بيان درجة حديث : ( تأتي سورة البقرة وآل عمران...) ، والكشف عن المراد منه:
وهو من قوله عليه السلام أنه: ((تأتي سورة البقرة وآل عمران كذا وكذا يوم القيامة كأنهما غمامتان))
أقول:
رواه مسلم (1/553 برقم 804) والترمذي (2883) عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إقرأوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. إقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان. أو كأنّهما غيايتان. أو كأنهما فِرْقان من طير صَوَافَّ، تحاجّان عن أصحابهما. إقرأوا سورة البقرة. فإنَّ أخْذَهَا بركة، وتركها حسرةٌ، ولا يستطيعها البطلة)). قال معاوية بن سلام أحد رواة هذا الحديث: بلغني أنَّ البَطَلةَ: السَحَرةُ. هكذا وقع في مسلم. قلت: والغياية: كل شيءٌ أظلَّ الإنسان فوق رأسه، ومعنى صواف: هو جمع صافٍّ في الهواء، لأنَّ الطير تصف في الهواء أجنحتها. وهذا الحديث في مسند أحمد (5/249)أيضاً، وتاريخ الخطيب (6/537) بنحوه. وقد جاء عن أحمد فيما رواه الخلال أنّه أَوَّلَ هذا الحديث فقال: ((جاء ثوابهما)). وكذلك أوَّلَه أبو عبيد القاسم بن سلام كما يأتي في التعليق التالي. وسيأتي توثيقه في التعليق التالي إن شاء الله تعالى. وقد نقلت في مقدمة تحقيق ((دفع شبه التشبيه)) لابن الجوزي ومقدمة شرحي على الطحاوية عدة تأويلات عن أحمد بن حنبل فليرجع إليها من شاء. وقد روى الترمذي هذا الحديث في سننه (2883) وقال عقبه: [ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن.. ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل]. وهذا يثبت لنا أن الترمذي يؤوِّل ويفسِّر في سننه وينقل التأويل والتفسير عن أهل العلم من أهل السنة ومن السلف في زمانه! وكذلك قال في سننه (3298) عند حديث : (لو أنكم دليتم رجلاً بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله) قال: [وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه...]. واعتبر ابن تيمية الحَرَّاني في "مجموع الفتاوى" (6/573) أن تأويل الترمذي هذا من جنس تأويلات الجهمية حيث قال هناك: [فانَّ الترمذى لما رواه قال: وفسَّره بعض أهل الحديث بأنه هبط على علم الله ... وكذلك تأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية]! فاعتبر ابنُ تيمية الترمذيَّ ههنا من جملة الجهمية! وهذا التأويلات والتفسيرات التي ذكرها الترمذي ههنا وغيرها تنقض ما نقله الترمذي نفسه في سننه عن جماعة من السلف أن هذه النصوص الواردة في الصفات (لا تُفَسَّر) انظر سنن الترمذي (2557)حيث قال هناك: (والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث فيعرفهم نفسه يعني يتجلى لهم). وهذا الكلام الذي قاله الترمذي لا نوافق عليه، لأنه هو نفسه خالفه، ونقل عن أهل العلم أنهم فسروا، ولأننا وقفنا لغالب هؤلاء العلماء على تأويلات وتفسيرات في موضوع الصفات، فهؤلاء العلماء فسَّروا وأوَّلوا عدة أحاديث في الصفات كما نقلناه في شرحنا على الجوهرة، والعجيب أن الترمذي فَسَّرَ كما ترى عقب قوله (لا تُفَسَّر) فقال: (ومعنى قوله في الحديث فيعرّفهم نفسه يعني يتجلى لهم)! وهذا يجعلنا بحاجة إلى تَقَصِّي الأمر لأن فيه اضطراباً عندهم! وقد بحثناه وتتبعناه في شرحنا على الجوهرة وفي كتاب "التفنيد لمذهب التفويض" فمن أراد معرفة ذلك فعليه بالكتابين! حيث يجد أن مذهب السلف هو التأويل وأن التفويض لم يثبت وهو مذهب مُدَّعى على السلف ولا وجود له عند الصحابة والتابعين!
بيان درجة حديث :( تأتي سورة البقرة وآل عمران...) ، والكشف عن المراد منه:
-
- Posts: 902
- Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm