مسألة: في اختصاص المسلمين بلقب الإسلام :

مسائل وقضايا التوحيد والإيمان
Post Reply
عود الخيزران
Posts: 902
Joined: Sat Nov 04, 2023 1:45 pm

مسألة: في اختصاص المسلمين بلقب الإسلام :

Post by عود الخيزران »

مسألة: في اختصاص المسلمين بلقب الإسلام :


قال سماحة السيد المحدث حسن السقاف:

اعلم أنَّ لقب الإسلام خاص بهذه الملة الشريفة، ووصف المسلمين خاص بهذه الأُمة المحمدية، ولم يوصف به أحد من الأُمم السابقة سوى الأنبياء فقط، فشرفت هذه الأُمة بأنْ وصفت بالوصف الذي كان يوصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً.
هذا هو الصحيح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة الصريحة خلافاً لبعض أهل عصرنا حيث شذ، فقال: يصح أن يقال: مسلم موسوي، ومسلم عيسوي، وإليك الأدلة التي وردت في ذلك:
(الدليل الأول): قول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ}الحج: 78.
قال الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (10/17/208): حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ}الحج:78، قال: ألا ترى قول سيدنا إبراهيم {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}البقرة:128، قال: هذا قول إبراهيم {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ}الحج:78، ولم يذكر الله بالإسلام والإيمان غير هذه الأُمة.
(الدليل الثاني): قوله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}البقرة:128، دعا بذلك لنفسه ولولده وهما نَبِـيَّان، ثم دعا به لأُمته من ذريته وهي هذه الأُمة ولهذا عَقَّبَ ذلك بقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا}البقرة:129، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإجماع، فأجاب الله تعالى دعاءه بالأمرين، ببعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتسميتهم مسلمين.
(الدليل الثالث): قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}المائدة: 3، ظاهر في اختصاص أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف.
(الدليل الرابع): قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}المائدة:44، وبهذه الآية استدل العلماء على أن الإسلام كان وصف الأنبياء دون أُممهم، لأنه سبحانه وتعالى لم يقل عن أتباعهم {للذين أسلموا}المائدة:44، بل قال {لِلَّذِينَ هَادُوا}المائدة:44، فتأمل.
(الدليل الخامس): قوله تعالى: {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً}البقرة:135، وهذه الآية صريحة في أن اليهود والنصارى لم يدّعوا قط اسم الإسلام.
(الدليل السادس): قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}آل عمران:67، فهذه الآية دالة بصراحة ووضوح على أن شريعة سيدنا موسى تسمى اليهودية، وشريعة سيدنا عيسى تسمى النصرانية، وشريعة سيدنا إبراهيم تسمى الحنيفية وبها بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي صريحة في أنَّ اليهود والنصارى لم يدّعوا قط أن شريعتهم تسمى الإسلام ولا أنَّ أحداً منهم يسمى مسلماً.
(الدليل السابع): قوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا}آل عمران:20، هذه الآية دالة على أن الإسلام خاص بهذا الدين وإلا لكان أهل الكتاب يقولون إذا قيل لهم ءأسلمتم يقولون: نحن مسلمون وديننا الإسلام.
(الدليل الثامن): رواه البخاري (4) ومسلم (160) في حديث بدء الوحي من قول الراوي في حق ورقة بن نوفل: ((وكان امرءاً تَنَصَّرَ في الجاهلية))، فلو كان الدين الحق من ملة سيدنا عيسى يسمى إسلاماً وصاحبه مسلم لقال: ((وكان امرءاً أسلم في الجاهلية)).
وأما قول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ}الذاريات:35-36، فالمراد بيت سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام ولم يكن فيه مسلم إلا هو وبناته وهو نبي فصح إطلاقه عليه بالأصالة وإطلاقه على بناته إما على سبيل التغليب وإما على سبيل التبعية، إذا لا مانع من أنْ يختص أولاد الأنبياء بخصائص لا تشاركهم فيها بقية الأُمة، كخصائص آل البيت بتحريم الصدقة عليهم.
وحيثما جاءت لفظة المسلمين لغير هذه الأُمة فالمراد بها المعنى اللغوي وهو انقياد واستسلام هؤلاء القوم لنبيهم، أو أنَّ في القوم نبي فإنَّه وإن كان في جماعة كبيرة فإن وصفه يغلب لشرفه على الجميع، ومن هذا الباب قول الله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}يونس:84، وكان في القوم أخوه سيدنا هارون عليه السلام.
وكذلك قول الله تعالى حكاية عن أولاد سيدنا يعقوب عليه السلام: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ}البقرة:133، إلى قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}البقرة:133، فإنَّ فيهم سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام وهو نبي مسلم غلب وصفه عليهم، أو على سبيل التبعية كما قدمنا فإن أولاد الأنبياء تبع لآبائهم في كثير من الأوصاف أو الخصوصيات والمراد بأبنائهم مَنْ آمن بآبائهم منهم.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}المائدة:111، فإنَّ الحواريين منهم أنبياء والدليل على ذلك من نفس الآية الكريمة وهو قوله تعالى: {أوحيت للحواريين}المائدة:111، والإيحاء بالمعنى الشرعي لا يكون إلا للأنبياء.
ففي أولئك الحواريين الثلاثة المذكورين في قوله تعالى: {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}يس:13-14.
وهم كما في تفسير الحافظ ابن جرير (12/22/155) من حواري سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام.
وكذلك قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}الشورى:13، الآية ليس فيها دلالة على أن الإسلام يشمل قومه، فإن المراد من الآية الكريمة استواء الشرائع كلها في أصل التوحيد، ليس الإسلام اسماً للتوحيد فقط بل لمجموع الشريعة بفروعها وأعمالها، فالمستدل بهذه الآية إما أن يزعم أن الإسلام لا يطلق على الأعمال أو يزعم استواء الشرائع في الفروع وكلاهما خطأ من قائله. بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لسيدنا جبريل عليه السلام وقد سأله ما الإسلام؟ فقال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وتحج البيت)) رواه مسلم (8) وفي بعض الروايات ((وتغتسل من الجنابة)).
أما قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}القصص:52، فمعناه: إنَّا كنا من قبل مجيئه عازمين على الإسلام به إذا جاء، لما كنّا نجده في كتبنا من نعته ووصفه وذلك كقوله تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}الزمر:30، أي ستموت وسيموتون.
وهذا الذي ذكرناه من عدم إطلاق المسلمين إلا على هذه الأُمة وعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هو المتعين الراجح الصحيح جمعاً بين الأدلّة كما هو مقرر في علم الأصول. والله الموفق.
Post Reply

Return to “مسائل وقضايا التوحيد والإيمان”