تكملة موضوع الكبائر ووجوب الابتعاد عنها :

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
أضف رد جديد
عود الخيزران
مشاركات: 777
اشترك في: السبت نوفمبر 04, 2023 1:45 pm

تكملة موضوع الكبائر ووجوب الابتعاد عنها :

مشاركة بواسطة عود الخيزران »

تكملة موضوع الكبائر ووجوب الابتعاد عنها :
تكملة أدلة المحتجين بنجاة أصحاب الكبائر إن ماتوا ولم يتوبوا منها :
حديث : (( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )) رواه الترمذي (2436) وقال عقبه : (( هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث جعفر بن محمد )) .
الحسن الغريب عند الترمذي هو الحديث الضعيف الذي عمل به البعض .
وأقول بأن هذا حديث باطــل . روي هذا الحديث عن جابر بن عبدالله عند الترمذي (2436) واستغربه كما في الأعلى ، وفي إسناده محمد بن ثابت وقد قال أبو حاتم وأبو زرعة عنه : ليس بالقوي ، ورويَ من حديث أنس بن مالك عند الترمذي (2435) وابن حبان (14/387) واستغربه الترمذي أيضاً . وسبب ضعفه من الناحية الحديثية الإسنادية أن السند المعوَّل عليه عند من صححه هو من طريق عبدالرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس ، ورواية معمر عن ثابت ضعيفة ومضطربة وفيها أوهام كثيرة عند أئمة هذه الصناعة ، قال ابن معين :
(( معمر عن ثابت ضعيف )) ( تهذيب الكمال 28/309) ، وقال أبو حاتم : (( ما حدَّث معمر بالبصرة فيه أغاليط )) ، وقال يحيى : (( وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام )) ( تهذيب التهذيب 10/245) ، وقال الحافظ ابن الشرقي : (( إن معمراً كان له ابن أخٍ رافضي وكان معمر يمكنه من كتبه فأدخل عليه هذا الحديث ـ في فضل عليٍّ ـ ، وكان معمر مهيباً لا يقدر أحد على مراجعته فسمعه عبدالرزاق في كتاب ابن أخي معمر )) ( سير أعلام النبلاء 12/367 للذهبي ، وتاريخ بغداد 4/42 ، وتهذيب التهذيب 1/10 ) ، ولأجل ذلك لم يخرج له البخاري أي معمر عن ثابت عن أنس إلا متابعة في موضع واحد ، وكذلك مسلم أخرج له في موضع واحد حديثاً، وآخر متابعة ، وهذا انتقاء منه يؤكّد ضعفه الذي قاله أولئك الأئمة ، ومع ادَّعاء بعضهم صحة إسناده في الظاهر وأن رجاله رجال الصحيحين لم يخرجه صاحبا الصحيحين ، ومن الغريب أيضاً أن عبدالرزاق لم يخرج الحديث في مصنفه مع أنه من جملة مروياته الموافقة لجمهور أهل السنة . ورواه أبو داود في سننه (4739) من طريق بسطام بن حريث عن أشعث الحداني عن أنس به، وبسطام هذا قال أبو حاتم فيه : (( شيخ )) ، أي ضعيف
( (( تهذيب التهذيب )) 1/310) ، وقال ابن حبان في (( الثقات )) (6/112) : [ بسطام بن حريث الأصفر .. يروي عن أشعث الحداني عن أنس روى عنه سليمان بن حرب ، وما أرى الأشعث سمع أنساً ] ، وذكره أبو جعفر العُقَيلي في (( الضعفاء )) (1/29) وقال :
(( في حديثه وَهَمٌ )) ، وقال الدارقطني : (( يعتبر به )) ( تهذيب التهذيب 1/310) ، فأنى يصح مثل هذا الإسناد المعارض للقطعيات !! ثم إن مسلماً روى حديث جابر بن عبدالله في صحيحه (201) وليس فيه ذِكْرٌ لأهل الكبائر ولفظه : (( لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة )) .
هذا من ناحية الصناعة الإسنادية الحديثية .
أما جوابنا من الناحية الإخرى العقلية الأصولية فنقول : إن هذا الحديث وأمثاله معارض لما تقرر في القرآن في أصحاب الكبائر ، ومعارض لما ورد في القرآن في مثل قوله تعالى : { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ } الزمر : 19 .
ولقوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } البقرة : 123 ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ } البقرة : 254 ، وقوله تعالى : { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأنعام : 51 . وقوله
تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } الأنبياء : 28 ، فهل ارتضى الله تعالى أصحاب الكبائر ؟!
وقال تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } غافر : 18 .
قال القاضي(1) : [ هذا الخبر لم تثبت صحته أولاً ، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسألتنا طريقها العلم ، فلا يصح الاحتجاج به ، ثم إنه معارَض بأخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في باب الوعيد ، نحو قوله : (( لا يدخل الجنة نمام ولا مدمن خمر ولا عاق ))(2) وقوله : (( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً ))(3) إلى غير ذلك ، فليس بأن يوجد بما أوردوه أولى من أن يوجد بما رويناه ، فيجب اطراحهما جميعاً ، أو حمل أحدهما على الآخر ، فنحمله على ما يقتضيه كتاب الله وسنة رسوله ، ونقول : المراد به : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي إذا تابوا .. ] .
والشفاعة إنما تكون للتائبين من المؤمنين أن يقبل الله تعالى توبتهم ويدخلهم الجنة ، وكذلك الشفاعة أيضاً في رفع الدرجات ، ويأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في موضع الكلام على الشفاعة والله الموفق .
فمن صدَّق بقلبه ونطق بالشهادتين وعمل صالحاً بأداء الفرائض واجتنب الكبائر فهو المؤمن الناجي ، ومن نطق بالشهادتين وأتى بالأعمال وليس لديه تصديق قلبي فهو منافق ، ومن ترك الثلاثة فهو كافر ، ومن صدَّق بقلبه ونطق بالشهادتين وفعل الكبائر فهو فاسق ، فالناس أربعة أنواع : مؤمن ومنافق وكافر وفاسق . فالمؤمن هو الناجي عند الله تعالى والثلاثة الباقون هلكى إذا ماتوا ولم يتوبوا إلى الله تعالى . فأما المؤمن الذي أتى بالأمور الثلاثة ( التصديق القلبي ، والنطق بالشهادتين، والإتيان بالأعمال الذي يتضمن الإتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات ) فلا شك في نجاته ، وأما الكافر والمنافق، فلا شك في هلاكهما ، وبقي الفاسق فقد جرى فيه الخلاف بين أهل الإسلام فذهب بعضهم إلى أنه ناجٍ ومصيره إلى الجنة ولو بعد عذاب ويعزى هذا القول إلى أهل السنة لكنه في الحقيقة لشطر منهم وليس لجميعهم ، وذهب قوم إلى أنه هالك ومصيره النار خالداً مخلداً فيها مع الكفار والمنافقين ( وهذا هو الذي يقال له عند المعتزلة صاحب المنزلة بين المنزلتين ، فلا هو مؤمن قائم بالأعمال ولا هو كافر غير مصدق بل هو مقرٌّ وعاص فسموه فاسقاً ) .
والمقصود هنا من تعريف الإيمان معرفة الشروط الواجب تحققها في الإنسان ليدخل الجنة كما ينبغي أن نعرف الأمور الواجب اجتنابها والتي تدخل صاحبها النار ، لأن الله تعالى بيَّن في كتابه الكريم أن مَنْ آمن وعمل صالحاً دخل الجنة قال تعالى : { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } الرعد : 22 . وقال سبحانه : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِوَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } الأحزاب : 35 . وقال تعالى : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } المجادلة : 22. فالفسقة الفجرة العتاة الظلمة الذين يقتلون الأبرياء(4) ويعذِّبون المؤمنين { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ(5) فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } الجن : 15 ، ويقترفون الزنا وشرب الخمور وشهادة الزور وقذف المحصنات(6) ونحو ذلك من الأفعال الشنيعة القبيحة والمنهيات أو لا يقومون بأداء الفرائض ولا بفعل الطاعات والمأمورات ليسوا مؤمنين على التحقيق وإن أظهروا الشهادتين وأقاموا الشعائر أحياناً ، وأما التصديق القلبي فالله هو الذي يعلمه وهو غير كافٍ للنجاة عند الله إذا اقترن بما ذكرنا من الموبقات ! قال تعالى : { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } المائدة : 49 ، ولذلك كفَّر علماء السلف أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي لقتله الأبرياء وأخذه الناس بالظنة وفعله الأفاعيل مع أنه كان يظهر الشهادتين ويخطب ويصلي بهم ويحفظ القرآن عليه لعائن الله تترى ، قال الحافظ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (2/185) في ترجمة الحجاج : [ قال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسميه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم : سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي ، وغيرهم .. ] .
وهذا يدلنا ويثبت لنا أن هؤلاء الأئمة من السلف كانوا يرون أن صاحب الكبيرة كالحجاج مُخَلَّدٌ في نار جهنم لقتله الناس وفعله الأفاعيل الموبقات مع إقراره بالشهادتين . وهو من جملة علماء السوء والقرَّاء الفسقة الذين يهونون المعاصي والكبائر لسادتهم وكبرائهم الذين ينطبق عليهم قوله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } الأعراف : 175 ، وقوله تعالى : { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ، رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } الأحزاب : 67-68 .
وقال الحافظ في (( الفتح )) (13/61) : [ ويدل على تعميم العذاب لمن لم ينه عن المنكر وإن لم يتعاطاه قوله تعالى : { فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } النساء : 140 ، ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظَّلَمَة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس إلى التهلكة هذا إذا لم يُعِنْهُم ولم يرض بأفعالهم فان أعان أو رضي فهو منهم ] .
وقال الإمام النووي في (( شرح مسلم )) (3/137) في حديث من يذادون عن الحوض : [ وقال الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر : كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض .... قال : وكذلك الظَّلَمَة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر .. ] .
وبذلك يتضح أن القول بنجاة أصحاب الكبائر وأنهم في خطر المشيئة إن شاء عذَّبهم وإن شاء عفا عنهم باطل مردود وليس مجمعاً ولا متفقاً عليه كما يزعمونه أحياناً وأن من خالف فقال بعدم نجاة أصحاب الكبائر لا يعتبر ضالاً ولا خارجاً عن أهل السنة ، ولا متنكباً عن جادة الحق والصواب .


الحواشي السفلية :ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في (( شرح الأصول الخمسة )) ص (690-691) .
(2) رواه ابن حبان في صحيحه (8/178) من حديث عبدالله بن عمرو مرفوعاً بلفظ :
(( لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر )) . وفي صحيح مسلم (105) عن حذيفة
مرفوعاً : (( لا يدخل الجنة نمام )) .
(3) هو قطعة من حديث رواه البخاري في صحيحه (5778) ومسلم (109) من حديث أبي هريرة مرفوعاً .
(4) { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } النساء : 93 .
(5) وهم الظالمون الجائرون .
(6) قال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور : 4 .
أضف رد جديد

العودة إلى ”مسائل وقضايا التوحيد والإيمان“