إذا روى بعض الرواة الحديث مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكمنا بالوقف خاصة في أحاديث العقائد التي تفيد التشبيه والتجسيم:
بسم الله الرحمن الرحيم:
نحن لدينا في هذه الفترة درس كل يوم سبت من كل أسبوع نتدارس فيه علم المصطلح من كتاب تدريب الراوي للإمامين النووي والسيوطي رحمهما الله تعالى وأقرر فيهما ما يؤخذ به من القواعد وما لا يؤخذ به.
وكنت قد قررت مراراً أنه يحكم بالوقف في مثل هذه الأحاديث التي رواها بعضهم موقوفة وبعضهم مرفوعة من خلال ما استفدته من ممارسة التصحيح والتضعيف في أحاديث العقائد بدأ مما علقته على "دفع شبه التشبيه" وعلى "العلو" والردود التي رددت بها على ابن تيمية والألباني ومن نحا نحوهما وانتهاءً بتخريج ما أورده ابن القيم في "اجتماع جيوشه" المعطلة و"الإبانة" للأشعري وكتاب "تأسيس التقديس" للفخر الرازي وأحاديث الرؤية والصراط وغير ذلك، أما في الفقه فإن الأمور مختلفة وقد يُتساهَل فيها شيئاً، مع أن السالفين من المحدثين كانوا يقولون بما معناه: (إذا روينا في الفضائل تساهلنا وإذا روينا في الأحكام تشدّدنا)، وما قاله مثل الإمام النووي وابن الصلاح في كتب المصطلح من التساهل في بعض القضايا كمسألتنا هذه في اختلاف الرواة في الرفع والوقف إنما هي بالنظر للفقهيات التي يُطلب فيها الظن وليس القطع! وليس في العقائد التي يطلب فيها العلم أو أعلى درجات الصحة مع التفحّص والتثبت!
وقد أفادني بعض تلامذتنا المتتبعين ممن لا يحضرون الدرس بنصوص قيمة نقلها عن الحافظ ابن حجر تؤيد ما ذهبت إليه وما أراه وإنني أذكرها لكم لما فيها من موافقة ما ذهبت إليه:
قال الحافظ ابن حجر في " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" ص (69):
[واشْتُهِرَ عَنْ جَمْعٍ مِن العُلماءِ القَوْلُ بقَبولِ الزِّيادةِ مُطْلقاً مِن غيرِ تفصيلٍ، ولا يَتَأَتَّى ذلك على طريقِ المُحَدِّثينَ الَّذينَ يشتَرِطونَ في الصَّحيحِ أَنْ لا يكونَ شاذّاً، ثمَّ يفسِّرونَ الشُّذوذَ بمُخالَفةِ الثِّقةِ مَن هو أَوثقُ منهُ. والعَجَبُ مِمَّنْ أَغفلَ ذلك منهُم معَ اعْتِرافِه باشْتِراطِ انْتفاءِ الشُّذوذِ في حدِّ الحديثِ الصَّحيحِ، وكذا الحَسنِ. والمَنقولُ عن أَئمَّةِ الحَديثِ المُتَقَدِّمينَ كعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدي، ويحيى القَطَّانِ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ، ويحيى بنِ مَعينٍ، وعليِّ بنِ المَدينيِّ، والبُخاريِّ، وأَبي زُرْعةَ الرازي، وأَبي حاتمٍ، والنَّسائيِّ، والدَّارقطنيِّ وغيرِهم – اعتبارُ التَّرجيحِ فيما يتعلَّقُ بالزِّيادةِ وغيرها، ولا يُعْرَفُ عن أَحدٍ منهُم إِطلاقُ قَبولِ الزِّيادةِ. وأَعْجَبُ مِن ذلك إِطلاقُ كثيرٍ مِن الشَّافعيَّةِ القَوْلَ بقَبولِ زِيادةِ الثِّقةِ، معَ أَنَّ نصَّ الشافعيِّ يدلُّ على غيرِ ذلك؛ فإِنَّهُ قالَ في أَثناءِ كلامِه على ما يُعْتَبَرُ بهِ حالُ الرَّاوي في الضَّبْطِ ما نَصُّهُ: «ويكونُ إِذا أشْرَك أَحداً مِن الحُفَّاظِ لم يُخالِفْهُ، فإِنْ خالَفَهُ فوُجِدَ حديثُهُ أَنْقَصَ كانَ في ذلك دليلٌ على صحَّةِ مَخْرَجِ حديثِهِ، ومتى خالَفَ ما وَصَفْتُ أَضرَّ ذلك بحديثِهِ» انتهى كلامه ومُقتَضاهُ أَنَّهُ إِذا خَالَفَ فوُجِدَ حديثُهُ أَزْيَدَ أَضرَّ ذلك بحديثِه، فدلَّ على أَنَّ زيادةَ العَدْلِ عندَه لا يلزَمُ قَبولُها مُطْلقاً، وإِنَّما تُقْبَلُ مِن الحافِظِ؛ فإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يكونَ حديثُ هذا المُخالِفِ أَنْقَصَ مِن حديثِ مَن خالَفَهُ مِن الحُفَّاظِ، وجَعَلَ نُقصانَ هذا الرَّاوي مِن الحديثِ دليلاً على صحَّتِه؛ لأنَّه لا يَدُلُّ على تَحَرِّيهِ، وجَعَلَ ما عَدا ذلك مُضِرّاً بحديثِه، فدَخَلَتْ فيهِ الزِّيادةُ، فلو كانتْ عندَه مقبولةً مُطْلقاً؛ لم تكنْ مُضِرَّةً بحديثِ صاحِبِها، واللهُ أَعلمُ].
وقال ابن الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/107):
[ثم قال ابن الصلاح: "أما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال فيه".
قال الحافظ: "فيه نظر وعلى المصنف إشكال أشد منه؛ وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا ويقول: إنه لو تعارض الوصل والإرسال قدم الوصل مطلقا وإن كان رواة الإرسال أكثر أو أقل أحفظ أم لا" ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه، وإذا كان راوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟
قال: "هذا غاية في الإشكال ثم قال: يمكن أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال.
والمصنف يأخذ بقول الفقهاء والأصوليين وذلك أنهم لا يشترطون نفي الشذوذ في شرط الصحيح وبهذا يرتفع الإشكال"].
فتأمل هذا
والحمد لله رب العالمين
إذا روى بعض الرواة الحديث مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكمنا بالوقف خاصة في أحاديث العقائد التي تفيد التشبيه والتجسيم:
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm