صفحة 1 من 1

بيان نكارة ألفاظ حديث أبي هريرة وأنه لا دلالة فيه على ما يريده المجسمة وقد جاء بلفظ:( فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً

مرسل: الأحد أغسطس 04, 2024 3:07 pm
بواسطة عود الخيزران
بيان نكارة ألفاظ حديث أبي هريرة وأنه لا دلالة فيه على ما يريده المجسمة وقد جاء بلفظ:( فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثمَّ يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفَّع، فأرفع رأسي...):

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث أبي حيان التميمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: أُتِيَ رسول الله بلحم، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها ثمَّ قال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة...)) فذكر الحديث إلى أن قال: ((فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، ثمَّ يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفَّع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس في الأبواب...)) الحديث.
ومما يدلُّ على أنَّ الباري تعالى عال على الأشياء فوق عرشه المجيد غير حال في الأمكنة، قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} البقرة: 255. وقال: {وهو العلي الكبير} سبأ: 23. وقـال: {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال} الرعد: 9. وقال: {سبِّح اسم ربك الأعلى} الأعلى: 1. وقد أمرنا نبينا  أن نقول إذا سجدنا ((سبحان ربي الأعلـى)) وقال تعالى في وصف الشهداء {أحياء عند ربهم} آل عمران: 169 وقالـت امـرأة فرعون: {رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة} التحريم: 11 ].

أقول في بيان حال هذا الحديث والتعليق عليه:

إسناده صحيح وهو شاذ منكر ولا دلالة فيه على العلو. رواه البخاري (3340) ومسلم (194) وهو مردود عندنا لمعارضته القرآن من وجوه:
1- أخبر القرآن أنَّ المؤمنين {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وأنهم {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} الأنبياء: 3. وقال تعالى {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم} الحديد: 12. فكل هذه الآيات وغيرها كثير يثبت أنَّ المؤمنين لا يدخل عليهم الخوف والضنك والفزع بل لهم البشرى والطمأنينة والسرور والحبور. وهذا الحديث يقول أنَّ الناس جميعاً حتى الأنبياء يكونون في ضيق وكرب وخوف!! ففي صحيح مسلم (194): [وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَلَا تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي..] وهذا آحاد وهو معارض للقطعيات فهو مردود عندنا ولا نتمحَّل في تأويله!!
2- في هذا الحديث إثبات وجود الشمس يوم القيامة!! ففي البخاري (3340): [وتدنو منهم الشمس] ونحن نقول إنَّ الشمس لا وجود لها يوم القيامة بل إنَّ الله تعالى يخلق نوراً يجلل به أرض المحشر لقوله تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربهـا} أي بنور يخلقه ربها، وقال ابن عباس: النور المذكور ههنا ليس من نور الشمس والقمر. انظر ((تفسير القرطبـي)) (15/282). و ((صحيح شرح الطحاوية)) ص (573-577). وقال تعالى: {إذا الشمس كوِّرت} أي ذهبت وانطفأ نورها. وفي البخاري (3200) عن أبي هريرة نفسه مرفوعـاً: ((الشمس والقمر مكوَّران يوم القيامة)).
3- قوله في الحديث (إنَّ الله غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولا بعده) يفيد قيام الحوادث والتغير بذات الله تعالى وهذا باطل عندنا.
4- قوله (نوح أول الرسل) ليس صحيحاً بل أول الرسل والأنبياء سيدنا آدم عليه السلام.
5- ذكر العرش في هذا الحديث وذهاب النبي تحته يفيد أنه جسم صغير يمكن أن يقف الإنسان تحته والصواب عند من يثبت جسماً يسميه العرش أنَّ العرش أكبر من السموات والأرض فكيف يمكن لإنسان أن يقف تحته وما إلى ذلك. وإذا قلنا أن العرش سقف المخلوقات فالإنسان يقف دائماً تحتـه.
6- يلاحظ في هذا الحديث خلوه من ذكر الصراط الذي هو جسر على متن جهنم عند من يقول به.
7- الحديث برمته عندنا هو من الأفكار الإسرائيلية المنقولة عن عبدالله بن سلام وكعب الأحبار وليس عن سيدنا رسول الله F، لأنَّ اليهود هم الذين يثبتون وجود عرش يكون الله تعالى عليه سبحانه وتعالى عمَّا يقولون علواً كبيراً.

قوله (فوق عرشه المجيد) هو تعيين مكان لله تعالى، وهو قول بالحلول في ذلك المكان!! وما ذكره من الآيات فإنها لا تدل على ما يريده بحال كما سأبين معنى كل آية منها باختصار.
والآية الواردة في الحديث؛ ليس في هذه الآية أي دليل لما يريد، والكرسي عند المصنف وشيعته غير العرش وعليهم أن يبينوا لنا هل معبودهم على الكرسي أم على العرش وهل هناك عندهم فرق بين الكرسي والعرش أم لا؟!
ونحن نقول إنَّ معنى هذه الآية وسع علمه السموات والأرض، روى ابن جرير في تفسيره (3/9) بسند صحيح عن سيدنا ابن عباس قال: [{وسع كرسيه} كرسيه علمه]. قال صاحب القاموس في مادة (كرس): ((والكرسي: السرير والعلم)). فظهر أنَّ هذه الآية الشريفة لا تصح أن تكون دليلاً للذهبي فيما يريد، وليس فيها أصلاً ذكر أنَّ الله على الكرسي أو فوقه حساً!!
والعلي معناه: المتعالي عن مشابهة خلقه والمتعالي على عباده بالربوبية. والكبير: هو كبير الشأن العظيم الذي يصغر أمام جلاله كل كبير وعظيم.
وقد ظنَّ المصنف أنه إذا ذكر هذه الآيات استطاع أن يتلاعب بعقولنا، وأنا أذكر هنا ما ذكره العلماء من النصوص القرآنية المبطلة لاستدلال المصنف بما أورده على العلو الحسي فأقول ناقلاً من كتاب "المفردات" للإمام الراغب الأصفهاني أعلى الله تعالى درجته ورحمه وأثابه:
[قال تعالى: {إنَّ فرعون علا في الأرض} {وإنَّ فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} وقـال تعالى: {فاستكبروا وكانوا قوماً عالين} وقال لإبليس: {أستكبرت أم كنت مـن العالين} {لا يريدون علواً في الأرض} {ولعلا بعضهم على بعض} {ولتعلُنَّ علواً كبيراً} {واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً} والعلي هو الرفيع القدر من عَلِيَ، وإذا وُصِفَ الله به في قوله: {إنه هو العلي الكبير} {إنَّ الله كان علياً كبيراً} فمعناه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين وعلى ذلك يقال: تعالى، نحو: {تعالى الله عمَّا يشركون}]. انتهى.
فعلى هذا تحمل الآيات التي أوردها هنا والتي فيها ذكر العلو.
و معنى هذا أي: أُنَـزِّه ربي المتعالى عن الشبيه والنظير الذي لا يدركه الخيال ولا الوصف.
و تقدَّم بيان معنى هذه الآيات الواردة وأعيده هنا للفائدة، ومعناها: أنَّ المراد بالعندية المجاز عن قربهم بالتكريم كما قال سبحانه: {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} قال الراغب أعلى الله درجتـه في ((المفردات)): [عند لفظ موضوع للقُرب، فتارة يستعمل في المكان، وتارة في الاعتقاد، نحو أن يقال: عندي كذا، وتارة في الزلفى والمنزلة، وعلى ذلك قوله: {بل أحياء عند ربهم} {إنَّ الذين عند ربك لا يستكبرون} {فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار} وقال: {رب ابن لي عندك بيتاً في الجنـة} وعلى هذا النحو قيل: الملائكة المقربون عند الله، قال: {وما عند الله خير وأبقى} وقوله {وعنده علم الساعة} {ومن عنده علم الكتاب}].
وقوله:( وقالـت امـرأة فرعون: {رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة}) فقد تقدّم معناه ونختصر هنا فنقول معناه: أي ابن لي بيتاً في الجنة فيه رحمتك ورضوانك، كما قال سبحانه: {وما عند الله خير وأبقى} أي وما في الجنة التي هي دار كرامته ورضوانه. وقال سيدنا إبراهيم كما أخبر الله عنه في كتابه العزيز: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} الصافات:99.