نقض إدعاء أن فعل (النظر) إذا عدي بحرف (إلى) يفيد الرؤية بالعين الباصرة حصرًا؛لإثبات مذهب التجسيم:

قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

نقض إدعاء أن فعل (النظر) إذا عدي بحرف (إلى) يفيد الرؤية بالعين الباصرة حصرًا؛لإثبات مذهب التجسيم:

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

نقض إدعاء أن فعل (النظر) إذا عدي بحرف (إلى) يفيد الرؤية بالعين الباصرة حصرًا؛لإثبات مذهب التجسيم:

قال الدكتور نذير العطاونة في كتابه: ( القواعد اللغوية المبتدَعة):
المسألة الثالثة :
ادعاؤهم بأن النظر إذا عدّي بـ (إلى) لا يفيد إلا الرؤية البصرية !


استدل القائلون برؤية الله تعالى في الآخرة بقوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }(القيامة/22-23) ، وقالوا إن معنى ناظرة هو نظر المعاينة بالأبصار وزعموا أن النظر إذا عُدّي بإلى لم يفد إلا هذا المعنى .
قال ابن أبي العز الحنفي في (( شرح العقيدة الطحاوية )) : [ فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه ، وإن عدي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار ، كقوله تعالى : { انظروا إلى ثمره إذا أثمر } ، فكيف إذا أضيف للوجه الذي هو محل البصر ] .
قلت : هذه قاعدة موهومة ومركبة من شقين ، أولاهما أن النظر المعدّى بإلى معناه المعاينة بالأبصار ، وثانيهما أن هذا النظر المعدى بإلى إن أضيف إلى الوجوه كان مُؤكِّداً لمعنى المعاينة .
وهذا باطل وغير صحيح وينقضه الآتي :
1) قوله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة }(آل عمران/77) ، فجاء النظر هنا متعدياً بحرف الجر إلى ولم يأت بمعنى الرؤية البصرية بل جاء بمعنى آخر وهو الإنعام والإكرام .
قال الإمام الطبري في (( تفسيره )) (3/320) : [ وأما قوله : {ولا يكلمهم الله } ، فإنه يعني ولا يكلمهم الله بما يسرهم ، { ولا ينظر إليهم } يقول : ولا يعطف عليهم بخير مقتاً من الله لهم ، كقول القائل لآخر : انظر إليّ نظر الله إليك بمعنى تعطّف عليّ تعطف الله عليك ].
وقال النووي رحمه الله تعالى في (( شرح صحيح مسلم )) (14/61) : [ ومعنى : لا ينظر الله إليه ، أي لا يرحمه ] .
2) قال تعالى : { وإن كان ذو عُسرَةٍ فَنَظِرَة إلى ميسرة } (البقرة/280) ، ومعنى الآية أن كل من أُعسر أَنظر، وهي على هذا بمعنى الانتظار .
3) قول جميل بثينة المتوفى سنة ( 82 هـ ) :
إِنّي إِلَيكِ بِما وَعَدتِ لناظِرٌ نَظَرَ الفَقيرِ إِلى الغَنِيِّ المُكثِرِ
ومعناه أني أنتظر ما وعدتني إياه وحالي في ذلك كحال الفقير الذي ينتظر الغني المكثر في عطاياه .
4) وقال جرير المتوفى سنة ( 110 هـ ) :
مِن كُلِّ أَبيَضَ يُستَضاءُ بِوَجهِهِ نَظَرَ الحَجيجِ إِلى خُروجِ هِلالِ .
5) وجاء في قول العرب : ( نظر الدهر إليهم ) أي أهلكهم .
6) وجاء أيضاً في كلام العرب : ( أنظر إلى الله ثم إليك ) أي أتوقع فضل الله ثم فضلك .
وفي (( لسان العرب )) (5/215) : [ ويقول القائل للمؤمل يرجوه : إنما ننظر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك ] .
وقال الأزهري في كتابه (( تهذيب اللغة )) : [ ويقول القائل للمؤمَّل يرجوه : إنما أنظر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك ] .
7) إن حروف الجر قد يقوم بعضها مقام بعض ، فـ ( إلى ) هنا يجوز أن تكون بمعنى اللام فيصبح المعنى وجوه يومئذ ناضرة لثواب ربها منتظرة .
ومثال ذلك في كتاب الله قوله تعالى : { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق }(يونس/35) ، فأقام هنا أحدهما مكان الآخر .
قال أبو القاسم الزجاجي في كتاب (( حروف المعاني )) (ص 76) : [ ( اللام مكان إلى ) قال الله تعالى : { بأن ربك أوحى لها }(الزلزلة/5) أي إليها ، وقوله تعالى : { الحمد الله الذي هدانا لهذا }(الأعراف/43) أي إلى هذا ].
تناقـــض

ولقد تناقض الزاعمان لهذه القاعدة الموهومة ابن القيم ومقلده ابن أبي العز الحنفي فوقعا في عين ما حذرا منه ، فبعد أن ادعيا أن النظر المعدى بإلى لا يكون إلا بالأبصار استخدماه ليدل على الرؤية القلبية والتأمل والتفكر.
قال ابن أبي العز الحنفي في (( شرح العقيدة الطحاوية )) (ص 409) : [فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب بالقول الوجيز الذي لا يكون أوجز منه والبيان الجليل الذي لا يتوهم أوضح منه ومأخذه لقريب الذي لا تقع الظنون على أقرب منه ].
فأراد ابن أبي العز هنا التفكر والتأمل والتدبر ، لا الرؤية البصرية لأن الاحتجاج ليس بجسم يمثل أمام أبصارنا لنراه !!!
وقال ابن القيم في كتابه (( الطب النبوي )) (140) : [فأبو حنيفة رحمه الله نظر إلى أن الإذن في الفعل إنما وقع مشروطاً بالسلامة ، وأحمد ومالك رحمهما الله نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان ، والشافعي رحمه الله نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه فهو بمنزلة النص ] .
فنظر أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ههنا نظر في الأدلة والأحكام وهي رؤية عقلية كما لا يخفى.
فانخرمت قاعدتهم بأيديهم وتحطمت بصنيعهم قبل أن تحطمها الأدلة والبراهين والشواهد والحمد لله تعالى .
وأزيد أيضاً أن ابن كثير استخدم النظر المعدى بـ (إلى) ولم يرد إبصار العين ، وذلك حين قال في (( تفسيره )) (3/382) : [ ولكن إذا نظر إلى معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل ].
وهل المعاني تُرى وتدرك بالأبصار ؟!!
أم أنها المعرفة المتحصلة من التدبر والتأمل !

[ تنبيه ]
ولا وجه للتفريق بين كون النظر مسنداً للوجوه أو إلى غيرها ، ولا عبرة بقولهم أن الوجوه محل العيون التي هي أداة الرؤية والبصر وكل ذلك تمحل وابتداع لا أساس له في اللغة ، لأن المراد أصحاب الوجوه كما أُسند الظن إلى الوجوه في قوله تعالى : {ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة }(القيامة/24-25) .
والتعبير عن الذات بالوجه من أنواع المجاز في اللغة ، كما قال العلامة الشيخ عبد الله الفيضي في (( نظم العلاقات )) :
وعكسه استعمالك الوجه أتى في الذات في علم البيان مثبتا


[ فرع مهم ]

قال المتمسلف صاحب كتاب (( أثر القواعد اللغوية في نصرة عقيدة أهل السنة والجماعة )) ص(85) : [ وقد ألحد بعض المعتزلة في هذا الموضع وبلغ به التعسف والخروج من الجماعة إلى أن قال : ( إلى ) ليست بحرف جر إنما هي اسم واحد آلاء ] .
قلت : إن اعتبار ( إلى ) اسماً وواحد الآلاء هو كلام أئمة اللغة ولا يختص بالمعتزلة كما يزعم هذا المتعالم !!!
فقد قال الأزهري في (( تهذيب اللغة )) : [ والآلاء : النعم ، واحدتها إِلْىٌ وأَلْىٌ وأَلْة أَلَى وإِلَى ] .
وقال صاحب (( التبيان في شرح الديوان )) (1/30) : [ والآلاء : النعم والعطايا ، واحدها ألى ( بالفتح ) وقد تكسر كمِعىً وأمعاء ] .
وقال المرزوقي في (( شرح ديوان الحماسة )) :
[ إذا ما أمرؤٌ أثنى بآلاء ميتٍ فلا يبعد الله الوليد بن أدهما
الآلاء : النعم ، واحدها إلى ] .
وقال ابن اليزيدي في (( الأمالي )) (ص90) : [ سمعت أبا جعفر بن حبيب يقول واحد الآلاء إلى و إليٌ والجميع الآلاء مثل أقفاء وواحد الآناء من الليل إناً وإنيٌ وواحد الأحساء حسيً وحسيٌ ] .
وقال أبو علي القالي في (( المقصور والممدود )) (ص 174) : [ إلىً : واحد آلاء الله ].
وقال أبو حيان في (( البحر المحيط )) : [ الآلاء : النعم ، واحدها إلى كمعى .
أنشد الزجاج :
أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحمي ولا يخون إلى ] .

[ فريدة ]

ومن الغريب العجيب قول القرطبي في (( تفسيره )) (19/110) : [ قال القشيري أبو نصر : وقيل إلى واحد الآلاء أي نعمه منتظرة ، وهذا أيضاً باطل لأن واحد الآلاء يكتب بالألف لا بالياء ] .
ومراد القرطبي من هذا أن مفرد آلاء تكتب هكذا ( إلا ) ولا تكتب بهذه الصورة ( إلى ) ، وهذه دعوى لا دليل عليها ، بل صرح أهل اللغة بجواز
الوجهين ، ومنهم الجوهري في (( الصحاح )) إذ يقول : [ والآلاء : النِعَمُ ، واحدها أَلاً بالفتح ، وقد يُكْسَرُ ويُكْتَبُ بالياء، مثاله مِعىً وأَمْعاءٌ ] .
وقال الإمام السيوطي في (( الأشباه والنظائر في النحو )) (2/12) :
[ و ( أًلا ) تكون حرف استفتاح ، واسماً بمعنى النعمة والجمع آلاء ، وفعلاً ماضياً بمعنى قصر ، وبمعنى استطاع .
و ( إلى ) تكون حرف جر ، واسماً بمعنى النعمة ... ] .
وإلى هذا المعنى أشار العلامة حسن بن علي قويْدِر الخليلي (ت 1262 هـ) في (( نيل الأرب في مثلثات العرب )) فقال :
أداة الاستفتاح والعرض أَلا
وألوة وهي اليمين فأُلى
واسم لنعمة أتى إلا
جمعٌ لها وكالذين يجري

فرحم الله القرطبي وعفا عنه !!!!

أضف رد جديد

العودة إلى ”قضايا ومسائل لغوية تتعلق بالعقائد“