زيادة فوائد في نقد حديث الجارية:
قال البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/396):
[قلت: وأما حديث (معاوية بن الحكم) فقد خالفه (عبيد الله) في لفظ الحديث، وهو وإن كان مُرْسَلاً، فرواته أفقه. ووافقه (الشريد بن سويد الثقفي) مرسلاً، وروي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه. واختلف عليه في إسناده ومتنه، وهـــــــــــــــو إن صـــــــــــــح فكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطبها على قدر معرفتها؛ فإنها وأمثالها قبل الإسلام كانوا يعتقدون في الأوثان أنها آلهة في الأرض، فأراد أن يعرف إيمانها، فقال لها: أين الله؟ حتى إذا أشارت إلى الأصنام عرف أنها غير مؤمنة، فلما قالت: في السماء، عرف أنها برئت من الأوثان، وأنها مؤمنة بالله الذي في السماء إله وفي الأرض إله، أو أشار وأشارت إلى ظاهر ما ورد به الكتاب].
فالبيهقي كما ترى يقول: إن صح حديث معاوية بن الحكم بلفظ (أين الله) و (في السماء) فالمراد به كذا وكذا وهو تأويل حسن، لكنه لم يصح عندنا وعنده!
وقال أحمد بن حنبل كما في علل الخلال (991و993):
[ليس كل أحد يقول فيه: إنها مؤمنة. يقولون: أعتقها].
ونص الخلال بحروفه: [وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى: أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، قَالَ: " لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، يَقُولُونَ: أَعْتِقْهَا. قَالَ: وَمَالِكٌ سَمِعَهُ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، لَا يَقُولُ: فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، فَهِيَ حِينَ تُقِرُّ بِذَلِكَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُؤْمِنَةِ. هَذَا مَعْنَاهُ].
أن ابن قانع رواه في معجمه (3/73/1027) في ترجمة معاوية بن الحكم السلمي فقال:
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَاءِ، نا مُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ، نا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ أَرَادَ عِتْقَ أَمَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: «مَنْ رَبُّكِ؟» قَالَتِ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَقَالَ لَهَا: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»].
لكن رواه النسائي (3653) عن الشريد وليس فيه ذكر السماء! فقال:
[أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أُمِّي أَوْصَتْ أَنْ تُعْتَقَ عَنْهَا رَقَبَةٌ وَإِنَّ عِنْدِي جَارِيَةً نُوبِيَّةً أَفَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُعْتِقَهَا عَنْهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَبُّكِ قَالَتْ اللَّهُ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ].
قلت: حسنه الألباني في "صحيح النسائي" (8/225) وشعيب الأرنأووط أو لجنة التحقيق معه في التعليق على مسند أحمد (13/287) وحسين سليم أسد الداراني في تعليقه على صحيح ابن حبان (1/419).
فهذه الروايات بلفظ (من ربك) تقضي على الرواية التي فيها (أين الله) وإن كان في رواية ابن قانع أنها قالت: (الذي في السماء) لأن رواية الشريد أنها قالت (الله) ولم تذكر السماء!
فتكون ألفاظ الرواة وروايتهم للحديث بالمعنى قد فعلت ما فعلت بهذه الرواية!
وكل ذلك بيناه في تعليقنا على كتاب العلو المطبوع أول مرة سنة (1998م).
والله الهادي.
اعترض علينا أحد المتمسلفين الوهابيةفقال:
[الحافظ أنو نعيم الأصبهاني تـ430هـ أقدم من البيهقي تـ458هـ، ويمكن أنه نقول أنه أعلم من البيهقي بصحيح مسلم فله عناية به ومن ذلك أن له مستخرجا عليه].
يعني هذا الوهابي: أن أبا نعيم ذكر حديث (أين الله) في مستخرجه على صحيح مسلم وهو أقدم من البيهقي وهذا يدل على أن حديث الجارية بلفظ (أين الله) ثابت في صحيح مسلم.
وقلت مجيباً له: بأنهما متعاصران.
وقلت – أنا العبد الفقير حسن السقاف- مجيباً له مبطلاً هذا الإشكال الذي أورده:
أقول لك يا أخي:
استنباطاتك هذه أنت والأخ الدارمي غير صحيحة فيما اعتمدتما عليه من مستخرج أبي نعيم!
فإن كنت تريد أن تفهم وتنصاع للحق أقول لك وله:
المستخرجات قد تزيد على ما في الأصل ومن ذلك:
أن مسلماً روى في صحيحه حديث جابر في الورود وهو:
في صحيح مسلم (191):
[حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ رَوْحٍ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الْوُرُودِ فَقَالَ نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ مَنْ تَنْظُرُونَ فَيَقُولُونَ نَنْظُرُ رَبَّنَا فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ قَالَ فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ ..] الحديث.
ووقع هذا الحديث في "المسنَد الصَّحيح المُخَرّج عَلى صَحِيح مُسلم" (1/139) لأبي عَوانة يَعقُوب بن إسحَاق الإسفرَايينيّ (المتوفى 316 هـ) بزيادة (يضحك.. حتى يبدو لهواته وأضراسه) ونصه هناك:
((فيقولون: حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك.. حتى يبدو لهواته وأضراسه فينطلق ربهم فيتبعونه)).
أي بزيادة قبيحة وهي: (حتى يبدو لهواته وأضراسه) (!!)
مع أن أبا عوانه ساقه بإسناد مسلم!
وكتابه مستخرج على صحيح مسلم!
لكن هذا اللفظ غير موجود في صحيح مسلم!
وهو لفظ شنيع جداً إذ يتنزه الله عن الأعضاء وعن اللهاة والأضراس!
فالمستخرجات قد يقع فيها من الزيادات ما ليس في الأصل!
ولذلك أمثلة كثيرة لمن أراد أن يتتبعها!
ولعل تلك الزيادة (أين الله) جاءت من بعض المستخرجات! فأقحمت في الصحيح!
ولئن كانت ثابتة في صحيح مسلم فهي مردودة باطلة عندنا!
ولا نؤولها!!
فنرجو أن تعتبرا بذلك ونسأل الله لكما الهداية والتوفيق
وبذلك يبطل إيرادكم علينا إن أردتم الانصياع للحق!
وقال السيوطي في تدريب الراوي (1/112):
[ثم إن المستخرجات المذكورة (لم يلتزم فيها موافقتها) أي الصحيحين (في الألفاظ) لأنهم إنما يروون بالألفاظ التي وقعت لهم عن شيوخهم (فحصل فيها تفاوت) قليل (في اللفظ و) في (المعنى)..].
ولا أريد ههنا أن أطيل في نقل النصوص إذ يكفي هذا!
وعليه فما ذكرتماه يذهب أدراج الرياح!
والله تعالى أعلم
زيادة فوائد في نقد حديث الجارية:
قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm
العودة إلى ”قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد“
الانتقال إلى
- القرآن الكريم وتفسيره
- ↲ تفسير آية أو آيات كريمة
- ↲ أبحاث في التفسير وعلوم القرآن الكريم
- الحديث النبوي الشريف وعلومه
- ↲ قواعد المصطلح وعلوم الحديث
- ↲ تخريج أحاديث وبيان مدى صحتها
- ↲ شرح الحديث
- ↲ التراجم والرجال: الصحابة والعلماء وغيرهم
- ↲ أحاديث العقائد
- العقائد والتوحيد والإيمان
- ↲ القواعد والأصول العقائدية
- ↲ مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
- ↲ أقوال لأئمة وعلماء ومشايخ في العقيدة ومدى صحتها عنهم
- ↲ قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
- ↲ الفرق والمذاهب وما يتعلق بها
- ↲ عرض عقائد المجسمة والمشبهة والرد عليها
- التاريخ والسيرة والتراجم
- ↲ السيرة النبوية
- ↲ قضايا تاريخية
- ↲ سير أعلام مرتبطة بالتاريخ والأحداث السياسية الغابرة
- ↲ معاوية والأمويون والعباسيون
- الفكر والمنهج والردود
- ↲ توجيهات وتصحيح لأفكار طلبة العلم والمنصفين من المشايخ
- ↲ الردود على المخالفين
- ↲ مناهضة الفكر التكفيري والرد على منهجهم وأفكارهم
- ↲ أسئلة وأجوبة عامة
- الفقه وأصوله
- ↲ القواعد الأصولية الفقهية
- ↲ مسائل فقهية عامة
- ↲ المذهب الحنفي
- ↲ المذهب المالكي
- ↲ المذهب الشافعي
- ↲ المذهب الحنبلي
- علوم اللغة العربية
- ↲ النحو والصرف
- ↲ مسائل لغوية ومعاني كلمات وعبارات
- الكتب الإلكترونية
- ↲ كتب العلامة المحدث الكوثري
- ↲ كتب السادة المحدثين الغماريين
- ↲ كتب السيد المحدث حسن السقاف
- ↲ كتب مجموعة من العلماء
- المرئيات
- ↲ العقيدة والتوحيد: شرح متن العقيدة والتوحيد