صفحة 1 من 1

بيان درجة حديث ( إن الله لا ينام ...):

مرسل: السبت نوفمبر 09, 2024 2:35 pm
بواسطة عود الخيزران
بيان درجة حديث ( إن الله لا ينام ...):

وهو ما روي عند صاحب شرح السنة في باب ((الرد على الجهمية)). قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس كلمات، فقال: ((إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي أن ينام، ولكنه يخفض القسط ويرفعه، يُرْفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه من نور، لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)

أقول:

حديث السُّبُحَات هذا انفرد به مسلم (179) من حديث أبي موسى دون البخاري. وذكر مسلم أن الرواة اختلفوا في لفظه فزاد بعضهم ما لم يذكره الآخر، وأن فيه عنعنة الأعمش. وإليكم رواية مسلم بإسناده ومتنه حيث قال: [حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ)). وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: ((النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)). وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا، حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ((مِنْ خَلْقِهِ)). وَقَالَ: ((حِجَابُهُ النُّورُ))]. نبَّه مسلم كما ترى على أن في ألفاظه زيادات وفي أسانيده عنعنات وهذا تعليل منه للحديث أو لتلك الزيادات التي فيه بعد لفظ (النور). كما نبَّه غير مسلم على هذا التعليل، فقال الطيالسي (133-204هـ) في مسنده ص (67 برقم491): [حدثنا شعبة، والمسعودي، عن عمرو بن مرة، سمع أبا عبيدة، يحدث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل)). زاد المسعودي: ((حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سُبُحَات وجهه كل شيء أدركه بصره))، ثم قرأ أبو عبيدة {بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين}]. وقد رواه أيضاً أحمد في مسنده (4/405) وابن ماجه (1/70) وابن خزيمة في كتاب "التوحيد" ص (19) وابن حبان (1/499/266) والطيالسي برقم (491) وغيرهم. والحديث عندي باطل موضوع خاصة مع ذِكْر (السُبُحات). وأبو موسى راوي الحديث له علاقة بالإسرائيليات فقد كان يرسل أولاده ليتعلموا من عبد الله بن سلام الإسرائيلي، فقد روى عبد الرزاق في "المصنف" (8/144) بسند صحيح: [عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلم منه، فجئته فسألني من أنت؟ فأخبرته، فرحَّبَ بي، فقلت: إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك..]. وورد في ترجمة أبي بُرْدة ابن أبي موسى الأشعري أنه يروي عن عبدالله بن سلام الإسرائيلي كما في ((تهذيب الكمال)) (33/66) وروايته عنه في البخاري (3814و7342). وفي ((سير أعلام النبلاء)) (5/6): ((روى سعيد ابن أبي بردة عن أبيه قال: بعثني أبي أبو موسى إلى عبد الله ابن سلام لأتعلَّم منه))]. ورواه ابن سعد (6/268): (عن أبي بُردة قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام أتعلَّم منه، فجئته فسألني: من أنت؟ فأخبرته، فرحب بي، فقلت: إن أبي أرسلني إليك لأسألك وأتعلم منك). هذا وقد تكلمنا عليه فيما علَّقناه على ((دفع شبه التشبيه)) ص (200) وبينَّا هنالك أن جملة ((حجابه النور -وفي رواية النار بدل النور- لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) معلَّة لا تثبت!! وذكرنا هناك أنَّ أبا عبيد القاسم بن سلَّام (157-224هـ) قال: لا تعرف (السُبُحات) في لغة العرب، ولم يُسمع بها إلا في هذا الحديث!! ونصه في كتابه "غريب الحديث" (3/173): (وهذا الحرف قوله: "سُبُحات وجهه" لم نسمعه إلا في هذا الحديث). فالله أعلم من أين أتوا بها! والظاهر أنها من الإسرائيليات!!! على أننا لو أثبتنا الحديث فليس فيه ما يدل على العلو الذي يريده المجسمة!! وذلك لأنَّ استدلالهم هنا وقع في جملة (يُرفع إليه عمل الليل...) وليس في ذلك دلالة على أنَّ الله تعالى في السماء!! لأنَّ الأمر إذا عرض على من هو أعلى في المنزلة يسمَّى رفعاً!! ومنه ترافعوا إلى القاضي؛ ورُفِعَ الأمر إلى السلطان!! ومنه حديث أنس: (( أن رسول الله r لم يُرْفَع إليه قصاص قط إلا أمر بالعفو)) رواه أحمد في مسنده (3/252) ورجاله ثقات. فالملائكة تصعد إلى منازلها في السماء عند صلاة العصر والصبح فيسألهم الله تعالى وهو أعلم بهم كما جاء ذلك في حديث آخر، ولا يعني ذلك أنَّ الله تعالى حال في السماء أو تذهب الملائكة عنده إنما يكلمهم كما كلَّم سيدنا موسى عليه السلام في الأرض، والله تعالى أعلم. والذهبي في "العلو" أخذ هذا الاستدلال من كتب العقائد الفاسدة مثل توحيد ابن خزيمة ص (19-20) وشريعة الآجرّي ص (304) وإيمان ابن منده (2/769-770) وسنة ابن أبي عاصم ص (272) واعتقاد اللالكائي (3/414) ورد عثمان الدارمي وأمثالها من مستودعات الضعاف والمنكرات والواهيات!