ذلك مفصَّلاً يكون من أوجه:
أولاً: ظاهر هذا غير مراد كما أنَّ ظاهر قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولـمَّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران:142. وقوله تعالى: {وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء} آل عمران:140. وقوله تعالى: {وليعلم الله مَنْ ينصره بالغيب} الحديد:25 غير مراد، لأنَّ ظاهر هذه الآيات أنَّ الله قبل الامتحان والاختبار لا يعلم ذلك وإنما يعلمه بعد الامتحان. وهذا محال في حق المولى سبحانه الذي أخبرنا عن حال الناس يوم القيامة وفي الجنة ومحاججتهم وماذا سيقول أهل النار في النار والذي أخبر أنه بكل شيء عليم.
فيكون معنى الآيتين الأوليين في الانتظار {هل ينظرون...} أي: هل ينتظر هؤلاء الكفار حتى يُسْلموا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام حسب تصوّرهم الفاسد، أو بظلل من غمام، أو أن تأتيهم الملائكة جهاراً فيرونهم أو تأتي بعض الآيات العظيمة التي لن يتخلَّف بعد مجيئها عن الدخول في الإسلام أحد؟!! وأما معنى قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} أي: وجاء يوم ربك وأمره وهو يوم القيامة يوم يكون الملائكة حافين الخلق وعلى أرجاء الأرض التي يجتمع الناس فيها صفوفاً صفوفاً. وهذا التفسير والبيان هو المتحتم الذي لا بُدَّ منه وعليه دلَّ القرآن نفسه كما سيأتي.
ثانياً: أنَّ القرآن فسَّر مجيء الله تعالى وبينه إذ قال سبحانه في آية أخرى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمـر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} النحل: 33. فبين أنَّ الإتيان هو اتيان أمر الله وهو يوم القيامة أو عذابه في الدنيا كما حصل لبعض الأمم.
ثمَّ بين سبحانه في آيات أخرى أن إتيانه أي مجيئه هو أمر معنوي وهو مجيء أمره وانتقامه أو ثوابه، قال تعالى: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب} الحشر:2، وقال تعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} النحل:26. ولذلك قال أحمد ابن حنبل عندما سئل عن قوله تعالى: {وجاء ربك} قال: جاء ثوابه. وقد رواه الحافظ البيهقي بإسناد صحيح إليه قال عنه البيهقي لا غبار عليه. انظر "البداية والنهاية" لابن كثير (10/327).
ثالثاً: الإتيان والمجيء هو الانتقال والذهاب وهو إثبات الحركة والحلول والتحوّل من مكان لآخر وذلك مستحيل في حق الباري سبحانه خالق الأمكنة المنزه عن الجسمية والتركيب والتصـوّر والخيـال الذي {ليس كمثله شيء} والذي {لم يكن له كفواً أحد}. وقد أجمع العقلاء على ذلك، قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره (3/5/230):
((أجمع المعتبرون من العقلاء على أنه سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عن المجيء والذهاب.... (و) أن كل ما يصح عليه الانتقال من مكان إلى مكان فهو محدود ومتناه.... (و) الله تعالى حكى عن الخليل عليه الصلاة والسلام أنه طعن في إلهية الكواكب والقمر والشمس بقوله: {لا أُحب الآفلين} ولا معنى للأفول إلا الغيبة والحضور (وهو المجيء والذهاب) فمن جوَّز الغيبة والحضور على الله تعالى فقد طعن في دليل الخليل عليه السلام وكذَّبَ الله في تصديق الخليل عليه السلام في ذلك)). ومـا بين القوسين () من زياداتي.
وقال الحافظ أبو حيان في تفسيره ((البحر المحيط)) (2/343): ((والإتيان: حقيقة في الانتقال من حيز إلى حيز، وذلك مستحيل بالنسبة إلى الله تعالى.... أنه عبَّر به عن المجازاة لهم والانتقام كما قال... {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}.... في {ظلل} بمعنى بظلل فيكون {في} بمعنى الباء كما قال: خبيرون في طعن الأباهر والكلى. أي: بطعن، لأنَّ خبيراً لا يتعدّى إلا بالباء... قاله الزَّجَّاج وغيره. والأولى أن يكون المعنى: أمر الله، إذ قد صرَّح به في قوله: {أو يأتي أمر ربك} وتكون عبارة عن بأسه وعذابه، لأنَّ هذه الآية إنما جاءت مجيء التهديد والوعيد، وقيل: الخطاب مع اليهود وهم مشبهة، ويدلُّ على أنه مع اليهود قوله بعد {سل بني إسرائيل})). انتهى مختصراً.
وقال أبو حيان أيضاً في ((البحر المحيط)) (4/698):
[وقال مجاهد: {أو يأتي ربك} بعلمه وقدرته بلا أين ولا كيف لفصل القضاء بين خلقه في الموقف يوم القيامة... وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى ألا ترى أنَّ الله يقول: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}].
وقال الإمام القرطبي في قوله تعالى {وجاء ربك والملك صفاً صفاً} في تفسيره (20/55) ما نصه:
[قوله تعالى: {وجاء ربك} أي أمره وقضاؤه، قاله الحسن. وهو من باب حذف المضاف. وقيل أي جاءهم الرب بالآيات العظيمة، وهو كقوله تعالى: {إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} أي: بظلل. وقيل: جعل مجيء الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات. ومنه قوله تعالى في الـحديـث: ((يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني، واستسقيتكَ فلـم تسقني، واستطعمتـك فلـم تطعمني)) وقيـل: {وجاء ربك} أي: زالت الشبه ذلك اليوم، وصارت المعارف ضرورية، كما تزول الشبه والشك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه، قال أهل الإشارة: ظهرت قدرته واستولت، والله جلَّ ثناؤه لا يوصف بالتحوُّل من مكان إلى مكان، وأنى له التحوُّل والانتقال، ولا مكان لـه ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأنَّ في جريان الوقت علـى الشيء فوت الأوقات ومن فاته شيء فهو عاجز] انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى.
وأما الطبري وابن كثير فقد انساقا للروايات المنكرة والتالفة المنقولة عن أهل الكتاب فركبا متن عمياء وخبطا خبط عشواء في تفسير هذه الآيات! ولا حول ولا قوَّة إلا بالله. وربما يكون ذلك مما دُسَّ على الطبري.

Post Reply

Return to “أحاديث العقائد”