أحاديث الصحيحين:

قواعد المصطلح وعلوم الحديث
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

أحاديث الصحيحين:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

أحاديث الصحيحين:

في البداية أؤكد دائما أن كتابَي البخاري ومسلم (الصحيحين) من أجل الكتب المصنفة في الحديث وأصحها عندي، وأنني أستدل بما ورد فيما من أحاديث في جميع كتبي ومؤلفاتي، لكن لا يعني هذا أن كل ما فيهما صحيح وأنهما معصومان من الخطأ! ومثلهما موطأ الإمام مالك وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان وصحيح أبي عوانة بل فيهما أحاديث منتقدة قديماً وحديثاً! وأنا لست ممن يقال فيَّ بأنني ممن أطعن في السنة! ولا يجرؤ أن يقول ذلك فيَّ من يعرفني! فإن الله تعالى يأمرنا في غير ما آية باتباع السنة، ومن ذلك قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} {فاتبعوني يحببكم الله} فكل ما ثبت لنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو على العين والرأس ووجب أن نأخذ به ونعمل بما جاء فيه! بلا جدال ولا خلاف!
لكن ليس كل ما روي في الصحيحين وغيرهما ثبت عن رسول الله!
ولا يقول بذلك إلا من ليس له ممارسة للسنة كابن الصلاح ومن يتعصبون لقوله!
هذه نقطة مفروغ منها!
ونحن ننتقد أحاديث لا يعلم المقلدة الجامدون مدى خطورتها على الاعتقاد! والفلسفات الفارغة لا داعي لها فنحن نعرفها!
وقد ترك العمل والأخذ بأحاديث مروية فيهما جماعة من أئمة أهل السنة المجتهدين كالإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي وغيرهما رحمهم الله تعالى! كحديث أن التيمم ضربة واحدة يمسح فيها الوجه والكفين دون الذراعين!
وقد أمر أحمد بن حنبل بالضرب على أحاديث – كما ورد في المسند – وهي مروية في الصحيحين كحديث (لو أن الناس اعتزلوهم) يعني أمراء السوء!

وعليه وبعد هذا البيان أقول:
إن من جملة الأحاديث التي نبين عدم صحتها فيهما:

حديث من جملة الخرافات الإسرائيلية في الصحيح فيه أن لله تعالى يد يمين وأخرى شمال:
وحديث آخر يقول بأنه تعالى عن ذلك يضع قدمه في النار ورواية تقول رجله بدل قدمه! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وعقيدة الإسلام التي ندين الله تعالى بها ونقطع بصحتها أن الله منزه عن ذلك كله وعن الأعضاء وعن التكلف بتأويل هذه الترهات، وغيرتنا هي لله تعالى لا لكتاب ألفه بشر يصيب ويخطىء:
روى مسلم في الصحيح (2788) قال:
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون).
مع أنه ورد في صحيح مسلم (1827) أيضاً:
عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وفي حديث زهير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا).
وعندي أن كلا منهما وإن كانت أسانيده صحيحة في الظاهر هو مما نقلوه من فكر وتراث الأمم السابقة عن مثل كعب الأحبار وابن سلام ونحوهما.

وأما حديث الرِّجل والقَدَم تعالى الله عن ذلك:
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ، قال الله تبارك وتعالى للجنة أنتِ رحمتي أرحم بكِ مَنْ أشاء من عبادي ، وقال للنار إنما أنتِ عذابي أُعَذِّب بكِ من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقاً).
رواه البخاري (4850) .
وله لفظ آخر عند البخاري (7449) وهو :
(اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار يعني أوثرت بالمتكبرين ، فقال الله تعالى للجنة أنت رحمتي ، وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها ، قال فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحداً ، وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول { هَلْ مِنْ مَزِيدٍ } ثلاثاً حتى يضع فيها قدمه فتمتلىء ويرد بعضها إلى بعض وتقول قَطٍ قَطٍ قط).
يفيد النص الأول أن جهنم لا تمتلىء حتى يضع الله ـ تعالى عما يصفون ـ فيها رِجْلَه دون ذِكْرِ أن يخلق لها خلقاً جديداً لأن الله تعالى لا يظلم من خلقه أحداً! أما النص الثاني فيقول بأن جهنم ينشىء الله لها خلقاً جديداً ويلقيهم فيها دون أن يسبق منهم كفر وعصيان، ولا تمتلىء حتى يضع فيها قدمه!
وربما انبنت نظرية تعذيب المطيع وإثابة العاصي وأن كلاً منهما مُلْكُه سبحانه يفعل فيهما ما يشاء على مثل هذه الأحاديث المردودة ، وقد نبَّه البخاري ـ فيما أعتقد وكما يظهر ـ أن هذا الحديث من أقوال أبي هريرة ! حيث أن بعض رواته كان لا يرفعه ! وهذا نصه في صحيحه (برقم4849):
(حدثنا محمد بن موسى القطان حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد بن يحيى بن مهدي حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان).
وهذه بعض العلل التي يشير لها البخاري للأحاديث التي يرويها في صحيحه.
كما عللها أيضاً مسلم في صحيحه (2847) حيث قال:
[وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (احتجت الجنة والنار فذكر نحو حديث أبي هريرة إلى قوله ولكليكما علي ملؤها) ولم يذكر ما بعده من الزيادة].
أقول: الزيادة هي قوله في الحديث: [فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلىء ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحداً ، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقاً].
وفي هذا فوائد علمية وحديثية عظيمة: منها أن هناك أحاديث رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندة وعللاها، ومنها أن مسلماً علل حديث القدم أو الرِّجْل في الصحيح، ومما يؤكد وجود المعلل المردود في صحيحيهما ما قاله الحاكم أول "مستدركه على الصحيحين" (1/2-3):
[سألني جماعة.. أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيا ذلك لأنفسهما].

ومن هنا يمكن أن يَعْيَ بعض مَنْ لم يطَّلع على هذه الأمور حقيقة الأمر في الأحاديث التي تخالف العقل أو القرآن وغير ذلك ، كما قال الحافظ الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (132/1):
[إذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأمور: أحدها: أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه، لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا، والثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ ، والثالث: أن يخالف الإجماع..] إلى آخر تلك الشروط .
وقال أبو منصور الماتريدي في كتابه "تأويلات أهل السنة" (4/566) عند قوله تعالى {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}:
[وقال أهل التأويل ـ أي التأويل الباطل ـ: إنها تسأل الزيادة حتى يضع قدمه فيها، فتضيق بأهلها حتى لا يبقى فيها مدخل لرجل واحد، ورووا خبراً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك. وإنه فاسد، وقول بالتشبيه، وقد قامت الدلائل العقلية على إبطال التشبيه، فكل خبر ورد مخالفاً للدلائل العقلية يجب ردّه لأنه مخالف لنص التنزيل وهو قوله عز وجل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم هذا القول على قول المشبهة على ما توهموا مخالف للكتاب لأن الله عز وجل قال {لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}، وعندهم لا تمتلىء بهم ما لم يضع الرحمن قدمه فيها. ثم ذكر البلخي أن مدار ما ذكروا من الحديث على حماد بن سلمة، وكان خرفاً مفنداً في ذلك الوقت ، لم يجز أن يؤخذ منه].
وقال الإمام المتولي (ت478هـ) في كتابه "الغنية" في الاعتقاد ص (116): [فمن زعم أن الله له قدم يضعها في النار فقد أبطل الدلالة وسوى بينه وبين الأصنام].
وقال أبو معين النسفي (ت 508هـ) في "تبصرة الأدلة" ص (129):
[إن هذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنن المروية التي يوهم ظاهرها التشبيه وكون الباري تعالى جسماً متبعضاً متجزئاً كانت كلها محتملة لمعانٍ وراء الظاهر ، والحجج المعقولة التي بيناها غير محتملة ، والعقول من أسباب المعارف وهي حجة الله تعالى ، وفي حمل هذه الآيات على ظواهرها على ما حملت المجسمة والمشبهة إثبات المناقضة بين الكتاب والدلائل المعقولة ، وهي كلها حجج الله ، ومن تناقضت حججه فهو سفيه جاهل بمآخذ الحجج ومقاديرها ، والله تعالى حكيم لا يجوز عليه السفه ، عالم لا يجهل ، ولو حملت هذه الآيات على ما يوافق حجج العقول لكان فيه إثبات الموافقة بين الحجج وذلك مما تقتضيه الحكمة البالغة ، فحمل تلك الدلائل السمعية على ظواهرها كان محالاً ممتنعاً].
إن في ذلك لعبرة لغير المتعصبين الذين يجادلون بالباطل
والله تعالى أعلم.

أضف رد جديد

العودة إلى ”قواعد المصطلح وعلوم الحديث“