نماذج من محاولات بعضهم نقض ما هو مقرر في القرآن الكريم لأجل معاوية وابن أبي سلول بادعاء أن "دخول الجنة ليس بالأعمال"، وإنما برحمة الله والمشيئة! يعني دون قوانين ثابتة ودون عدالة:
وما سأحلله هنا هو نموذج من الأفكار التي حاول معاوية أن يغرسها في الأمة ويقنعهم بها! تأملوها واقرأوا المقال جيداً:
قال أحد الإخوة الرادين علينا بحماس وثقة قبل قليل:
[هنا سوف لن نتكلم عما جرى من فتن بين الصحابة
واعلم جيدا الحق مع من يدور ومن هو يدور مع الحق ، ونعرف جيدا من هو الخليفة ومن هو الملك
ليس الآن بعد الف وأربعمائة سنة اتخلف واعيد إثارة الفتن مع المثيرين والمطبلين والمتجادلين
لكن اقول الجنة لا يدخلها احد الا برحمة الله عز وجل].
أقول: ما يحتج لرد قوله (الجنة لا يدخلها أحد إلا برحمة الله عز وجل) هذه الفكرة مردودة جاءت في حديث آحاد مخالف للقرآن الكريم!، والمراد منها أن دخول الجنة والنار ليس بالأعمال وبما قدم الإنسان وإنما برحمة الله ومشيئته!، فربما يكون هناك إنسان عمل الموبقات فيرحمه الله ويدخله الجنة وإنسان آخر عمل الصالحات فيدخله الله النار لأنه شاء ذلك له!!ّ.
وهذا شطب للقانون الإلهي ونصوص القرآن القاطعة بقاعدة {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} !!
وكل مقال هذا الكاتب قائم على نظرية (برحمة الله) أو (بمشيئة الله) التي هي كلمة حق أريد بها باطل قطعاً!!.
وأنا هنا سأتصدى لهذه النظرية المعارضة لكتاب الله تعالى ولسنة الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة الثابتة الموافقة لكتاب الله تعالى!!.
وقد أكد الكاتب هداه الله تعالى نظريته تلك بأن ابن أبي سلول المنافق المشهور صلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكفنه بقميصه واستغفر له سبعين مرة وذلك يشطب نفاقه ويدخله الجنة!.
قال الكاتب الذي تم شطب مقالته:
[والنار لا ينجو منها الا من رحمه الله عز وجل
وإن المنافقين هم أقبح الناس شأنا في كل زمان وقال آله عز وجل إن المنافين في الدرك الأسفل من النار
وكان ابن سلول الرافض لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناصب العداء له قد اجتمع فيه شر النقيضين الرافضة والناصبة
ومع ذلك فقد استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من سبعين مرة وكأنه بقميصه صلى الله عليه وسلم وصلى عليه فهل تراه يمسه عذاب القبر او الخلود في النار].
وإليكم نقض هذه النظرية وبيان طرف ممن أخطأ فيها:
ظاهر القرآن يقرر أن دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح، ومن ذلك مثلاً:
قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}،
وقال تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}،
وقال تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون}
وقال تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون}
هذه الآيات وغيرها كثير وكثير تقول بأن دخول الجنة بالعمل وبما كان المؤمنون يعملون وهذه قاعدة كبيرة وطويلة وعريضة يكررها ويقررها القرآن الكريم.
لكن جاء حديث (آحاد) يقول إن دخول الجنة ليس بالعمل ولا بالأعمال (ولن يدخل الجنة أحد بعمله) وإنما سيدخلون برحمة الله تعالى!، ومعنى هذا أن يلغى ما تم تقريره كرات ومرات في القرآن الكريم من أن دخول الجنة بالعمل الصالح!.
هنا لا نود الدخول في تأويلات متكلفة بعيدة فيها نوع من السماجة واللف والدوران لتصحيح ما جاء في هذا الحديث وشطب ما تقرر في القرآن الكريم بما لا مجال للشك فيه!
وأنت الآن أمام الملاحدة والمنكرين على الدين ينبغي أن تقوم بأحد الأمور التالية:
إما أن تقوم بالتلفيق والجمع والتأويل -الذي لا معنى له ولا يفيد النبيه العاقل في حل المشكلة- بين الحديث والآيات الكريمة بحيث لا تقنع أحدا بمنطق سليم يقبله العقل! بحيث أنه قد يأتي بعض المتفلسفين فيقول لنا: (أنتم بعيدون عن الفهم والمعرفة وهذا أمر بسيط، أنتم ترونه متناقضاً لقصور عقولكم ولضعف فهمكم ولكنه غير متناقض!!) فيقوم بإعطاء أجوبة أو تحليل غير مقنع ولا يمكن فهمه إلا باللغة السنسكريتية!.
وإما أن نرد الحديث الآحاد ولا نقبله لكونه جاء بفكرة تناقض الفكرة المقطوع بها في القرآن الكريم. وبالتالي نحن ننزه سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أن يكون قد قال هذا الكلام أو صدر عنه هذا الحديث.
وقد قرر الحفاظ وأئمة الأصول كالخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/132) أنه "إذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدَّ بأُمور : أحدها : أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه ، لأنّ الشرع إنّما يَرِدُ بمجوّزات العقول وأمّا بخلاف العقول فلا . والثاني : أن يخالف نصَّ الكتاب أو السُنَّة المتواترة فيعلم أنّه لا أصل له أو منسوخ..".
فهل نُعْمل هذه القواعد والأسس ونقرر ما تقرر في أصول الفقه والاستدلال أم نبقى متخبطين مقلدين قائلين: من قال هذا قبلك؟!
هذا مثال على التعارض بين حديث وآيات أو قواعد أساسية مقررة في القرآن الكريم، يعني بين ظني وقطعي.
فهنا سننظر ماذا سنفعل في هذه المعضلة؟!
نحن نعرف أن شراح الحديث يَجمعون ويلفقون بين المستحيلات فلديهم استعداد أن يشرحوا لنا معنى اللون الأبيض فيجعلونه أسود وكذلك الأسود يجعلونه أبيض بطرق فنية تقصر عنها عقولنا وأفهامنا التي لم تدرس الفلسفة والمنطق الأرسطي!.
إلى هنا انتهى دور عامة الناس ومنهم العلماء الذين لا علاقة لهم بالهرطقات!!، ونبدأ بعرض موجز لأصحاب الفلسفة والمنطق الذين يتخيلون أن أذهانهم معصومة من الخطل والزلل وأنهم يفهمون ما لا نفهم فنقول لهم بكل تواضع ونحن معترفون لهم بعبقريتهم:
من العجيب الغريب في عدم النظر إلى الدليل بل النظر فقط إلى المذهب والطائفة بعد كل هذا التعارض الواضح والظاهر بين الآيات والحديث، قول سيدنا الحافظ العراقي في "طرح التثريب" (9/172) عند شرح حديث (لن يدخل أحد الجنة بعمله) أو بلفظ (ليس أحدكم بمنجيه عمله) :
[فيه حجة لمذهب أهل السنة أن الله تعالى لا يجب عليه شيء من الأشياء لا ثواب ولا غيره بل العالم ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين وأدخلهم النار كان عدلا منه وإذا أكرمهم ونعمهم وأدخلهم الجنة فهو بفضل منه، ولو نعم الكافرين وأدخلهم الجنة كان له ذلك لكنه أخبر وخبره صدق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلا منه فمن نجا ودخل الجنة فليس بعمله لأنه لا يستحق على الله تعالى بعلمه شيئا وإنما هو برحمة الله وفضله وذهبت المعتزلة إلى إيجاب ثواب الأعمال على الله تعالى وحكموا العقل وأوجبوا مراعاة الأصلح ولهم في ذلك خبط عريض تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع].
يا عين يا ليل!!!
يعني أن سيدنا الحافظ العراقي يقرر بأن: مذهب أهل السنة لا يجب في حق الله سبحانه وتعالى العدل ليثيب المطيع ويعذب الطغاة والكافرين، وإنما القول بالعدل في تحقيق إثابة الطائعين وتعذيب المجرمين والكافرين هو مذهب المعتزلة المتخبطين المخترعين للباطل المنابذين لنصوص الشرع!! هل هذا معقول يا عقلاء؟!
وسنرى الآن من هم المنابذون لنصوص الشرع!
وأكد ذلك الذي قرره العراقي أيضاً العضد الإيجي.
قال العضد الإيجي في "المواقف" (3/494) أيضاً: [فإن المطيع لا يستحق بطاعته ثواباً والعاصي لا يستحق بمعصيته عقاباً إذ قد ثبت أنه لا يجب لأحد على الله حق] (!!)
ونصوص الشريعة تنقض هذه الفكرة من جذورها ومن ذلك:
قول الله تعالى {كَذَلِكَ حَقًّـــــــــــــا عَلَيْنَـــــــــــا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}!!
وقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حــــــــــق العبــــــــــاد علــــــــــى الله)؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً).. رواه البخاري (2856) ومسلم (30) .
فتأملوا كيف يقول بعضهم (لا حَقَّ لأحد على الله) ونصوص الكتاب والسنة تكذب ذلك ! وتنص على إثبات (حق العباد على الله تعالى) !!
فمن هو المنابذ لنصوص الشرع؟!
وروى أيضاً البخاري (3914) ومسلم (940) عن سيدنا خباب رضي الله عنه قال: (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله...).
فظهر أن الصحابة رضي الله عنهم ومنهم سيدنا خباب يقولون بما يقوله المعتزلة المنابذون لنصوص الشريعة فيتوافقون في الاعتقاد مع المعتزلة فيقولون [وجب أجرنا على الله] وهذا في البخاري ومسلم وليس في كتب المعتزلة!، فانتسف كلام سيدنا العراقي وسيدنا العضد وكل من وافقهما كالسنوسي في "شرح صغرى الصغرى" ص (87)!
وزيادة على ما تقدم أبين أن بعض أئمة الأشاعرة وكذلك الماتريدية اعترفوا بالحقيقة ووافقوا المعتزلة – المنابذين لأدلة الشريعة حسب تعبير سيدنا الحافظ العراقي، والمعتزلة أقدم من هؤلاء جميعًا – وإليكم ذلك لتحرصوا على اتباع الحق والدليل لا على التعصب للمذهب والطائفة وقول فلان وفلان:
قال سيدنا الناظم العلامة إبراهيم اللقاني الأشعري رحمه الله تعالى في شرحه الصغير على الجوهرة (1/549-555) مثبتاً الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية في هذه النقطة :
[هو إشارة إلى مسألة الوعد والوعيد التي اختلف فيها الأشاعرة والماتريدية، فقال الأشاعرة: الثواب فضل من الله سبحانه، وقد وعد به المطيع فيجـــــــب عقــــــــــلاً الوفاء به، لأن الخلف في الوعد نقص يجب تنزيهه تعالى عنه.. ويجب شرعاً اعتقاد إنجاز الله الوعد لما مرَّ، يعني بخلاف الوعيد فلا يستحيل إخلافه لعدم النقص عرفاً، بل يعد إخلافه كرماً وكمالاً يتمدَّح به، واعترض على هذا المذهب في جانب الوعيد بلزوم مفاســــــــــد كثيـــــــرة:
منها: الكذب، وقد قام الإجماع على تنزُّه خبره تعالى منه.
ومنها: تبديل القول، وقد قال تعالى: {ما يُبَدَّل القول لديَّ}.
ومنها: أنه لا يتوجه معه الرد على الفلسفي في نفيه المعاد ونشر الأجساد.
ومنها: تجويز عدم خلود الكفار في النار، وهو خلاف ما قامت عليه القواطع من خلودهم فيها...، وقال الماتريدية: يمتنع: تخلّف الوعيد كما يمتنع تخلف الوعد..].
وقال الباجوري في "شرح الجوهرة" ص (101):
[وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلُّف الوعيد كما يمتنع تخلّف الوعد، ولا يرد على ذلك أن الوعيد يتخلَّف في المؤمن المغفور له، لأن الآيات الواردة بعموم الوعيد مخرج منها المؤمن المغفور له (أي التائب)، وأما غير المغفور له فلا بدَّ من نفوذ الوعيد فيه، فقولهم: لا بد من إنفاذ الوعيد ولو في واحد الآتي في قوله:
وواجب تعذيب بعضاً ارتكب كبيــرة ثــم الخلـود مجتنــــب
إنما يظهر على كلام الماتريدية،.. فظهر أن الخـــــــلاف حقيقـــــــي وإن جعله بعضهم لفظياً].
فتأملوا في كل هذا لنخرج بالنتيجة ما هو الصحيح؟!
والله تعالى أعلم.
نماذج من محاولات بعضهم نقض ما هو مقرر في القرآن الكريم لأجل معاوية وابن أبي سلول بادعاء أن "دخول الجنة ليس بالأعمال"، وإ
-
- مشاركات: 777
- اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm