صفحة 1 من 1

بيان حال أثر عبدالله بن سلام الذي جاء بلفظ:( بدأ الله خلق الأرض فخلق سبع أرضين يوم الأحد والإثنين..):

مرسل: الخميس أغسطس 08, 2024 12:09 pm
بواسطة عود الخيزران
بيان حال أثر عبدالله بن سلام الذي جاء بلفظ:( بدأ الله خلق الأرض فخلق سبع أرضين يوم الأحد والإثنين..):

قال الذهبي في كتابه " العلو":
[حديث عثمان بن عمر بن فارس، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبدالله بن سلام قال: بدأ الله خلق الأرض فخلق سبع أرضين يوم الأحد والإثنين، وقدَّر فيها أقواتها في يوم الثلاثاء والأربعاء، واستوى إلى السماء فخلقهنَّ في يومين... وذكر الحديث ،إسناده صحيح].



أقول في بيان حال هذا الأثروالتعليق عليه :

صحيح ثابت عن عبد الله بن سلام الإسرائيلي. وهو أصل حديث أبي هريرة: (خلق الله التربة يوم السبت..) كما سيتبين الآن من تخريجه وسبق برقم (193و194) من هذا الكتاب. وهذا رواه البيهقي (384-458هـ) في "الأسماء والصفات" (2/250)، وابن منده (310-395هـ) في "التوحيد" (برقم57)، وأبو بكر الفريابي (207-301هـ) في كتاب "القدر" (برقم2)، وأبو الشيخ (274-369هـ) في "كتاب العظمة" (4/1368-1369)، وابن عبد البر في "التمهيد" (23/48)، من الحكايات الإسرائيلية المعارضة للقرآن. وقد تقدَّم الكلام عليـه في الحديـث رقـم (193). وهو منقول عن كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه وهؤلاء من أكبر مذيعي الإسرائيليات في الأمة المحمدية! وهذا هو أصل حديث التربة الموضوع الذي في صحيح مسلم (2789) نراه هنا مروياً عن عبد الله بن سلام الإسرائيلي، وقد نصَّ البخاري في "تاريخه الكبير" (1/313-314) بأن الأصح هو أنه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار وليس أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ولو أنَّ المؤلف أكمل كلام ابن سلام لتبين أن الخلق واقع في سبعة أيام، وهذه عقيدة اليهود في المسألة ويوافقه عليها كعب الأحبار، وروى ذلك عنه ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) (12/2) مختصراً، وقد روى ابن جرير في تفسيره)) (12/5) نحو هذا الكلام عن وهب بن مُنَبِّه وهو أحد الأشخاص المتخصصين أيضاً في رواية الإسرائيليات. وذكر أنَّ الخلق تمَّ في اليوم السابع، وهذا كله مرفوض عندنا في عقيدة المسلمين!! وقال ابن كثير في تفسيره (1/72): ((هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم وقد تكلَّم عليه ابن المَدِيني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأنَّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وقد اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعاً وقد حرر ذلك البيهقي)). واعترف ابن تيمية بذلك في فتاواه (17/236). إذن دخلت الإسرائيليات وكلام كعب الذي ظنوا أنه كلام النبي F في الصحيحين.
وزيادة التفصيل في ذلك:
قال الحافظ أبو بكر الإسماعلي (ت371هـ) في "معجمه" (2/591/برقم221): [أخبرني جعفر بن محمد بن الأزهر الطوسي ببغداد، ثنا وهب بن بقية، ثنا خالد، عن الشيباني، عن عون بن عبد الله بن عتبة، أظنه عن أخيه عبيد الله، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله فيها عبد شيئاً إلا أعطاه إياه)). قال: وقال عبد الله بن سلام: إن الله تعالى بدأ الخلق فخلق الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين وخلق السماوات يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق الأقوات وما في الأرض من شيء يوم الخميس ويوم الجمعة فرغ من ذلك عند صلاة العصر فتلك الساعة ما بين العصر إلى غروب الشمس]. وإسناده ثابت صحيح.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/3)، ورواه ابن منده في "التوحيد" (1/183/برقم55) فقال: [أَخْبَرَنَا عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ...] به؛ كرواية الإسماعيلي والبيهقي.
و(عبيد الله بن عبد الله بن عتبة): ثقة فقيه ثبت من رجال الستة "التقريب" (4309). و(عون بن عبد الله بن عتبة): ثقة من رجال مسلم والأربعة. "التقريب" (5223). و(أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الشيباني): ثقة من رجال الستة. "التقريب" (2568). و(خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان المزني الواسطي): ثقة ثبت من رجال الستة "التقريب" (1647). و(وهب بن بقية بن عثمان الواسطي): ثقة من رجال مسلم "التقريب" (7469). و(جعفر بن محمد بن الأزهر الطوسي): وثَّقَهُ الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/197).
وروى كلام ابن سلام الإسرائيلي هذا الطبري في "تاريخه" (1/43) فقال: [حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَدَأَ الْخَلْقَ، فَخَلَقَ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَيَوْمَ الاثْنَيْنِ]. وإسحاق بن شاهين من رجال البخاري والنسائي، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": (صدوق). قلت: روى له البخاري في (23) موضعاً. وبقية الرجال تقدَّم بأنهم ثقات.
وقال الطبري في "تفسيره" (1/437) وفي "تاريخه" (1/47): [حَدَّثَنِي به المثنى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الأَحَدِ، فَخَلَقَ الأَرَضِينَ فِي الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الأَقْوَاتَ وَالرَّوَاسِي فِي الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَخَلَقَ فِيهَا آدَمَ عَلَى عَجَلٍ، فَتِلْكَ السَّاعَةُ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ]. قلت: المثنى بن إبراهيم لم نقف على ترجمة له ولكنه من شيوخ الطبري الذين أكثر عنهم وقد صحح ابن كثير رواياتٍ للطبري في تفسيره فيها المثنى بن إبراهيم الآملي. كما في تفسيره (1/113-114) من طبعة دار الفكر 1994هـ.
فهذه الطرق والألفاظ والمتابعات والشواهد الصحيحة وغيرها كلها تحكم بأن هذا القول ثابت عن عبد الله بن سلام الإسرائيلي حسب الصناعة الحديثية.
وفي "نسخة وكيع عن الأعمش" (برقم39): [عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ كَعْبٍ (الأحبار)، قَالَ: ((بَدَأَ اللَّهُ بِخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، ثُمَّ جَعَلَ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً))]. ومن ذلك كله يتبين أن حديث التربة المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم أصله من أفكار كعب الأحبار وعبد الله بن سلام الإسرائيلي وهو من فكرهما اليهودي القديم! وهذا كله يصدّق قول البخاري في "التاريخ الكبير" (1/313-314) بأن الأصح أن حديث التربة المروي عن أبي هريرة هو مما رواه عن كعب الأحبار وليس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا واضح ظاهر إلا عند كل مكابر عنيد لا ينصاع للحق وللدليل! وبذلك ثبت أنه بنص البخاري وعلي بن المَدِيني وغيرهما من قدماء الحفاظ قد تكون هناك أحاديث مروية في الصحيح وهي من الإسرائيليات. والسلام.