قضية الصفات من تأصيلات السيد حسن السقاف:

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

قضية الصفات من تأصيلات السيد حسن السقاف:

Post by عود الخيزران »

قضية الصفات من تأصيلات السيد حسن السقاف:

قال السيد المحدث حسن السقاف في كتابه" صحيح شرح العقيدة الطحاوية":
قضية الصفات
وتعريفها وبيان أنها عين الذات
وذكر الخلاف في ذلك

هناك قضية مهمة تثار في علم التوحيد وهي قضية ( الصفات ) هل هي عين الذات أم هي غير الذات ويعبر عنها بعضهم بقوله ( لا هي الذات ولا هي غير الذات ) !! ثم تعريف كل صفة من الصفات مع أن صفات الله تعالى لا يمكن فهمها ولا تعريفها بالمقاييس والمفاهيم التي ندركها !

واصل قضية الصفات قضية مستوردة أثارها الفلاسفة والمناطقة والمتكلمون القدماء قبل الإسلام حيث أرادوا أن يجدوا ويعرفوا ما تتميز به الذوات أو الأشياء مثل كون الشيء جميلاً وقادراً وموجوداً مثلاً ، فقالوا : لا بد أن نبحث ونتعمق في فهم هذا الجانب الذي يسمونه الصفة ، فمثلاً عنصر أو صفة الجمال أي جهة الجمال في الزهرة مثلاً ما هو تعريفها : قالوا إنها صفة قائمة بهذا الجسم تدل على الحسن الكثير والارتياح ، والجمال في الإنسان مثلاً إما أن يكون في نفسه أو في بدنه أو في فعله . ويمكن تعريفها بغير ذلك .

وهذا مثل ضربناه لاستيعاب مسالة الصفات ، فعلى هذا يصح أن يقال عندهم إن الجمال صفة قائمة بذات الزهرة ومعناها حسن التناسق بين أجزائها والوانها وصورتها ، فمن حيث أنها هذا التناسق والترتيب بين الأجزاء والألوان فهو أمر موجود ومرئي وثابت ، ومن حيث أنها صفة قائمة بالمحل فهو أمر ذهني ومعنى من المعاني بحيث أنه ليس شيئاً منفصلاً يعلق بتلك الذات التي هي الزهرة .

وعكسه البشاعة مثلاً أو قبح المنظر وهو تغيير ترتيب أجزاء تلك الزهرة بدهها أو سحقها وعجنها بحيث يتغير ذلك التناسق والترتيب الحسن ، ولا يعني هذا أننا أزلنا أمراً كان قائماً بها يمكن فصله عنها ووضع غيره مكانه وإنما هو نفس عين اجزاء الزهرة قد غايرنا بين ترتيبها بالدهس والسحق والطحن تحيث فقدت

ماء يتها ووبرها وسحقت أغشيتها وما إلى ذلك فصارت قبيحة بشعة .

فتلخص من ذلك أن الصفة هي بيان حال للجسم وما يتميز به من كونه

مثلاً : قادراً أو ميتاً أو حياً أو بصيراً أو غير ذلك .

فهو أمر ذهني وليس شيئاً مغايراً لعين الجسم في الحقيقة بحيث يُعد قائماً أو ملتصقاً به بحيث أنه يزال بطريق الفصل وإحلال غيره محله كما يوضع الملح في الماء

فيكيه الملوحة والسكر في الشراب فيكسبه الحلاوة .

فعلى هذا يصح أن يقال بأن الجمال أمر ثابت في الخارج بمعنى أنه مشاهد في الحقيقة بالعين وهو تناسب ترتيب الأجزاء والألوان لا أنه شيء غير ذلك ، ومن جهة أخرى يقال بأن الجمال ليس ثابتاً في الخارج ولا وجود له إلا في الذهن ( وهو ما يعبرون عنه بقولهم لا وجود له في الخارج ( إذا اعتبرناه غير أجزاء الزهرة والوانها بمعنى أنه شيء آخر يمكن فصله وإزالته وكذا إضافته وإحلاله في الجسم كالملح للطعام .

فعلى هذا نقول بأن الصفة عندنا هي : لفظ يدل على ما تتميز به الذات ،

وهو أمر ذهني ، وإن كانت الذات موجودة

فعلى هذا يقال مثلاً : إن الوجود صفة للجسم ذهناً وإن كنا لا نستطيع أن نفرز أو تفصل الجسم عما يسمونه صفة الوجود ، وكذلك القدرة ليست شيئاً مغايراً للجسم وإنما هي عبارة عن كون الجسم قادراً على إحداث أثر أو تأثير ما ، فليست هي شيئاً يمكن فصله عن الجسم وإنما يكون الجسم عاجزاً إذا لم تستطع العضلة مثلاً ان تتقلص أو تتمدد أو خلايا الدماغ أن تنتج فعلاً سواء كان هذا الفعل ذهنياً أو عضلياً بالنسبة للإنسان مثلاً .

فليست القدرة والجمال والوجود والطول أشياء يمكن فصلها أو جعلها قائمة بما يسمونه المحل الذي هو الذات كقيام الثوب على الجسم وإنما هي أمور فكرية وذهنية عالى بها المناطقة والفلاسفة والمتكلمون وتبناها أهل الحديث الذين يميلون إلى الإثبات المؤدي إلى التجسيم والتشبيه دون وعي وإدراك الحقيقة الأمر وهم يظنون بأنفسهم الكمال ولا ينظرون إلى القصور والخطأ الذي يتمتعون به ا وقد اعماهم عن إدراكه التعصب وحب التنديد بالخصوم وإفحامهم ولو بالباطل من القول ! فذهبوا يقولون بأن الله تعالى صفات قائمة بالذات !

أما المناطقة والفلاسفة والمتكلمون فجعلوها أموراً قائمة بالمحل الذي هو الذات عندهم وقد اخطاوا في قياس الخالق على المخلوق فيما عقلوه وفهموه وعرفوا به ما تتميز به الذات من أمور ! فسقطوا إذ زعموا بأن القديم من حيث الأصناف شيئان ذات واحدة وصفات كثيرة وأن الصفات قائمة بالمحل والمحل عندهم ذات الله تعالى ! تعالى الله عن تصوراتهم علواً كبيراً | فتعددت عندهم القدماء ! عشرين صفة وذات واحدة مثلاً فأصبح القدماء واحداً وعشرين ، وعقيدة الإسلام تقول بأن القديم الأول شيء واحد وهو ذات الله تعالى !

ثم زادوا في التفلسف والتمنطق فقالوا : بأن الله يرى ويسمع ذاته وجميع صفاته التي منها سمعه وبصره وعلمه و........ وهذا يفيد أنهم يتصورون بأن الصفات أعيان أو أشكال لأجزاء الجسم ، وهذا يفيد أنهم دخلوا للتشبيه والتجسيم من حيث لا يدرون ! وهم يحيون أنهم منزهون وأنهم يحسنون صنعاً ، وهؤلاء يظنون الغباء والبله في غيرهم وهو فيهم حقيقة ! وقد صار الغرور حجاباً على عقولهم مانعاً لهم من إدراك أنهم يخبطون في الجهل خبطاً ! ويقولون على الله ما لا يعلمون معتمدين على قياس الخالق بالمخلوق ! تعالى الله عن إفكهم علواً كبيراً !

وأما المجسمة من المحدثين وأهل الإثبات لا ثبتهم الله تعالى : فإنهم استرسلوا في إثبات الأعضاء وغيرها وسموها صفات لقصورهم في التفريق بين الجزء والعضو والصفة - التي هي أمر ذهني - فاثبتوا عينين ويدين وأصابع ورجلاً وقدماً وغير ذلك بلا عقل ولا فهم للغة ولا لأساليب العربية في الخطاب والكنايات وغيرها ! ولأجل مخالفة أهل البدع بزعمهم ومكايدة المتكلمين ومن ينبزونهم بالجهمية من المنزهة أثبتوا ما لا يجوز إثباته من الألفاظ على أنها صفات الله تعالى بزعمهم أي هيئة لذات الله تعالى فهو عندهم ذو وجه وعينين ويدين على الجهة اليمنى وبصورة شاب أمرد وله أصابع وكف وقدم وغير ذلك من الترهات التي يثبتونها للرب تعالى وتقدس عن خيالهم وإفكهم ومعتقدهم وتصوراتهم الفاسدة معارضين بذلك قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى ( ولم يكن له كفواً أحد ) !!

ونرد على كلا الفريقين ( المناطقة المتفلسفين ومجمة أهل الحديث ) بقوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) يونس : ٦٨ ؟!

قال أبو محمد بن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل )) (۲/ ۱۲۰) رادا على هؤلاء وهؤلاء :

وأما إطلاق لفظ الصفات الله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة ، ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله تعالى صفة أو صفات ، نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين ، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين ، ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ، ولو قلنا إن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا ، فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة ، قال تعالى ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جامهم من ربهم الهدى ) ]
وقال ابن حزم أيضاً في الفصل » (١١٠/٢) :

واجمع المسلمون على القول بما جاء به نص القرآن من أن الله تعالى سميع بصير ؛ ثم اختلفوا ؛ فقالت طائفة من أهل السنة والأشعرية وجعفر بن حرب من المعتزلة .... وجميع المجسمة نقطع أن الله . سميع بسمع بصير ببصر ، وذهبت طوائف من أهل السنة منهم الشافعي وداود بن علي وعبد العزيز بن مسلم الكناني رضي الله عنهم وغيرهم إلى أن الله تعالى سميع بصير ولا نقول بسمع ولا يبصر لأن الله

تعالى لم يقله ولكن سميع بذاته وبصير بذاته .

( قال أبو محمد ) : وبهذا نقول ، ولا يجوز إطلاق سمع ولا بصر حيث لم بات به نص لما ذكرناه آنفاً من أنه لا يجوز أن يخبر عن الله تعالى ما لم يخبر عن نفسه

واحتج من أطلق على الله تعالى السمع والبصر بأن قال لا يُعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصير إلا ببصر ، ولا يجوز أن يسمى بصيراً إلا من له بصر ولا يسمى سميعاً إلا من له سمع ، واحتجوا أيضاً في هذا وما ذهبوا إليه من أن الصفات متغايرة بأنه لا يجوز أن يقال أنه تعالى يسمع المبصرات ولا أنه يبصر المسموعات من الأصوات ، وقالوا : هذا لا يعقل .

وكل هذين الدليلين شغبي فاسد أما قولهم لا يعقل السميع إلا بسمع ولا يعقل البصير إلا ببصر فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق : أما فيما بيتنا فنعم وكذلك اصلاً لم نجد قط في شيء من العالم الذي نحن فيه سميعاً إلا يسمع ولا وجد فيه بصير إلا يبصر فإنه لم يوجد قط أيضاً فيه سميع إلا بجارحة يسمع بها ولا وجد قط فيه عالم إلا بضمير ؛ فلزمهم أن يُجروا على الله تعالى هذه الأوصاف ! وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! وهم لا يقولون هذا ولا يستجيزونه ...... ] .

والمختار عندنا من هذا كله أن الصفة لفظ في اللغة يدل على حال الذات أو ما تتميز به الذات ، فالصفة ليست شيئاً غير الكلام على الذات ، وبتعبير آخر هي في الحقيقة عين الذات ، أي الكلام على عين الذات ، وهذا لا يعارض أنها في الذهن والتصور مغايرة للذات !! هذا بالنسبة للمخلوق !

ثم ننتقل إلى الكلام عن المولى جل وعز فنقول : الأصل في هذه المسائل قول الله تعالى و ليس كمثله شيء ) وقوله تعالى ( ولم يكن له كفوا أحد ) فيجب من هذه الآيات وأمثالها اعتقاد أن الله لا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ! وهو سبحانه وتعالى فوق مستوى أن يعقله أو يدركه أو يفهمه أو يتصوره أو يتخيله الخلق يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) طه : ٠١١٠

فالصفة في حق الله تبارك وتعالى لفظ يدل - على سبيل التنزل - على ما تتميز به الذات من الكمال

فالله تعالى تنزل للخلق فذكر لهم الفاظا يدركونها في الذوات تدل على الكمال ( ككونه سميعاً بصيراً عليماً قديراً .... ( ليفهموا بأنه عظيم على منزه عن كل نقص ! فظن الحمقى أن كل لفظ ورد في القرآن والسنة فإنما هو وصف ونعت له !! فرد الله تعالى ذلك إذ قال ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) الأنعام : ١٠٠ وقال فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الأنباء : ٢٢ ، وقال ( سُبْحَانَ الله عما يصفون ) الومون : ٩١ ، وقال تعالى ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الصافات : ١٨٠ ، وقال تعالى ﴿ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يصفون ) الزخرف : ٨٢ .
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”